بدلا من وزير الخارجية.. لماذا أوكل خامنئي لشمخاني مهمة التهدئة مع الخليج؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

مازالت أصداء الاتفاق بين إيران والسعودية على تطبيع العلاقات تتردد بقوة، وذلك بعد أن نجحت الصين في جمع الطرفين على اتفاقية تم توقيعها في بكين، في 10 مارس/ آذار 2023، ما فتح الباب لتحسين العلاقات مع بقية دول الخليج مثل الإمارات والبحرين والعراق.

وبعد توقيع الاتفاق، صار اسم الأدميرال علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، يسمع في المشهد السياسي في إيران أكثر من أي شخص آخر.

وذلك بعد أن تحول إلى الرجل الأول في الساحة الدبلوماسية والسياسة الخارجية الإيرانية في الأسابيع الأخيرة، بفضل رحلاته إلى بكين، ومن بكين إلى أبو ظبي، ومن أبو ظبي إلى بغداد.

وكان محور مهمة شمخاني في هذه الرحلات هو السلام وخفض التصعيد، وهي المهمة التي لم تلفت الأنظار فحسب، وإنما رأى كثير من المراقبين السياسيين أنها ستؤدي إلى تحولات كبرى في المنطقة.

وبعد المهمة الناجحة في بكين، كانت الخطوة المهمة الثانية للسياسة الخارجية الإيرانية بقيادة شمخاني في الإمارات. ويبدو أنه في رحلته إلى أبو ظبي، كان شمخاني يسعى إلى خفض التصعيد والقضاء على سوء التفاهم بين إيران والقوة الثانية في منطقة الخليج . 

لكن رحلات شمخاني الإقليمية والخاصة لم تتوقف بلقاء الزعيم القوي لهذه الدولة محمد بن زايد، وإنما امتدت لتصل إلى العاصمة العراقية بغداد أيضا.

ونشر موقع "نبأ" الإيراني تقريرًا حول دلالات تولي شمخاني مسؤولية التفاوض مع السعودية والدول الخليجية الأخرى بدلا من وزارة الخارجية، فأوضح أسباب اختياره لهذا الدور، وما ترتب على هذا الاختيار.

قائد التهدئة

واقترنت رحلات شمخاني المهمة والاتفاقات التاريخية التي تمَّ التوصل إليها، بالإضافة إلى طبيعة الاتفاقيات وأهداف الرحلات، بروايات مختلفة.

 وذلك نظرا لتولي شمخاني هذه المهمة بدلا من وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وهو ما أثار التساؤل عن سبب اتخاذ هذا القرار من جهة، وما صاحبته من روايات مختلفة من جهة أخرى.

إحدى الروايات الغريبة قدمها موقع "میدل ایست آی" البريطاني، الذي نقل عن مصادر مطلعة، أن "بيت القيادة" (خامنئي والدائرة المقربة منه) في إيران قد انتزع إدارة المفاوضات والاتفاق مع السعودية من وزارة الخارجية، وأوكل مهمة تهدئة التوتر الإقليمي إلى شمخاني.

بالإضافة إلى هذه الرواية، أثارت رواية أخرى الشكوك حول استبعاد وزارة الخارجية حسين أمير عبد اللهيان من مسألة خفض التصعيد الإقليمي، وكان مضمون هذه الرواية هو أن هناك خلافا بين وزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي. 

ولنفي مثل هذه الروايات، كتب عبد اللهيان، تغريدة للرد على هذه الشبهات، قال فيها إن زيارة الأدميرال شمخاني إلى الإمارات والعراق تتم في إطار العلاقات الأمنية القائمة، وإنها ليست ظاهرة جديدة. 

وأشار عبداللهيان إلى أن ممثل وزارة الخارجية قد رافق شمخاني في رحلاته، وأكد أن هناك تنسيقا في السياسة الخارجية، وأن كل شيء يتم في إطار النظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية. 

ووجه عبداللهيان رسالة إلى مَن وصفهم بالأعداء قال فيها: "فليعلم الأعداء أنه لا يوجد خلاف"، في محاولة منه للتقليل من شأن الروايات التي تحدثت عن غياب التنسيق في السياسة الخارجية ووجود خلاف بين وزارته ومجلس الأمن القومي، ومن ورائه المرشد الأعلى ومجموعته.

وعلى الرغم من تغريدة وزير الخارجية المهمة والتوضيحية، إلا أن السؤال ظل مطروحا، وهو: لماذا أوكلت مأمورية خفض التصعيد الإقليمي مع الدول العربية إلى علي شمخاني، بدلا من رئيس السلك الدبلوماسي؟

فالمعتاد بشكل عام هو أن وزارة الخارجية هي المسؤولة عن توقيع اتفاقيات السلام والتطبيع في حالة خفض التصعيد بين الدول والجهات الفاعلة في النظام الدولي. وبغض النظر عن النماذج المحدودة التي تخالف هذا النهج، فإن هذا هو المقبول والمألوف على نطاق واسع.

والنموذج البارز هنا هو التوقيع على خطة العمل الشاملة والمشتركة، أو الاتفاقية النووية التي وقعت عليها إيران ودول 5+1 عن طريق وزراء الخارجية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.

لماذا شمخاني

وشرح المركز سبب تكليف الأدميرال علي شمخاني بمهمة خفض التصعيد وتحسين العلاقات مع الدول العربية في الخليج، فذكر عدة نقاط مهمة:

  • شمخاني ولد في منطقة الأحواز، فهو من عرب إيران. ولا شك أن إتقان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي للغة العربية يمكن أن يترك آثارا ملموسة على المباحثات مع الدول العربية.

  • لشمخاني دور خاص وتجارب تاريخية مهمة في موضوع خفض التصعيد العربي. وأهم تجربة تاريخية في هذا المجال، دوره الخاص في مؤتمر القمة الإسلامي الثامن، في طهران، في ديسمبر/ كانون الأول 1997.

ففي ذلك الوقت، سافر ولي عهد السعودية الأمير عبد الله بن عبدالعزيز، الذي صار ملكا فيما بعد، إلى طهران لحضور اجتماع قادة الدول الإسلامية، للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979.

وتقول بعض الروايات إن شمخاني لعب دورا فعالا وغير مسبوق في التواصل والتقارب بين الوفد السعودي والجمهورية الإسلامية الإيرانية على هامش تلك القمة. بل وصل التقارب إلى درجة أن الأمير السعودي زار المنزل الشخصي لآية الله هاشمي رفسنجاني أيضا.

  • شمخاني، الذي كان وزيرا للدفاع في إيران في نهاية التسعينيات، توجه إلى الرياض بعد قمة قادة الدول الإسلامية، وتوصل إلى اتفاق للدفاع والأمن بين البلدين. ولا شك أن أصول الأدميرال العربية وقربه من ولي العهد السعودي حينها كان لها أثر في توقيع الاتفاق الأمني.

وبعد ذكر أسباب تكليف شمخاني بمهمة التوصل إلى اتفاق لعودة العلاقات مع السعودية، وهو حدث كبير على مستوى العلاقات الخارجية الإيرانية، يرى المركز أنه يمكن تقييم اختيار الأدميرال للمشروع المهم لتهدئة التوتر بين طهران والدول العربية بأنه اختيار ذكي، وترك أثرا إيجابيا على المفاوضات. 

وأكد أن هذا الاختيار لم يكن إجباريا فحسب، وإنما كان خطوة مهمة في اتجاه تقصير مسار المفاوضات وتحقيق اتفاق أسهل مع العواصم الخليجية. 

نتائج مبشرة

يمكن لاتفاقيات علي شمخاني الكبيرة مع الدول العربية أن تعود بفوائد مهمة على إيران في المرحلة الحالية، وذكر المركز الإيراني بعضها في النقاط التالية:

  • يمكن أن يكون خفض التصعيد الإيراني مع القوى الإقليمية أرضية مهمة لفتح القضية الأكبر في السياسة الخارجية لإيران، وهي إيجاد حل لتعليق مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. 

  • إظهار طهران على أنها جهة فاعلة وموثوقة من أجل السلام ومستعدة للحوار بعد توقيع الاتفاق مع السعودية، وربما تهدئة التوترات مع الإمارات والبحرين في المستقبل القريب. وهو ما سوف يؤكد استعداد إيران للعودة إلى المفاوضات النووية.

  • يمكن أن يكون سلام إيران مع الدول العربية، بالإضافة إلى نفوذها السياسي خارج المنطقة، أساسًا لتسهيل العلاقات النقدية والمصرفية مع دول الإقليم. ويبدو أن الإيرانيين يعرفون أهمية هذه العلاقات، ولهذا أرسلوا محمد رضا فرزين، محافظ البنك المركزي، إلى أبوظبي برفقة شمخاني. 

  • تتمتع الاتفاقيات المالية والمصرفية بين إيران والرياض وأبو ظبي بأهمية خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم في إيران، ويمكن أن يكون لها أثر عميق على تحسين الوضع الاقتصادي في المستقبل.

  • سوف يزيل حل التحديات الأمنية في المنطقة جزءا كبيرا من التكاليف المادية والميدانية عن كاهل إيران. ففي حالة تقليل التحديات الأمنية إلى الحد الأدنى، لن يحتاج الفاعلون إلى إنفاق أموال كبيرة لمحاربة بعضهم البعض.

  • يمكن أن يكون استئناف العلاقات بين إيران ودول عربية مهمة وغنية أرضية مناسبة للاستثمار في إيران، وهو ما أشار إليه وزير الاقتصاد السعودي، الذي أقر بوضوح بإمكانية قيام السعودية بالاستثمار في إيران.