استدارة مفاجئة.. لماذا غيرت السعودية موقفها من التطبيع مع بشار الأسد؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من خشية الشارع السوري المعارض، من ركوب السعودية موجة التطبيع الجديدة مع نظام بشار الأسد، فإن التسريبات السابقة حول إمكانية عودة العلاقات بينهما باتت واقعا مؤكدا.

وأكد مصدر في وزارة الخارجية السعودية، في 23 مارس/آذار 2023 بدء مباحثات لإعادة العلاقات مع النظام السوري.

وقال المصدر لقناة الإخبارية السعودية الرسمية: "في إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فالبحث جار مع المسؤولين في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية".

محادثات معمقة

وسبق إعلان الرياض نقل وكالة "رويترز" البريطانية عن ثلاثة مصادر تأكيدها أن النظام السوري والسعودية اتفقا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ أواخر عام 2011.

وانقطت علاقات السعودية والدول العربية مع نظام دمشق، على خلفية اندلاع الثورة السورية في مارس 2011 وقمعها من قبل أجهزة مخابرات الأسد بالحديد والنار.

وبين مصدر إقليمي موال لدمشق، بحسب الوكالة، أن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخما بعد "اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران".

وجاءت محاولات الرياض لتحسين العلاقة مع نظام الأسد، عقب إعلان السعودية وإيران في 10 مارس 2023، استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين بعد سبع سنوات من القطيعة.

وأكد الطرفان "على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001".

كما تأتي المحاولات في ظل تأكيد تقارير صحفية على وجود "مبادرة عربية" للحل في سوريا، تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية.

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لاسيما وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لجانب قوات الأسد عام 2012 لوأد الثورة.

ولفت مصدر إقليمي ثان متحالف مع دمشق لوكالة "رويترز"، إلى أن الحكومتين "تستعدان لإعادة فتح السفارتين بعد عيد الفطر"، الذي يحل عقب منتصف أبريل/نيسان 2023.

وجاء القرار نتيجة محادثات في السعودية مع اللواء حسام لوقا، الذي يرأس لجنة مخابرات النظام السوري، حيث "مكث أياما" في الرياض، وجرى التوصل الى اتفاق لإعادة فتح السفارات "قريبا جدا".

كما شملت المحادثات مع "لوقا" الأمن على الحدود السورية مع الأردن وتهريب حبوب الكبتاغون المخدرة إلى الخليج من سوريا، بحسب ما نقلت "رويترز" عن أحد المصادر الإقليمية ودبلوماسي في الخليج.

وكان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، قال في تصريحات لقناة "العربية" السعودية في 11 مارس 2023، إن "الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة وإن أي مقاربة جديدة ستتطلب حوارا "لا محالة مع الحكومة في دمشق".

وأضاف بالقول: "نحن والدول العربية نعمل على الصياغات المناسبة بالتشاور مع شركائنا في المجتمع الدولي".

وسبق أن تحدث بن فرحان في 8 مارس 2023 في لقاء مع الصحفيين في لندن قائلا: "إن زيادة التواصل مع النظام السوري قد يؤدي إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة".

ومضى الوزير السعودي يقول: "إن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل النظام السوري لا يجدي وإن الحوار مع دمشق ضروري، خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك".

استدارة سعودية

اللافت أن رأس النظام السوري بشار الأسد كشف حديثا عن وجود قناة حوار جديدة مع السعودية التي لطالما هاجمها في تصريحاته واصفا إياها عام 2016 بأنها "تقوم بدور البوق".

بينما كان مندوب النظام الدائم في الأمم المتحدة سابقا بشار الجعفري لا يفوت فرصة ينتقد فيها الرياض، ووصفها بـ "النظام المتخلف حضاريا وعقلانيا".

وقال الأسد، في مقابلة أجرتها معه قناة "روسيا اليوم" في 16 مارس 2023، خلال زيارته لموسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "إن سوريا لم تعد ساحة صراع سعودي إيراني".

ولفت إلى أن "السياسة السعودية اتخذت منحى مختلفا تجاه سوريا منذ سنوات، ولم تتدخل في شؤونها الداخلية، كما أنها لم تدعم أيا من الفصائل".

وحاولت السعودية عقب توسع رقعة المظاهرات السورية، دفع بشار الأسد لاتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية إصلاحية عاجلة تشمل حتى الجيش.

إلا أن الأسد لم يستجب، لتلجأ الرياض عقب ذلك إلى قطع علاقتها السياسة معه، وسحب سفيرها في 2011، ويدخل رئيس النظام في مرحلة عزلة عربية.

وتمثلت العزلة بقرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع ثورة الشعب السوري.

لكن الضربة الأشد التي تلقاها حينها الأسد من السعودية، تمثلت بقرارها دعم فصائل المعارضة السورية بوجه آلة الأسد العسكرية.

إذ بلغت السعودية في مايو/أيار 2013، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مرتبة أكبر مزود أسلحة للمعارضة مما شكل العلامة الفارقة في مشهد الثورة.

ولكن تحول هذا الدور إلى "سلبي" وغير مفهوم عام 2016، أي عقب عام من التدخل الروسي العسكري لمنع سقوط الأسد، بحسب المراقبين.

كما جرى ربط الدعم السعودي ببرنامج "تمبر سيكامور" السري الذي ترأسته وكالة المخابرات الأميركية "سي آي أيه" بداية عام 2013.

وجرى بموجب البرنامج تجنيد وتدريب آلاف المعارضين وتوفير الذخيرة والأسلحة الخفيفة ومضادات الدبابات لهم، كما وفر لهم الرواتب الضرورية لتجنيد المقاتلين؛ لضمان بقائهم في فصائل المعارضة.

وخلال عام 2021، سربت معلومات عن وجود محاولات لتقارب السعودية مع نظام الأسد، قبل أن تنفي الرياض ذلك، كما تصلب موقف المملكة بشدة من استعادة النظام السوري لمقعده في الجامعة العربية.

لكن الاستدارة السعودية بثقلها العربي والإقليمي والدولي نحو نظام الأسد، ولّد حالة من الخشية من "دفن الحل السياسي في سوريا"، واستبداله بتغيير سلوك النظام، وهي "الرؤية الروسية" التي يرفضها الشارع ويراها تنكرا لدماء السوريين.

وأسفر قمع الثورة السورية على يد نظام الأسد عن مقتل مئات الآلاف وتهجير 13 مليون سوري من بيوتهم، وباتوا بين نازح داخليا أو لاجئ خارجيا من أصل 23 مليون نسمة.

"وحدة وطنية"

وفي هذا السياق رأى الكاتب السوري المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، "أنه لا يوجد سر في استدارة المملكة نحو الأسد، بل يأتي الأمر في ظل الإستراتيجية السعودية القائمة على التنمية بعيدا عن الجيوسياسية وتشنجاتها. وعليه كان تصريحات وزير الخارجية السعودي حول ضرورة الحوار مع دمشق".

وأضاف جلو لـ "الاستقلال" قائلا: "فيما يخص الحل السياسي بسوريا، الجميع يتحدث عن القرار الأممي 2254، إلا أن القرار المذكور لم يصبح من الماضي وفق معطيات الواقع، لاسيما فيما يخص هيئة الحكم الانتقالي".

ومضى جلو يقول: "وعليه فإن الرياض يمكن أن تنسق مع موسكو، لمزاوجة مسار الأستانا (للحل السياسي) مع مبادرة عربية، تفتح الطريق أمام إعادة دمشق للجامعة العربية، ومنها للتعويم دوليا، مقابل شروط عربية محددة، ومنها تسهيل عودة اللاجئين، وحوار سياسي بين الأسد والمعارضة قد يؤدي لحكومة وحدة وطنية".

وزاد بالقول: "بالنسبة لحاكم دمشق، والبراغماتية التي يتصف بها، يمكنه الانفتاح على العروض العربية وسواها، ودراسة فوائدها، ومن ثم قبولها أو رفضها بناء على ذلك، دون أن نغفل سياسة نظام الأسد الأب والابن، القائمة على الانفتاح والقبول بأي مبادرة، ثم تفريغها من مضمونها وجوهرها".

إضافة "للتلويح الدائم من قبل حاكم دمشق بالورقة الإيرانية واستثمارها لتحقيق مكاسب أكبر من الدول العربية"، وفق جلو.

وحول ما إذا كان التقارب السعودي الإيراني لعب دورا بارزا في تشبيك الحبال من جديد بين الرياض ونظام الأسد، قال: "برأيي لا دور لإيران في التقارب، لكن قد تعمل على تسهيل الأمر".

وألمح جلو، إلى أن "التقارب مع الأسد تسعى الرياض لأن يكون بتنسيق روسي، لاسيما في ظل العلاقة المستقرة بين السعودية وروسيا، لكون موسكو صاحبة المقام الأعلى من بين الدول المتدخلة في سوريا".

أما عن حل إيران لمليشياتها بسوريا، فقد "استبعد ذلك"، مبينا أن "الإستراتيجية الإيرانية الساعية للوصول للدولة الإقليمية المهيمنة لم تتغير".

وفيما يخص دمج مليشياتها بجيش الأسد، فطهران تتمنى ذلك، إلا أنها فشلت سابقا، كحال قوات الدفاع الوطني، ولا يوجد ما يؤشر لإمكانية نجاحها حاليا بذلك، وفق تقديره.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ذكرت في تقرير لها بتاريخ 23 مارس/آذار 2023، أن روسيا لعبت دور الوساطة في اتفاق عودة العلاقات بين السعودية والنظام السوري.

وذكرت، نقلا عن مصادر مطلعة على المناقشات، أن روسيا توسطت في الاتفاق المبدئي حين زار رئيس النظام بشار الأسد موسكو في مارس 2023، تبعها زيارة "مسؤولين بارزين" في النظام السوري إلى السعودية.

وأضافت الصحيفة في تقريرها أن الاتفاق، في حال التوافق عليه، "سيشكل خطوة مهمة في إعادة دمج النظام ورئيسه بشار الأسد بمحيطه"، وسيكون ملف تعويم النظام وإعادة إعمار سوريا على جدول أعمال القمة العربية المقبلة المقررة في السعودية.

وأشار المصدر إلى أن "المفاوضين يهدفون إلى إبرام اتفاق قبل زيارة محتملة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق بعد عطلة عيد الفطر في أواخر نيسان. لكنهم حذروا في الوقت نفسه من احتمالية انهيار المحادثات"، وفق الصحيفة.

خطوة الشروط

وفي هذا الإطار، رأى الباحث الرئيسي في مركز جسور للدراسات، فراس فحام، أن تفسير الموقف السعودي الجديد تجاه النظام السوري، يعود لأسباب عدة.

منها "مساعي السعودية للتهدئة الكاملة مع إيران وأذرعها في اليمن بما يتيح لها التركيز على التنمية الاقتصادية وسلاسة نقل الحكم إلى ولي العهد، وتجنب دفع المزيد من ضريبة التصعيد، ولكن إيران فيما يبدو طرحت الملف السوري على الطاولة كجزء من التفاهم الشامل"، وفق قوله.

وأضاف فحام على صفحته في فيسبوك قائلا: "إن الموقف السعودي هو للاستجابة لخطة روسية الرامية لتعويم النظام السوري، بعد وساطة روسيا لدى إيران والحوثيين للجلوس على طاولة المفاوضات".

وبين هنا أن المفاوضات بين السعودية وإيران لم تكن بوساطة الصين فقط، بل كان لروسيا دور خفي.

ولفت فحام كذلك، إلى أن الموقف السعودي جاء بعد "تنامي الشعور لدى الدول التي دعمت المعارضة السورية بأن الموقف الأميركي سيستمر بالتراجع في منطقة الشرق الأوسط، في ظل التركيز على الصراع في أكرانيا والتهديد القادم من الصين".

وبالتالي تسعى دول المنطقة للبحث عن حلول للتهديدات التي تعاني منها عبر خفض الصراعات إلى أدنى مستوى، كما قال.

بدوره رأى بسام العمادي سفير دمشق السابق في السويد والذي انشق عقب الثورة، أن "فتح القنصليات قد يكون أيضا خطوة حسن نية مع المبادرة العربية التي كثر الحديث بشأنها لتبين استعداد الدول العربية القبول بعودة سوريا إلى الصف العربي إذا نفذ رئيس العصابة الشروط التي تضمنتها المبادرة ومنها الابتعاد عن إيران أو تحجيمها في البلاد".

ومن تلك الشروط أيضا، وفق ما توقع العمادي في منشور على صفحته في فيسبوك، إيقاف "تهريب المخدرات لدول الجوار والخليج والعودة إلى المسار السياسي بناء على القرار الأممي المعروف".

وتعليقا على الأنباء التي تحدثت عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والنظام السوري، نقلت قناة "الحرة" عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله إن واشنطن "لن تطبع مع نظام الأسد، ولن تشجع الآخرين على التطبيع معه، في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254".

والقرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، هو الممهد للحل بسوريا، إلا أنه ما يزال دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وذلك نتيجة مماطلة نظام الأسد في تحقيق أي تقدم في هذه السلال كما يؤكد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية.