العام الأكثر قسوة.. هكذا يعيش السوريون في مناطق الأسد خلال رمضان

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

"ما في مصاري.. الله يجيرنا من الأعظم"، بهذه الجملة لخص سبعيني سوري يعيش في العاصمة السورية دمشق في تسجيل مصور نشر قبل أسبوع من دخول شهر رمضان 2023، سوء الحالة المعيشية للأهالي في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد.

إذ يحل شهر رمضان على السوريين في ظل انهيار تاريخي لليرة، ووصولها لـ 7400 ليرة مقابل الدولار الواحد، ما يعني حرمان العوائل من القدرة الشرائية واضطرار الأسر لتخفيض حصصها الغذائية للربع للبقاء على قيد الحياة.

"الجوع كافر"

في جولة بأسواق دمشق قابلت فيها إذاعة "فيوز إف إم" المواطنين في 15 مارس/آذار 2023، قال الرجل السبعيني للصحفي الذي سأله عن الأسعار: "من وين بدي جيب حق كيلو لحم الفروج (الدجاج).. صبري على نفسي ولا صبر الناس علي".

وعلى الرغم من انعدام القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق نظام الأسد؛ نتيجة انهيار العملة وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار، وعدم تساوي الدخل الشهري مع الاحتياجات المعيشية، فإن رمضان 2023 يصادف عجزا غير مسبوق للأسر السورية في تأمين لقمة العيش.

ويقابل ذلك، غياب شبه تام لحكومة الأسد في إيجاد حلول تتوافق مع احتياجات الأهالي المعيشية للشهر الفضيل.

وطالب عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، "محمد الحلاق"، المستهلكين بعدم تحميل مسؤولية ارتفاع الأسعار بشكل دائم على التجار والوكلاء.

وزعم الحلاق في تصريحات نقلتها إذاعة "شام إف إم" المحلية، في 15 مارس 2023، أن "هناك العديد من العوامل التي تسهم في رفع الأسعار كارتفاع سعر الصرف حاليا إضافة لقلة توفر البضائع".

بدوره قال رئيس جمعية حماية المستهلك "عبدالعزيز المعقالي"، في حديثه لصحيفة "الوطن" الموالية، في 19 مارس، إن الأسعار في رمضان سترتفع بنسبة 15 بالمئة بعد ارتفاعها نحو 30 بالمئة للمنتجات المحلية.

وأضاف المعقالي: "مَثَل -الجوع كافر- أصبح ينطبق على واقع عشرات الأسر ويدفع بعض أفراد المجتمع نحو مسالك غير صحية تؤثر في النسيج الاجتماعي".

ومضى يقول: "إن بعض الأسر باتت تشتري البطاطا بالحبة"، داعيا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لـ"طرح سلة غذائية تناسب حاجات المستهلك وإمكاناته في ظل فوضى الأسعار الحالية"، كما طالب "بإيجاد تنافسية في ظل عدم قدرة الوزارة على ضبط الحالة السعرية".

واعترف "المعقالي" خلال حديثه، بأن "البروتينات لم تعد موجودة على مائدة المستهلك، بعد وصول الكيلوغرام من اللحوم الحمراء إلى 90 ألف ليرة (12 دولارا).

كما ارتفع سعر الفروج إلى أكثر من 25 ألف، وحتى أن البيض لم يعد ضمن قدرة المستهلك الشرائية، وفق قوله.

أسعار ملتهبة

وارتفعت الأسعار في مناطق النظام السوري عام 2022 لأكثر من 150 بالمئة، وبات الأهالي يعترفون عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي.

ويأتي هذا أيضا على الرغم من إرسال الأسر لأطفالهم للعمل بدلا من الدراسة من أجل تأمين احتياجاتهم الضرورية.

ويبلغ راتب الموظف في مناطق نظام الأسد 25 دولارا شهريا، وقد بلغت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022، أكثر من 130 بالمئة، واحتلت مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخما، حيث جاءت بعد فنزويلا والسودان ولبنان، بحسب موقع "تريندينغ إيكونوميك" الاقتصادي.

وأمام ذلك، فإن ارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخل، يعني أن ملايين العائلات تكافح لتغطية نفقاتها في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث يعيش حوالي 90 بالمئة من السكان في فقر.

ويقتصر الدعم الحكومي في مناطق النظام السوري لبعض السلع والخدمات على ربطتي خبز يوميا بالمتوسط، إضافة إلى السكر والأرز، وجرة غاز للعائلة تمنح كل شهرين (تكفي لـ 20 يوما)، و50 لتر مازوت سنويا، ونحو 70 لتر بنزين شهريا.

يذكر أن ربطة الخبز المدعومة والتي يجرى شراؤها عبر البطاقة الذكية التي تمنحها الحكومة للعوائل يبلغ سعرها 200 ليرة، بينما تباع في السوق بـ 3 آلاف ليرة.

كما أن سعر البصل في مناطق نظام الأسد سجل منذ نهاية يناير/كانون الثاني 2023 ارتفاعا قياسيا في الأسواق، بوصول سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى نحو 6000 ليرة سورية، بحيث باتت أسعاره تنافس معظم أصناف الفواكه، خصوصا بعدما اقترب سعره من سعر الموز.

ويرجع ذلك، لنقص الكهرباء وشح المحروقات وعدم توفر المياه وارتفاع مستلزمات الإنتاج على المزارع، والتي أثرت على تخزين كميات من مادة البصل خلال موسم 2022، فضلا عن أن الإنتاج الكبير للبصل يقع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

وتعتمد حكومة الأسد منذ سنوات نظام التقنين الكهربائي في مختلف مناطق سيطرتها، بما في ذلك قلب العاصمة دمشق التي باتت تعيش بدون طاقة لأكثر من 20 ساعة في اليوم.

ولهذا ناشد مواطنون الحكومة بالتعهد بتشغيل الكهرباء خلال فترتي السحور والإفطار بشهر رمضان 2023. إلا أن مدير كهرباء "دمشق" لؤي ملحم، خيب آمال المناشدين خلال اجتماعه مع مجلس المحافظة بتاريخ 14 مارس 2023.

وقال ملحم: "إن تأمين الكهرباء خلال فترتي السحور والإفطار، لكل المواطنين خلال شهر رمضان أمر صعب".

وللدلالة على حجم الارتفاع الحاد في الأسعار التي لم تعد جيوب المواطنين السوريين قادرة على مجاراتها، وبدأ السوريون يجرون مقارنات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الأسعار خلال العامين الماضيين وعام 2023.

فعلى سبيل المثال كان سعر كيلو لحم العجل البلدي في فبراير/شباط 2021، يبلغ 5500 ليرة وكرتونة البيض بـ 1600 ليرة، بينما في الشهر ذاته لعام 2023 بلغ سعر كيلو لحم العجل 65 ألف ليرة وكرتونة البيض 19 ألف ليرة.

أما أسعار الحلويات فقد ارتفعت في أسواق دمشق بنسبة وصلت إلى أكثر من 100 بالمئة خلال أقل من عام، بالتزامن مع دخول شهر رمضان.

وقال رئيس الجمعية الحرفية للحلويات والبوظة والمرطبات في دمشق بسام قلعجي لإذاعة ميلودي إف إم المقربة من النظام، في 16 مارس: "إن "الطلب على الحلويات متدن بصورة كبيرة، إذ إن الكيلو الذي كان يباع بـ 85 ألف ليرة (11 دولار) في 2022، يباع اليوم بـ 210 آلاف ليرة (28 دولار)".

تعنت سياسي

وأمام الضغط الاقتصادي الذي يعاني منه نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليه منذ عام 2011، لإجباره على الانخراط الفعلي في الحل السياسي، أصبح النظام مكبلا وعاجزا عن تحقيق أي انتعاش جديد.

ويرفض الغرب دعم أي بداية لإعادة الإعمار في سوريا، طالما لم تنفذ أي إصلاحات سياسية، في وقت استنزف نظام الأسد كل مقدرات البلد لقمع الثورة التي تفجرت ضده في 18 مارس 2011.

كما باتت 90 بالمئة من حقول النفط والغاز خارج سيطرة نظام الأسد، وتقع بيد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، حيث تنشر الأخيرة جنودها لحماية تلك الحقول في شمال شرقي البلاد.

ومن جهة ثانية تحول العقوبات الاقتصادية على دمشق، دون وصول بواخر النفط بشكل منتظم إلى سوريا، مما يخلق ارتفاعا حادا بالأسعار ويسبب شللا للقدرة الإنتاجية بالمصانع.

في المقابل، فإن روسيا حليفة الأسد لا تملك الوسائل لتمويل قطاعات كاملة من الاقتصاد السوري المدمر، وهذا ينطبق على الحليفة الأولى للنظام إيران.

وأمام حالة اليأس التي يعيشها السوريون من كل النواحي، يدرك الأسد أن التعافي الاقتصادي الملموس والذي يبحث عنه بمساعدة بعض الدول مثل الإمارات لن يتأتى من دون موافقته على تسوية سياسية بموجب قرارات القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015.

والقرار المذكور هو الممهد للحل بسوريا، إلا أنه مايزال دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، وذلك نتيجة مماطلة نظام الأسد في تحقيق أي تقدم في هذه السلال كما يؤكد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إحاطاته الصحفية.

العام الأكثر قسوة

وفي ظل هذا "المشهد القاتم"، بات السوريون في مناطق الأسد يتناقلون المثل القائل: "الذي يستدين الخبز ارحموه.. والذي يستدين اللحم ارجموه"، للدلالة على هجران موائدهم لكثير من المواد الغذائية وجعلها من "المنسيات"، والالتزام فقط بالضروريات.

وفي هذا الإطار، قال عبادة الصالح صاحب محل تجاري لبيع المواد الغذائية بالعاصمة دمشق لـ "الاستقلال": "إن العادات الشرائية تغيرت لدى الأهالي فقد ألغيت ثقافة شراء الكيلو الواحد كاملا، وأصبحت عادة الأوقية (تعادل 200 غرام) هي السائدة في كثير من البيوع".

وأضاف الصالح قائلا: "لم يعد هناك استطاعة شرائية لدى الأهالي، وهذا واضح من عمليات شراء المواد الأرخص وبكميات قليلة تكاد تكون يومية لبعض المواد تبعا للدخل اليومي".

ومضى يقول: "2023 هو العام الأكثر قسوة الذي يمر على السوريين فلم يعد العامل الذي يقبض 15 ألف ليرة (2 دولار) كأجر يومي، يمكنه شراء أي شيء في السوق".

ونوه الصالح، إلى أن "غالبية المواطنين باتوا يصارعون لقمة عيشهم بشكل يومي، ويعملون بدوامين في اليوم الواحد، ولم يعودوا قادرين حتى على شراء الملابس لأطفالهم، وهذا كله دون أي اهتمام حكومي أو تقديم حلول ملموسة لتحسين الواقع المعيشي".

وبين الصالح، "أن العائلة المؤلفة من أربعة أفراد وتعيش في منزل تملكه في دمشق بحاجة لمبلغ مليوني ليرة سورية (270 دولار) لتستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية في الشهر الواحد".

ويعتمد معظم السوريون على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال أخرى، فضلا عن استغناء العائلات عن أساسيات كثيرة في حياتها لتخفض من معدل الإنفاق الشهري.

وبالمحصلة، فإن الاقتصاد السوري يسير على طريق الانهيار منذ سنة 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية في الجارة لبنان والتي خلقت أزمة سيولة دفعت رأس النظام السوري بشار الأسد للاعتراف بوجود نحو 60 مليار دولار محتجزة في المصارف اللبنانية لرجال أعمال مقربين منه.

ومع دخول عام 2023؛ خرج الانهيار الاقتصادي السوري بسرعة عن نطاق سيطرة النظام، الذي يقف على قدميه بالاعتماد على 70 بالمئة من المساعدات الخارجية، وكذلك من تجارة المخدرات وتصنيعها وتهريبها للخارج.

وتتخطى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية في سوريا، أكثر من عشرة مليارات دولار، وفق تقديرات وكالة الأنباء الفرنسية. ويستخدم نظام الأسد تلك الأموال لتمويل جرائمه وانتهاكاته ضد السوريين، وتأمين احتياجاته اللازمة لبقائه.