التنين الصيني حضر.. كيف عصف تطبيع السعودية وإيران بمخططات إسرائيل وأميركا؟

إسماعيل يوسف | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في 10 مارس/ آذار 2023، أعلنت السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين بعد سبع سنوات من القطيعة، إثر محادثات عُقدت في العاصمة الصينية بكين.

وجاء في بيان ثلاثي صادر عن الصين وإيران والسعودية تأكيد طهران والرياض "على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001".

وقبل هذه الوساطة الصينية المفاجئة، استضاف العراق منذ إبريل/نيسان 2021، 5 جولات من المباحثات المباشرة على مستوى منخفض التمثيل بين إيران والسعودية، كان آخرها في إبريل/ نيسان 2022، كما لعبت سلطنة عمان دورا في هذا السياق.

وجاء اتفاق التطبيع أخيرا ليكون بمثابة صفعة مدوية لكل من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي جو بايدن، حيث كانا يعولان على تطبيع سعودي إسرائيلي لحصار وعزل إيران.

فنتنياهو كان يعول على اتفاقات إبراهام التطبيعة مع الخليج، ويتطلع للسعودية كجائزة كبرى، كي يحاصر إيران، فجاء الاتفاق لينسف إستراتيجيته الهادفة إلى بناء تحالف إقليمي يوفر شرعية لتنفيذ ضربة لقدرات طهران النووية.

وبايدن كان يستكمل أكبر عملية حصار حول إيران ويمهد الطريق لضربة عسكرية إسرائيلية ضد قدراتها النووية، عبر ارسال فريق سياسي متمثل في وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وأبتعه آخر عسكريا برئاسة وزير الدفاع لويد أوستن، لتنسيق التحركات مع الدول العربية لتحقيق ذلك.

زلزال سياسي

ويري مراقبون أن التحرك السعودي باتجاه التطبيع مع إيران أخيرا بعد مفاوضاتها الطويلة مع إسرائيل وأميركا، يعول على أمرين:

الأول: مصالح السعودية في السعي لبرنامج نووي ترفضه أميركا وإسرائيل، حيث تدرك المملكة أن قمع البرنامج الإيراني الذي يعني حرية أي دولة في استخدام الطاقة النووية السلمية، سوف ينعكس على تقييد برنامجها أيضا، فضلا عن ضمان ألا يكون برنامج إيران يضر المملكة.

والثاني: مناكفاتها لإدارة بايدن بعدما توعدتها بالنبذ، بسبب دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعدم امتثال الرياض لمطالب واشنطن تخفيض إنتاج النفط ودعمها الحصار الغربي لروسيا بسبب حرب أوكرانيا. 

ومن الواضح أن اتفاق التطبيع هو نتاج "مصالح متبادلة"، فالمملكة ترغب في إنهاء حرب اليمن التي أنهكتها، وتدرك أن طهران هي التي تدعم الحوثيين الشيعة، لذا لجأت إلى الطرف الذي يحرك "عرائس" اليمن مباشرة.

وبالمقابل، يمثل الاتفاق مصلحة إيرانية لأنه ينسف ويقوض آمال إسرائيل في تشكيل تحالف أمني إقليمي عربي ضد إيران، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 10 مارس.

ويقول محللون إن الجانبين سيستفيدان من خفض التصعيد، حيث تسعى إيران لتقويض الجهود الأميركية لعزلها في المنطقة، بحسب وكالة "رويترز" في 11 مارس.

كما تحاول السعودية إبعاد خطر ضربات وكلاء إيران على مطاراتها ومصافي نفطها، والتركيز على خطط التنمية ورؤية 2030.

وعلى المستوى الإقليمي، يتوقع أن يكون للاتفاق تأثير إيجابي على الصراع في اليمن، والتمهيد لخروج القوات السعودية من هناك، خاصة أن المملكة بدأت تطرح فكرة الانسحاب الشامل مقابل إنهاء الحرب.

وأشار لهذا بوضوح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي وهو يفسر سبب الاتفاق ضمنا، بالترحيب "بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوتر في منطقة الشرق الأوسط".

وفيما يبدو تخفيفا من أثر الصدمة، قال كيربي للصحفيين: "السعوديون أبقونا بالفعل على اطلاع بشأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها، تماما مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة".

رسالة لأميركا

يبدو أن لجوء السعودية للتطبيع مع إيران يتعلق مباشرة بسعيها لتطوير برنامجها النووي السلمي الذي تعترض عليه إسرائيل وأميركا.

فقبل توقيع اتفاق التطبيع، ادعت إسرائيل أن السعودية اشترطت مقابل التطبيع، الموافقة على حصول المملكة على مفاعل ذري للأغراض المدنية.

ففي 9 مارس قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن ولي العهد السعودي يسعى للحصول على برنامج نووي مدني، وضمانات أمنية من الرئيس بايدن، على غرار الضمانات الدفاعية بين دول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، كثمن باهظ لاتفاق التطبيع مع إسرائيل.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن شروط المملكة للتطبيع مع إسرائيل، تضمنت إلى جانب ذلك طلبا ثالثا هو قيود أقل على صفقات الأسلحة التي تشتريها من الولايات المتحدة. 

وأوضحت أن المسؤولين الأميركيين يخشون منذ مدة محاولات السعودية بناء مشروع نووي للأغراض المدنية، ويخافون من أن يكون خطوة أولى للحصول على الأسلحة النووية، كنوع من الضمانة ضد جارتهم الإيرانية ومشروعها النووي.

وأشارت الصحيفة لتعهدات بايدن في حملته الانتخابية المتعلقة بمقتل الصحفي خاشقجي، ورفض السعودية الاستجابة لمطالب بايدن بزيادة معدلات النفط، حتى لا يستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ارتفاع أسعاره لدعم جهوده الحربية. 

أيضا ذكرت مصادر مطلعة، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن المملكة تتطلع إلى الحصول من أميركا على ضمانات أمنية ومساعدتها في برنامجها النووي المدني كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واتخاذ قرار حاسم يمكن أن يعيد تشكيل الوضع السياسي في الشرق الأوسط.

من جانبه، قال العقيد الإسرائيلي أودي إيفينتال، كبير باحثين في معهد السياسات والإستراتيجية بمركز هرتسليا (IDC) عبر تويتر في تعليقه على الاتفاق أنه يمثل رسالة سعودية للولايات المتحدة.

قال: "هذا إصبع سعودي آخر في عين الولايات المتحدة بعد أزمة أوبك + بينهما في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 عندما ضغطت السعودية بالتنسيق مع روسيا لخفض إنتاج المنظمة بمقدار مليوني برميل يوميا، وعد التطبيع السعودي مع إيران ردا على رفض واشنطن مطالب الرياض بخصوص ضمانات أمنية.

لكن الجديد في الموقف السعودي أن "المملكة لم تسع للحصول على تنازلات كبيرة بشأن القضية الفلسطينية كجزء من المحادثات"، وفق "وول ستريت جورنال".

وهو ما أكده وفدان مؤيدان لإسرائيل من المؤسسات الفكرية الأميركية عقب عودتهم من رحلات إلى الرياض أواخر 2022، حيث أكدوا أن "السعوديين لا يرون القضية الفلسطينية ذات أهمية قصوى"!

فشل نتنياهو

يعتقد خبراء أن الاتفاق السعودي الإيراني سيكون له تداعيات داخلية في إسرائيل في صورة تصاعد الصراع وزيادة الضغوط على نتنياهو.

كما سيكون له تداعيات على إفشال أو تأخير خطط الضربة العسكرية الإسرائيلية التي يجري الحديث عنها لمفاعلات إيران.

وقالت نيويورك تايمز في 9 مارس إن "نتنياهو كان يسعى للتطبيع مع السعودية للوفاء بطموح طالما سعى إليه، وتعزيز إرثه السياسي من خلال زيادة أمن إسرائيل ضد العدو اللدود، وهو إيران، لكن هذا لم يتحقق".

وعادت الصحيفة الأميركية في 10 مارس لتقول إن المصالحة بين السعودية وإيران "مفاجأة مقلقة لإسرائيل، وصدمة لنتنياهو، لأن إسرائيل طالما كانت تأمل في عزل إيران والتطبيع مع السعودية".

وأوضحت أن "ذوبان الجليد بين الرياض وطهران أدى إلى تعقيد هذا الهدف والاتفاق ضار سياسيًا بنتنياهو".

من جانبه، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، عبر تويتر، إن: "الاتفاق بين السعودية وإيران هو فشل كامل وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية". 

ووصفه بأنه "انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران. وهذا ما يحدث عندما تكون مشغولا طوال اليوم بمشروع قانون مجنون بدلا من الاهتمام بإيران".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن خطر هذا التقارب السعودي الإيراني على إسرائيل يتلخص في "مضاعفة شعور تل أبيب بالخطر القومي الناجم عن الانقسامات الداخلية العميقة حول سياسات حكومة نتنياهو".

وكتب عن هذا الخطر اللواء الإسرائيلي عاموس جلعاد في معهد السياسات والغستراتيجيات (IPS) يوم 11 مارس 2023 بالقول إن "الأزمة الداخلية تهدد القوة الإستراتيجية لإسرائيل".

وأشار جلعاد إلى تراجع في قدرة إسرائيل على التعامل مع هذه التهديدات الإيرانية والفلسطينية بسبب سياسات نتنياهو التي خلقت صراعا داخليا.

خطر آخر تخشاه إسرائيل، هو أن يؤدي الاتفاق الإيراني مع المملكة لتفكيك تحالفات إسرائيل العربية ضد إيران، ومن ثم توسيع نفوذ إيران في المنطقة خاصة لبنان وسوريا واليمن والشرق الأوسط عموما.. 

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني صالح النعامي إن "إسرائيل تخشى أن يحسن الاتفاق الإيراني السعودي من فرص التوصل لتفاهمات أخرى بين الجانبين، لاسيما فيما يتعلق باليمن، بشكل يحسن من قدرة إيران على توسيع نفوذها في المنطقة".

وأوضح النعامي عبر تويتر، أنها "تخشى أن يشكل الاتفاق انهيار المعسكر العربي الذي راهنت على التحالف معه في مواجهة تحديات أخرى وليس فقط إيران".

نهاية حرب اليمن

عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران ستؤثر بلا شك على مسار الحرب التي تدور في اليمن منذ 8 سنوات بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، والحوثيين المدعومين من إيران.

إذ ترغب المملكة في إنهاء الحرب التي طالت مدنها وحتى مصافي النفط وتريد ضمانات من إيران.

الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، قالت لوكالة "رويترز" في 11 مارس، إن الرياض كانت تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الإيرانيين، وهو ما توفر من خلال إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية لعام 2001 ضمن اتفاق التطبيع.

المحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، أكد بدوره لموقع "الحرة" الأميركي في 11 مارس أن "أهم هذه الملفات التي سيطالها التقارب السعودي الإيراني هو الملف اليمني".

فيما قال العقيد الإسرائيلي أودي إيفينتال إن الاتفاق سيعطي دفعة لإنهاء الحرب في اليمن وييسر محادثات السعودية مع الحوثيين بشأن تجديد وقف إطلاق النار.

ولأن الطرفين الخارجيين اللذين يديران حرب اليمن اتفقا على تطبيع العلاقات فقد كان من الطبيعي أن يرحب وكلاؤهما في المنطقة بالاتفاق.

حيث رحبت الحكومة اليمنية الموالية للسعودية، وحكومة الحوثيين الموالية لإيران، كما رحب حزب الله اللبناني المدعوم من إيران بالاتفاق.

من جانبه، وصف وزير الخارجية المصري السابق، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الاتفاق بأنه "خطوة إستراتيجية تشير إلى فكر إستراتيجي متقدم وقدرة على الالتفاف السريع بما تقتضيه مصلحة دول المنطقة".

وتوقع موسى في تدوينة عبر فيسبوك، بأن تظهر آثار الاتفاق في أكثر من بقعة مرتبطة مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن والمغرب العربي، وأن تدخل المنطقة مرحلة مختلفة من التنسيق والتفاهم.

 

صراع صيني أميركي

وسلط اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الذي تم برعاية صينية، المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط.

وأصبح يُنظر إلى الاتفاق على أنه انتصار دبلوماسي كبير لبكين، لأن "دول الخليج ترى أن الولايات المتحدة تقلص وجودها في الشرق الأوسط، وسعت الصين لملء الفراغ الأميركي"، وفق وكالة "أسوشيتد برس" في 11 مارس.

لذا كان أول رد فعل أميركي على دور الصين في التطبيع السعودي الإيراني هو إشارة كيربي إلى أن لبكين "أهدافا خفية" من وساطتها بين البلدين تتمثل في سعيها للتمدد على حساب واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

لكن الخارجية الصينية نفت ذلك وأكدت أن "ليس لديها نية ولن تسعى لملء أي فراغ أو إقامة تكتلات" في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، بحسب أسوشيتدبرس.

ووصف محللون الصفقة بأنها دليل على أن السعودية فقدت الثقة في الولايات المتحدة كمدافع عن أمنها وتقترب من الصين بينما تسعى لتخفيف تنافسها الطويل مع إيران كإستراتيجية تحوط.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 12 مارس إن "قلق ابن سلمان من فقدان الدعم الأميركي جعله يتحوط من رهاناته الأمنية، فبدأ بالتودد إلى الصين، وتعزيز العلاقات مع روسيا، والآن يسعى إلى إعادة العلاقة مع إيران".

وقالت وكالة "رويترز" 11 مارس، إن الاتفاق سيجعل المسؤولين في واشنطن قلقين للغاية بسبب دور الصين في منطقة نفوذ أميركية تقليدية.

ونقلت الوكالة عن "جيفري فيلتمان"، المسؤول الأميركي السابق والباحث بمعهد بروكينجز، إن دور الصين في الصفقة "صفعة" لإدارة بايدن ودليل على أن الصين هي القوة الصاعدة".

وقال جون ألترمان، من مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية، إن "الرسالة التي ترسلها الصين هي أنه في حين أن الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الراجحة في الخليج، فإن الصين لها وجود دبلوماسي قوي ويمكن القول إنه صاعد"

لكن الباحث في مركز مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، "ستيفن كوك" رأي في مقال نشره بصحيفة "نيويورك تايمز"، أن مناورة ابن سلمان بالتوجه إلى الصين "شبيهة بمناورة قام بها الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر خلال الحرب الباردة، عندما حاول التلاعب بأميركا والاتحاد السوفيتي، ولم ينجح، لذلك قد تنقلب النتائج ضد ابن سلمان".