اقتراب ساعة الصفر في إدلب.. ما خيارات تركيا أمام "النصرة"؟

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشكل "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقا) المسيطرة على إدلب السورية، التحدي الأكبر أمام تركيا، حيث توصلت لاتفاق مع روسيا في تشرين أول/أكتوبر 2018، على عدم اقتحام المدينة التي يسكنها أكثر من ثلاثة ملايين.

ووفقا للاتفاق التركي الروسي، فإن أنقرة تعدّ المسؤولة عن ضمان انفصال المعارضة المعتدلة التي تؤيدها عن فصائل "هيئة تحرير الشام" في أراضي إدلب، المعقل الأخير للمسلحين.

وجددت كل من روسيا وإيران، في قمة "سوتشي" للأطراف الضامنة في سوريا المقرر التي عقدت الخميس الماضي، مطالبتها أنقرة بتفعيل جهودها قي تنفيذ الاتفاقات الروسية التركية بشأن إنهاء سيطرة"جبهة النصرة" على إدلب.

"معركة إدلب"

ومع اقتراب ساعة الصفر لبدء معركة المحتملة في إدلب، ففقد قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية إن لدى موسكو معلومات تدل على "جبهة النصرة" تحضر لشن هجوم كبير في المدينة في سعي لبسط سيطرتها على منطقة خفض التوتر هناك.

وذكرت ماريا زاخاروفا، أن المعلومات تشير إلى دعوة "النصرة" لحلفاءها المزعومين، أوآخر الشهر الماضي، للتعاون في التحضير لشن عملية عسكرية كبيرة محتملة. ومن البديهي أن هدفهم بسط السيطرة على منطقة خفض التوتر في إدلب بأسرها.

يأتي ذلك، بعد إعلان وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو، في كانون الثاني/يناير الماضي، أن بلاده وروسيا قد تنفذان عملية عسكرية مشتركة ضد "جبهة النصرة" في محافظة إدلب السورية حال تطلبت الضرورة ذلك.

وقال تشاووش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "NTV" التركية، ردا على سؤال حول هذا الموضوع: "نتحدث عما يمكننا فعله ضد التنظيمات الإرهابية، وخاصة في إدلب، مع كل الأطراف وليس فقط روسيا. وهذا الأمر قد يتم عند الضرورة".

وأشاد تشاووش أغلو بتعاون بلاده وروسيا في مجال مكافحة الإرهاب، مؤدا أن كلا البلدين راضيان عن تطبيق الاتفاق حول إدلب الذي أبرم في "سوتشي" على الرغم من أن هذه العملية شهدت بعض التأجيلات.

وحول أسباب تأخر انتشار النقاط الأمنية الروسية التركية في إدلب طبقا للاتفاق، قال وزير الخارجية التركي إنه "ليس من السهل إنجاز كل ذلك مع وجود التشكيلات المتطرفة".

"ماذا تنتظر أنقرة؟"

وعلى الصعيد ذاته، يرى الخبير الأمني الروسي يوري ليامين في مقال بصحيفة "أوراسيا ديلي" الروسية، أن "هيئة تحرير الشام" قد تكون قادرة على فرض سيطرتها الكاملة على إدلب. على الأقل، يبدو منافسوهم الآن محبطين بسبب التقدم السريع لقوات الهيئة وعدم استعداد تركيا لدعمهم ضدها.

وبحسب قوله، فإن "أنقرة لا يبدو أنها تريد التورط في الصراع في إدلب، لأن قضية تركيا المركزية هي المسألة الكردية، على خلفية عدم اليقين بشأن الوضع في منبج وشرق الفرات".

ويعتقد ليامين أنه "إلى حد ما، قد يكون نجاح هيئة تحرير الشام مفيدا للأتراك. بما أن بعض المقاتلين من الفصائل المهزومة، الذين لا يرغبون في الانضمام إلى الهيئة، مضطرون الآن إلى اللجوء للأتراك في عفرين، ما يعني المزيد من (لحم المدافع) للهجوم على الأكراد. فالمقاتلون بعد خسارتهم كل شيء في إدلب، سيعتمدون بشكل كامل على الأتراك".

في هذه الأثناء، وجدت تركيا، المسؤولة عن الوضع في منطقة إدلب لخفض التصعيد، نفسها عند مفترق طرق: "الالتزام بالاتفاقيات مع روسيا وتطهير المحافظة من الراديكاليين الذين لم يعد من الممكن تجاهل نفوذهم في إدلب، أو إيصال الوضع إلى الحد الذي يجبر الجيش الحكومي السوري على إحلال النظام في المنطق"، وفقا لرأي الخبير الروسي.

وخلص ليامين في مقاله بالقول إنه "من الواضح تماما أن الجماعات الموالية لتركيا أثبتت مرة أخرى أنها غير قادرة على تنفيذ خطط أنقرة بشكل مستقل، على الرغم من عدد أفرادها الكبير والامدادات الكافية بالأسلحة".

من جهته، رأى المعارض السوري ورئيس "اتحاد الديمقراطيين السوريين"، ميشيل كيلو، أن انشغال تركيا وتحضيراتها لمعركة شرق الفرات، سمح لـ"هيئة تحرير الشام" بالتقدم في إدلب وحماة وحلب، على حساب فصائل الجيش السوري الحر.

لكن كيلو، استبعد أن يكون لتركيا مصلحة بما يحدث، مؤكدا استحالة تعامل تركيا مستقبلا مع تنظيم مؤلف من 15 ألف مسلح يعلنون صراحة انتسابهم لتنظيم "القاعدة".

ولفت المعارض السوري في تصريحات نقلتها صحيفة "العربي الجديد" إلى أن "موضوع الحسم في إدلب مؤجل لما بعد الانتهاء من تأسيس اللجنة الدستورية، التي ستحدد الهوية السياسية لسورية المستقبل".

وأعرب عن اعتقاده بأن تركيا "تخشى وقوع خسائر بشرية في صفوف مقاتليها في حال شنّت حربا على (الهيئة)، وقد تطلب من الدول الضامنة لاتفاق (أستانة) مشاركتها المعركة لاحقا".

"الحلول التركية"

من جهته، يقول الباحث في مركز "سيتا" التركي للدراسات جان أجون، إن "أنقرة لديها موقف صارم نحو منع قوات النظام السوري من مهاجمة منطقة تضم نحو أربعة ملايين مدني؛ ما سيتسبّب في خلق أزمات كبرى لهم، كما أن تجنيب المنطقة أي حرب مهم جدا لتقديم الحل الإنساني والسياسي".

وأكد أجون، في حديثه لموقع "الجزيرة نت" امتعاض بعض مؤسسات الدولة التركية من تصرفات "هيئة تحرير الشام"، التي تضر السياسة الخارجية التي تتبعها تركيا لحماية إدلب من تبعات انتشار "الهيئة"، وإعطاء ذريعة لخصوم أنقرة.

ولفت إلى أنه حتى اللحظة لم يتم القضاء على "البنى الإرهابية والمتطرفة في الشمال الغربي السوري كما أريد لها"، لكن تركيا تسعى لترتيب أوراق المنطقة، عبر حلول سياسية كخيار أول يجنّب المنطقة العمل العسكري الذي دخل الروس طرفا في التلويح به.

وفي حال لم ينجح هذا الخيار، فإن البديل هو إنشاء فيلق عسكري ملحق بإدارة إدلب، وأن تحل "هيئة تحرير الشام" نفسها، وتستبعد قياداتها، وتتجه نحو الاعتدال، وتشارك في إزالة أسباب تصنيفها إرهابية، بحسب قول الباحث التركي.

وشدد أجون على أنه "في حال أصرّ النظام السوري على شن هجوم على إدلب، فالفيلق العسكري المدعوم من الجيش التركي سيتصدى له، وسيمنع وقوعها تحت سيطرته".

واستبعد الباحث أجون "سماح روسيا للنظام السوري بتنفيذ عملية عسكرية شاملة في إدلب، حيث إنها تعد آخر معاقل المعارضة المسلحة التي تضم نحو مئة ألف من المعارضين المسلحين المدربين في المنطقة، وبالتالي سيؤدي هذا إلى حرب شرسة ومرهقة، ستحدث بسببها أزمة إنسانية تؤثر سلبا على روسيا في الساحة الدولية".

"استفزازات الأسد"

وعلى صعيد استهداف نظام الأسد لإدلب رغم اتفاق خفض التصعيد، قال القائد العسكري في فصيل "جيش العزة" المعارض العقيد مصطفى بكور، إن "حملة القصف التي تتعرض لها مناطق المعارضة بمثابة تأكيد على أن تركيا لم تقدم تنازلات في لقاء القمة الأخير في سوتشي، وبالتالي فإن تصعيد المليشيات الذي سبق القمة بأيام قليلة، والذي استؤنف مباشرة بعد انتهائها وبشكل عنيف، هو تعبير عن الغضب الروسي والإيراني من النتائج غير المرضية".

وأضاف بكور في تصريح لصحيفة "المدن" السورية المعارضة أن "هناك أهدافا يمكن تحقيقها من القصف، كمنع المنطقة من الاستقرار، وإجبار السكان على النزوح مرة أخرى، وإحراج تركيا التي تنشر نقاط مراقبة في المناطق المستهدفة، كذلك وضع المعارضة المسلحة في موقف محرج أمام الأهالي".

ولفت القائد العسكري المعارض إلى أن القصف يهدف كذلك، إلى "قطع الطريق على المعارضة التي تسعى للتوصل اتفاق حول إدارة عامة لمناطق سيطرتها.، وأنه ليس في يد مليشيات النظام سوى التصعيد، فقرار المعركة ليس بيدها، إذ أن المنطقة تخضع لتفاهمات دولية أوسع من نطاق التفاهمات الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا".

"كابوس النزوح"

وتحرص تركيا على منع تركرار "كابوس النزوح"، فقد لا تكون أضراره عليها وحدها وحسب، بل إنها ربما تجتماح القارة العجوز مجددا، لأن إدلب يقطنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص.

وتقول تركيا إنها لا تستطيع أن تستقبل المزيد من اللاجئين، حيث يؤكد مسؤولو الإغاثة والأمن فيها أنه في حال نشب صراع في إدلب، فسيسعون لتوفير المأوى للنازحين داخل سوريا بدلا من استضافتهم على الأراضي التركية.

ونقلت "رويترز" عن مسؤول أمني قوله "لن يتم قبول لاجئين في تركيا لأن التجارب السابقة أظهرت أنه مع مثل هذه الموجات من المهاجرين، تزيد إمكانية دخول المتطرفين والإرهابيين إلى تركيا".

وأضاف: "سنبقي اللاجئين في سوريا من أجل سلامة تركيا والدول الأوروبية".

وكان مبعوث الأمم المتحدة السابق لسوريا ستافان دي ميستورا، قال إن "هناك ما يقدر بنحو 10 آلاف مقاتل في إدلب صنفتهم الأمم المتحدة إرهابيين".

وهناك أيضا عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة من فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا، إضافة إلى ملايين المدنيين، وكثير منهم نازحون بالفعل من أجزاء أخرى من سوريا.

وقالت تركيا في وقت سابق، إن "المتشددين المسلحين الذين يسيطرون على عدة بلدات رئيسية في إدلب يجب أن يُستهدفوا على وجه التحديد لتفادي العواقب الإنسانية للحرب العشوائية."

ويلجأ آلاف السوريين بالفعل إلى مخيمات قريبة من حدود إدلب، ويعتمدون على قربهم من تركيا لحمايتهم من الضربات الجوية السورية أو الروسية.

وتعليقا على ذلك، قال إبراهيم كالن، المتحدث باسم أردوغان في تصريح سابق، إن "تدفق اللاجئين عبر الحدود التركية سيكون له تداعيات دولية".

وتوصلت أنقرة إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي منذ عامين لوقف تدفق المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط ​​إلى أوروبا، بعد أن تسبب التدفق في حدوث أزمة سياسية داخل التكتل.

وقال كالن في تصريحاته السابق إن "المجتمع الدولي يحتاج أيضا لتحمل المسؤولية... أي موجة هجرة أخرى إلى تركيا في وقت نستضيف فيه بالفعل ملايين اللاجئين ستسبب مضاعفات أخرى"، مؤكدا: "سينتشر ذلك من هنا إلى أوروبا وبلدان أخرى".

الكلمات المفتاحية