اتحاد الشغل في تونس.. كيف تحول من مُبادر لحل الأزمة إلى أحد أكبر مُعقديها؟

زياد المزغني | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في أكثر من مناسبة، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في البلاد، أنه يعكف على إعداد "مبادرة الإنقاذ في تونس" لحلّ الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة، ما يثير تساؤلات عن تأخره في الكشف عنها في ظل ما تعانيه البلاد من أزمات.

وأفصح الاتحاد عن نيته تقديم مبادرة للإنقاذ مباشرة إثر الإعلان عن نسب المشاركة في الدور الأول للانتخابات التشريعية نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، والتي لم تتجاوز 9 بالمئة من عدد الناخبين التونسيين، ما كشف عن مدى عدم ثقة الشعب في المسار الانقلابي للرئيس قيس سعيد.

ويتراوح الاتحاد بين التصعيد والمهادنة مع سعيّد، ففي وقت يوجه فيه جملة من الانتقادات لسياسة حكومته وخياراتها الاقتصادية، يتماهى معه في اعتبار إجراءاته يوم 25 يوليو/ تموز 2021 تصحيحا للثورة وأنه لا مجال لتشريك الأحزاب السياسية في أي حوار وطني.

وأمام كلّ ذلك، أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أنه "سيتقدم بمبادرة لإنقاذ البلاد من الانهيار مع مكونات المجتمع المدني بعيدا عن التجاذبات السياسية".

والتحقت عدد من المنظمات الوطنية التونسية بالمشاورات التي أعلن الاتحاد عنها بشأن المبادرة الوطنية لإنهاء الأزمة السياسية، مثل الهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة).

إلاّ أنه وبعد مرور شهر تقريبا لم يتم الإفصاح عن المبادرة أو خطوطها العريضة، في المقابل تعددت التصريحات والانتقادات بشأنها.

انطلاقة صعبة

وفي أحدث تصريحاته عن المبادرة، دعا الطبوبي، في 27 يناير/ كانون الثاني 2023، إلى "التوجه نحو خيارات وطنية لمواجهة ما تعيشه البلاد من انهيار في عدة قطاعات".

وقال الطبوبي خلال الاجتماع التنسيقي الذّي عقده الاتحاد مع شركائه في المبادرة، إن "علينا اليوم التوجه نحو خيارات وطنية أمام ما تعيشه البلاد من انهيار لعدة قطاعات كالصحة والتعليم (..) السيادة الوطنية ليست مجرد شعارات"، دون مزيد من التفاصيل حول هذه الخيارات.

من جانبه رأى عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو أن "التجارب الفاشلة أنهكت تونس"، ودعا إلى أن "تكون للمبادرة منهجية وخارطة طريق واضحة حتى تنجح"، مضيفاً "المسؤولية تاريخية أمامنا".

وقبلها أشار الطبوبي في تصريح لموقع "الشعب نيوز" المحلي نهاية ديسمبر، إلى أن المبادرة لا تزال في طور الأفكار، ويرى أنه " لو كانت هناك رجاحة عقل سياسي وحنكة لدى أصحاب القرار، لكان الرئيس التونسي التقط رسالة الشعب من خلال نسب العزوف، وسارع في إطلاق حوار وطني من أجل رسم بدائل، لما سمّاه المنظومة المخفقة".

بينما عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو دعا في تصريح للموقع ذاته أن "المتسببين "في تردي المشهد السياسي قبل 25 يوليو 2021 إلى مراجعة مواقفهم باعتبارهم مساهمين في الأزمة الحالية.

وأكد أنه لم يتم الاتفاق حول مشاركة الأحزاب من عدمها في هذه المبادرة التي هي عبارة عن وثيقة تساهم في إعدادها الشخصيات الوطنية والخبراء وغيرهم .     

كما صرح مساعد الأمين العام لاتحاد الشغل حفيظ حفيظ على هامش لقاء نقابي بمدينة صفاقس يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2022 بأن منظمته كانت من بين المساندين لحراك 25 يوليو، وأنها لن تتحاور مع من يرى أن "قرارات قيس سعيد يومها انقلاب".

موقف متأرجح

في الجهة المقابلة، لا يظهر قيس سعيّد أي تفاعل مع مواقف الاتحاد والمنظمات الوطنية وتصريحات قياداتها، ومنها دعوتها لإلغاء الدور الثاني للانتخابات بعد فشل الدور الأول والذي لم يشارك فيه سوى 9 بالمئة من الناخبين التونسيين.

حيث انتقد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2022، تمسك سعيّد بالمرور إلى الدور الثاني من الانتخابات التشريعية في تونس رغم النسبة المتدنية للمشاركة في الدور الأول، معتبرًا أن ذلك بمثابة "مزيد الارتطام وخسارة الأموال"، حسب رأيه.

ويصرّ الرئيس التونسي لاستكمال بقية محطات خارطة طريقه التي بدأها بتعطيل العمل بالدستور وحلّ البرلمان قبل حلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب والتي أعلن عنها يوم 14 ديسمبر 2021.

كما أن الحكومة اكتفت منذ فترة بعقد لقاءات مع المسؤولين النقابيين فقط في إطار مفاوضات حول ملفات محدّدة، دون أخذ رأي الاتحاد في عدد من الملفات الهامة مثل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو إعداد موازنة الدولة للعام 2023.

وفي نهاية ديسمبر، أثارت رئيس الحكومة نجلاء بودن غضب الاتحاد بعقدها لقاء تشاوريا مع الأمين العام لاتحاد عمال تونس إسماعيل السحباني وهي إحدى المنظمات النقابية المنشقة عن الاتحاد والتي تنافسه في عدد من القطاعات.

وأيّد الاتحاد العام التونسي للشغل انقلاب 25 يوليو 2021 منذ ساعاته الأولى، حيث اعتبره استجابة لمطالب شعبية وحلا للأزمة الاقتصادية والسياسية التي مرّت بها البلاد خلال تلك الفترة. 

إلاّ أنه حذّر من تركيز السلطات بيد رئيس الجمهورية ومن انتهاك الحقوق والحريات، داعيا إلى التمسّك بالشرعية الدستورية وتحديد سقف زمني للتدابير الاستثنائية.

وأصدرت المنظمة النقابية عددا من البيانات انتقدت فيها الخطوات التي أقدم عليها قيس سعيّد، محذرة من الانفراد بالسلطة إلاّ أنها حافظت على سياسة المراوحة بين النقد والمساندة.

ففي 31 مارس/آذار 2022، رحّب الاتحاد بقرار قيس سعيّد حلّ مجلس نواب الشعب إثر جلسة افتراضية عقدها البرلمان، داعيا في بيان إلى "توفير كافة الضمانات لإنهاء الوضع الاستثنائي الذي طال أكثر من اللازم".

والتطور اللافت في مواقف الاتحاد هو القرار الذي جاء في 23 مايو/ أيار 2022 برفضه المشاركة في اللجنة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، وفي الحوار الوطني الذي دعا إليه سعيّد تمهيدًا لإجراء الاستفتاء على الدستور يوم 25 يوليو 2022.

مشهد ضبابي

وتعليقا على هذا المشهد الضبابي، قال القيادي في مبادرة مواطنون ضد الانقلاب الأمين البوعزيزي، إنه "يجب التذكير بأن الاتحاد طوال تاريخه لم يدخل مع السلطة في معركة كسر عظام".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الاتحاد كان في مراحل طويلة منذ تأسيسه حليفا للنظام، كما أن الجميع يعلم أن الاتحاد يضم قواعد نقابية مناضلة ملتحمة بالشارع وهمومه وقيادة بيروقراطية تناور سياسيا".

وتابع أن "السؤال المطروح اليوم للمعارضة هو كيف لقوى سياسية مقاومة للانقلاب أن تنتظر مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والحال أن قياداته تقول أن المبادرة ستقدّم للرئيس وفي سقف 25 يوليو وتحت سقف دستور قيس سعيّد وانتخاباته وبرلمانه الجديد".

لذا أكد البوعزيزي أن "هذه المبادرة تمدّ اليد لقيس سعيّد ولا ترى أن ما حصل انقلاب ولا تسأل عن القضية الديمقراطية في تونس".

في المقابل، رأى القيادي التونسي أن جزءا من المعارضة يرى أن قدر الاتحاد سيفرض على قياداته الالتحاق بالمعارضة في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي وفشل الحكومة وخياراتها اللاشعبية برفع الدعم والتقليص في كتلة الأجور وغيرها" .

وتساءل: "هل يستطيع الاتحاد اليوم أن يكون رافعة لإنقاذ سلطة الانقلاب في تونس؟، ليجيب: أستبعد ذلك جدّا لأن الأزمة اليوم في البلاد ليست سياسية فقط وليست صراعا عاديا بين أطراف سياسية في السلطة والمعارضة.

وتابع مستدركا: "ولكنها أزمة سياسية معقّدة نتيجة انقلاب وفشل ذريع في إدارة الدولة أوصل البلاد إلى عجز مالي ونسب تضخم تجاوزت 10 بالمئة وفقدان لمواد أساسية ضرورية ووصول مؤسسات الدولة لحافة الإفلاس".

ويبقى الوضع السياسي في تونس مفتوحا على سيناريوهات عديدة في ظل مشهد ضبابي ومرتبطا بتوازن القوى بين السلطة الجديدة والمعارضة.

حيث يقف قيس سعيّد في اختبار جديد لشعبيته من خلال نسب المشاركة في الدور الثاني للانتخابات التشريعية التي قد تكون عاملا أساسيا في تحديد مواقف طيف واسع من المنظمات الوطنية من المسار برمته.
كما يعدّل الفاعلون الاقتصاديون في تونس وشركائها في الخارج ساعاتهم على الموعد المنتظر لتوقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، الذي في حال تأخره ستدخل البلاد في أزمة اقتصادية كارثية قد تصل إلى درجة عجز تونس عن سداد ديونها والتزاماتها المالية.