بلجيكا تمضي في معاقبة المهاجرين على عدم إجادتهم الفلمنكية.. ما القصة؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في خطوة عدت استهدافا للأقليات المسلمة والأجنبية في بلجيكا، أعلن وزير التعليم والتكوين "بان ويتس"، عن خطة لتوسيع تعلم اللغة الفلمنكية (الهولندية)، تتضمن معاقبة أولياء الأمور الذين لا يبذلون جهدا من أجل ذلك.

وينتمي ويتس إلى "الحزب الليبرالي اليميني"، المعروف بالتشديد على الأجانب، وهو ما ظهر عبر عدد من برامجهم وتصريحاتهم، لكن بشكل أقل حدة مقارنة مع "حزب المصلحة الفلمنكية"، اليميني المتطرف، الذي يصرح برفض المسلمين والأجانب.

والفلمنك المجموعة العرقية الأكبر في مملكة بلجيكا الحديثة، إذ تمثل 60 بالمئة من السكان، وتتحدث الفلمنكيَّة (الهولندية)، بينما البقية من مجموعة "الوالون" الناطقة بالفرنسية. 

مقترح "وقح"

ويتضمن مقترح وزير التعليم سحب المستحقات المالية التي تتلقاها الأسر شهريا على أبنائها.

وتعرف المساعدات المالية الحكومية بأنها إعانة اجتماعية تخصصها الدولة لكل والد أو ولي أمر يوجد طفل أو أطفال تحت رعايته الأسرية.

وقد تجاوزت مخصصات إعانات الأطفال لعام 2023 خمسة مليارات يورو على مستوى منطقة الفلاندر.

وحددت الإعانة بـ 170 يورو شهريا لكل طفل مولود بعد 1 يناير/كانون الثاني 2019، بينما يخضع الأطفال المولودون قبل هذا التاريخ لنظام الإعانات القديم.

أتت خطة بان ويتس عقب صدور نتائج بحث أجري على 400 مدرسة أولية، وأفضى إلى أن 14 بالمئة من الأطفال في الصف الثالث قبل دخول المرحلة الابتدائية حصلوا على درجات غير كافية في اللغة الهولندية.

وإضافة إلى الاختلافات الإقليمية الكبيرة في تعلم اللغة بالبلاد، أشار البحث إلى حاجة الأطفال لإرشاد ودعم قوي ومكثف في هذا المجال.

ووفق ما ذكر موقع "demorgen"، في 17 يناير 2023، فإن الأطفال الذين يتحدثون لغة منزلية مختلفة سجلوا درجات تعلم أقل للغة الهولندية، مما يعني أنهم بحاجة إلى دعم لغوي إضافي.

وذكر المصدر ذاته، أن وزير التعليم يرى أن الإجراءات الإضافية ضرورية بشكل خاص في المناطق التي يحسب فيها التلاميذ على المتوسط ​​الفلمنكي.

أي تلك التي بها حوالي 25 بالمئة من الأطفال ما قبل الذهاب إلى المدرسة يفهم اللغة الهولندية بشكل محدود.

وشدد الوزير على أن هذا الأمر يفرض "إشراك الآباء بشكل أكثر صرامة لتعريف أطفالهم باللغة الهولندية بعد المدرسة أيضا".

فيما قال موقع "VRT NWS"، في 17 يناير 2023، نقلا عن مدرسين، إن تفكير الوزير في معاقبة آباء الأطفال الصغار الذين لا يتحدثون اللغة الهولندية شيء سيئ، واصفا الأمر بـ "الحماقة" وبأن فيه "قصر نظر".

وأوضح الموقع أن حرمان آباء الأطفال المتأخرين في تعلم اللغة من المال ومعاقبتهم بهذه الطريقة لا يساعد التلاميذ، بل ستكون لها نتائج عكسية، داعيا إلى المزيد من التعليم وتوفير دعم لغوي إضافي لهم. 

تفاعل محلي

في قراءته لردود الفعل التي خلفتها الخطة، قال التجاني بولعوالي، الباحث والمحاضر في كلية اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة لوفان ببلجيكا، إن الوزير لقي انتقادات شديدة بسبب اقتراحه الأخير، سواء من داخل التحالف الحكومي الذي ينتمي إليه أم من طرف المتابعين السياسيين ووسائل الإعلام والرأي العام الوطني.

وتابع بولعوالي في تصريح لـ "الاستقلال": فيما يتعلق بالحزبين المسيحي والليبرالي الديمقراطي المشاركين في الحكومة الحالية فقد رفضا هذا المقترح الغريب.

ورأى وزير الشباب بنيامين دال أن هذا الاقتراح ليس في مصلحة الطفل، وأن العقوبات المالية ستقلل من فرص الأطفال في المدرسة.

واسترسل: "على المنوال نفسه، لم توافق وزيرة الشؤون الاجتماعية هيلده كريفيتس، التي ترى أن معاقبة أولياء الأمور ليست فكرة جيدة، لأنها ستعمق الضعف الدراسي والتأخر اللغوي".

وبينت أنه "لم تخصص هذه الإعانات العائلية في الأصل إلا لمنح الأسر والأطفال المزيد من الفرص".

وأضاف المتحدث ذاته أن فكرة الوزير لقيت دعما من الحزب اليميني المتطرف "المصلحة الفلمنكية"، غير أن عموم المتابعين يرون أن ما صدر عنه بمثابة مناورة لتحريف المشاكل الحقيقية التي تواجه وزارته.

ونبه بولعوالي إلى أن هذه الخطة لا تخلو من عنصرية مبطنة، لأن الأطفال الذين يعانون من التأخر اللغوي في المدرسة البلجيكية والفلمنكية هم بالدرجة الأولى أبناء الشرائح المجتمعية الأجنبية والمسلمة.

وشدد على أن الوزير يعي المسألة أيما وعي، ويدرك بعمق أسبابها الثقافية والتربوية والاقتصادية، ورغم ذلك طرح هذه المبادرة الغريبة التي تتسق مع رؤية وإستراتيجية الحزب الليبرالي الذي يمثله بخصوص الفئات المسلمة والأجنبية، في الوقت الذي كان عليه أن يعتمد مقاربة تربوية واقعية.

وقال بولعوالي إن التعاطي الواقعي المطلوب، نلمسه في التعامل مع أطفال اللاجئين الأوكرانيين في بلجيكا، مشددا أنه "يجرى إدماجهم تعليميا وقانونيا اجتماعيا واقتصاديا بدون شروط، وذلك من أول يوم يضعون فيه قدمهم على التراب البلجيكي".

وأشار الأستاذ الباحث إلى أن التقارير الرسمية البلجيكية تؤكد أن الذي يتعرض للتمييز في المدرسة، هم الأطفال المنحدرون من أسر مسلمة، مما يعني وفق المتحدث ذاته، أنهم أولى بالاهتمام والدعم، لكن العنصرية تفعل فعلها لدى عدد من السياسيين بأوروبا، يقول بولعوالي.

وذكر أن 61 في المئة من المدرسين في بلجيكا رصدوا حالات عنصرية داخل الفصول الدراسية بحق الأطفال المسلمين عام 2022، والتي عادة ما تتمثل في الإهانات والإساءات اللفظية، وأحيانا تتجاوز ذلك في التعليم الثانوي إلى أعمال عنف وتخريب.

مناورة مكشوفة

أكد الموقع الإخباري "nieuwsblad"، في 17 يناير 2023، أن ما قدمه الوزير بخصوص تعليم اللغة الهولندية "مجرد مناورة لتشتيت الانتباه عن مشاكله الخاصة".

وهنا أشارت مواقع إخبارية في بلجيكا إلى أن وزير التعليم ما يزال يواجه تبعات اللغط الذي خلفه بعد حضوره مخمورا لمناقشة ميزانية التعليم، 14 ديسمبر/كانون الأول 2022.

ورغم نفي بان ويتس، هناك العديد من أعضاء البرلمان الذين يشتبهون في حضور وزير التعليم إلى البرلمان البلجيكي وهو في حالة سُكر. وقالوا إن ويتس ترك انطباعا مشوشا، وانتقد المعارضة بشدة أكثر من المعتاد.

بدوره، يقول التجاني بولعوالي لـ "الاستقلال"، إن خطة الوزير تأتي أمام تفاوت الفرص اللغوية والمعرفية والمادية في المجتمع الفلمنكي من شريحة اجتماعية إلى أخرى.

وشدد على أنه "لا يمكن التعاطي مع مختلف الإشكالات التعليمية بالمعايير التقييمية نفسها، وهذا ينطبق إلى حد كبير على مشكلة التأخر اللغوي".

وبين أن الطفل الفلمنكي الأصل، تعد اللغة الفلمنكية/ الهولندية لغته الأم التي يتعلمها منذ الولادة.

وتظل هي لغته المستعملة في التخاطب اليومي ومتابعة الإعلام والدراسة والشارع ومختلف الأنشطة الثقافية والرياضية الموازية.

واسترسل، أما الطفل من أصل أجنبي، فيتلقى لغة أم مختلفة قد تكون التركية أو الأمازيغية أو إحدى العاميات العربية أو الإفريقية.

وتأتي اللغة الفلمنكية في المرتبة الثانية أو الثالثة أحيانا إذا كان الوالدان من أصلين مختلفين. ورأى بولعوالي أن مما يزيد الطين بلة، هو إشكالية الامتزاج اللغوي الهجين وغير المعقلن.

إذ إن فئة مهمة من الأطفال والشباب من أصول أجنبية ومسلمة يأخذون من كل لسان بطرف دون أن يتقنوا لسانا معينا بشكل جيد وسليم.

وتابع: "هذا ناهيك عن التفاوت العميق في الفرص المادية والاجتماعية والمعرفية، إذ تساعد الرواتب العالية والتقاليد الاجتماعية الأسر الفلمنكية الأصلية على تهيئة مختلف الظروف المواتية للطفل (سكن، ملبس، رفاهية)، بينما لا تُوفر هذه الظروف لأطفال الأجانب الذين يعيشون في ضيق وعدم استقرار".