الوساطة التركية لحل الخلافات بين المغرب والجزائر.. ما فرص نجاحها؟

عالي عبداتي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

ترغب تركيا برأب الصدع بين الجزائر والمغرب والتوسط لحل الخلافات المتصاعدة وتقريب وجهات نظر الدولتين الجارتين، بعد وصول العلاقات إلى مستوى تدهور غير مسبوق.

هذا الخلاف يعود في أحد أسبابه الرئيسة من وجهة نظر المغرب، إلى الدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري الذي توفره الجزائر لجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعروفة اختصارا بـ"البوليساريو"، التي تطالب بالانفصال عن الرباط، وإعلان دولة صحراوية مستقلة في الصحراء.

في المقابل، ترى الجزائر أن احتضانها لجبهة البوليساريو على أراضيها بمخيمات تندوف، جنوبي البلاد، ينطلق من إيمانها بالمبدأ الأممي القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

وطبع المغرب علاقاته مع إسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، مما كان له الأثر البالغ في تدهور العلاقات، خاصة بعد امتداد تعاونه مع دولة الاحتلال إلى الجانب العسكري والأمني.

وكانت الجزائر قد دعت الملك محمد السادس لحضور القمة العربية التي عقدت فيها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، غير أنه لم يحضر، واكتفى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بتمثيل بلاده في القمة، مما يؤشر لاستمرار أزمة العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.

يد تركيا

الدعوة التركية عبر عنها سفير أنقرة لدى المغرب، عمر فاروق دوغان، خلال مقابلة مع موقع "ماروك إبدو الدولية" بالفرنسية، في 15 نوفمبر 2022.

وقال دوغان: "نؤيد التنمية العادلة في المنطقة، ونحن مستعدون للمساعدة في عملية التقارب بين المغرب والجزائر".

وتابع "نريد أن تتمكن الجزائر والمغرب من الجلوس والاتفاق والتوصل إلى حل وسط، ولهذا السبب فإنني أعلق أهمية كبيرة على سياسة اليد الممدودة التي كررها الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة من أجل إيجاد حل لنزاع الصحراء"، مضيفا "ننتظر أن تستجيب الدولة المجاورة، (الجزائر) لنداءات العاهل المغربي".

وأقر السفير التركي أن طرح الوساطة ليس بالأمر السهل، معتقدا أنه يجب التحلي بالجرأة واتخاذ الخطوة الأولى.

وأضاف: "إذا لم نتخذ الخطوة الأولى للحوار، فلن نتوصل أبدا إلى حل عادل، ونحن مع حل المشكلة في أسرع وقت ممكن".

وأشار إلى وجود طرف ثالث معرقل، في إشارة منه إلى فرنسا، في إشارة إلى النفوذ الذي ما تزال تمارسه على الدولتين.

وقال في هذا السياق "ما علينا سوى إلقاء نظرة على خارطة العالم بأسره ومشاكل الحدود بين البلدان كما هو الحال في إفريقيا، لمعرفة الكيانات التي تستفيد من هذا الوضع".

وسبق لصحيفة "الاستقلال" أن تحدثت في تقرير لها عن الأطراف المستفيدة من استمرار النزاع حول الصحراء.

خلص التقرير إلى أن فرنسا والقوى الغربية عموما، هي المستفيد الأكبر من هذه الأزمة، على مختلف المستويات، مقابل الخسارة الاقتصادية والسياسية لكل من الجزائر والمغرب.

يرى عدد من الباحثين والأكاديميين أن الوسيط التركي يتوفر على الشروط الكافية، ذاتيا وموضوعيا، لأداء دور الوساطة بين الجزائر والمغرب.

وفي هذا الصدد، لا يستغرب المحلل التركي، طه أغلو، تصريح السفير دوغان، ويقول إن تركيا تربطها علاقات جيدة بكلا البلدين، وفق ما نقل موقع "الحرة" الأميركي، في 18 نوفمبر 2022.

وأوضح طه أغلو، أن الاهتمام التركي بالمنطقة ليس جديدا، مشيرا إلى أن نجاح تركيا في الوساطة في الحرب الأوكرانية الروسية وأزمة الحبوب، "شجعها على محاولة نقل تجربتها إلى مناطق أخرى".

في المقابل، يشدد الباحث الأكاديمي المختص في العلاقات التركية المغربية إدريس بووانو، أنه من الناحية المبدئية لا شيء يمنع أي دولة صديقة لطرفي النزاع من طرح نفسها وسيطا محايدا لتدبير الوساطة بين الطرفين، أو تأخذ على عاتقها النهوض بدور الوسيط الفاعل في حلحلة هذا المشكل وهذا النزاع.

وذكر بووانو في تصريح لـ "الاستقلال" أنه "جرت محاولات عديدة في هذا الاتجاه نحو الدفع بالوساطة بين الجزائر والمغرب، لنزع فتيل هذا التوتر، سواء من المملكة العربية السعودية أو من الإمارات العربية المتحدة خلال عهد جلالة الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه".

واسترسل، "وتكررت هذه المحاولات في عهد جلالة الملك محمد السادس، لكن، محاولات الوساطة لطالما اصطدمت بعدة عوامل لم تساعد قط في حلحلة الموضوع".

مزاحمة فرنسا

أكد مراقبون ومحللون أن تركيا تسعى بشكل كبير لمزاحمة فرنسا في إفريقيا، بما فيها في المغرب والجزائر، المستعمرتان السابقتان لباريس.

وأوضح محمد لكريني، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش أن تركيا تراهن على علاقتها الجيدة مع كلا البلدين في طرحها لمبادرة الوساطة، وفق تصريح نقلته جريدة "العرب" اللندنية، في 19 نوفمبر 2022.

ولفت إلى وجود أهداف خاصة من طرحها لهذه الوساطة التي تأتي في سياق دولي تتسابق فيه تركيا إلى جانب عدد مهم من الدول كالولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإيران وفرنسا، لتعزيز مصالحها ومنافعها في شمال إفريقيا.

وأشار لكريني إلى أن تركيا من خلال مبادرة سفيرها بالرباط، تسعى لاستغلال بعض المداخل الأمنية والاقتصادية والعسكرية لجمع الطرفين لأجل مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، واستثمار الأزمات التي تعرفها فرنسا، البلد الذي له مصالح مهمة بالمنطقة.

وفي مقابل هذا الرأي، يؤكد باحثون، ومنهم الباحث في الشؤون الدولية رضوان أجديد، أن تطوير التعاون بين المغرب وتركيا "منتظر وطبيعي"، نظرا للعلاقة المتينة التي تجمع بين أنقرة والرباط، مبرزا أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرق.

ورأى أجديد في تصريح لجريدة "مدار 21" المغربية، في 18 نوفمبر 2022، أن تحقيق الأمن والاستقرار في حوض المتوسط، أظهر تقارب المواقف بين البلدين خلال الأزمة الليبية.

وأوضح: "إذا كان المغرب راعي لقاءات الصخيرات التي أفرزت حكومة الوفاق الوطني وتحديد موعد الانتخابات، فإن تركيا أكدت أنها تدعم نفس المسار الأممي للحل السلمي للقضية، وهو ما أفرز اتصالات عديدة بين مسؤولي البلدين".

كما أشار المتحدث ذاته إلى استجابة المغرب للطلب التركي الداعي لإغلاق المؤسسات التابعة لتنظيم غولن المصنف إرهابيا في تركيا، والذي عد من طرف الخارجية التركية "مؤشرا على التعاون الوثيق بين البلدين".

ودعم أنقرة للوحدة الترابية للمملكة يزيد من التقارب بين المغرب وتركيا، بحسب أجديد، "خاصة أن الملك أشار في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب إلى أن الرباط تنظر إلى العالم عبر نظارة الصحراء،" ممتنا لدول تدعم موقف البلاد، بينما طالب أخرى بتوضيح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل"، وفق تعبيره.

وفي مايو/أيار 2022، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في لقاء جمعه مع نظيره المغربي ناصر بوريطة: "أريد أن أؤكد مرة أخرى دعمنا وحدة أراضي وحدود المغرب وسيادته كما كان دائما".

صعوبات وعراقيل

يبدو أن دور الوساطة بين الجزائر والمغرب لن يكون سهلا أمام تركيا، وذلك لعوائق عدة ومتداخلة. وفي هذا الإطار، أكد الباحث الأكاديمي إدريس بووانو، أن التوتر والنزاع الذي يعرفه الجاران الجزائر والمغرب هو صراع ونزاع ذو طبيعة خاصة.

وأوضح المتحدث ذاته لـ"الاستقلال"، أن مساعي المصالحة بين المغرب والجزائر التي جرت في الماضي، غالبا ما كانت تصطدم بتدخل القوى الدولية الكبرى، سواء داخل أوروبا أو خارجها، التي كانت تتغذى مصالحها من بقاء هذا النزاع.

وأردف بووانو، وهذا يعني أن المساعي التركية اليوم، هي الأخرى لا شيء يمنعها من الناحية المبدئية في تبني خيار الوساطة بين البلدين، بغية إنهاء هذا النزاع.

وهي المساعي نفسها التي أعيد إطلاقها من طرف السفير التركي الجديد بعدما جرى الترويج لها في السنوات القليلة الماضية.

من جانبه، رأى محمد لكريني، أن استعداد تركيا للوساطة بشأن حل الخلاف المغربي – الجزائري حول قضية الصحراء المغربية خطوة ملفتة، لكن صعوبات كبيرة تعترضها.

وتابع "أن المغرب سبق وأن دعا الجزائر على أعلى مستوى لمناقشة مختلف القضايا الخلافية، لكنها لم تستقبل الدعوة بشكل إيجابي".

ووفق المصدر ذاته، ذهب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في تصريحات أدلى بها في مايو/أيار 2022 إلى أبعد حد فيما يخص العلاقات مع المغرب، حين أكد أن فكرة الوساطة غير واردة بالنسبة إلى الجزائر، "لا أمس ولا اليوم ولا غدا".

ويرى الأكاديمي بووانو أن فرص النجاح في المصالحة بين المغرب والجزائر ما تزال ضئيلة، ليس بسبب العامل الخارجي والقوى الدولية فقط، ولكن لأسباب ترتبط بالبلدين.

وقال من الناحية الواقعية لم تنضج بعد شروط القبول بوساطة إحدى القوى الدولية، في ظل عدم حدوث تغيرات جيوسياسية كبيرة تدفع القوى الفاعلة في الملف لتخفيف قبضتها الحديدية.

واسترسل، "وأيضا في ظل غياب إرادة حقيقية من أطراف النزاع والتوتر بإيجاد حل حقيقي لهذا النزاع في إطار حوار جدي وبناء بين الطرفين، استنادا إلى بعض الاقتراحات الجادة، ومنها مقترح الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء الذي اقترحه المغرب وأشادت به عدد من الدول".

وأوضح بووانو أن "القبول بهذا المقترح قد يكون مساعدا أيضا في حلحلة ملف الوساطة من طرف بعض الدول الصديقة ومنها تركيا، على اعتبار أنها دولة لم يكن لها أي دور في زرع فتيل هذا التوتر".

أضيف إلى ما سبق، يتابع المتحدث ذاته، "أن قبول طرفي النزاع المغرب والجزائر بوساطة دولة صديقة، ينبغي أن يسبقه ارتفاع منسوب التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين هذه الدولة وطرفي الأزمة".

وخلص بووانو إلى القول: "في غياب هذه الشروط، لا أعتقد أن الوساطة سيكتب لها النجاح، هذا إن قبلت القوى الدولية الأخرى التي تمسك بأدوات تدبير النزاع بوساطة هذا الطرف أو ذاك".