بسبب ابن سلمان.. مجلة أميركية: السعودية لن تكون شريكا موثوقا بعد اليوم

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة أميركية الضوء على العلاقات الخارجية للسعودية الخاضعة تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان، على خلفية أزمتها الراهنة مع واشنطن، إثر قرار خفض إنتاج النفط في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

ورأت "فورين أفيرز" أن السعودية لن تكون شريكا موثوقا لأميركا بعد اليوم، نظرا لأن ابن سلمان يحاول إعادة تشكيل تحالفاته الدولية من جديد، إيمانا منه بأن نظاما دوليا مغايرا متعدد الأقطاب يتشكل حاليا.

خطوة فارقة

وذكرت المجلة أن القرار السعودي بخفض إنتاج النفط كان متوقعا وصادما في آن واحد. فكانت قد أفصحت الرياض عن خططها لخفض إنتاج النفط في رسائل بعثتها إلى واشنطن.

ورغم النداءات المتكررة من أميركا، الحليف الأمني للمملكة، بمواصلة الإنتاج، مضى ابن سلمان في خططه.

وأشارت إلى ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز، من أن كبار مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن، اعتقدوا أن واشنطن توصلت إلى اتفاق خاص مع الرياض لزيادة إمدادات النفط. 

لكن عندما اجتمع وزير الطاقة السعودي مع نائب رئيس الوزراء الروسي، الذي طالته العقوبات الأميركية، ألكسندر نوفاك، وأعلنا عن تخفيض الإنتاج، أصيب البيت الأبيض بالذهول.

ولفتت المجلة إلى أن بايدن كثيرا ما انتقد ابن سلمان، بسبب سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان، ورغم ذلك ذهب إلى جدة لمقابلته في يوليو/ تموز 2022.

ويعتقد بعض المحللين الأميركيين أن زيارة بايدن لابن سلمان كانت خطأ سياسيا، والقرار السعودي بخفض الإنتاج، بعد تغيير الرئيس الأميركي موقفه من السعودية، يعد دليلا على أن الأخيرة لن تكون شريكا موثوقا بعد الآن.

لكن على النقيض من ذلك، يعتقد محللون آخرون أن تحرك الرياض كان في الواقع خطأ من بايدن، إذ إنه النتيجة المتوقعة لغطرسة البيت الأبيض، ومطالبته المملكة بوضع المصالح الأميركية قبل مصالحها.

وادعت المجلة أن هناك قصور فهم لدى واشنطن حول كيفية صياغة السعودية لسياستها الاقتصادية والخارجية، مؤكدة أن الإدارة الأميركية اتخذت قرارات أزعجت الرياض.

ووفق "فورين أفيرز"، فإن الأمر ببساطة هو أن السعودية، تحت إمرة ابن سلمان، تستعد لاقتصاد سياسي عالمي، يختلف بوضوح عن ذلك الذي تتصوره إدارة بايدن.

ففي إستراتيجية الأمن القومي الصادرة في 12  أكتوبر 2022، ركز البيت الأبيض على كيفية التغلب على الصين في المنافسة الجارية بينهما.

دور جوهري

وقسمت إدارة بايدن في إستراتيجيتها الشراكات الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة إلى مسارين: أحدهما شراكات مع الدول الديمقراطية، والآخر شراكات مع الدول غير الديمقراطية. لكنها في الوقت نفسه ملتزمة بقواعد النظام الدولي القائم.

وعلقت المجلة على هذا التصنيف قائلة إن المسار الثاني يستتبع بطبيعة الحال خفض مكانة الدول الاستبدادية لدى واشنطن، الأمر الذي أدركته بالفعل دول عدة، منها السعودية.

فابن سلمان لا يتصور بلاده كلاعب من الدرجة الثانية في نظام دولي متعدد، شبيه بالذي كان قائما خلال الحرب الباردة، إذ إنه يرى أن النظام الجيوسياسي الآخذ في التشكل يتسم بالمرونة، ويعتقد أن من حق بلاده تنويع شراكاتها.

ورأت المجلة أن ابن سلمان قد يكون محقا في تصوره، خصوصا أن العالم دخل في مرحلة انعدام أمن الطاقة، ومن ثم سيتزايد الطلب على الهيدروكربونات، بحد أدنى لمدة 20 عاما، الوضع الذي يمنح السعودية مزيدا من القوة.

وأشارت إلى أن النظام الدولي أصبح أكثر مرونة، وأن بإمكان اقتصادات السوق الناشئة، والسعودية بشكل خاص، لعب دور جوهري على الساحة الدولية.

وتعتقد "فورين أفيرز" أن دول الخليج عامة ترى نفسها حاليا كنماذج للتنمية، وتشعر بالحاجة إلى إعادة توجيه تحالفاتها؛ للاستعداد لنظام عالمي يقل فيه الاستقرار، وربما حتى للتأهب لحقبة ما بعد أميركا.

ورأت أن قرار الرياض عام 2016 بتشكيل "أوبك بلس"، يمثل السياسة التي تريدها المملكة، إذ إن المنظمة النفطية المذكورة ليست ملزمة بأية أيديولوجية أو معاهدة دولية، وإنما هي عبارة عن تحالف من الدول الراغبة في التعاون مع بعضها، عندما يتناسب ذلك مع مصالحهم المشتركة، حتى ولو كان تحقيق أهدافهم سيضعهم في تحد كبير مع الولايات المتحدة.

والتوجه الأميركي منذ عام 2010 إلى إنتاج كميات أكبر من النفط الصخري، أدى إلى إغراق الأسواق العالمية وتسبب في انخفاض الأسعار.

وذلك شكل تحديا للدور السعودي التقليدي، كمصدر مهيمن في أسواق النفط، وقوض قدرة الرياض على التحكم في الإمدادات العالمية.

جبهة مضادة

وحسب "فورين أفيرز"، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في استمرار السعودية في شراكتها مع روسيا، حيث إن الإجراءات الغربية للسيطرة على واردات الطاقة الروسية، تهدد الاقتصاد السعودي.

وقالت المجلة إنه لا شك في أن صبر واشنطن حيال حسابات الرياض التجارية أوشك على النفاذ، وأنها تنظر إلى خفض إنتاج النفط على أنه صفعة على وجهها، وتنكر للشراكة الأميركية-السعودية.

وعن دعوة العديد من مقرري السياسات في واشنطن، إدارة بايدن لوقف أو خفض بيع الأسلحة للرياض، أوضحت أن ابن سلمان قد لا يرى في هذا التهديد مبعث قلق كبير، رغم حاجته للسلاح الأميركي.

ويرجع ذلك إلى العقود طويلة الأجل لتصدير الأسلحة والمعدات الأميركية إلى السعودية، التي توفر الآلاف من فرص العمل. لذا فمن المرجح أن يمارس لوبي صناعة السلاح ضغوطا كبيرة؛ لمنع أي تحرك في هذا المسار.

والأهم من ذلك، وفق المجلة، أن الخليج يعيد ضبط علاقته الأمنية مع واشنطن بالفعل؛ بسبب تراجع رغبة الولايات المتحدة في استخدام قواتها لحماية دول الخليج.

وأوضحت أن الولايات المتحدة ليست الشريك الأمني الذي اعتاده الخليجيون، مشيرة إلى تصريح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أن "على السعودية وإيران تعلم مبدأ التعايش معا والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام".

وبالرغم من أن الرئيس السابق دونالد ترامب، كان يتقرب للسعوديين على مستوى الخطاب، إلا أنه أيضا أكد على تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، برفضه الرد على هجمات 2019 على البنية التحتية النفطية للسعودية.

وحسب المجلة، فإن السعودية تدرك عدم وجود البديل إذا قررت الولايات المتحدة وقف إمدادات السلاح، خصوصا وأن روسيا غير قادرة بتاتا على توفير ما تحتاجه الرياض.

وشددت "فورين أفيرز" على أن الحكومة السعودية تشعر بالقلق من أن رغبة العالم في شراء النفط يمكن أن تنخفض بشكل حاد إذا دخل الاقتصاد العالمي حالة عميقة وواسعة من الركود.

ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، واستهداف روسيا للبنية التحتية المدنية والطاقة، ستزداد التهديدات لأمن الطاقة العالمي، ومع توسع العقوبات على روسيا، قد تقل احتياطات النفط العالمية، ما سيضغط أكثر على إمدادات المنتجات النفطية المكررة.

قانون "نوبك"

وأشارت المجلة إلى مشروع القانون الأميركي "منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط"، المعروف اختصارا باسم "نوبك"، والذي يلغي الحصانة السيادية التي تحمي أعضاء "أوبك بلس" وشركات النفط في تلك الدول من الدعاوى القضائية.

فبموجب مشروع القانون، فإنه يحق للمدعي العام الأميركي مقاضاة الدول الأعضاء في "أوبك بلس"، مثل السعودية أو روسيا، أمام محكمة اتحادية أميركية.

ووفق المجلة، فإن لهذا القانون تأثيرا مخيفا على أي استثمار جديد في النفط والغاز، كما أنه سيزيد من تعطيل عمليات تكرير النفط.

ولفتت في هذا الصدد إلى أن الصين، أهم سوق تصدير للسعودية، زادت من وارداتها من النفط الروسي، الأمر الذي يهدد حصة الرياض في السوق.

وعلاوة على ذلك، تشتري بكين كميات نفط أقل، بسبب توقعات النمو البطيئة للبلاد، والتزام الحكومة المستمر بالقضاء على وباء كورونا.

وكل هذه المؤشرات تقلق السعوديين، وتهدد عائدات النفط، وشرعية الرياض كقوة لاستقرار سوق النفط العالمية.

وبالنسبة للسعودية، فإنه كلما قل نفوذها في قطاع النفط، قل نفوذها بشكل عام.

إذ إن النفط هو الورقة الرئيسة التي تستخدمها الدولة الخليجية للتأثير في السياسات الدولية، وجذب الاهتمام العالمي. لذا، أصبح الرد على تلك التهديدات خطوة فارقة بالنسبة لابن سلمان.

وختمت "فورين أفيرز" بالقول إن النفط سيظل جزءا من السياسة الخارجية لكلا البلدين، السعودية والولايات المتحدة، لكن توجهاتهما مختلفة بكل تأكيد.

وعلى هذا، فقد تجد الرياض وواشنطن قريبا أنهما متنافستان في كثير من الأحيان، في أسواق النفط ونماذج التنمية الاقتصادية، أكثر من كونهما شريكين.