تمول الحرب وتثري الأسد.. ما خطط أميركا لشل شبكة المخدرات السورية؟

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من عدم وجود إستراتيجية أميركية واضحة لمواجهة تنامي تصدير المواد المخدرة من سوريا نحو العالم، اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن خطوات جريئة لمكافحة دور نظام بشار الأسد في ذلك.

وحوّل نظام الأسد، سوريا لـ"دولة مخدرات"، ونمى شبكات كبرى لتهريبها إلى مختلف الدول وعلى رأسها العربية، لرفد خزينته الخاوية بسبب حربه المهلكة بالعملة الصعبة.

وأمام الحجم الكبير لتجارة المخدرات التي يقف خلفها نظام الأسد ويجني من ورائها مليارات الدولارات، تعالت الأصوات في الولايات المتحدة لسن قانون رسمي لردع هذه التجارة.

إذ حث أعضاء الكونغرس الرئيس بايدن على زيادة الدعم الأميركي لحلفاء الشرق الأوسط الذين يكافحون تجارة حبوب الكبتاغون، التي تعد روسيا مركزا رئيسا لإنتاجها بالعالم .

تفكيك الشبكات

وأكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أنه جرى تكليف وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية بتفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.

وأوضحت المجلة في تقرير نشرته في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أنه في 21 سبتمبر/ أيلول شق قانون مكافحة المخدرات طريقه إلى مجلس الشيوخ الأميركي بعد إقراره في مجلس النواب.

وتقضي النسخة الأخيرة من مشروع القانون المدعوم بشكل أساسي من الجمهوريين، بتعاون وكالة الاستخبارات الوطنية (DNI) مع إدارة مكافحة المخدرات على "مكافحة وإضعاف وتفكيك" شبكات إنتاج الكبتاغون والاتجار بالمخدرات المرتبطة بنظام الأسد.

وسيترافق هذا العمل مع حملة توعية عامة حول علاقة النظام السوري بأنشطة تهريب المخدرات.

ويعتقد أن تجارة الكبتاغون وهو عقار يسبب الإدمان، أحد أكبر الصادرات السورية، وتقدر قيمتها بأكثر من 3 مليارات دولار سنويا يجنيها نظام الأسد.

وتشكل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري بيئة مجهزة لصناعة المواد المخدرة بإشراف ضباط كبار من النظام وفق كثير من التحقيقات الصحفية وتصديرها بطرق مبتكرة إلى موانئ العالم.

وكان ذلك الدافع الأساسي لقانون الكبتاغون، وهو مشروع قانون قدمه عضو الكونغرس الأمريكي، "فرينش هيل"، والذي أقره مجلس النواب في سبتمبر 2022، وينتظر التصويت عليه في مجلس الشيوخ.

وأكد هيل لصحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، أن الهدف من قانون الكبتاغون هو "التفكير في كيفية قطع التمويل بسبب الكبتاغون عن النظام السوري".

وفي تغريدة له على تويتر مطلع سبتمبر 2022، قال هيل: "في عهد بشار الأسد، أصبحت سوريا دولة مخدرات، باستخدام إنتاج وتهريب المخدرات مثل الكبتاغون، لتمويل جرائمه ضد الإنسانية".

لكن التحديات التي يشكلها مكافحة تجارة الكبتاغون التي يديرها نظام الأسد، يشرف عليها ضباط من أعلى المستويات، تمتد إلى ما هو أبعد من سوريا، ولا سيما مع ارتباط النظام بشبكة من الوسطاء المحليين الذين لهم "أذرع أخطبوطية" في هذه "التجارة القذرة" في دولهم؛ إذ صب النظام السوري اهتماما بالغا خلال العقد الأخير بـ"تجارة المخدرات"، لكونها تدر عليه أرباحها فورية وبالدولار نقدا. وهو ما جعل من تلك التجارة موردا كبيرا ومهما للنظام، حتى باتت منظمة داخل سوريا، وتقدم لها كل التسهيلات الأمنية من ناحية صناعة المواد المخدرة وحتى مرحلة تهريبها للخارج.

تجارة عابرة

وجعل نظام الأسد الحدود السورية الأردنية أكبر منصة لتهريب المخدرات المصنعة محليا نحو دول الخليج العربي والعالم، لدرجة أن النظام اتهم بتأسيس "دولة مخدرات" في سوريا.

وكشف تقرير لمعهد "نيو لاينز" الأميركي، نشر في 5 أبريل/نيسان 2022، أن عائلة بشار الأسد التي تخنقها العقوبات الدولية، تعتمد على تهريب المخدرات كوسيلة للبقاء السياسي والاقتصادي.

وكشفت محللة القضايا الإستراتيجية والسياسة في المعهد، كارولين روز، لمجلة ناشونال إنترست الأميركية، في 18 نوفمبر 2021، أن تجارة الكبتاغون التي يقودها نظام الأسد أصبحت تقدر بـ3.5 مليارات دولار أميركي سنويا، ضمن مساعيه للحصول على مصادر دخل بديلة.

وذكر تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن عمليات إنتاج المواد المخدرة وتوزيعها تشرف عليها مليشيا الفرقة الرابعة، وهي وحدة النخبة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأصغر، ورجل إيران الأول في سوريا.

واللافت أن النظام السوري، ليس وحده في تصنيع المخدرات على الأراضي السورية وتهريبها أيضا للخارج، بل كذلك حليفه حزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية أخرى.

ويعتمد النظام السوري على حزب الله اللبناني، لتأمين المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع الأدوية لمصانعه، وهذا ما يقود لاستخدام تلك المواد في صناعة المخدرات.

وبحسب تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، نشرته نسختها الفارسية في مارس/ آذار 2021، فإن حزب الله والمليشيات الإيرانية يديرون عددا من مصانع الأدوية التي توقفت عن العمل بسبب ظروف الحرب السورية لإنتاج آلاف الأقراص المخدرة.

وتتكرر بين الفينة والأخرى ضبط دول عربية وأوروبية شحنات مخدرات مهربة مصدرها سوريا، وآخرها إحباط السعودية في 20 أكتوبر 2022 محاولة إدخال 3 ملايين و989 ألف قرص من مادة الإمفيتامين المخدرة، مخبأة داخل شحنة فلفل.

وقبل ذلك، ذكرت صحيفة "الراي" الكويتية في 5 يونيو/ حزيران 2022، ضبط السلطات الأمنية 7 ملايين حبة مخدرة أخفيت بين أكياس البهارات، وتقدر قيمتها بـ11 مليون دينار (35 مليون دولار).

وقالت المصادر الأمنية الكويتية حينها، إن الشحنة وصلت من باكستان بعد أن انطلقت من سوريا، وأن الكمية كبيرة وجرى توزيعها على بعض دول الخليج، وكان نصيب الكويت منها 7 ملايين حبة.

كما تمكنت السلطات الأردنية في 10 أكتوبر من ضبط 818 ألف حبة كبتاغون مخدرة قادمة من سوريا.

وكانت السلطات الإيطالية قد ضبطت في يونيو 2020، حوالي 15 طنا من مخدر الأمفيتامين، أي حوالي 84 مليون حبة تصل قيمتها المالية إلى حوالي مليار دولار، وأظهر التحقيق حينها أن نظام بشار الأسد وحليفه اللبناني "حزب الله" من يقفان وراءها.

ورأى المحققون أن الكمية المصادرة قادرة على تلبية حاجات سوق أوروبية أكبر من حاجة السوق الإيطالية.

إستراتيجية جديدة

وأمام ذلك، فإن الولايات المتحدة يمكنها أن تسهم في وقف استهلاك الأشخاص للمواد المخدرة في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط.

وذلك في ظل النمو الهائل لتجارة المخدرات الإقليمية، وبلوغها مرحلة الطفرة الصناعية في هذا المجال من قبل أذرع النظام السوري، بعدما حولها الأخير لشريان حياة مالي له.

ولم يقتصر الأمر على الجانب المالي، بل أخذت التجارة بعدا جيوسياسيا، حيث حولها النظام السوري، لأداة "ابتزاز سياسي" وخاصة للأردن والسعودية، وجعلها كذلك وسيلة ضغط في المفاوضات المستقبلية السورية.

والولايات المتحدة التي تفرض عقوبات صارمة على نظام الأسد لقمعه الثورة الشعبية التي اندلعت عام 2011، يمكنها اتخاذ خطوات منخفضة المخاطر ومنطقية لإنهاء الإفلات من العقاب الذي يتمتع به زعماء المخدرات في سوريا.

ويؤكد مراقبون، أن إحدى الأدوية الشافية التي يمكن أن تقدمها المخابرات الأميركية للحد من تهريب المخدرات من سوريا، هو دعم أجهزة المخابرات في الجارتين الأردن ولبنان في هذا الشأن.

وخاصة أن المخابرات الأميركية تمتلك ثروة من المعلومات القابلة للتنفيذ على الأرض سريعا لكبح تجارة المخدرات.

فضلا عن دعم الولايات المتحدة برامج الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي من مخاطر المخدرات في الدول الأكثر استهلاكا للمخدرات مثل السعودية.

وأمام تحدي نظام الأسد عبر "تجارة المخدرات" لحملة الضغط التي يمارسها المجتمع الدولي ضده، يبقى الأهم هو الدور الذي ستلعبه الاستخبارات الأميركية في تفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.

إجراءات متوقعة

وفي هذا الإطار رأى الباحث بالعلاقات العسكرية في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية محسن المصطفى، أن "دور المخابرات الأميركية سيكون محصورا في تحديد الشخصيات والشبكات التي تعمل على تصنيع المخدرات وتهريبها عبر الحدود".

وأضاف المصطفى، وهو زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الاوسط "TIMEP"، لـ"الاستقلال": "ثم وضع هؤلاء على قوائم العقوبات الأميركية، وتقديم المعلومات لدول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من أجل وضعهم كذلك على قوائم العقوبات الخاصة بتلك الدول".

ولفت المصطفى إلى أن النقطة المهمة "هي مساعدة الاستخبارات الأميركية لدول الخليج العربي استخباراتيا بمنع عمليات التهريب والمرتبطين بها من الوكلاء المحليين".

وذهب للقول: "لا أعتقد أن المخابرات الأميركية ستقوم بإجراءات تنفيذية على الأرض بما يشبه تلك التي قامت بها في الدول القريبة منها، خصوصا أن سوريا بعيدة جغرافيا عن المجال الحيوي الأميركي".

واستدرك قائلا: "بالطبع موضوع المخدرات مختلف عن وجودها العسكري في سوريا وتختلف طريقة التعامل مع الموضوعين من الناحية التقنية التنفيذية".

أما الباحث السوري مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، فحدد لـ "الاستقلال" جملة من الإجراءات الأميركية التي يتوقع أن تفعلها ضمن إستراتيجية مكافحة تجارة المخدرات من قبل نظام الأسد.

وبين أن "الولايات المتحدة ستركز على مكافحة شبكات نظام الأسد خارج سوريا والتي تقوم بتوزيع المواد المخدرة مع بعض المسؤولين في الأردن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان وتركيا، ما يضع حدودا لاستخدام النظام علاقاته الدبلوماسية السابقة لتمرير شحنات المخدرات".

وأضاف الكريم: "كما أن واشنطن، سوف تركز على منع وصول المواد الأولية الداخلة في صناعة المخدرات لسوريا، وخاصة أن بعض هذه المواد ذو طبيعة مزدوجة بمعنى تستخدم في الصناعات الدوائية".

وكذلك "مراقبة الولايات المتحدة للحسابات المالية الداخلة والخارجة فضلا عن مراقبة رجال الأعمال المشبوهين والذين يشكلون ثروات فجائية ودفع التزامات النظام السوري في الخارج بما يخص شحنات المخدرات المهربة للخارج"، وفق الباحث.

وختم بالقول: "ستقوم واشنطن بتعزيز المراقبة بشكل أكبر للشحنات الحاملة للمواد والسلع الغذائية والتبادل التجاري الفردي، ما يغطي الثغرات في قانون قيصر والتي سمحت بالتبادل على مستوى المواطنين والأفراد".

وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على نظام الأسد، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.