"دولة المخدرات".. لماذا يتعمد نظام الأسد نشر الإدمان بمناطق سيطرته؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فقد النظام السوري برئاسة بشار الأسد السيطرة على تعاطي المواد المخدرة والإدمان عليها في عدد من المحافظات، مع سهولة عمليات الترويج المحلي.

ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى عاملين متداخلين، الأول رواج صناعة المخدرات محليا عبر شبكات محمية من النظام السوري، وثانيا المشكلات الاقتصادية والنفسية والعائلية والاجتماعية.

تعاطي الأطفال

ووقعت فئة الأطفال أيضا في مصيدة المخدرات خاصة في مناطق سيطرة النظام السوري الذي يدير هذه التجارة.

وبحسب مدير مشفى "ابن رشد" للأمراض العقلية في العاصمة دمشق غاندي فرح، فإن تعاطي المخدرات توسع أكثر في مناطق سيطرة النظام السوري.

ويؤكد فرح خلال حديثه في 21 يونيو 2022 لإذاعة "ميلودي إف إم" الموالية للنظام، أن أطفالا في سن الـ 14 عاما باتوا مدمنين على تعاطي المواد المخدرة، فضلا عن التنوع بالمواد المستخدمة في حين كانت سابقا محصورة في بعض المواد، وفق قوله.

وأوضح فرح أن أصنافا جديدة بدأت بالظهور خلال السنوات القليلة الماضية مثل "كريستال، وميث، والسيلفيا"، إضافة إلى الأصناف الدوائية التي يساء استخدامها بصورة أكثر عن ذي قبل، وكذلك الحشيش والمستنشقات.

ويتزامن كلام فرح مع تأكيد مكتب "اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات"، التابع للأسد، عن تسجيل 9300 قضية مخدرات خلال عام 2021 في مناطق سيطرة النظام.

وقال مدير المكتب حسام عازار لنفس الإذاعة في 21 يونيو، إن عدد المتهمين بتلك القضايا بلغ 11 ألفا و650 متورطا.

وكشف عازار أن حجم المضبوطات وصل إلى 4 أطنان ومئة كيلو من الحشيش المخدر، و15 مليونا و36 ألف حبة كبتاغون، إضافة إلى 391 ألف حبة دوائية نفسية، و4.2 كيلو غرامات من مادة الهيروين المخدر و360 غراما من الكوكايين.

ورغم أن نظام الأسد متهم بتأسيس "دولة مخدرات" في سوريا، فهو يسعى للترويج بتنفيذ أجهزته الأمنية عمليات ملاحقة وضبط المروجين في مناطق نفوذه، ويشارك في مؤتمرات لمكافحته.

نفي التهمة

وهو ما حدث حينما شارك النظام من 21- 23 يونيو 2022 في مؤتمر دولي استضافته الإمارات حول التعاون في مجال مكافحة تجارة المخدرات، وبدعوة من الأمانة العامة لمنظمة الإنتربول (الشرطة الدولية).

وللمفارقة، فإن تقريرا لمعهد "نيو لاينز" الأميركي، نشر في 5 أبريل/نيسان 2022، كشف أن عائلة بشار الأسد التي تخنقها العقوبات الدولية، تعتمد على تهريب المخدرات كوسيلة للبقاء السياسي والاقتصادي.

وفي حين لم يحدد التقرير صافي أرباح الأسد من تجارة المخدرات العابرة للقارات، فقد ذكر أن توسع تجارة حبوب الكبتاغون المخدرة في الشرق الأوسط، زاد إلى حد كبير خلال العام 2021 لتتجاوز قيمتها خمس مليارات دولار.

وأوضح التقرير أن سوريا هي المنتج الرئيس للكبتاغون، والمملكة العربية السعودية هي السوق الرئيس له.

لكن محللة القضايا الإستراتيجية والسياسة في المعهد، كارولين روز، قالت لمجلة ناشونال إنترست الأميركية، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن تجارة الكبتاغون التي يقودها نظام الأسد أصبحت تقدر بـ3.5 مليارات دولار أميركي سنويا، ضمن مساعيه للحصول على مصادر دخل بديلة.

وذكر تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن عمليات إنتاج المواد المخدرة وتوزيعها تشرف عليها مليشيا الفرقة الرابعة، وهي وحدة النخبة التي يقودها ماهر الأسد الأخ الذي يصغر بشار ورجل إيران الأول في سوريا.

ونجح مشرعون أميركيون في وضع مادة تسعى إلى معالجة معضلة تجارة المخدرات من سوريا ويتهم نظام بشار الأسد بتهيئة الظروف لها، ضمن "قانون التفويض الوطني" للعام 2022.

وباتت شبكات متاجرة وتعاطي المخدرات في مناطق نفوذ سيطرة النظام السوري تتغلل في الأحياء والمدن وتشكل خطرا على نسيجه.

إذ تمتهن تلك الشبكات عمليات تزوير حتى لوصفات طبية بأسماء أطباء دون علمهم، وكتابة أسماء الأدوية المخدرة مقابل مبلغ مالي، وبالتالي يجرى وضع السم للمريض والذي يتمكن من صرف الوصفات من الصيدليات دون رقيب.

وأمام ذلك، فإن تزايد تعاطي المواد المخدرة محليا، سيحول سوريا من بلد عبور بحكم موقعها الجغرافي من الدول المستهلكة للمخدرات إلى دولة مستهلكة أيضا.

تصريف محلي

وبات التجار المحليون يلجؤون لتصريف المواد المخدرة إلى الجنسين، بطرق مبتكرة كالتي تستخدمها شبكات النظام السوري في تهريب المخدرات للدول الأخرى داخل البرتقال أو الرمان أو المعلبات أو البقوليات الاصطناعية لهذا الغرض.

وهذا ما أكده مدير إدارة مكافحة المخدرات، العميد "نضال جريج"، بقوله في 28 يونيو 2022، إنه جرى ضبط شحنة مخدرات مدفونة في أوان منزلية، وكذلك إخفاء المخدرات ضمن حبة حمص اصطناعية، لا يمكن كشفها بالعين المجردة والتي تباع للفئة ما بين 15 إلى 25 سنة.

وفي أبريل 2019 كشفت رئيسة "دائرة المخدرات" في وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، ماجدة حمصي، عن ضبط حالات لتعاطي المخدرات في مدارس بريف دمشق وبعض الجامعات السورية.

ويؤكد مصدر لـ "الاستقلال"، أن هناك "شبكات جوالة" في العاصمة دمشق تبيع المواد المخدرة للطلبة بالمفرد بمبالغ لا تتعدى خمسة دولارات.

وبدورها تشير مواقع محلية، إلى أن تعاطي المخدرات في مناطق نفوذ النظام بات "موضة شائعة"، وغير محصور لا بغني ولا بفقير، بل يشمل كل الشرائح المجتمعية كونها في متناول اليد لمن أراد.

ومما يدلل على أن ترويج المخدرات يأتي بشكل منظم وتديره شبكة واحدة بتغاضي مباشر من أجهزة مخابرات الأسد، هو غياب المكافحة الفعلية لها.

كما أن حالة العجز المعيشي والضغوط الاقتصادية والنفسية من عدم توافر الكهرباء التي تأتي ساعتين من أصل 24 ساعة، وقلة الماء كونه مرتبط بالأخيرة، وارتفاع الأسعار، وعدم تناسب الدخل الشهري مع المتطلبات اليومية، من أبرز عوامل وقوع فئة لا بأس بها فريسة لتعاطي المخدرات.

إذ إن التجار والمروجين يجدون وفق مطلعين، بهؤلاء الناس قيمة مادية لكسب زبائن جدد، وسيكونون بعد إدمانهم زبائن دائمين لديهم، دون أن ينظروا إلى المبالغ التي يدفعونها كثمن للمخدرات.

ترسيخ الجريمة

ويؤكد يونس الكريم مدير موقع "اقتصادي" المعارض، أن أبرز أسباب جنوح فئات عمرية من المجتمع السوري بمناطق الأسد لتعاطي المخدرات، هي "تردي جودة الحياة المعيشية بالأساس، بمعنى انعدام توفر الخدمات وقلة السلع وعدم وجود مراكز ترفيهية في ظل سنوات الحرب الطويلة للهروب من قسوة الحياة".

ويضيف الكريم لـ "الاستقلال"، أن "خطورة تلك التجارة المحلية ليست ظاهرة بالوقت الراهن، لكن آثارها المتوسطة وبعيدة المدى هي الأشد خطرا على الصحة العامة في حال انتشر التعاطي بشكل كبير بين أفراد المجتمع".

وألمح إلى أن "تفشي هذه التجارة أكثر فأكثر داخل مناطق النظام السوري، سيؤدي إلى ترسيخ الجريمة المنظمة والمساهمة بزيادة الفساد في أجهزة الدولة".

وللمواد المخدرة آثار مدمرة على صحة الإنسان من ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم وزيادة فرص الإصابة بالسكتات الدماغية وأمراض الرئة والنوبات القلبية.

وكذلك فقدان الشهية واضطرابات النوم، علاوة على الآثار النفسية من تقلب المزاج والهيجان والشعور بالتعب والوهن والقلق والاكتئاب والعنف والهلوسة والأوهام.

لكن أمام ما تقدم من أضرار المخدرات على المجتمع، فإنه يتبقى مجرد كلام نظري مهما عملت المنظمات على زيادة الوعي المجتمعي بمخاطره، في ظل تحول مناطق نظام الأسد لبيئة مثالية لإنتاج المواد المخدرة كونها أصبحت جزءا من "اقتصاد الحرب" وتمول حربه ضد السوريين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام ليس وحده في تصنيع المخدرات على الأراضي السورية وتهريبها أيضا للخارج، بل كذلك حليفه حزب الله اللبناني ومليشيات إيرانية أخرى.

وبحسب تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، نشرته نسختها الفارسية في مارس 2021، فإن حزب الله والمليشيات الإيرانية يديرون عددا من مصانع الأدوية التي توقفت عن العمل بسبب ظروف الحرب السورية لإنتاج آلاف الأقراص المخدرة.

ووفقا للمحامي العام بدمشق القاضي خالد معربوني، فإن عدد قضايا التعاطي التي ترد إلى محاكم العاصمة تصل ما بين 150-200 دعوى شهريا.

أداة ممنهجة

وفي هذا السياق، يتقاطع كلام يونس الكريم مع ما يراه المساعد المنشق من فرع مكافحة المخدرات بحلب، محمود العلي.

وقال العلي إن "أخطر ما في تعاطي المخدرات في ظل انعدام القدرة المالية للعوائل بمناطق النظام السوري، هو لجوء المتعاطين إلى ارتكاب العديد من الجرائم منها السرقة والحصول على المال بطرق غير مشروعة بهدف تأمين ثمن المادة المخدرة أيا كان صنفها".

ويضيف العلي، لـ "الاستقلال"، أنه في "الحالة السورية أثبت أن تعويم المخدرات وجعلها في متناول فئة الشباب يرجع لانتشار المليشيات المحلية والمتعددة الولاءات والتي تصطاد الشباب بتأمين الكميات المطلوبة مقابل التجنيد في صفوفها إضافة لكون هذه التجارة تعد مصدر دخل مالي لها".

وأشار إلى أن "المراهقين وطلاب المدارس والجامعات هم الهدف الأول لسوق التصريف وفي هذا هدف مستقبلي خطير يتمثل في ضعف الأداء الدراسي والأكاديمي وضرب جيل كامل وتدمير قدراته المستقبلية على البلد".

وذهب العلي للقول: "إن النظام السوري يعي خطورة تمدد تجارة المخدرات في مجتمعه المعدم اقتصاديا، وهو من يقف خلفها".

بل هنا تأكيد على أنه يشرف بالأساس على صناعة المخدرات التي باتت متطورة ومبتكرة، وهي إحدى أداوت الهدم للتركيبة السكانية السورية التي اعتمدها الأسد، وسبقها تدمير المنازل والبنية التحتية وصولا للتهجير الممنهج، كما قال.

وأوضح أن "ظاهرة تعاطي المخدرات تنتشر بقوة أيضا داخل مليشيات الأسد وإيران وروسيا المحلية، وهذا هو الخطر الأكبر على المجتمع السوري مستقبلا".

وبالمحصلة، فإن المثل الشعبي يقول (طباخ السم سوف يذقه)، ولهذا أمام كثرة الشواهد على إدارة شخصيات مقربة من نظام الأسد لصناعة المخدرات وتهريبها انطلاقا من الأردن ولبنان، للعالم، فإن سوريا تستحق لقب "عاصمة الكبتاغون في العالم" برغبة جامحة من بشار الأسد.