"رمان ملغوم".. كيف تحول الأسد إلى تاجر مخدرات لتمويل حربه في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سلطت حمولة الرمان "الملغومة" بأقراص مخدرة، التي أدخلت إلى لبنان من سوريا، وضبطتها السعودية على أراضيها، الضوء مجددا على دور نظام الرئيس السوري بشار الأسد في تصدير المخدرات للعالم.

وفي 23 أبريل/نيسان2021، أعلنت الرياض ضبط أكثر من مليوني قرص "امفيتامين" مخدر مخفية داخل شحنة فاكهة رمان قادمة من لبنان.

كما أعلنت السلطات اليونانية بموازاة ذلك أنها تلقت مساعدة من مديرية مكافحة المخدرات في السعودية، أسفرت عن ضبط نحو 4 أطنان من الحشيش مخبأة في شحنة آلات لصنع الحلويات، كانت متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا.

وأشارت اليونان إلى أن القيمة السوقية لشحنة الحشيش المخدر تقدر بنحو 33 مليون يورو.

إنتاج المخدرات

إثر ذلك اتهم مسؤول لبناني تجارا سوريين بالوقوف وراء شحنة الرمان المحشو بالمخدرات باعتبار أنها قادمة (ترانزيت) إلى لبنان من مناطق نفوذ نظام الأسد بسوريا.

وحسب مصدر وزاري لبناني تحدث لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، فإن صناديق الرمان كانت وصلت إلى بيروت على دفعتين من دمشق (ترانزيت) من أجل التصدير.

وبين كذلك أن عدد حبات الرمان قدر بالآلاف ومن بينها الحبات المحشوة بالكبتاغون، مضيفا أن الشركة الوهمية تمكنت من الحصول على شهادة المنشأ لتصديرها بحرا عبر مرفأ بيروت إلى السعودية.

ومما يشي بتصاعد حجم نشاط تجارة المخدرات في لبنان؛ ما كشفه رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم الترشيشي، بتاريخ 29 أبريل/نيسان 2021.

وقال إنه "منذ 5 سنوات، جرى توقيف أكثر من 200 سيارة، وهي تقوم بعمليات تهريب المخدرات إلى خارج لبنان، منها إلى الأردن والسعودية وغيرها".

وعلى اعتبار أن موسم إنتاج فاكهة الرمان لم يحن بعد، إضافة إلى أن المحصول اللبناني من الرمان لا يؤمن احتياجات السوق اللبنانية والتي يتم تأمينها عادة من سوريا، اتجهت الأنظار مباشرة لدور النظام السوري وحزب الله اللبناني في تمرير الشحنة إلى السعودية.

وبلمحة تاريخية فإن سوريا صدقت على جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة المخدرات بدءا من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 والمعدلة ببروتوكول سنة 1972 إلى اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988.

لكن هذه الاتفاقيات لا تعفي النظام السوري في تورطه في صناعة وزراعة المخدرات وتصديرها؛ نظرا لموقع سوريا الإستراتيجي والحدودي مع تركيا والعراق والأردن ولبنان وفلسطين والبحر المتوسط.

وهذا ما أكد عليه الدبلوماسي السوري السابق  داني البعاج، في تصريح لـ "الاستقلال" بقوله إن "سوريا تاريخيا كانت ممرا (ترانزيت) وليس منتجا للمخدرات، منذ أيام الحرب اللبنانية حتى فترة وجود الجيش السوري في لبنان.

وقال البعاج والذي انشق عن نظام الأسد عام 2012 حينما كان يشغل المندوب السوري في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف إن جيش النظام كان يسهل عمليات تهريب من لبنان إلى سوريا عبر ضباط كبار ثم تذهب نحو تركيا إلى أوروبا وإلى دول الخليج.

وأضاف "أنه منذ عام 2011 أي عقب الثورة السورية ودخول حزب الله اللبناني على خط المعارك في سوريا لصالح النظام السوري، وفرض العقوبات الاقتصادية على الأخير ونقص الأموال لديه أصبح التوجه أكثر لإنتاج المزيد من المخدرات".

ولفت إلى أن "حزب الله نقل مجموعة من معامل الكبتاغون إلى سوريا خاصة في محافظة طرطوس ومدينة القصير بحمص".

وكانت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، ذكرت في تقرير لها في مارس/آذار 2021، عبر نسختها الفارسية، أن شخصيات بارزة تابعة لحزب الله ومليشيات إيرانية أخرى تنتج كميات كبيرة وعالية الجودة من حبوب الكبتاغون داخل الأراضي السورية، بهدف تصديرها إلى بلدان مجاورة.

وأشار التقرير إلى أن هذه المليشيا تدير عددا من مصانع الأدوية التي توقفت عن العمل بسبب ظروف الحرب، لإنتاج آلاف الأقراص المخدرة.

وبلغة الأرقام فإن تجارة المخدرات تدر على النظام السوري أرباحا تقدر بمليارات الدولارات؛ بحيث أضحت بديلا نقديا بسبب منع النظام من التعاملات المصرفية مع بنوك العالم بموجب العقوبات الدولية. 

وهذا ما ألمح إليه البعاج من أن حجم تجارة المخدرات يوميا في سوريا والتي يشرف عليها النظام "تقدر بحوالي 50 مليون دولار، وخاصة أنه أصبح هناك استهلاك داخلي للحشيش وحبوب الكبتاغون التي يتناولها عناصر المليشيات كونها تعطي نشاطا وطاقة ويصبح الإدمان عليها كبيرا، نظرا لرخص سعرها وربحها العالي".

ورأى الدبلوماسي أنه "بسبب قلة الموارد المالية بيد النظام السوري، نتيجة العقوبات وضبط تحركاته المالية، أصبحت تجارة المخدرات إحدى المنافذ التي تأمن له المال النقدي (الكاش)، وبشكل سريع مما يمكنه من صرف الأموال بشكل مباشر على المقاتلين على جبهات المعارك".

وأردف أن "دول الخليج هي إحدى الدول المستهدفة بتجارة الكبتاغون، لذلك لجأ النظام السوري إلى تسهيل تلك التجارة وأخذ العوائد المالية، بمشاركة مع شبكة حزب الله اللبناني المرتبطة بشبكات عالمية من الأرجنتين إلى إفريقيا والتي تعود على شكل تبرعات للحزب عبر غسيل الأموال".

تجارة منظمة

وبات اليوم واضحا خلال العشر سنوات الأخيرة، أن الكميات المنتجة التي يتم ضبطها بين الفترة والأخرى من الحبوب المخدرة، لا يمكن أن تنتجها ورشة صغيرة، بل يحتاج الأمر لمعامل وتقنيات خاصة بالتصنيع والتخزين، وإلى ظروف مناسبة وعمل منظم.

 وفي هذا الصدد لفت البعاج إلى أن "أغلب المعلومات والشهادات التي نحاول أن نقاطعها، تدل على تورط رجال أعمال مقربين من النظام السوري في تجارة المخدرات وشبكات تابعة لحزب الله".

وبين أن الشحنة الأخيرة التي ضبطت داخل ثمرة الرمان في السعودية، بدا واضحا تماما أنها بتسهيل من النظام السوري ومن حزب الله اللبناني.

ونوه إلى أن "المعطيات تدلل على إشراف النظام السوري على عمليات التهريب وتسهيلها عبر المنافذ الحدودية سواء الرسمية أو غير الشرعية، عبر شخصيات معروفة تاريخيا مثل شيخ الجبل، والذين يقومون بعمليات التهريب تحت إشراف ضباط من النظام ومن عائلة الأسد".

من جانبه، ذهب المحامي اللبناني والأستاذ الجامعي في القانون الدولي طارق شندب، إلى اتخاذ النظام السوري لحزب الله كشريك أول في تجارة المخدرات.

وفي حديث مع "الاستقلال" أرجع ذلك إلى كونهم: "شركاء في القتل والإرهاب وزراعة المخدرات في سوريا بالقصير وريف الزبداني، وفي لبنان بالبقاع الشمالي".

والنقطة الثانية التي لا تنفصل عن الأولى هي كما يضيف شندب في أن "حزب الله اللبناني لديه القوة والإمكانية لتوريد هذه الشحنات إلى الخارج اللبناني عبر المرافئ أو المطار بحجة أنها معدات للمقاومة لا أحد يفتشها أو بقوة الأمر الواقع أو من خلال شراء ذمم بعض الضباط والمسؤولين".

وأكد المحامي اللبناني وجود "ضباط كبار في لبنان متورطين بدعم حزب الله في شتى المجالات وهم الذين سكتوا عن إجرامه في سوريا، ولولا مشاركتهم في تهريب المخدرات لما استطاع القيام بتلك العمليات".

وجابت "مخدرات الأسد وحزب الله" العالم على مدى العشر سنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أن عشرات الشحنات من المواد المخدرة تمكنت من العبور دون أن تضبطها الدول؛ إلا أن عددا من الدول أعلنت ضبط عشرات الأطنان من الحشيش وأكثر من مليار حبة كبتاغون تعادل قيمتها ميزانيات دول.

وجرت عمليات التهريب انطلاقا من موانئ لبنان، أو ميناء اللاذقية السوري الذي تسيطر عليه مليشيات إيرانية، وذلك عبر ابتكار طرق تهريب غريبة.

ومنها، داخل الفواكه (السعودية) والمعدات التصنيعية (اليونان) وعلب المواد الغذائية (مصر) وعلب مشروب المتة (السعودية) وداخل "بكرات" أسلاك معدنية ضخمة (الإمارات) وداخل أسطوانات ورقية للاستخدام الصناعي (إيطاليا) وداخل عبوات صابون (رومانيا)، وداخل المنظفات ومواقد اللحام (مالطا) وفي مواد البناء (ليبيا)، وعبر أشخاص أو شاحنات (الأردن) وغيرها.

ونجح النظام السوري في توظيف الشراكة العسكرية والأمنية مع حزب الله اللبناني وتطويعها لتأمين ميزانية الحرب على السوريين، بعد محاصرته بجملة من العقوبات الأوروبية والأميركية بسبب قمعه للثورة الشعبية.

وفي هذا السياق شرح رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني علي الأمين  دور حزب الله في تمرير شحنات المخدرات من لبنان إلى دول العالم.

وقال لـ"الاستقلال" إن "ظهور تجارة الكبتاغون في لبنان تزامن مع كشف الجهات الأمنية اللبنانية عن تورط عناصر من حزب الله أو مقربين منه في صناعة تلك الحبوب".

وأضاف أن "المعمل المصنع لهذه المادة تم مصادرته من أحد الحوزات الدينية في بعلبك وكان أحد المسؤولين عنه شقيق أحد نواب حزب الله والذي استطاع التخفي والهروب في حينه أي قبل نحو عشر سنوات".

ودلل الأمين على أن المسألة الثانية التي تفرض النظر إلى حزب الله كطرف مسؤول عن توسع تجارة المخدرات وصناعتها في لبنان، ينطلق من كونه "المسؤول الأول فعليا عن الحدود اللبنانية مع سوريا فضلا عن وجوده في مناطق القلمون السورية".

وبحسب تقارير عدة، تحولت القلمون إلى منطقة آمنة لصناعة المخدرات وتوضيبها تمهيدا لتهريبها نحو دول عدة من لبنان أو عبر العراق.

وأردف: "كما ساهم نفوذ حزب الله على المعابر وسطوته في الداخل اللبناني في توفير الحماية في الحد الأدنى لنشاط هذه التجارة وتوسعها".