من تحالف وثيق إلى عداء مستحكم.. لماذا يكره بن سلمان الإخوان؟

أحمد يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال حقب تاريخية سابقة، مرورا بالوقت الراهن، مثلت طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين (الظهير الشعبي الأكبر لتيارات الإسلام السني)، والمملكة العربية السعودية، أبعادا مختلفة.

فمن الاحتضان الكامل، والتوافق، والدعم بين الطرفين بداية من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والعصر الذهبي أثناء حكم الملك فيصل بن عبد العزيز، إلى انفجار الخصومة والعداء المستحكم بعد ثورات الربيع العربي حقبة الملك عبد الله، والملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان.

في 7 يونيو/ حزيران الجاري، أكد نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، أن الجماعة لم تجد حتى الآن مبررا مقنعا لحالة العداء القائمة بينها، وبين المملكة العربية السعودية رغم أن الجماعة لم تقم بأي شيء يسيء للسعودية في الماضي أو الحاضر.

ووصف إبراهيم منير، الموقف السعودي الرسمي المناهض للإخوان بأنه "غير مفهوم وغير مبرر"، قائلا: "الإخوان مجني عليهم في مسألة العلاقة مع السعودية، فهم لم يقوموا بأي شيء يبرر هذه الحالة من العداء، ولم يقدم الإخوان في أي من الأيام أنفسهم بديلا لا عن النظام السعودي أو الفهم السعودي للإسلام، ولا لأي بلاد عربية أخرى".

اغتيال فيصل

في 25 مارس/ آذار 1975، عندما كان الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود يستعد لاستقبال وزير النفط الكويتي عبد الملك الكاظمي في الديوان الملكي بالعاصمة السعودية الرياض، بادره ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، بإطلاق الرصاص وأرداه قتيلا في الحال، وهو الحدث الذي مثّل صدمة بالغة داخل وخارج المملكة، وشرخا في أوساط الأسرة الحاكمة، حيث تم إعدام القاتل ابن شقيق الملك، واستبعد والده من أي عمل سياسي أو دور في الحياة العامة حتى وفاته.

كانت هذه هي الرواية التاريخية المعلومة بالضرورة، وبعد قرابة 43 عاما حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العبث بها في لقاء مع مجلة ذي أتلانتيك بتاريخ 4 أبريل/ نيسان 2018.

بن سلمان قال: "إن عمه الملك فيصل دفع حياته ثمنا لمحاولة التصدي للإخوان المسلمين"، وفي حديثه المثير للجدل كشف "أن بلاده دعمت الإخوان المسلمين خلال حقبة الحرب الباردة بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية".

بدا التدليس واضحا في سرد واقعة تاريخية، لم يسبق أن التبس فيها، أو وجهت سهام الاتهامات إلى جماعة الإخوان المسلمين بشأنها من قبل، بل إن الملك فيصل كان من الملوك السعوديين الذين ربطتهم علاقة طيبة بجماعة الإخوان، واستضاف الكثير منهم خلال فترة اضطهادهم في الحقبة الناصرية بمصر.

واستدلالا على سياسة الأمير الشاب في إدارة دفة السعودية بطريقة مختلفة، فإلى جانب مهاجمة الإخوان، حمل موقفا مضادا في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أكد أنه ليس هناك أي "اعتراض ديني" على وجود دولة إسرائيل، في موقف نادر للمملكة التي لم تعترف قط بقيام الدولة العبرية على الأراضي الفلسطينية.

سنوات الوئام

قال الدكتور صلاح الخالدي، في كتابه "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد"، إنه في يوم 28 أغسطس/ آب 1966، أرسل الملك السعودي فيصل، برقية إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، يطلب منه عدم تنفيذ حكم الإعدام في قطب، وأوصل سامي شرف البرقية لعبد الناصر في ذلك المساء، فقال له عبد الناصر: "اعدموه في الفجر (بكرة)، واعرض علي البرقية بعد الإعدام"، ثم أرسل برقية للملك فيصل يعتذر بأن البرقية وصلته بعد تنفيذ حكم الإعدام.

حرص الملك فيصل على حياة سيد قطب أحد قيادات الإخوان وأقطابهم، وطلبه من عبد الناصر وقف تنفيذ حكم الإعدام، يوضح مدى قوة العلاقة في ذلك الوقت بين جماعة الإخوان المسلمين، ونظام الحكم داخل المملكة.

يأتي ذلك في وقت ناصب فيه عبد الناصر الملوك العرب العداء، وكان يصمهم بالرجعية وسعى إلى الإطاحة بعروشهم، نجح مسعاه في ليبيا واليمن وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية، فتبنت الرياض دعم الحركات الإسلامية في وجه المد الناصري.

تطور الأمر إلى استقبال المملكة لبعض قيادات جماعة الإخوان، أو المتأثرين بها من الدعاة والعلماء، من بينهم المفكر الإسلامي محمد قطب، شقيق سيد قطب، الذي شد الرحال  أوائل السبعينيات إلى المملكة، وعمل مدرسا بكلية الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ثم جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية التي رسخت العلاقة بين مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والقضايا الفكرية المعاصرة.

بدأت مرحلة تحالف وثيق بين الإخوان والمملكة، حيث وجد الإخوان في الحضن السعودي حمى وملجأ من السجون الناصرية، ووجدت السعودية في الإخوان حليفا قويا لمواجهة المد القومي الناصري الذي انتشر في مختلف الأقطار العربية حاملا بذور الصراع مع المملكة سياسيا ودينيا.

ومع بداية الحرب الأفغانية السوفيتية في 25 ديسمبر/ كانون الأول 1979، استفادت المملكة من تحالفها الوطيد مع الإخوان، واستغلت خبراتهم وكوادرهم في التعبئة القوية وإدارة البنى التنظيمية للتجنيد وجمع التبرعات.

يقول العديد من كتّاب ورموز الإخوان إنهم استجابوا بحماس للطلبات السعودية في هذا الملف ليس من منطلق التحالف مع السعودية فحسب وإنما وفاء للأخوة الدينية كما يقولون.

وبعد مقتل الملك فيصل، بدأ النظام السعودي ينظر بعين الريبة إلى مخرجات المناهج التعليمية والدينية التي صاغها الإخوان، في دولة أرادت أن ترتسم بالزي السلفي الرسمي، المنصاع بشكل كامل إلى الحاكم، ورأوا فيها بوادر قوة معارضة في دولة حسمت الولاء التام للملك والعائلة المالكة.

زادت بعدها التوترات بين جماعة الإخوان ونظام الحكم في المملكة، ودلل على ذلك تصريح وزير الداخلية السعودي الأسبق الأمير نايف بن عبد العزيز عام 2002، عندما اعتبر أن "الإخوان المسلمين هم سبب بلاء الأمة ويقفون خلف أغلب المشاكل والإفرازات في السعودية والدول العربية والإسلامية".

عواصف الربيع

مثلت ثورة 14 يناير/كانون الأول 2010 في تونس، انطلاقا لموجات ثورات الربيع العربي، التي وصلت إلى أخطر محطاتها في مصر 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

شكلت مصر بثورتها أكبر المخاطر من وجهة نظر السعودية، لعدة أسباب منها حجم مصر تاريخيا وإستراتيجيا، ودورها المحوري والرئيسي في المحيط العربي، ولما تمتلكه من التيارات الفكرية التي تعد من عناصر الجذب والتأثير على الحراك الثقافي والاجتماعي في الشرق الأوسط والسعودية، التي تمتلك جالية مصرية تقدر بمئات الآلاف.

أدرك النظام الملكي السعودي، أن الدور المصري القادم لن يكون شبيها بدور مصر في عهد حسني مبارك، وهكذا فإن الأنظمة الجديدة التي قد تبرز في كل من مصر وتونس وسوريا واليمن قد تمثل بالنسبة للرياض ما يشبه الكماشة السياسية التي تقلقها وتمثل تهديدا لمركزها في العالم العربي والإسلامي وعلى المستوى الدولي، والأبعد خوفها من فكرة تصدير الثورة، وانبعاثها في شبه الجزيرة المستقرة منذ عقود تحت حكم آل سعود.

ومع صعود الرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، عام 2012، بدأت السعودية تتحرك بقوة لزعزعة حكمه، رغم أنه حرص على العلاقات بين القاهرة والرياض منذ البداية، وكانت الرياض أول وجهاته الخارجية، ولكن النظام هناك شكّل مع الإمارات محورا لقيادة الثورات المضادة وإسقاط الحكومات المنتخبة، خاصة الممثلة من الإخوان.

تصنيفات الإرهاب

في 19 مارس/ آذار 2018، خلال لقائه مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة سي بي اس نيوز الأمريكية، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: إن "المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ولا يزال البعض منهم موجودا، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيا".

وصرح الأمير السعودي ردا على سؤال مقدمة البرنامج، نورا اودونيل، بشأن القضاء على التشدد في النظام التعليمي، قائلا: "بالطبع سنقضي على التشدد، فلا توجد دولة في العالم تقبل تعرض نظامها التعليمي لغزو من أي جماعة متطرفة".

وفي مارس/ آذار 2014، قطعت السعودية كل السبل مع الجماعة، بعد أن صنفتها بشكل رسمي، وعبر مرسوم ملكي، جماعة إرهابية، وجرمت التعامل معها، في حدث غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين المملكة والتنظيم.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول 2017، قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية: "إن السعودية مستمرة في تضييقها الأمني الذي انتقدته المنظمات الحقوقية، وإن بعض كبار المسؤولين بدأوا يقولون الآن إن حملة الاعتقالات الجارية بالمملكة تستهدف مشتبهين في مؤامرة لقلب الحكومة".

وأكد تقرير الصحيفة الأمريكية أن "أغلب المعتقلين لهم روابط واتصالات بكيانات أجنبية بما فيها تنظيم الإخوان المسلمين".

وفي 24 مارس/ آذار 2018، كشفت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، عن أنها بدأت في إبعاد الأئمة والخطباء الذين يثبت أن لهم صلة بالإخوان أو تعاطفا معهم أو ميولا لأفكارهم، وحسب نائب وزير الشؤون الإسلامية توفيق السديري "أبدت وزارته استعدادها للتعاون مع وزارة التعليم من أجل مراجعة المناهج الدراسية، للتأكد من خلوها من أفكار جماعة الإخوان".

خسائر متبادلة

الإخوان وحدهم لم يكونوا الخاسر الأوحد من وراء حملات الاضطهاد التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان عليهم، ففي الوقت الذي انشغل فيه قصر اليمامة بتوجيه ضربات محكمة للجماعة، ومطاردة عناصرها، وإدراجها على قوائم الإرهاب، توسع نفوذ إيران الخصم اللدود، عبر أذرعها التنظيمية المسلحة في دول الجوار، وتوغلت في عدد من العواصم العربية على رأسها (صنعاء، وبيروت، ودمشق، وبغداد، والمنامة).

كذلك تبدلت الرؤية الشعبوية للمملكة كراعية للإسلام السني، وحاضنة للعلماء والدعاة، إلى دولة بوليسية تقدم على اعتقال المعارضين، وتقييد الحقوق والحريات.

بل إن أخطر ما يواجه المملكة هو تفكيك المنظومة الدينية والاجتماعية المتجذرة، عبر عقود من تاريخ الدولة، ولا سيما المكون الدعوي، الذي مثّل القوة الناعمة للبلاد، بالإضافة إلى الرابط الوثيق الحاكم لأطرافها البعيدة.

الكاتب الصحفي قطب العربي يؤكد الفرضية بقوله: "إن السعودية الآن تتجه لتغيير ثيابها، وسمتها الإسلامية بالكلية، ولم يعد في أبجديات مشروعها الدفاع عن الإسلام السني، يدلل على ذلك ما تفعله بجماعة الإخوان المسلمين من الاضطهاد والتنكيل".

وقال العربي لـ "الاستقلال": "مشروع النظام السعودي الحالي قائم على زيادة هيمنة محمد بن سلمان، الذي يأخذ دعمه المباشر من إسرائيل، واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يفسر تقاربه الكامل مع دولة الاحتلال بشكل غير مسبوق، لم يسبقه إليه أي ملك سعودي آخر".

وأوضح الكاتب الصحفي المصري قائلا: "بلا شك أن السعودية خسرت أكبر جماعة سنية، وتنظيم أهلي في العالم، غير عابئة بالأبعاد المستقبلية لتلك الإستراتيجية، في ظل منطقة تمور بالأحداث العاصفة".