وسط معاناة المصريين.. لماذا يمنح السيسي امتيازات ضخمة للجيش؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما يئن المصريون من ويلات الأزمة الاقتصادية الراهنة وانتظارهم أن تخفف الدولة من حدتها، صوب رئيس النظام عبدالفتاح السيسي وجهه نحو ظهيره العسكري الذي أتى به إلى الحكم، مغدقا عليه بامتيازات غير مسبوقة لضمان ولائه وإبادة أي اضطرابات شعبية محتملة.

وهذه الامتيازات التي تضع الجيش كدولة فوق الدولة وأفراده وذويهم فوق الشعب، تأتي بالمخالفة لنص (المادة 53) في الدستور بأن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير للقضاء على أشكال التمييز كافة".

ووفق تسريبات نقلها موقع "عربي21" الإلكتروني عن مصادر بالجيش، في 3 يوليو/ تموز 2022، منح السيسي أفراد القوات المسلحة وعائلاتهم امتيازات غير مسبوقة، قد تغضب باقي الجهات السيادية مثل الشرطة، والقضاء، والأجهزة الرقابية.

دولة فوق الدولة

في محاولة لضمان ولاء ضباط الجيش، وفق التسريبات، قرر السيسي أن تكون "وزارة الدفاع الوزارة السيادية رقم (1) بالبلاد، ويتمتع السادة الضباط والأفراد فيها بحصانة تمنع أي جهة مدنية من مساءلتهم".

قرارات السيسي التي جرى تعميمها على مؤسسات وأجهزة الدولة للعمل طبقا لما جاء فيها، فرضت عقوبات على كل من يخالفها ومن يسيء إلى ضباط الجيش أو يتعامل معهم دون مراعاة تلك التعليمات.

ووفق القرارات، فإن "مَن يمس بهذه الحصانة يخضع للتحقيق الفوري والمساءلة أيا مَن كان من المؤسسات المدنية، بما في ذلك أي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني".

"إذ يجرى القبض على المخالفين عن طريق الشرطة العسكرية، وقد تصل العقوبة للسجن العسكري، وهذا لا يعني أن أيا من أفراد القوات المسلحة فوق القانون، إنما ينظم القضاء العسكري المساءلة الخاصة بهم"، بحسب التسريبات.

وأضافت أن "المؤسسة العسكرية لا تخضع لقانون الطوارئ الذي يعطي الحق للقبض على أي شخص أيّا كان منصبه سواء يتبع مؤسسة رقابية أو مجلسا نيابيا أو وزيرا أو بالقضاء المدني أو بالشرطة المدنية، بينما لا يخضع السادة الضباط والأفراد بالجيش لقانون الطوارئ نصا صريحا".

كما "لا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني التعارض مع السادة الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة حتى بالأجهزة الرقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني مُخالفة ذلك.. ".

كذلك "يحق لصاحب الصفة العسكرية أن يُقاضي المخالف في هذه المؤسسات أو الشرطة المدنية أو القضاء المدني، والقبض عليه فورا عن طريق الشرطة العسكرية، وقد تصل العقوبة إلى سجنه مباشرة بالسجن العسكري نصا صريحا".

قرارات السيسي الصادرة بصفته الحاكم العسكري، والقائد الأعلى للقوات المسلحة تنص أيضا على أنه "لا يحق تفتيش سيارات السادة الضباط والأفراد من أي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية تحت أي ظرف من الظروف.. ". 

وأن "الأجهزة الرقابية أو الشرطة المدنية لا تتعامل مع السادة الضباط والأفراد (العسكريين)، إلا في حالتي القتل والتلبس محل الحدث، والاتجار بالمخدرات، وفي الحالتين الاستثنائيتين لا يُقبض على صاحب الواقعة، ولا يذهب لأقسام الشرطة.. ".

"بل يُتحفظ عليه محل الواقعة وإبلاغ التحريات العسكرية والشرطة العسكرية والأمانة العامة بوزارة الدفاع لاتخاذ اللازم، ثم يتولى التحقيق القضاء العسكري"، وفق التسريبات.

وأشارت أيضا إلى أن "المتقاعدين من القوات المسلحة تابعون للقضاء المدني، إلا الضباط الحاملين لرتبة العقيد والعميد واللواء؛ فهم يتمتعون بما يتمتع به الضباط في الخدمة هم وذووهم".

وأكدت أن "زوجات وأولاد السادة الضباط والأفراد، بالإضافة إلى الأب والأم، يتمتعون بما يتمتع به السادة الضباط طبقا للبنود السالف ذكرها".

شراء الولاءات

تلك الامتيازات يرى فيها مراقبون محاولة من السيسي لاسترضاء الجيش بكل عناصره ودرجاته، وتعزيزا لنفوذ قادة الجيش ومنحهم الحصانة ضد أي مدني في أرض مصر.

كما تستهدف سيطرة السيسي على الجيش كونه المعطي والمانح بسخاء، إلى جانب شرعنة تلك الامتيازات ومنحها الصفة القانونية في ظل قبول البرلمان بكل قرارات النظام ومع غياب سلطات الرقابة والصحافة.

المثير في الأمر، هو أن منح السيسي تلك الامتيازات لضباط وأفراد الجيش يأتي في ظل أزمات مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية يعاني منها المصريون، خاصة مع موجة الغلاء غير المسبوقة التي أوصلت معدلات التضخم إلى 15.3 بالمئة في مايو/ أيار 2022.

كما يعاني المصريون من الفقر والبطالة وانتشار الجريمة، ولجوء الشباب إلى الهجرات غير الشرعية عبر ليبيا أو من خلال مراكب الموت عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وهي الأزمات التي تتوازى مع حالة غضب مكتوم واحتقان بالشارع المصري من قرارات النظام.

وفي تعليقه على المشهد، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا: "في حال صحة هذه الأخبار تكون هذه الامتيازات تطورا غير مسبوق في تشريع امتيازات لضباط الجيش لا ينص عليها الدستور ولا قوانين الدولة".

وأكد لـ"الاستقلال"، أن "تلك الامتيازات لو صحت تصنع تمييزا غير معهود في التعامل مع موظفي الدولة والعاملين فيها"، موضحا أنها "تدل على تخوف شديد من النظام من حدوث ردات فعل شعبية".

وأضاف "هو يعتمد في الأساس في إدامة حكمه على المؤسسة العسكرية، ويحاول أن يربطها بشخصه عبر تقديم امتيازات غير مسبوقة، وفي حال حدوث مظاهرات أو احتجاجات سيدافع عنه الضباط باعتبار أنهم يدافعون عن امتيازاتهم".

مولانا، رأى أيضا أن "هذا نوع من شراء الولاءات وتقنين عملية شراء تلك الولاءات خارج أية ضوابط دستورية أو قانونية، وهي مؤشر على ارتباك شديد داخل المنظومة لدرجة تفصيل قوانين بهذا الشكل في حال صحة هذه الأخبار".

وختم مؤكدا أن هذا ليس تحديا للشعب الغاضب أو جهات عليا مثل الشرطة والقضاء والرقابة الإدارية وغيرها، و"إنما هو شراء ولاءات لشخصه".

من جانبه، أكد رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، وهو ضابط سابق بالجيش المصري، إن "هذا هو الوضع الفعلي على مر العقود السبعة السابقة بمصر".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "هناك أزمة أعتقد عندنا في فهم طبيعة النظام؛ فالمشكلة ليست في السيسي كشخص، بمعنى لو كان هناك شخص آخر غيره لما تغير شيء". 

ومضى عادل يقول، أن "الأزمة في المؤسسة العسكرية ذاتها التي ترى نفسها قولا وفعلا أصحاب مصر ولا يُسألون عما يفعلون". 

وتابع: "كل ما حدث أن الظروف مواتية لإعلان ذلك وتقنينه، فلا يحاسب ضابط بالجيش إلا إذا حدث منه اختراق داخل سلوكيات المنظومة العسكرية".

وقال: "انظر إلى القاضي الذي قتل زوجته المذيعة ومثل بجثتها ودفنها، ماذا يفعلون معه؟ وهو من أطراف قلب السلطة، فما بالك بما يحدث مع ضباط الجيش وهم مقتنعون أنهم الطبقة الأعلى والأرقى بالبلاد؟"

وأكد أنه "لم يكن قبل ذلك ولن يكون بعد ذلك تطبيق لقانون الطوارئ على ضباط الجيش، وطوال الوقت هم دولة فوق الدولة قبل السيسي وبعده، ما لم يتغير النظام السياسي، ولم يقبض على ضابط تعامل بأي شكل مع غير الضباط طوال تاريخ العسكر". 

وختم عادل بالقول: "لا جديد إذا؛ الجديد فقط تقنين الواقع".

سجل طويل

امتيازات السيسي الجديدة لضباط الجيش سبقها امتيازات أخرى كثيرة منحها السيسي لأفراد الجيش بشكل دوري منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013.

بينها المادية مثل زيادة الرواتب والمكافآت والمعاشات والحصول على الوظائف المدنية العليا بعد التقاعد، فمع أول كل سنة مالية تزيد وراتب ومعاشات العسكريين بنسب تصل 20 بالمئة.

وفي هذا الإطار، أقر مجلس النواب، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، تعديل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة برفع سن تقاعد ضباط القوات المسلحة برتبة فريق من 62 إلى 64 عاما.

وعمد السيسي، أيضا إلى إطلاق يد شركات الجيش بقطاعات الاقتصاد كافة ومنحها المميزات الاقتصادية وعدم الرقابة عليها وإعفاءها من الجمارك والضرائب، ما يضاعف دخل الضباط.

وفي يوليو/ تموز 2015، أصدر قانونا يمنح وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما وجهاز المخابرات العامة حق تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال.

وهو الأمر الذي أخذ لاحقا منحى أكبر، إذ إنه في 22 فبراير/ شباط 2022، أقر البرلمان مشروع قانون يمنح المخابرات حق تأسيس الشركات بجميع أنواعها، والمساهمة بشركات قائمة ومستحدثة، وتولي أفراد الجهاز مناصب أعضاء ورؤساء مجالس الإدارة بالشركات.

القانون الذي أثار جدلا حينها، منح رئيس الجهاز ونائبه معاملة وزير ونائب وزير، ومنح امتيازات مالية جديدة للعاملين بالجهاز، مع تمديد الخدمة لعناصره بعد سن التقاعد.

ما فتح الباب أمام المخابرات لتنافس الجيش الذي يسيطر على 60 بالمئة من اقتصاد مصر، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية منشور في مارس/ آذار 2014.

ومنذ ذلك الحين استحوذ جهاز المخابرات على مجموعة "إيغل كابيتال للاستثمارات المالية"، التي تمتلك "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المسيطرة على أغلب وسائل الإعلام المصرية المقروءة والمسموعة والمرئية وسوق الدراما والسينما والإعلانات.

وتمتلك أيضا، شركة "النيل للمقاولات"، و"الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات"، وشركات تسويق عقاري، ومصنع "المستنسخات الأثرية"، وشركة "كنوز مصر للنماذج الأثرية"، وتعاقدت شركة "غاز الشرق" التابعة للجهاز على صفقة شراء الغاز مع إسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

ووفقا لمؤشر مكافحة الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية سبتمبر/ أيلول 2015، فإن "ميزانية وزارة الدفاع المصرية المقدرة بـ4.4 مليارات دولار، تعد سرا من أسرار الدولة ولا تتوافر بأي صيغة للجمهور وللسلطة التشريعية".

وكان لافتا منح السيسي حصانة لضباط بالجيش يختارهم شخصيا، من الملاحقة القضائية على أي فعل ارتكبوه أثناء تأديتهم مهام مناصبهم بدءا من 3 يوليو 2013.

وهي الفترة التي شهدت جرائم قتل المتظاهرين من رافضي الانقلاب ومجازر فض اعتصامي "رابعة العدوية والنهضة" في 14 أغسطس/ آب 2013، والمتورط فيها كبار قادة الجيش والشرطة.

ووفق المادة السادسة من ذلك القانون يتمتع هؤلاء الضباط، أثناء سفرهم خارج البلاد بالحصانات الخاصة المقررة لرؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية، كما يتمتعون بالمزايا والحقوق المقررة للوزراء.

منح مفتوحة

ورغم سيطرة الجيش على نحو 87 بالمئة من الأراضي في مصر، إلا أن السيسي واصل منحها لضباط الجيش والجهات التابعة له.

وفي 27 فبراير/ شباط 2022، نشرت الجريدة الرسمية قرار تخصيص 32.25 فدان بالبحيرة الشاطئية بمدينة العلمين الجديدة، لجهاز المخابرات لإنشاء 64 فيلا و610 وحدات سكنية.

وقبلها بنحو أسبوعين في 14 فبراير، جرى اعتماد مخطط تفصيلي لـ 90.46 فدانا بمنطقة النرجس بالقاهرة الجديدة لصالح مجلس الدفاع الوطني وجهاز المخابرات لإقامة مشروع سكني وترفيهي وفندقي وإداري وتجاري.

إلا أن السيسي، وفي مقابل كل تلك الامتيازات وغيرها منع عبر تعديلات قانونية في 29 يوليو/ تموز 2020، ضباط الجيش السابقين من الترشح لأي انتخابات دون موافقة الجيش، وذلك في إطار فرض سيطرته على الحكم، وتخوفه من صعود أي من القادة العسكريين لمنافسته.

ومع ترامي أطراف إمبراطورية الجيش جرى عام 2015، إعفاء 600 فندق ومنتجع مملوكة له من الضرائب العقارية، بجانب إعفاء شركاته من رسوم الاستيراد، وضريبة الدخل، ومنع معاينة الشحنات.

واكتملت سلسلة إعفاءات شركات الجيش التي تصب أرباحها في النهاية لصالح الضباط وضباط الصف في عام 2016، عندما أعفى قانون ضريبة القيمة المضافة الجيش وباقي المؤسسات الأمنية من الضريبة.

ولفت الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية محمود جمال، إلى أنه يقوم بتغييرات جوهرية بقيادات الجيش والمجلس العسكري مع كل حركة، وأطاح بكل من شاركوه الانقلاب ما عدا 4 أسماء.

وأوضح في تقرير نشره في 16 يونيو/ حزيران 2021، أن "إستراتيجية السيسي بالحكم عملت على تحويل منظومة الحكم من حكم المؤسسة العسكرية ككل إلى حكم الفرد العسكري، المهيمن والمسيطر على المؤسسات والأجهزة كافة، وذلك خوفا من مصير حسني مبارك الذي انقلب عليه الجيش في يناير 2011".

ولفت إلى جانب آخر من سياسة السيسي مع قادة الجيش وهي سياسة التنكيل مثلما فعل مع الفريقين سامي عنان، وأحمد شفيق، والعقيد أحمد قنصوة، لمنعهم من الترشح في الانتخابات الرئاسية 2018.

جمال، أشار أيضا إلى سياسة العصا والجزرة مع القيادات بإعطاء امتيازات غير مسبوقة لجميع كبار قادة الجيش وتحصينهم من أي مسالة قانونية سواء كانوا بالخدمة أو خارجها حتى لا يكتسب عداوتهم بعد استبعادهم وتدويرهم المتسارع.