أبوظبي تعرقلها.. صحيفة فرنسية: الجزائر تصر على إدارة البعثة الأممية بليبيا

اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في 23 يونيو/ حزيران 2022، ترشيح وزير خارجية الجزائر السابق صبري بوقادوم لشغل منصب رئيس البعثة الأممية في ليبيا الشاغر منذ أكثر من 7 شهور.
وأوضحت صحيفة لوموند الفرنسية، أن الجزائر عبر الدفع ببوقادوم مصرة على إدارة البعثة الأممية في ليبيا رغم رفض ترشيحها وزير خارجيتها الحالي رمطان لعمامرة لهذا المنصب سابقا من قبل الإمارات وأميركا.
فراغ كبير
وتعليقا على هذا المشهد قالت الصحيفة الفرنسية إن الأمم المتحدة غير قادرة على تعيين مبعوث خاص لليبيا، في الوقت الذي يتم تعزيز الانقسام فيه بين حكومتين متنافستين.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، استقال الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيتش من منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا.
ورفض هذا المحارب السلوفاكي المخضرم في بعثات الأمم المتحدة مغادرة جنيف ليستقر في العاصمة الليبية.
ولم يكن من الممكن أن تأتي مثل هذه الاستقالة في وقت أسوأ، حيث كان من المقرر أن تبدأ الانتخابات العامة، الرئاسية أولا ثم التشريعية، في الشهر التالي حينذاك، من أجل كسر الجمود السياسي في البلاد.
وبالتالي، فإن فشل الأمم المتحدة ساهم في تأجيل هذه المواعيد الانتخابية إلى أجل غير مسمى، حيث انقسمت البلاد بين حكومتين متنافستين.
واحدة، يقودها منذ مارس/ آذار 2021 في العاصمة طرابلس عبد الحميد دبيبة، وترفض الاستقالة قبل إجراء الانتخابات.
والأخرى، يترأسها فتحي باشاغا منذ مارس/ آذار 2022، الذي حاول عبثا، بعد شهرين، أن يقيم في العاصمة، قبل انسحابه إلى شرق البلاد، معقل حليفه صاحب النفوذ في شرق ليبيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.
وقد يكون كل من الدبيبة وباشاغا أصيلي منطقة ميناء مصراتة، وهو معقل ثوري في طرابلس، لكن الأمم المتحدة وحدها هي التي يمكن أن تهدئ المواجهة بينهما.
لكنها تتجاهل الآن الصلات الإقليمية والولاءات الحزبية، وغير قادرة حتى على تعيين ممثل جديد لليبيا.
قائمة طويلة
ورصدت الصحيفة قائمة طويلة لمبعوثي الأمم المتحدة خلال العقد الأخير، إذ جاء في البداية البريطاني إيان مارتن، الرئيس السابق لمنظمة العفو الدولية، الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2011، بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي.
وقد كان الأمر متروكا له للإشراف، في يوليو/ تموز 2012، على أول انتخابات عامة في ليبيا.
ثم خلفه طارق متري، وزير الخارجية اللبناني سابقا، في سبتمبر 2012 وحاول اعتماد دستور جديد.
لكن في مايو/ أيار 2014، كان عليه أن يواجه الحرب الأهلية التي انطلقت من طبرق على يد خليفة حفتر.
بعدها تلقى حفتر دعما عسكريا وسياسيا من مصر المجاورة والإمارات العربية المتحدة، التي قصفت قواتها الجوية العاصمة طرابلس في أغسطس/ آب 2014.
وبذلك استقال طارق متري في الشهر التالي، مما أفسح المجال للإسباني برناردينو ليون.
وأشرف ليون نيابة عن الأمم المتحدة على المفاوضات بين السلطات المتنافسة في طرابلس وطبرق والتي أدت إلى عقد مؤتمر سلام في المغرب، ثم دستور حكومة الاتحاد الوطني في ديسمبر/ كانون الأول 2015.
لكنه توجب عليه أن يترك منصبه قبل فترة وجيزة، بسبب فضيحة إخلاله بحياده عبر دخوله في مسار من التفاوض مع الإمارات لتعيينه في منصب مربح بصلب الأكاديمية الدبلوماسية في أبو ظبي.
وهو نفس المنصب الذي تقلده بمجرد أن ترك مهامه في الأمم المتحدة.
بعدها خلفه المبعوث الخاص الجديد، مارتن كوبلر، الذي قاد سابقا بعثات الأمم المتحدة في العراق ثم في الكونغو.
وعمل كوبلر على استعادة مصداقية الأمم المتحدة، رغم أنه فشل في نزع سلاح حفتر ضد حكومة طرابلس، إلا أنه تم تشكيل رغم ذلك حكومة الوحدة الوطنية.
بعده خلفه اللبناني غسان سلامة في حزيران/ يونيو 2017، والذي أصر على الإقامة في ليبيا بدلا من جنيف، وضاعف على الفور منتديات الحوار بين الليبيين.
لكن مؤتمر المصالحة، الذي كان من المقرر حينذاك عقده في ليبيا في أبريل/ نيسان 2019، تم إفساده حرفيا من خلال شن حفتر هجوما جديدا على طرابلس، بدعم من الإمارات ومصر وروسيا، التي تنخرط في الميدان عبر مرتزقة فاغنر.
نكسة مزدوجة
وترك سلامة منصبه لأسباب صحية في مارس 2020، وتولت القيادة المؤقتة لبعثة الأمم المتحدة من جنيف دبلوماسية أميركية ليس لها وزن سياسي، وهي ستيفاني ويليامز.
واقترحت الجزائر تعيين واحد من أكثر دبلوماسييها احتراما، هو وزير الخارجية السابق حينها رمطان لعمامرة.
هذا الترشيح، على الرغم من بعده الإفريقي والعربي، بعد أن عارضت الجزائر تدخل الناتو ضد القذافي في عام 2011، عارضته الإمارات، إذ خشيت ضغوط لعمامرة على حفتر وحشدت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمعارضته.
وبذلك ظل منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة شاغرا حتى يناير/ كانون الثاني 2021، عندما وافق كوبيتش على التعيين، ولكن بشرط صريح هو البقاء في جنيف لا في طرابلس.
وأضعف هذا الشغور الطويل مكانة الأمم المتحدة، وازداد هذا الضعف أكثر بسبب الإدارة الجديدة للملف الليبي عن بُعد، والتي أدت إلى حد كبير إلى المأزق الحالي، الذي لا يزال حفتر عنصرا حاسما فيه.
وقدمت الجزائر أخيرا إلى مجلس الأمن ترشيح صبري بوقادوم للمنصب الأممي، وهو سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة من 2013 إلى 2019 ، قبل قيادة الدبلوماسية الجزائرية حتى عام 2021.
لكن الإمارات، التي انضمت إلى هذا المجلس لمدة عامين في يناير 2022، في نفس الوقت مع غانا، تعارض مرة أخرى ترشيح الجزائر.
وترى أبو ظبي بالفعل، كما حدث في عام 2020، أن مثل هذا الترشيح قد يكون غير مواتٍ لحفتر.
ويمكن للإمارات أن تعتمد هذه المرة على فيتو روسيا، المصممة على الحفاظ على استثماراتها السياسية والعسكرية في حفتر، في ظل تصاعد التوترات في جنوب البحر المتوسط.
وهكذا يصبح الكرملين المستفيد الرئيس من المأزق في ليبيا، التي تقدر قدرتها على الأذى على خلفية شلل النظام متعدد الأطراف.
لذلك سيكون من الوهم فصل هذا المأزق الليبي عن إعادة توزيع البطاقات الدولية التي أثارتها الأزمة الأوكرانية.