كيف تساهم أميركا في الشلل السياسي بالعراق؟.. صحيفة بريطانية تجيب

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة التايمز البريطانية، أن الولايات المتحدة ساهمت بدور كبير في الشلل السياسي الذي يطغى حاليا على المشهد السياسي في العراق، في ظل تعذر تشكيل حكومة منذ 8 أشهر على إجراء الانتخابات.

وأوضحت الصحيفة أن أميركا صنعت بعد غزوها العراق عام 2003، نظاما قائما على المحاصصة السياسية يغذي الهويات العرقية والمذهبية، ويضمن لها البقاء بالسلطة، مع ساعد على استفحال الفساد على مر السنين.

دائرة مفرغة

وذكرت أن الجهود التي استمرت عدة أشهر لتشكيل حكومة جديدة في العراق فشلت، بعد أن طلب رجل الدين الشيعي ذو النفوذ الكبير مقتدى الصدر من كتلته الأولى بالبرلمان البالغة 73 مقعدا، الانسحاب من مجلس النواب. 

كما تراجع مرشح الصدر لمنصب رئيس الوزراء عن التنافس على المنصب أيضا.

وأدى الانسحاب إلى اضطراب كبير في تشكيل الهيئة التشريعية المكونة من 329 مقعدا، ومن المرجح أن يمنح مزيدا من السلطة البرلمانية للأحزاب الموالية لإيران. 

ويمكن أن يساعد أيضا في مواءمة حزب الصدر مع المحتجين العراقيين الذين أدانوا منذ عام 2019 النظام السياسي للبلاد، إذا تم النظر إلى هذه الخطوة على أنها رفض للوضع الراهن.

ويقول الخبراء إن الشلل السياسي منذ الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، يرجع جزئيا إلى السخط المستمر منذ فترة طويلة بين العراقيين الذين يشعرون أن النظام السياسي يعطي الأولوية لإبقاء النخبة في السلطة على توفير الخدمات الأساسية مثل الحصول على الكهرباء والمياه النظيفة. 

وعلى المدى القصير، يعود السبب أيضا إلى عدم قدرة الصدر على الدفع بإصلاحات سياسية من شأنها أن تعزز سلطة حزبه.

وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، تم إنشاء النظام السياسي في العراق تحت رعاية الولايات المتحدة كحكومة توافقية توفر مقعدا على الطاولة لجميع الأحزاب السياسية الرئيسة. 

لكن أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية ميسوري ديفيد رومانو، يقول "قد يبدو ذلك جيدا من الناحية النظرية، لكن ما تم التوصل إليه في العراق كان مجرد تقسيم للغنائم والسلطة السياسية، لذلك انتشر الفساد". 

وأضاف، "لم يكن على أي مسؤول فعل أي شيء  لأنهم حصلوا على نصيبهم من السلطة في كل انتخابات فقط بحكم أنهم قادمون من مجتمعات عرقية طائفية رئيسية".

نظام فاسد

ولفتت الصحيفة إلى أن الصدر جادل، الذي يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه زعيم قومي وشعبوي عراقي، بأن دعوته لسحب أنصاره من البرلمان هي في خدمة الشعب العراقي. 

وقال الصدر في بيان "إذا كان بقاء الكتلة الصدرية عقبة أمام تشكيل الحكومة، فعندئذ يكون جميع ممثلي الكتلة مستعدين للاستقالة من البرلمان".

ووفقا للخبراء، فإن وجود حكومة توافقية هي السبب ولو جزئيا في ترسيخ نظام لا يستجيب لاحتياجات الشعب العراقي. 

وفي ظل هذا النمط من الحكم، سرقت النخب مؤسسات الدولة واستخدمتها لبناء شبكات رعاية شخصية، كما يقول الأستاذ المساعد في جامعة كوبنهاغن الخبير في السياسة العراقية فنار حداد.

ويقول حداد: "النخب المعنية ادعت أنها تمثل المجتمعات والطوائف لكن ذلك غير صحيح.. لقد زاد ذلك من الأهمية السياسية للهويات العرقية والطائفية لأنها أصبحت العملة الأساسية للحياة السياسية".

ويضيف حداد أن الصدر، الذي حقق حزبه نتائج جيدة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أراد استخدام ميزته الانتخابية لكسر هذا التقليد حتى يكون للحكومة حرية أكبر في تمرير التشريعات وسن السياسات. 

ويتابع: "في النهاية، تحرك الصدر يتعلق بإنشاء نظام به عدد أقل من اللاعبين يستبعد بعض منافسيه ويساعده على تأكيد الهيمنة داخل النظام السياسي". 

وقد تمت عرقلة الصدر في محاولاته القيام بذلك من قبل أحزاب المعارضة، التي لجأت إلى عرقلة الجلسات البرلمانية وتكتيكات أخرى.

ونتيجة لذلك، لم يتغير شيء يذكر، حيث يقول الزميل الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ريناد منصور، "في كل انتخابات، يكون هناك نفس القادة في الساحة.. نفس الأشخاص يلعبون لعبة الكراسي الموسيقية حتى وإن غيروا ممثليهم في الحكومة".

ويُعتقد تقليديا أن الانقسامات الأولية في العراق هي تلك التي تشمل الخطوط الشيعية والسنية والكردية، والتي تشكل 62٪ و30٪ و 16٪ من سكان البلاد، وفقا لاستطلاع تم إجراؤه في عام 2014.

والأكراد هم في الغالب من السنة، ما يعني أن التوزيع الطائفي في العراق هو 60٪ شيعة و 40٪ سنة.

نخب مفلسة

ومع ذلك، يقول منصور إن المصدر الرئيس للتوتر على مدى العقد الماضي كان في الواقع بين النخب السياسية والجماهير العراقية، وليس بين الطوائف والجماعات العرقية المختلفة. 

وأضاف "يعود سبب الشلل في المقام الأول إلى النخبة المفلسة اقتصاديا وأيديولوجيا وبسبب ذلك يثور السكان ضد قادتهم".

وبين عامي 2019 و2021، اجتاحت مظاهرات حاشدة المدن العراقية احتجاجا على الطائفية السياسية وفشل الدولة في توفير الوظائف أو الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والصرف الصحي. 

وأدت تلك الاحتجاجات إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وانتخابات أكتوبر التي شهدت فوز كتلة الصدر بـ 73 مقعدا.

ويقول منصور إنه وبسبب الاحتجاجات ضد النظام بأكمله، فإن الأحزاب السياسية مثل الصدر تولي اهتماما وثيقا لتأمين دعم العراقيين في الشارع. 

ويشير المحللون إلى أن الصدر ربما لجأ إلى أسلوب الانسحاب المتطرف نسبيا كطريقة للانضمام إلى الجماهير. 

ولا تعد الكتلة البرلمانية المصدر الوحيد للسلطة، حيث يتنافس مع القوة العسكرية وعلى قوة الشوارع، كما يقول حداد.

وأضاف: "يرغب الصدر في توجيه رسالة مفادها أن حزبه كان ضد النظام لدرجة أنهم استقالوا بالكامل. قد لا تكون خطته مجرد حشد الناس ولكن الدعوة إلى التظاهر من أجل إسقاط الحكومة المقبلة وتوجيه الجماهير ضد خصومه".

ويضيف الخبراء أنه للتعامل مع الفراغ الذي خلفته الاستقالات، يمكن للمرشحين الذين حصلوا على ثاني أكبر عدد من الأصوات في الدائرة البرلمانية أن يحلوا محلهم، ومع ذلك، هناك شك في أن الصدريين سينسحبون بالكامل من الحكومة. 

وفي هذا السياق يقول حداد: "لا أعتقد أنه أمر لا رجوع فيه، وهذا تكتيك يمكن من خلاله ممارسة الضغط على خصومه وربما التفوق عليهم".

ويقول منصور إنه في السنوات القليلة الماضية، أصبح الصدريون أقوى حزب في الحكومة، لكنهم يريدون في الوقت نفسه أن يكونوا في مقدمة حركات الاحتجاج والمعارضة.. المعضلة الأساسية التي يواجهها الصدريون هي أنهم يريدون القيام بالأمرين".

لكن بالنسبة للعديد من العراقيين، فإن هذه الخلافات البرلمانية ليست على قمة اهتماماتهم، بالنظر إلى حالة الخدمات العامة في البلاد. 

وفي هذا السياق، يقول حداد "هناك شعور عميق بأن ما يجب أن يكون دولة غنية غير قادرة حتى على إبقاء الأضواء تعمل. إنه نظام سياسي لا يستجيب لمطالب الشعب، منذ ما يقرب من 20 عاما حتى الآن".