قناة فرنسية تهاجم نبيه بري: يمثل كل ما هو خطأ في النظام اللبناني

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت قناة فرنسية الضوء على مستقبل رئيس مجلس النواب اللبناني المنتهية ولايته نبيه بري، في ظل التغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحة السياسية بالبلاد وسط أزمة اقتصادية كارثية من بين الأسوأ بالعالم يئن من وطأتها معظم السكان.

وأكدت قناة "فرانس 24"، أن بري الذي شغل منصب رئيس البرلمان طوال الثلاثين سنة الأخيرة، يعد رمز النظام الفاشل في لبنان، ويمثل كل ما هو خطأ بسياسات البلاد، ومع ذلك عازم على الترشح لولاية جديدة عقب انتخابات 15 مايو/ أيار 2022.

أجواء ملبدة

وذكرت القناة أن بري رئيس حركة أمل الشيعية البالغ من العمر 84 عاما لاعب سياسي محنك شغل منصب رئيس مجلس النواب في البلاد لمدة 30 عاما، وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة يخوض معركة جديدة للحفاظ على منصبه من جديد.

واستدركت قائلة: لكن عددا قياسيا من الوافدين الجدد والمعارضين السياسيين يعارضون إعادة انتخابه، وقد يكون ذلك خطيرا على لبنان، في ظل تقدم حزب القوات اللبنانية، المناهض للتكتل الشيعي في الانتخابات البرلمانية.

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وقعت مواجهات بالرشاشات والقذائف الثقيلة لنحو 5 ساعات في منطقة الطيونة، التي تفصل بين منطقة الشياح ذات الأغلبية الشيعية ومنطقة عين الرمانة – بدارو ذات الأغلبية المسيحية في العاصمة بيروت.

واتهم كل من حزب الله وحركة أمل حزب القوات اللبنانية بالسعي إلى إشعال حرب أهلية جديدة وإطلاق النيران على رؤوس المتظاهرين من قبل قناصة، لكن الأخير نفى ذلك وقال إن المسؤولية تقع على عاتق القيادات التي جرت أنصارها إلى ذلك المكان تحديدا لتنظيم تظاهرة.

واليوم يعد المعسكران المتنافسان لاعبين أساسيين في الخطوات السياسية المقبلة للبنان بعد الانتخابات الأخيرة، وعلى المحك مستقبل بلد يقع في قبضة أزمة اقتصادية مدمرة، الأمر الذي يتطلب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، والتي بدورها تحتاج إلى حكومة فاعلة.

وأظهرت نتائج الانتخابات خسارة حزب الله وحلفائه الأغلبية البرلمانية، بينما فاز الوافدون السياسيون ذوو العقلية الإصلاحية بـ13 مقعدا.

لكن الاحتفالات كانت خافتة مع التقدير الكئيب بأن  الانتخابات مهدت الطريق لجولة من التعاملات الخلفية والمآزق في أحسن الأحوال أو العنف في أسوأ الأحوال.

وفي ظل غياب الأغلبية المطلقة في البرلمان اللبناني المؤلف من 128 مقعدا، فإن أكبر الكتل في البرلمان الجديد هما المعسكران اللذان واجها الاتهامات وتبادلا الاتهامات في دوار الطيونة.

وربما تكون انتخابات 2022 قد بشرت بصعود تاريخي للوافدين الإصلاحيين الجدد في البرلمان. لكن الخطوة التالية في العملية الديمقراطية في لبنان تشمل أكبر النواب سنا.

رمز الفشل

وأكدت القناة الفرنسية أن نبيه بري هو الشخصية المركزية الثمانينية في سياسات ما بعد الحرب في لبنان، وهو أيضا رمز للنظام السياسي الفاشل في البلاد.

وبالنسبة للعديد من اللبنانيين الذين صوتوا للتغيير، يعد بري تجسيدا لنظام أدى إلى الشلل السياسي والانهيار الاقتصادي وسوء الإدارة المتفشي الذي سمح بحصول انفجار ميناء بيروت القاتل عام 2020. 

ونقلت عن مدير معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت كريم إميل بيطار، أن " بري يمثل كل ما هو خطأ في النظام اللبناني، الذي هو اليوم ليس مجرد حكم كليبتوقراطي، ولكن أيضا حكومة شيخوخة".

وبعد أسبوع بالضبط من تصويت 15 مايو، من المتوقع أن يبدأ أعضاء البرلمان اللبناني المنتخبون حديثا هيئة تشريعية جديدة بعد انتهاء تفويض المجلس الحالي.

وستكون مهمتهم الأولى انتخاب رئيس جديد، وهو منصب شغله بري منذ عام 1992. وبعد ثلاثة عقود في المنصب القوي، يتنافس بري لولاية سابعة على التوالي، وليس لديه نية للتقاعد.

وأوضح بيطار أن "نبيه بري هو جوهر الديناصور السياسي اللبناني المعوج.. لقد كان في السلطة طوال الثلاثين عاما الماضية، وهو أمر غير مسبوق حتى بالمعايير اللبنانية، ويمكن أن يتم انتخابه مرة أخرى".

لكن المشكلة هذه المرة هي أن هناك معارضة كبيرة وواسعة لبري وهذا يمكن أن يكون خطيرا في لبنان.

وبعد أن حقق حزبه مكاسب كبيرة في الانتخابات، واجه زعيم القوات اللبنانية المسيحية وخصم حزب الله اللدود سمير جعجع التحدي من خلال تعهده بعدم دعم إعادة انتخاب بري.

وقال جعجع لمحطة تلفزيونية محلية إن "انتخاب رئيس مجلس النواب لن يتم كما كان من قبل، نريد من رئيس مجلس النواب الذي يقف مع لبنان".

اختبار مهم

لكن منتقدين يقولون إن النظام الديمقراطي في لبنان لا يخدم الأمة بقدر ما يخدم النخب السياسية في البلاد.

وفي ظل نظام طائفي عتيق، فإن الرئاسة اللبنانية محجوزة لمسيحي ماروني، ويشغل منصب رئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي.

وبينما خسر حزب الله وحلفاؤه الأغلبية البرلمانية في الانتخابات، فاز الحزبان الشيعيان -حزب الله وحركة أمل- بمقاعد أكثر هذا العام مقارنة بعام 2018.

وقال بيطار في إشارة إلى تقاسم السلطة لتجنب العنف، "ترى هذه الكتلة أنه وعلى الرغم من عدم وجود أغلبية مطلقة في البرلمان، مع الأخذ في الاعتبار أنها تسيطر على جميع المقاعد الشيعية، يجب أن يكون ممثلهم رئيس المجلس ومرشحهم هو نبيه بري".

ولم يتغير الترتيب السياسي الطائفي في لبنان على الرغم من الدعوات المتكررة للإصلاح، بما في ذلك من قبل حركة احتجاجية بقيادة الشباب اندلعت في أكتوبر 2019 في أعقاب الأزمة الاقتصادية المدمرة.

وشهدت الحركة الاحتجاجية دخول العديد من قادة المجتمع المدني والناشطين في الصراع السياسي، ولأول مرة في تاريخ لبنان، فازوا بـ13 مقعدا استثنائيا.

لكن الآن بعد أن دخل عدد قياسي من الوافدين الجدد إلى البرلمان، سيكون اختبارهم الأول هو عزمهم على تحدي محور القوة الشيعية.

ومنذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990، اكتسب بري سمعة بأنه "لا يمكن المساس به فعليا"، وهو شخصية لا غنى عنها يتمتع بالسحر والقوة ليشق طريقه إلى المسرح السياسي.

وكانت رحلة صعود نبيه بري طويلة لابن تاجر، ولد في غرب إفريقيا، إلى منصب الزعيم السياسي الأعلى في لبنان.

رحلة صعود

وولد بري عام 1938 لعائلة تجارية انتقلت إلى سيراليون، وعاد إلى موطنه لبنان، حيث حصل على إجازة في القانون وعمل في المحاكم اللبنانية في الستينيات.

وكان الوقت الذي وصل فيه موسى الصدر، رجل الدين الشيعي ذو الشخصية الجذابة إلى جنوب لبنان لإنشاء خدمات اجتماعية للطائفة الشيعية المهمشة تاريخيا.

وفي الوقت الذي كان فيه اليساريون - بمن فيهم الشيوعيون - في العالم العربي منخرطين في قضايا العدالة الاجتماعية، وجذب الشباب الحضري، شكل الصدر حركة المحرومين التي أصبحت فيما بعد "أمل".

واختارت الحركة أن تكون في اليسار الشيعي، ووضعت الدين في قلب الصراع الطبقي.

وعندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، بقيت الحركة في البداية خارج الصراع. لكن عندما تولى بري قيادة الحركة عام 1980 لم يتردد في التورط في الحرب.

وخلال الصراع الطائفي الدموي، قاتلت مليشيا بري ضد كل جانب تقريبا، بما في ذلك في وقت ما ، خصم شيعي مغرور يسمى حزب الله.

وشهدت نهاية التسعينيات من الحرب الأهلية تحول بري، مثل معظم أمراء الحرب اللبنانيين، إلى لاعب قوي في الدولة. وقامت أمل بتسوية خلافاتها مع حركة حزب الله، وأقام الطرفان علاقة عمل متبادلة المنفعة.

ويساعد نبيه بري حزب الله لأنه يستطيع الحفاظ على الجسور بين حزب الله ومختلف الدول الغربية التي وضعت حزب الله على قوائم المنظمات الإرهابية.

لذا، فهو حليف جيد، خصوصا وانه قادر أيضا على التحدث مع السعوديين والأميركيين والفرنسيين، وفق ما أكده بيطار الذي قال أيضا إنه الوجه الذي يستخدمه حزب الله عندما يريد التفاوض مع دول غير مستعدة للتحدث مباشرة معه.

وقدرة بري على التعامل مع جميع اللاعبين ونزع فتيل التوترات داخل وخارج المجلس جعلته شخصية لا غنى عنها في المشهد السياسي اللبناني المعقد.