بدعوى دعم لاجئي سوريا.. لبنان يحاول تحصيل أموال إضافية من المانحين

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا ينفك ساسة لبنان بين الفينة والأخرى عن إبداء تذمرهم من تحمل أعباء اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود هربا من بطش أجهزة نظام بشار الأسد منذ عام 2011.

هذا الأمر أوصل بيروت إلى رفع صوت الاستغاثة بالمجتمع الدولي لمنحها مزيدا من الأموال بحجة مساعدة اللاجئين على أراضيها.

خطاب لبنان المتكرر عن تحميل السوريين وزر أزمته الاقتصادية التي عصفت به واشتدت منذ عام 2019، كان يتعالى قبيل عقد المانحين الدوليين مؤتمرهم السنوي في العاصمة البلجيكية بروكسل لجمع الأموال من الدول.

وسيخصص جزء كبير من تلك الأموال لمساعدة اللاجئين السوريين المنتشرين في تركيا ولبنان والأردن بالإضافة إلى مصر والعراق.

مؤتمر المانحين

وانتهى مؤتمر المانحين في بروكسل بنسخته السادسة تحت عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي جرى يومي 9 و10 مايو/أيار 2022، بتعهد المجتمع الدولي بتخصيص 6.7 مليارات دولار لصالح الشعب السوري، على أن يجري منح 4.3 مليارات دولار من المبلغ خلال 2022، و2.4 مليار دولار خلال 2023.

وحضر المؤتمر ممثلي 55 دولة و22 منظمة دولية، بما فيها مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله والأمم المتحدة.

لكن لم يجر دعوة روسيا حليفة نظام الأسد وداعمته الأساسية في حربه ضد شعبه إلى المؤتمر؛ بسبب غزوها لأوكرانيا منذ فجر 24 فبراير/شباط 2022.

ولذلك جرى تنظيم المؤتمر برعاية الاتحاد الأوروبي فقط، بينما كانت النسخ الخمس السابقة نظمت بالشراكة مع الأمم المتحدة.

وبالتزامن مع مؤتمر بروكسل قال الرئيس اللبناني، ميشال عون، لصحيفة "الجمهورية" المحلية في 10 مايو/أيار 2022 إن "لبنان لم يعد في مقدوره بتاتا تحمل وطأة وجود اللاجئين السوريين على أرضه.

ومضى عون يقول: "أصبح صعبا علينا ضبط تسربهم عبر قوارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته قبل خروج الملف عن السيطرة".

ويؤكد لبنان بشكل رسمي أنه يستضيف مليونا ونصف مليون لاجئ سوري في بلد يعيش فيه أربعة ملايين لبناني، في ألف بلدة ضمن خيم ومخيمات بظروف غير إنسانية.

واستبق وزير الخارجية اللبناني، عبدالله بو حبيب، مؤتمر بروكسل بالقول في 5 مايو: "إن لبنان سيؤكد أنه لم يعد باستطاعته تحمل عبء النزوح السوري".

وزير العمل اللبناني، مصطفى بيرم، المحسوب على "حزب الله" الداعم الرئيس لنظام الأسد، صعد من لهجته تجاه اللاجئين السوريين بقوله إن "مسألة النزوح لم تعد تحتمل، ولم تعد الدولة اللبنانية قادرة على مقاربة هذا الملف وضمانه بشكل كلي".

وأضاف بيرم بعد اجتماع للجنة الوزارية المكلفة ببحث موضوع اللاجئين السوريين ترأسه رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، في 29 أبريل/نيسان 2022، "نحن لا نتلقى أي مساعدة في هذا المجال، الأمور فاقت قدرة الدولة اللبنانية على التحمل، لم يعد لدينا مازوت للقوارب لمراقبة البحر".

وأردف: "على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها، كما يتوجب على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تتحمل مسؤوليتها". 

استفادة قليلة

وفي هذا الإطار، قال أسامة القاضي الأكاديمي والخبير الاقتصادي ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، لـ "الاستقلال"، إن "اللبنانيين اعتادوا على رفع سقف تذمرهم من اللاجئين السوريين لديهم مع كل مؤتمر دولي للمانحين؛ وذلك بهدف طلب مزيد من الأموال".

وأضاف القاضي: "لكن المشكلة أن لبنان يتقاضى نحو مليار دولار من المساعدة في كل مرة، ولا ينعكس هذا المبلغ المحصل بشكل إيجابي على حياة اللاجئين السوريين".

ومضى الأكاديمي يقول: "بل على العكس هناك اتهامات حتى أممية على وجود تمييز ومضايقات متعددة ضد اللاجئ السوري على الأراضي اللبنانية من السياسيين وأنصار بعض الأحزاب بغية دفعهم لمغادرة لبنان والعودة إلى بلدهم دون تأمين الأمن المطلوب لحياة آمنة ومستقرة ".

ولفت القاضي إلى أن "السوريين ليسوا مغرمين بالعيش في لبنان لكن كل ما يطلبونه هو الأمن والأمان حال عودتهم إلى سوريا دون أن يكون مصيرهم التهديد من أجهزة مخابرات نظام الأسد". 

وأشار رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، إلى أن "المشكلة في الإغاثات الأممية هي عدم وجود شفافية ومكاشفة مع العالم من ناحية كيفية صرف تلك المساعدات المالية دون التأكد من أنها تصرف بشكل حقيقي على اللاجئ السوري".

وزاد بالقول: "هناك مئات الألوف من الطلاب السوريين في لبنان خارج العملية التعليمية رغم وصول مليار دولار إلى (بيروت) في كل مؤتمر إغاثي وهم لا يتلقون لا تعليما مجانيا ولا صحة مجانية ويدفعون إيجار البيوت، وآخرون يقطنون في مخيمات الأمم المتحدة".

وتابع القاضي: "وبالتالي كل ذلك المبلغ المذكور تأخذه الحكومة اللبنانية فقط لإيوائهم والسماح للاجئين السوريين بالبقاء على أراضيها دون تقديم أي خدمة عملية لهم".

ورأى أن "ما يحصل بلبنان في ملف التعاطي مع اللاجئين السوريين يؤكد على الفشل الأممي، إلى جانب غياب الآلية في كيفية صرف الإغاثات في مناطق سيطرة النظام الذي يتلقى من 70 إلى 90 بالمئة من الإغاثات الأممية، ونرى مواطنين في مناطق سيطرته يتضورون جوعا، وهذا الحال مستمر منذ عقد من الزمن".

وختم بالقول: "السوريون غير متفائلين بأي مؤتمر إغاثي، ويا ليتهم يدعمون بعض المؤسسات الإغاثية الحقيقية التي تدعم اللاجئين على الأرض".

ورقة رابحة

ويتذرع ساسة لبنان المقربون من النظام السوري، بوقف العمليات العسكرية كمبرر لإعادة اللاجئين من بيروت، دون مراعاة خشية تعرضهم للاعتقال من قبل مخابرات الأسد والتعذيب والموت في المعتقلات.

وبما أن قضية اللاجئين السوريين شكلت واحدة من أكثر القضايا التي فتحت باب العنصرية تجاههم في لبنان، لم يبرز أي دور لسفارة الأسد ببيروت في مواجهة موجة العنصرية أو ردعها، بل ترك السوريين وحيدين على أن معظمهم فار من مناطق ثائرة بوجهه.

وكثيرا ما أطلقت منظمات حقوقية ودولية تحذيرات منها منظمة "العفو الدولية" التي نشرت تقريرا في 7 سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "أنت ذاهب إلى موتك"، أفادت فيه بتعرض ‏العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لعدة أشكال من الانتهاكات على أيدي ‏قوات النظام، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.‏

ولهذا يحاول لبنان وضع أصبعه في عين المجتمع الدولي، الذي ينظر إلى غياب أدنى مقومات العودة الطوعية أو الآمنة للاجئين إلى مناطق واقعة تحت سيطرة النظام السوري، مما يجعل من اللاجئين ورقة "مالية رابحة" بيد بيروت.

وهذا ما لفت إليه الخبير الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، خالد تركاوي في مقال فند فيه تصريحات لوزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار، في جلسة حوارية في مؤتمر بروكسل طالب فيها بـ"مبلغ قدره 30 مليار دولار أميركي كتعويض من قبل الأوربيين والدول المانحة للبنان لقاء تحمل عبء اللاجئين السوريين منذ 11 عاما".

وقال تركاوي في 10 مايو/أيار 2022 : "نسي الوزير الحجار أن لبنان ببلدياته وحكومته المركزية تلقى في 2021 فقط مليار دولار أميركي تمويلا لغايات إنسانية، وفي 2020 حصل على 1.5 مليار دولار أميركي".

وأردف: "بالمجمل حصل لبنان على أكثر من 13 مليار دولار أميركي خلال عشر سنوات لغايات إنسانية بسبب الوجود السوري على أراضيه، أي أكبر من أي رقم دعم تحدث عنه بعشرات المرات".

 وأضاف الخبير الاقتصادي "كما أن المبالغ وصلت لبنان بالعملات الصعبة التي يفتقدها وكانت الحكومة تصر على تسليمها للمنظمات بسعر الصرف الرسمي الذي يقل عن سعر السوق بكثير، في أكبر عملية تصريف مجحفة في تاريخه".

سلطة فاسدة

وكانت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دلال حرب، أكدت في تصريحات صحافية لقناة الحرة في 5 مايو 2022، على ضرورة التمسك بمبادئ القانون الدولي المتعلقة باللاجئين، لا سيما فيما يتعلق بمبدأ عدم الإعادة القسرية والحق في العودة الطوعية بأمان وكرامة.

وكشفت حرب أن "لبنان تلقى نحو 9 مليارات دولار كمساعدة لدعم اللاجئين السوريين والفلسطينيين والأكثر ضعفا من اللبنانيين والمؤسسات العامة".

وعن المساعدات المقدمة للاجئين، قالت حرب "يتلقى اللاجئون الأكثر ضعفا مساعدة نقدية بالليرة اللبنانية، مع العلم أن تسعة من كل عشرة لاجئين سوريين في لبنان يعيشون في فقر مدقع".

ويرى المحلل الاقتصادي اللبناني باسل الخطيب أن "لبنان بما أنه يعيش أزمة اقتصادية منذ عام 2019 تحولت لأزمة اجتماعية، يؤثر ذلك أولا على شعبه، فكيف إذا كان مضيفا للاجئين السوريين الذين يقدرون بنصف عدد السكان اللبنانيين حاليا والمقدرين بحسب إحصائيات شبه رسمية بـ 3,8 ملايين نسمة، إضافة إلى مليوني لاجئ سوري".

وقال الخطيب لـ"الاستقلال" إن "هؤلاء اللاجئين يستهلكون البنية التحتية من لبنان من الطرقات والماء والكهرباء والإنترنت، وهذا ما يدفع بيروت لطلب المزيد من المانحين لمساعدة اللاجئين من الأشقاء السوريين واحتضانهم، ولا سيما أن بيروت تحاول طلب مساعدات مالية من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار كخطة للإنعاش الاقتصادي".

وعد الخطيب أن "الأزمة النقدية والسياسية في لبنان و170 مليار دولار حجم الودائع للمواطنين وغير المواطنين باتت غير موجودة باستثناء الاحتياطي الإلزامي".

وركز المحلل الاقتصادي على أنه "من الضروري بعد وصول حصة لبنان من أموال المانحين الدوليين لمساعدة اللاجئين السوريين، أن يصرفوا بطريقة شفافة، لكون الشعب اللبناني ليس لديه ثقة بالسلطة الحاكمة كونها فاسدة وغير جديرين بأن يؤتمنوا على شيء ولذلك يجب أن يكون هناك مراقبة من قبل المجتمع الدولي".