أمريكا وإيران.. كيف كشفت الأزمة ضعف جيوش الخليج؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لن نخوض حربا مباشرة أو عبر وكلاء مع الولايات المتحدة"، "لا نسعى للحرب مع إيران بل لردعها"، تصريحان خرجا خلال الحرب الكلامية الدائرة بين أمريكا وإيران خلال الأسابيع الأخيرة والتي شهدت على إثرها منطقة الخليج تصعيدا ملموسا، لخصا ما تم الترويج له عن خوض الطرفين حربا عسكرية.

التصريح الأول أعلنه رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، والثاني أكده وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان، ليخرج الطرفان مستفيدان من هذه الحرب الكلامية التي كانت تحمل الكثير من خطوط الرجعة.

أمريكا حققت هدفها من التصعيد اللفظي وتمكنت من ابتزاز الخليج واستنزاف أمواله وتعزيز وجودها العسكري هناك، فيما تمكنت إيران من الترويج لإمكانياتها العسكرية وقدراتها على ردع أي محاولات لتهديدها.

أما دول الخليج فكانت هي الخاسر الأوحد إذ تكشف عوار جيوشها وفشلها في حماية نفسها واستنجادها بالمجتمع الدولي والعربي، وافتضحت المعضلة الأمنية التي يعانون منها.

ردع إيران

وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت إرسال حاملة الطائرات "إبراهام لنكولن" وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية بشأن استعدادات محتملة من قبل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات الأمريكية وتهديدات إيرانية "وشيكة" لمصالح واشنطن في المنطقة.

وكشفت مصادر أن المملكة وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، وافقوا على طلب أمريكا لإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج العربي، وعلى أراضي دول خليجية.

وقالت المصادر إن الموافقة جاءت بناء على اتفاقات ثنائية بين واشنطن ودول خليجية، وأن الدافع لإعادة الانتشار هو ردع إيران عن أي محاولة لتصعيد الموقف عسكريا ومهاجمة دول الخليج أو مصالح الولايات المتحدة، وليس للدخول في حرب معها.

في المقابل، وجهت طهران أوامر للمليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط بالاستعداد لحرب بالوكالة، بحسب ما ذكرته صحيفة الجارديان البريطانية، فيما أكد نائب قائد الحرس الثوري الإيراني محمد صالح جوكار، أن صواريخ بلاده قادرة بسهولة على الوصول إلى السفن الحربية الأمريكية الراسية في الخليج وباقي أرجاء المنطقة، في حال اندلعت حرب.

استهداف الخليج

الخليج مهد أراضيه وفتح مياهه للقوات الأمريكية، في 12 مايو/آيار الجاري عقب تعرض 4 سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان وواحدة إماراتية لهجمات قبالة ساحل الفجيرة الإماراتي البحري والذي يعد مياها اقتصادية إماراتية، ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجمات.

على إثرها طلبت الإمارات رسميا مساعدة أمريكا للوقوف على ملابسات العمليات، بحسب ما أعلنه مسؤول أمريكي، وكان أول المعلقين على الحادثة رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني الذي وصف تفجيرات الفجيرة بالدليل على هشاشة الأمن جنوب مياه الخليج.

في 14 مايو/آيار الجاري، استهدف وكلاء إيران السعودية، إذ شنت جماعة الحوثي الشيعية المسلحة المدعومة من إيران والتي يخوض التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات حربا ضدها منذ 2015، هجوما بسبع طائرات مسيّرة على محطتين لضخ النفط في محافظتي عفيف والدوادمي بمنطقة الرياض تابعين لأرامكو، ما أدى إلى إيقاف ضخ النفط لساعات.

تلى الهجوم الذي تبناه الحوثيون، دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، السبت 18 مايو/آيار الجاري، للقادة العرب لحضور قمتين بنهاية الشهر الجاري، لمناقشة التهديدات التي تواجه المنطقة، لتعلن المملكة بعدها أن الحوثيين استهدفوا "مكة" بصاروخين وأن دفاعها الجوي تمكن من اعتراضهم، إلا أن الحوثي نفى استهداف مكة.

وفي 19 مايو/آيار الجاري، أعلن الحوثي أن هجمات 14 مايو/آيار بداية لعمليات ستستهدف 300 هدف حيوي وعسكري في المملكة والإمارات واليمن، تتبعها بتنفيذ هجومين خلال 24 ساعة بطائرة مسيّرة على مطار نجران جنوبي السعودية، الأربعاء 22 مايو/آيار الجاري، وقابله التحالف العربي السعودي الإماراتي بالتوعد بردع حازم.

خطاب تهدئة

ورغم ذلك التوعد إلا أن التصعيد الأخير دفع المملكة إلى تغيير خطابها تجاه إيران، فقبل تصاعد الحرب الكلامية بين طهران وواشنطن، وتصعيد الحوثي في اليمن كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتحدث بعبارات تحدي قوية تجاه إيران بقوله: "سنقف بحزم ضد إيران وسننقل المعركة إلى قلب طهران"، لتتبنى الرياض الآن خطابا يتجه نحو التهدئة بإعلان مجلس الوزراء السعودي أن المملكة تسعى إلى السلام وستفعل ما بوسعها لمنع قيام حرب.

ذلك التراجع الواضح يكشف بقوة عدم رغبة السعودية خوض أي مغامرات عسكرية جديدة خاصة في ظل استنزافه عسكريا في حرب اليمن، رغم الدعم الأمريكي المفرط للتحالف العربي.

وبعد دخول حرب اليمن عامها الخامس، أقر تيموثي ليندركينغ نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج، بفشل التحالف السعودي الإماراتي في تحقيق أهداف حملته العسكرية على الحوثيين في اليمن، قائلا إن هذه "حقيقة محزنة".

ليندركينغ أشار خلال لقائه مع الجزيرة إلى أن السعودية والإمارات رصدتا الكثير من الأموال من أجل الحملة في اليمن، وكذلك الولايات المتحدة، وقال إن إيران تتحمل جزئيا مسؤولية فشل الحملة العسكرية، مضيفا أن "الإيرانيين يفتعلون المشاكل، وخلافا لما يفعلونه في العراق وسوريا ولبنان وأماكن أخرى، ما نراه أنهم يدعمون الحوثيين ويدربونهم ويزودونهم بتقنيات عسكرية تهدد البنى التحتية".

حقيقة فشل التحالف في مواجهة الحوثي المدعوم من إيران، دفعت الخليج لاستدعاء المجتمع الدولي والإقليمي لمواجهة خطر إيران المتصاعد الآن، حيث استنجدت السعودية بمجلس الأمن وأرسلت برسالة إليه تفند فيها تصرفات إيران في المنطقة، ومطالبة بإلجام سلوكها المدمر، مشيرة إلى تصرفات إيران وسلوكها المتهور المتمثل في جر المنطقة إلى وضع خطير.

وأكدت الرياض في رسالتها استمرار النظام الإيراني في دعم أجنحته العميلة في المنطقة، وتعديه على السلام والأمن الدوليين، وعلى استقرار وإمدادات أسواق النفط في العالم.

تسليح ضخم

أطواق النجاة المختلفة التي تلجأ إليها دول الخليج الآن، دفعت البعض للتساؤل عن مدى إمكانيات الخليج في صد أي عدوان قادم عليه، وعن الكم الهائل من صفقات التسليح التي تعقدها دوله بين الحين والآخر؟.

دول مجلس التعاون الخليجي أنفقت على التسلح وصفقات الأسلحة 128.6 مليار دولار، خلال 2017، فيما أنفقت إيران 16 مليار في العام نفسه، ما يعني أن دول الخليج انفقت 8 أضعاف إنفاق إيران على التسليح، إذ أنفقت السعودية 76.6 مليار دولار بزيادة 5 أضعاف إنفاق قطر على السلاح والبالغ 6.1 دولار، جزء كبير من إنفاق المملكة بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن.

كما أنفقت الإمارات في العام ذاته 30 مليار دولار، فيما نفقت سلطنة عمان 8.6 مليار دولار، أما الكويت فأنفقت 5.7 مليار دولار، وجاءت البحرين أقل دول الخليج إنفاقا على التسليح ذلك العام، حيث أنفقت 1.48 مليار دولار.

وذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبيري" في 11 مارس/آذار الماضي، أن الولايات المتحدة صدَّرت أكثر من ثلث الأسلحة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعزز دورها كأكبر بائع للأسلحة في العالم.

وأوضح المعهد أن أكثر من نصف المبيعات الأمريكية ذهبت إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث حصلت المملكة العربية السعودية وحدها على 22% من إجمالي المبيعات الأمريكية، مما يجعلها السوق الأكثر أهمية بالنسبة لأمريكا.

السعودية رغم أنها ثالث أكبر ميزانية للدفاع تبلغ 70 مليار دولار وتتفوق ميزانية السعودية على مجموع ميزانيات الدول العربية كلها، لكنها تحتاج إلى دول تؤمن لها الحماية، وهو ما يشكل أكبر مفارقة في التاريخ العسكري، فالميزانية الكبيرة لا تضمن التفوق العسكري والانتصار في الحروب، وتبقى السعودية الدولة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها بدون اتفاقيات عسكرية مع دول أخرى.

أيضا لا يمكن للجيش السعودي التحرك حربيا بدون تنسيق ومساعدة من الدول الغربية التي توفر له الدعم اللوجيستي، كما أن الميزانية الضخمة، لا تضمن حرية التوقيع على صفقات الأسلحة، ورغم رغبة الرياض في اقتناء أسلحة متطورة تلقى معارضة عدد من برلمانات العالم لأسباب سياسية، والآن تفاقمت بسبب السجل الأسود لحقوق الإنسان لاسيما بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومعارضة الكونغرس الأمريكي الشديدة في بيع أسلحة للرياض.

جيوش من الرمال

في كتاب للمحلل السابق بـ"سي آي أي" والخبير الحالي في سياسة الشرق الأوسط والشؤون العسكرية كينيث بولاك، بعنوان: "جيوش من الرمال: ماضي وحاضر ومستقبل فعالية العسكرية العربية"، وجه انتقادات لاذعة للجيوش العربية، لإخفاقها في تحقيق أهدافها العسكرية، مستعرضا نقاط ضعف شابت أداء الجيوش العربية في ساحات القتال خلال القرن الماضي.

وفي مقال مطول بمجلة ناشيونال إنترست، قدم وكيل وزارة الدفاع الأمريكية الأسبق دوف زاخيم عرضا نقديا للكتاب، بداية بالتشديد على أن فشل الجيوش العربية تجلى في قتالها ضد الإسرائيليين عام 1948، و1956، و1967، وضد الإيرانيين في ثمانينيات القرن المنصرم، وفي حربي الخليج، أو فيما سماها الهزيمة النكراء التي تجرعها الجيش الليبي من نظيره التشادي عام 1987.

وأشار إلى فشل قادة التخطيط التكتيكي العرب في كل الحروب التي خاضوها في إبراز قدراتهم على المبادرة، وفي المرونة، ومهاراتهم في الإبداع والتفكير المستقل.

المعارض السعودي فهد الغويدي، قال إن السعودية لم تبن جيشا قويا وقوة ردع قادرة للتصدي لأي عدوان، لسببين الأول أن صفقات السلاح "المزعومة" ما هي إلا وسيلة للأمراء للسرقة ووسيلة للتكسب غير الشرعي للعشرات وربما المئآت من الأمراء ورجال الأعمال والمحيطين بهم.

الغويدي أوضح لـ"الاستقلال" أن السبب الثاني أن السعودية أصلا لا تريد بناء جيش قوي وقوة ردع حقيقية خوفا من أن ينقلب هذا الجيش على السلطة وتستولي قياداته على الحكم.

وأشار "الغويدي" إلى أن فضح فشل الإمكانيات العسكرية السعودية حصلت منذ 28 سنة عندما استعانت بالأمريكان في حرب الخليج الثانية، وتكررت مرة أخرى في معركتهم الأولى مع الحوثيين في 2008، وتكررت مرة ثالثة وبشكل فاضح تماما في الحرب الجارية مع الحوثيين الآن.

ووصف الجيش السعودي بأنه "جيش كرتوني"، مؤكدا أنه لن يقوى على مواجهة إيران إن حدثت مواجهة، لذلك فإن الاستعانة بأمريكا هي الخيار الأول له.

وقال "الغويدي" إن موافقة دول الخليج على طلب أمريكا لإعادة نشر قواتها العسكرية في مياه الخليج لها دلالتان الأولى أن المنطقة للأسف غير قادرة على حماية نفسها وستبقى دائما رهينة لأمريكا وتحت الوصاية الأمريكية، والثانية أنها مؤشر تصعيدي نحو حرب مع إيران.

واستطرد: "لكنها ليست بالضرورة دليل على حتمية الحرب وإنما خطوة تصعيدية على الطريقة الأمريكية في التلويح بالقوة وعدم استخدامها".

إنفاق تريليوني

الدكتور عبد الله الشايجي أستاذ العلوم السياسية بالكويت، أشار إلى أن دول الخليج لا تشعر بالأمن والاستقرار رغم الإنفاق التريليوني على الدفاع والأمن والتسليح خلال العقد الماضي، كما لم تنجح في تشكيل قدرات عسكرية تساهم بفرض توازن قوى ذاتي يردع ويمنع إيران من التدخل في شؤون الخليج، ويمنعها من زرع خلايا إرهابية وتسعير الطائفية والتفاخر بالسيطرة على 4 عواصم عربية وتهديد أمن الخليج.

وأضاف عبر حسابه بتويتر: "اكتشفنا مجددا محدودية قدراتنا الخليجية الإستراتيجية بعد موافقة دولنا الخليجية مجتمعة برغم الأزمة الخليجية المستمرة منذ عامين على نشر مزيد من القوات الأمريكية بالإضافة لـ 30 ألفا من القوات الأمريكية المتمركزة في قواعد عسكرية من الكويت إلى مسقط وذلك لردع إيران وأذرعها".

وأكد "الشايجي" أن آخر فصول التصعيد وحرب الإدارات الحالية تؤكد عدم قدرة دول الخليج على تشكيل قدرات عسكرية توازي وتردع إيران بمفردها ودون الحاجة للاعتماد على الطرف الأمريكي ما يؤكد تفاقم المعضلة الأمنية لدول الخليج جميعها.

صفقات فاسدة

سيد السباعي المستثمر السابق بالمملكة العربية السعودية وعضو لجنة الاستثمار الأجنبي في غرفة تجارة جدة، أكد أن الجيوش العربية هي جيوش مجهزة لتوجه ضد الشعوب لا لخوض الحروب مع دول أخرى، كما أن الميزانيات الضخمة التي تصرف على الدفاع ما هي إلا صفقات فاسدة يذهب جزء كبير منها كعمولات ورشى هنا وهناك.

وجزم في حديثه مع "الاستقلال" بأن الحرب القادمة إن اندلعت بين أمريكا وإيران فإنها ستكون "مسرحية" لما هو أفظع من مجرد "حرب"، حيث أن المخطط الرئيس يهدف لتفتيت دول الخليج وتسليم أجزاء كبيرة منها لإيران لتفسد فيها كما تم تسليمها 4 عواصم عربية "بغداد، دمشق، بيروت، وصنعاء" في مسرحيات هزلية شهدها العالم.

وأضاف "السباعي": "ترامب متعطش بشراهة للاستيلاء على مزيد من أموال دول الخليج بل تحول هدفه للاستيلاء على الثروات الضخمة للمنطقة مدفوعاً بضعف ووهن وانبطاح غير مسبوق من حكام هذه الدول ظهر جلياً في الركض الحثيث نحو التطبيع مع إسرائيل".

وأكد أن كل ما يحدث من تداعيات وما سيليه من تفتيت لدول المنطقة ووضع اليد على ثرواتها بالكامل عبر حروب مفتعلة ما هو إلا التمهيد الأخير لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى التي أصبح حلم تأسيسها أقرب من أي وقت مضى.

بدوره، قال الدكتور يوسف اليوسف الأكاديمي الإماراتي، إن ترامب مقبل على انتخابات ويرغب في كسب الصوت الصهيوني والمسيحي المتطرف ويرغب في تحصيل الأموال من الحكومات الخليجية بالادعاء بأن ما يفعله هو ردع لإيران بتحركاته العسكرية، كما يرغب في تعديل الاتفاق النووي مع إيران.

اليوسف أوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن الأمريكان يعرفون قدرات الحكومات الخليجية وتجربتهم مع هذه الحكومات البائسة طويلة، وتكونت لديهم قناعة بأن هذه الحكومات لن تتفق على شيء أبدا إلا الحفاظ على كراسيها لذلك فهم يتدخلون في شؤونهم للحفاظ على الأوضاع الحالية التي تخدم إسرائيل والغرب.

وأكد أن ايران لن تخوض حربا مباشرة مع الحكومات الخليجية لأن علاقاتها جيدة مع عمان وغير متوترة مع قطر والكويت وفيها بعض التوتر مع السعودية والإمارات ولكن إيران ستظل تستخدم أذرعها ووكلاءها في المنطقة لممارسة كافة الضغوط وتحقيق مزيد من التوسع، وهذا أمر وللأسف سببه غياب رؤية خليجية أو عربية موحدة.