عبر أذان المغرب والتراويح.. هكذا يفرض الحوثيون مذهبهم على سُنة اليمن

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تواصل مليشيا الحوثي الموالية لإيران خطواتها المتسارعة لتغيير عقيدة المجتمع اليمني السني وتشييعه، عبر عدة إجراءات، أحدثها حملات للتضييق على المساجد في شهر رمضان المبارك.

وصعدت المليشيا الحوثية منذ مطلع رمضان من وتيرة جرائمها وانتهاكاتها بحق حرمة المساجد والصائمين ومقيمي صلاة التراويح والقيام، في العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى قابعة تحت سيطرتها.

وتعود جذور الحوثيين العقائدية إلى المذهب الزيدي، أحد امتدادات الإسلام الشيعي، لكنهم يختلفون في أمور كثيرة عن الشيعة الإثنى عشرية في إيران، وكانوا يوصفون بالأقرب إلى الإسلام السني، لكن بعد تحالفهم مع طهران بدأت تطرأ عليهم توجهات طائفية متطرفة.

انتهاكات مستفزة

وفي 7 أبريل/ نيسان 2022، كشفت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عن وقوع سلسلة من التعسفات الحوثية الجديدة بحق دور العبادة رافقها أيضا حملات مضايقة واعتداء، طالت مرتادي مساجد، وصل بعضها حد القتل والإصابة بعد منعهم من أداء بعض الشعائر.

وأوضحت نقلا عن مصادر مطلعة، أن الانتهاكات طالت دور عبادة في صنعاء وإب وعمران وريمة وذمار وغيرها، وشمل بعضها الاقتحام، والاعتداء المسلح، والإغلاق، والإلزام بالتقيد بأفكار ومعتقدات المليشيات، والمنع من أداء الشعائر خلال رمضان.

وفي العاصمة صنعاء، ذكرت المصادر أن عناصر حوثية داهمت خلال أول يوم من رمضان مسجدا بحي الوايتات بمنطقة المطار شمالي المحافظة، أثناء أداء المصلين صلاة التراويح، في محاولة لترهيبهم وإيقاف الصلاة تحت مبرر استخدامهم مكبرات الصوت.

وأوضحت أن عملية الاقتحام التي أدت حينها لوقوع مشادة بين المصلين والمليشيات، أسفرت بعد إطلاق مسلحي الحوثي الرصاص الحي داخل المسجد، عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 9 أشخاص، ممن كانوا يؤدون صلاة التراويح.

وأقدم الحوثيون على فرض المزيد من الإجراءات على دور العبادة في مناطق سيطرتهم عبر أدوات مختلفة لفرض مشروعهم الدخيل على المجتمع اليمني.

حيث اختطفت المليشيا عددا من أئمة المساجد في محافظة إب وسط اليمن، لإجبارهم على تأخير مواعيد الإفطار حتى حلول الظلام، ضمن محاولاتها تطييف المجتمع.

وذكرت المصادر أن مليشيا الحوثي استدعت عددا من أئمة ومؤذني المساجد في مديرية القفر، وعند وصولهم لإدارة الأمن زجت بهم في السجن.

وأوضحت المصادر أن المليشيا قامت بهذا التصرف التعسفي بهدف إرغام أئمة ومؤذني المساجد على تأخير أذان صلاة المغرب حتى حلول الظلام وظهور النجوم، في محاولة لفرض نموذجها المذهبي الشيعي الذي بدأت تطبيقه في معقلها بمحافظة صعدة، وصولا إلى صنعاء.

وتؤمن مليشيا الحوثي بضرورة الإفطار بعد غياب حمرة الشمس وحلول الليل، بينما يؤمن بقية اليمنيين وفق المذهب الشافعي أن الليل يبدأ مباشرة مع مغيب الشمس.

بينما ترجع القيود بشأن صلاة التراويح لاعتقاد الحوثيين أنها بدعة، نظرا لأن أول من قام بصلاة التراويح جماعة هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي يكن تجاهه غالبية الشيعة بغضا وكراهية.

تعميم غريب

ووزع الحوثيون في بداية رمضان تعميما على أئمة ومؤذني المساجد يلزمهم بتأخير أذان  المغرب خلال الشهر الكريم حتى حلول الظلام وظهور النجوم، وهو الأمر الذي لم يلتزم به الأئمة بسبب مخالفته للمذهب الشافعي الذي يعتنقه الغالبية العظمى من اليمنيين.

وتعد محافظة إب وسط اليمن من المدن التي يفتقر فيها الحوثي لأي حاضنة شعبية، كون أبناء المحافظة ينتمون للمذهب الشافعي.

وبعد الضغوط الحوثية، سادت حالة من الإرباك في الأيام الأولى من شهر رمضان، بسبب اختلاف توقيت رفع أذان المغرب من مسجد لآخر.

حيث رفضت بعض المساجد التعميم الحوثي بتأخير موعد الإفطار، وبعضها تأخرت في رفع الأذان بضع دقائق، بسبب التوجيهات الحوثية الأخيرة.

الأمر الذي تسبب في حالة إرباك بين الناس، الذين اعتادوا لسنوات على سماع صوت أذان المغرب يصدح من كل مآذن المدينة في وقت واحد.

وجاب مسلحون حوثيون عددا من مساجد مديرية المشنة بمدينة إب، وهددوا أئمة المساجد باعتقالهم وإغلاق المساجد في حال لم يؤخروا مواعيد أذان المغرب والتزموا بمواعيد الإفطار المقرة رسميا في المحافظة وفق التوقيت المحلي. 

وقوبلت المساعي الحوثية برفض مجتمعي واسع من السكان وأئمة المساجد الذين امتنعوا عن الالتزام بمواعيد الأذان والإفطار الجديدة.

وتأتي هذه الممارسات ضمن محاولات عدة للمليشيا الحوثية لتطييف المجتمع اليمني وصبغه بالصبغة الحوثية والأفكار المستوردة من طهران في ظل عدم وجود أي حاضنة شعبية لها في معظم محافظات اليمن.

وكان الحوثيون قد فجروا وقصفوا مئات المساجد واختطفوا عشرات الأئمة في عدد من المحافظات اليمنية، منذ انقلابهم وسيطرتهم على السلطة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

ثقافة دخيلة

وتعليقا على هذا الموضوع، قال وكيل وزارة الأوقاف اليمنية لقطاع الإرشاد، عبد الناصر الخطري، إن "مليشيا الحوثي تشعر بأنها منبوذة وليس لها حاضنة تؤمن بأفكارها؛ لذا فهي تسعى جاهدة إلى صبغ المجتمع بالصبغة الطائفية الشيعية بالقوة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "وذلك من خلال إلزامهم بحضور  الدورات الثقافية، ونشر الملازم الخاصة بزعيمهم الهالك حسين الحوثي، وتغيير خطباء المساجد بخطباء موالين للجماعة، وتعميم خطب من قبل الوزارة التابعة لهم".

ومضى يقول، "مؤخرا ألزمت المليشيا المؤذنين بتأخير أذان المغرب في رمضان، تماشيا مع معتقداتهم بوجوب تأخير الإفطار حتى دخول الليل وظهور النجوم، ومنعت في مساجد كثيرة إقامة صلاة التراويح".

وأوضح الخطري، أنه" رغم هذا الجهد الذي تبذله المليشيا مستغلة سلطتها إلا أن هناك رفضا شعبيا يظهر من خلال خروج المصلين من المساجد التي يعتلي منابرها خطباء الجماعة، وإصرار الناس على إقامة صلاة التراويح، والإفطار في وقته الصحيح".

وختم المسؤول اليمني قائلا: "ونحن إذ ندين هذه الممارسات الطائفية، ندعو الهيئات العلمائية والمجمعات العلمية إلى إدانتها".

وكان الأزهر الشريف أدان بشدة في مايو/ أيار 2021، هذه الممارسات الحوثية، مؤكدا أنها "تخالف مبادئ الأديان وتناهض المواثيق الدولية كافة التي توجب احترام حرية العقيدة وحماية دور العبادة وتكفل حق ممارسة الشعائر الدينية".

من جانبه، قال الإعلامي اليمني، صلاح الأسدي، إن "الحوثيين يريدون إحلال مذهبهم الخارج عن إجماع اليمنيين ولو بالقوة".

وأوضح لـ"الاستقلال"، "هؤلاء من جاؤوا تحت يافطة إسقاط الحكومة الفاشلة فأسقطوا اليمن وهويته وثقافته وأبدلوها بثقافة صفوية إيرانية لا يقبلها عقل".

وأضاف: "تعايشت الزيدية مع الشافعية عقودا، بل قرونا ولم يظهر هذا التطرف في إلزام الناس وإجبارهم بمعتقدات باطلة".

وتابع: "يؤذن لصلاة المغرب بعد غروب الشمس بثلاث دقائق للاحتياط في كل دول العالم الإسلامي، فالليل يبدأ مع غروب الشمس وينتهي عند طلوعها وهذا ما أجمع عليه علماء الأمة إلا الطائفة الزيدية تقول حتى تغيب حمرة الشمس أي بعد عشر دقائق".

وختم الأسدي بالقول: "فإذا كنت جعفريا فلا تفرض مذهبك على 99 بالمئة من اليمنيين بزيديتهم وشافعيتهم".

عقيدة تدميرية

ويتكرر سلوك مليشيا الحوثي في كل سنة منذ سيطرتهم على صنعاء وعدة محافظات، ومع دخول رمضان تبدأ بتعميم قرارات على المساجد وإرسال مسلحين لمنع إقامة صلاة التراويح، لفرض أفكارها المذهبية الشيعية المتطرفة.

وسبق أن نشر الحوثيون مسلحيهم في عدد من مساجد صنعاء، خلال رمضان في السنوات الماضية وتوعدوا الأئمة بالعقوبة، إذا لم يلتزموا بتعميم وقف صلاة التراويح، وإن لزم الأمر فعلى المساجد إغلاق وإطفاء مكبرات الصوت.

يذكر أن المليشيات الانقلابية فجرت وقصفت ونهبت 750 مسجدا، واختطفت 150 من أئمة وخطباء المساجد في عدد من المحافظات منذ بداية الحرب، وفق تقارير إعلامية.

وسبق لمليشيا الحوثي، هدم واحد من أقدم المساجد الأثرية والتاريخية في مدينة صنعاء القديمة المدرجة عام 1986، ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو".

حيث قامت المليشيا في فبراير 2021، بهدم مسجد النهرين الذي يعد من الجوامع الأثرية، وبني في القرن الأول الهجري من قبل أحد الصحابة.

واستهداف المساجد ليس وليد اللحظة من قبل المليشيا، بل هو عمل ممنهج منذ عام 2013، حينما قامت بتفجير دار الحديث وإخراج طلاب العلم منه في منطقة دماج بمحافظة صعدة التي تعد معقل الحوثيين.

لتتمدد بعدها المليشيا في عام 2014، نحو محافظة عمران المجاورة، ثم إلى العاصمة صنعاء، وبينت إحصائية إعلامية للجوامع ودور القرآن الكريم التي نسفها مسلحو الحوثي في عمران، بعد أن استولوا عليها بشهور، 16 مسجدا ودار قرآن كريم.

وشرع الحوثيون في كل المناطق التي سيطروا عليها، باحتلال المساجد وعدم تحييدها أو احترامها واحترام التعدد المذهبي في اليمن، وقاموا بإلصاق ورسم شعاراتهم في جدران المساجد.

ويؤكد مراقبون أن أهداف الحوثي هي طمس كل شيء له صلة بتعليم القرآن والسنة على الطريقة السنية، ومحو كل شيء له علاقة بذلك.

ويشيرون إلى أن الثقافة الحوثية هي شيعية بامتياز، فهم يقومون بتقليد الحركة الصفوية في إيران التي نشأت في القرن العاشر الهجري، فطمست كل شيء له علاقة بالسنة في حملة تطهير وتشييع منقطعة النظير.