مؤتمر المنامة.. هل يكون المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية؟

يصر جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي على وضع العربة أمام الحصان، إذ حرص على تقديم رؤية حول الازدهار الاقتصادي لإسرائيل وفلسطين قبل تقديم رؤية سياسية يمكن للطرف الفلسطيني قبولها.
كان كوشنر قد أعلن سابقاً عن موعد الإعلان عن تفاصيل ما تسمى "صفقة القرن"، الذي كان من المقرر أن يكون بعد شهر رمضان المنقضي، لكنه عدل بعد ذلك إلى الإعلان عن ورشة عمل اقتصادية تحت عنوان: "من السلام إلى الازدهار"، التي تقرر عقدها يومي 25 و 26 يونيو/ حزيران الجاري، في العاصمة البحرينية المنامة.
باكورة صفقة القرن
تضمن إعلان البيت الأبيض عن إقامة المؤتمر الدولي في البحرين، الإعلان عن مشاركة أوساط أعمال إقليمية ودولية بالإضافة إلى وزراء خارجية بعض الدول، دون تحديد أسماء، في تركيز كبير على الجانب الاقتصادي من صفقة القرن دون التطرق إلى جانبها السياسي.
وجاء في بيان البيت الأبيض أن المؤتمر يهدف إلى التشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية كجزء أولي من خطة سلام الشرق الأوسط، وأنه سيجمع الحكومات والمجتمع المدني ورجال أعمال للمساعدة في الشروع في الشق الاقتصادي من صفقة القرن، حسب ما نقلت نيويورك تايمز.
لكن اللافت للنظر إعراض بيان البيت الأبيض عن ذكر أي مشاركة من الجانب الفلسطيني الذي يفترض أن يكون المعني بشكل كبير من هذه الصفقة بشكل مباشر، في ظل رفض شخصيات فلسطينية مهمة لمبدأ المشاركة في مؤتمر البحرين، حيث صرح صائب عريقات بوضوح أن "فلسطين لن تحضر اجتماع المنامة".
وقال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية إنه لم تتم استشارة الحكومة حول ذلك الاجتماع "لا من حيث المدخلات ولا المخرجات، ولا التوقيت"، مؤكداً أن حل الصراع في فلسطين لن يكون إلا سياسياً، وفق ما نقلت وكالة الأناضول للأنباء.
في المقابل أشارت مصادر إعلامية إسرائيلية إلى أن الخطة تنص على أن تتم دعوة إسرائيل إلى مؤتمر المنامة، وسوف يحضرها وزير المالية الإسرائيلية موشيه كحلون.
من جهة أخرى أعلن جيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي للسلام في منطقة الشرق الأوسط عبر حسابه بـ"تويتر" عن مشاركة رجل الأعمال أشرف الجعبري في مؤتمر البحرين وشكره على "موقفه المنفتح تجاه ورشة العمل الاقتصادية القادمة".
ويعود غرينبلات ليقر بموقف عبد الكريم عاشور وهو من شخصيات المجتمع المدني وعضو مجالس إدارية بمؤسسات تنموية في قطاع غزة، والذي رفض حضور ورشة المنامة قائلا: إنه "يهدف إلى بيع فلسطين مقابل حفنة من الدولارات"، مؤكداً أن "غرينبلات دعا الشخص الخطأ".
Thank you Ashraf Jabari for your open minded approach to our upcoming econ workshop. Couldn't agree more w you: “What have we gained from bloodshed & separation? Nothing...We need to look at what went wrong & do something different so we can make it right” https://t.co/tlbcloMoKd
— Jason D. Greenblatt (@jdgreenblatt45) May 23, 2019
تصفية القضية
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن ترامب وكوشنر يحاولان شراء طريقهما من أجل عقد الصفقة، حيث يتمحور المؤتمر الاقتصادي حول تأمين التزام مالي من دول الخليج العربي وجهات مانحة أخرى لحث الفلسطينيين وحلفائهم على تقديم تنازلات سياسية للاحتلال الإسرائيلي، دون التطرق إلى الملفات السياسية.
وفي بيان نشرته عدة وكالات، أشار البيت الأبيض إلى أن الحصيلة المستهدفة من ورشة الأعمال الاقتصادية عشرات المليارات من الدولارات دون تحديد رقم دقيق، لكن الرقم الذي أخبر به الدبلوماسيون هو 68 مليار دولار، وتقديمها إلى الفلسطينيين ومصر والأردن ولبنان.
"لو تمكنت الولايات المتحدة من شراء السلام في الشرق الأوسط لفعلت ذلك من قبل" بهذه الكلمات وجه المفاوض السابق في الشرق الأوسط ديفيد ميلر حديثه إلى صحيفة نيويورك تايمز، مؤكداً أن هذه الخطوة الاقتصادية التي لا تنطوي على أي نية لتحريك الجوانب السياسية لصفقة القرن سوف تجعل الأمريكيين يخسرون نفوذهم في عملية التفاوض.
اتجاه الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطتها "للسلام في الشرق الأوسط" من بوابة الجانب الاقتصادي قد يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، على اعتبار أن حل المشاكل الاقتصادية تمثل الأساس في حياة الشعب الفلسطيني، وليس تلك المترتبة على الاحتلال الصهيوني وجرائمه المستمرة منذ عقود.
يؤكد ذلك تصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، إذ بيّن بوضوح أن حل الصراع في فلسطين لن يكون إلا سياسياً، وذلك في معرض رده على إعلان الولايات المتحدة عقد الورشة الاقتصادية في المنامة في يونيو / حزيران الجاري، حسب ما نقلت وكالة الأناضول للأنباء.
وذكر في كلمة له خلال ترأس اجتماع حكومته الأسبوعي أن "الشأن الاقتصادي إنما هو نتاج للحل السياسي، ونحن الفلسطينيين لا نبحث عن تحسين ظروف العيش في ظل الاحتلال".
وأضاف "الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية نتاج الحرب المالية التي تشن عليها بهدف ابتزاز مواقف سياسية، ونؤكد أننا لا نخضع للابتزاز ولن نقبل مقايضة مواقفنا السياسية".
لكن مسؤولاً أمريكياً أكد لـ "سي إن إن" أن الإدارة الأمريكية ستعلن عن الشق السياسي لاحقاً، والذي سيعالج جميع القضايا الأساسية، وأن الأجزاء الاقتصادية والسياسية تكمل بعضها البعض، وأن الولايات المتحدة لا تحاول تعزيز صنع سلام اقتصادي فقط، لكنها قررت تقسيم إطلاق خطتها للسلام في الشرق الأوسط بحيث يكون من السهل على الناس أن يفهموا ويتعمقوا في الأفكار، حسب تعبيره.
إصرار رغم الفشل
ذكر تلفزيون i24 news أن جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، قد يزور إسرائيل للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل انعقاد ورشة الأعمال الاقتصادية والمقرر عقدها في العاصمة البحرينية أواخر الشهر المقبل.
يأتي لقاء كوشنر بنتنياهو في تل أبيب قبل نشر الجزء الاقتصادي من صفقة القرن مؤكداً لتقارير نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية تبين أن "فكرة السلام الاقتصادي مألوفة، إذ هي خطة طرحها نتنياهو في 2008 عندما كان رئيساً للمعارضة" مشيرة إلى أن "نتنياهو يرى أن المفاوضات الاقتصادية يجب أن تجرى قبل المفاوضات مع الفلسطينيين".
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية أن "نتنياهو لم يفعل أي شيء للترويج لفكرة السلام الاقتصادية خلال ترأسه لثلاث حكومات، بل ولم يروج لأي خطة لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، لكنه بذل كل ما في وسعه لتفاقم الأمر".
وفي مقاله بصحيفة هآرتس، يقول تسفي بارئيل: إن "المشاركين في قمة البحرين أواخر يونيو/ حزيران الجاري سيشعرون بكثير من الأسف على مسارعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان موعدها، لأنه في الوقت الذي أعلن فيه الفلسطينيون أنهم لن يشاركوا في القمة، هناك شكوك تحيط بحضور قطر، في حين أن تركيا التي هاجم رئيسها أردوغان فكرة القمة لم يتم دعوتها من الأساس".
وأضاف: إنه "بالنسبة للفلسطينيين هناك مسألة مبدئية تتعلق بأن قبولهم لأي تبرعات مالية لا تعني تنازلهم عن الحل السياسي للقضية الفلسطينية، ولا يجب أن تعتبر "بيعاً" لها، أو خيانة للاجئين، أو تنازلا عن حلم الدولة الفلسطينية مقابل عدة مليارات من الدولارات في كل عام".
مليارات ضائعة
وأوضح موقع "محادثة محلية" الإسرائيلي في تقرير أن إدارة ترامب تحاول استعادة التلويح بالورقة الاقتصادية في قمة البحرين من خلال إعطاء جزرات اقتصادية للفلسطينيين بالمليارات، لإجبارهم على الموافقة على خطته السياسية المسماة صفقة القرن، مع أن السيطرة الاقتصادية الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني طيلة العقود الخمسة الماضية جعلت منها عقبة أساسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بحيث باتت بحاجة دائمة لمساعدات خارجية".
وأكد أن "القطاع الخاص الفلسطيني يعلم تماما أن الاقتصاد الفلسطيني ليس بحاجة لملايين ولا حتى لمليارات، لأنه يستطيع الوقوف على قدميه ويخدم الدولة الفلسطينية الواعدة فقط؛ في حال قامت الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة بإلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال".
المصادر
- كوشنر في جولة خليجية.. من يتحمل التكلفة الاقتصادية لـ”صفقة القرن”؟
- موقع إسرائيلي: الفلسطينيون ليسوا بحاجة لمؤتمر البحرين الاقتصادي
- هل تسعى أمريكا لـ"شراء فلسطين" اقتصاديا لتمرير صفقة القرن؟
- مؤتمر "صفقة القرن" بالبحرين: "بيع شقق ناطحة سحاب لم تُخطط بعد"
- عريقات عن مؤتمر البحرين: لم نُستشر ولم نلزم أحداً بالتفاوض عنا
- Trump Doesn’t Want Peace. He Wants Palestinian Surrender
- Palestinian Business Leaders Reject Trump’s Economic Overture