خبير نفط عالمي لـ"الاستقلال": لا بديل لإمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا
.png)
أكد خبير النفط العالمي الدكتور ممدوح سلامة، أن أزمة أوكرانيا أضافت بعدا سياسيا إلى أزمة الطاقة، لكن رغم ذلك ما زالت منظمة "أوبك بلس" (تقودها السعودية وروسيا) ترى أن سوق النفط متوازن ولا يحتاج إلى رفع الإنتاج.
وأوضح سلامة في حوار مع "الاستقلال" أن معظم أو غالبية أعضاء منظمة "أوبك بلس" تحتاج إلى سعر للنفط بين 80 إلى 100 دولار للبرميل، لموازنة ميزانيتها وزيادة استثماراتها في القطاعات غير النفطية.
غير أنه أشار في الوقت ذاته إلى أن استفادة دول الخليج مثلا من ارتفاع أسعار النفط يوازيها زيادة في الإنفاق من الدخل على فاتورة الاستيراد من مواد غذائية وغيرها التي تزيد هي الأخرى أسعارها بطبيعة الحال.
وشدد خبير الطاقة الدولي على أن كل صادرات الولايات المتحدة وقطر وأستراليا والنرويج، من الغاز لا تستطيع أن تحل محل إمدادات روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل اعتماده بصورة رئيسة على موسكو في هذا الإطار.
كما أن كميات الغاز التي اكتشفت في شرق البحر المتوسط لا تستطيع أن تعوض احتياجات الاتحاد الأوروبي، وفق سلامة، الذي لفت أيضا إلى أن تركيا لديها طموحات كبيرة في تلك المنطقة، وتريد أن تكون المركز الرئيس لوصول الغاز إلى أوروبا.
والدكتور ممدوح سلامة من مواليد مدينة إربد الأردن عام 1939، ويشغل منصب مستشار بالبنك الدولي لشؤون النفط والطاقة، وهو أيضا أستاذ زائر بالجامعة الوطنية للتجارة في العاصمة الفرنسية باريس.
أزمة الطاقة
ما أبعاد أزمة الطاقة العالمية الراهنة، لا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؟
أبعاد أزمة نقص إمدادات الطاقة في العالم كارثية على الاقتصاد العالمي، وتتسبب في ارتفاع الأسعار على جميع مستهلكي الطاقة من مواطني العالم في كل مكان.
فأسعار النفط والغاز كانت في صعود لقوة الاقتصاد العالمي حتى قبل الغزو؛ لكن أزمة أوكرانيا أضافت بعدا سياسيا على هذه الأسعار، ورأينا أن أسعار خام برنت (معيار التسعير العالمي) تجاوزت حاجز 112 دولارا للبرميل.
بالطبع الطلب العالمي قوي جدا؛ ولا شك أن هذا سيؤثر بالطبع على رفع أسعار كلفة المواد الغذائية وتكلفة تصنيع مواد كثيرة؛ لأن النفط يدخل في صلب الزراعة والصناعة العالمية، من حيث الأدوية الطبية والأسمدة والبتروكيماويات.
ما موقف دول منظمة أوبك من هذه الأزمة، وكيف يمكن مواجهتها؟
منظمة "أوبك بلاس" تسعى دائما لموازنة سوق النفط بين العرض والطلب والدفاع عن أسعار النفط، لأن معظم أو غالبية أعضائها تحتاج إلى سعر للنفط بين 80 إلى 100 دولار للبرميل لموازنة ميزانيتها.
أوبك بلاس قررت حتى اليوم وفي اجتماعها الأخير، مطلع مارس/ آذار 2022، ألا تغير من سياستها الإنتاجية، بمعنى رفع إنتاجها بنسبة 400 ألف برميل يوميا إلى أن يعود إنتاجها إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا.
وهذا يعني أنه مع ارتفاع الأسعار الآن، ما زالت منظمة أوبك ترى أن سوق النفط ما زال متوازنا ولا يحتاج إلى مزيد من رفع الإنتاج.
إلا أنها إذا شعرت أن سوق النفط سوف تختل، فإنها ستقدم على رفع إنتاجها، ومع ذلك فإن قدرة منظمة أوبك بلاس على رفع إنتاجها محدودة.
كيف تواجه الدول الغنية والفقيرة حمى هذه الأسعار؟
ارتفاع الأسعار يؤثر بوجه عام على اقتصاد العالم من الدول الغنية والفقيرة بشكل أكبر.
فالدول الغنية رغم أنها قادرة على دفع أسعار النفط البالغة 112 دولارا للبرميل؛ إلا أن هذا يعني أن فاتورة استيراد النفط لديها سترتفع بشكل كبير، وهذا سيضعف القوة الشرائية للمواطنين، وكذلك الميزان التجاري ويؤثر على نموها الاقتصادي.
بينما الدول الفقيرة رغم أنها تستخدم كميات أقل بكثير من النفط من الدول الغنية، لكن مع ذلك تتأثر من ارتفاع الأسعار لعدم قدرتها على دفع فاتورة عالية للنفط، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض مستوى النمو الاقتصادي لديها.
كيف يبدو مستقبل الطاقة؟
مستقبل الطاقة في العالم سيبقى معتمدا حتى طوال القرن الحادي والعشرين وما بعده على النفط والغاز.
لأن الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية لا تستطيع أن تزود العالم بحاجته، بسبب الانقطاع أثناء هبوب الرياح أو أثناء غيوم الشمس، وتغيرات الطقس التي تمنع الاستمرار في الإنتاج.
كما أن التحول من النفط والغاز إلى الطاقة المتجددة لا يمكن أن ينجح بدون الاعتماد على النفط والغاز؛ لذلك سيظل النفط والغاز يتسيدان الطاقة في العالم إلى أبعد من القرن الحادي والعشرين.
روسيا وأوروبا
روسيا تمد أوروبا بكميات من النفط والغاز لا يمكن الاستغناء عنها.. ما مصير دول القارة لا سيما ألمانيا؟
في الواقع روسيا تمد الاتحاد الأوروبي بما يزيد عن 40 بالمئة من احتياجاته من الغاز، و30 بالمئة من احتياجاته من النفط، وحتى الآن روسيا لم تقرر وقف إمداداتها.
لكنها إن فعلت ذلك ردا على العقوبات التي فرضت عليها؛ سيواجه الاتحاد الأوروبي أزمة طاقة أكبر بكثير من الأزمة التي كان يواجهها قبل أزمة أوكرانيا.
بمعنى أن المواطنين والدول في الاتحاد الأوروبي سيدفعون سعرا باهظا لهذه المواد، وهو ما يقلل من النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي.
ناهيك عن أن كل صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال، وقطر وأستراليا والنرويج لا تستطيع أن تحل محل 200 مليار متر مكعب من الغاز الخام المرسل عبر الأنابيب من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى 16 مليون طن من الغاز المسال.
فاقتصاد الاتحاد الأوروبي سيتأثر بشكل كبير، وستكون ألمانيا الخاسر الأكبر؛ لأنها الاقتصاد الأضخم في أوروبا، وتعتمد على إمدادات النفط والغاز من روسيا بنسبة 65 بالمئة من حاجتها.
ما مصير مشروع أنبوب "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا في ظل العقوبات الأخيرة؟
بالطبع الولايات المتحدة حتى قبل أزمة أوكرانيا كانت تريد قتل هذا الأنبوب، لكنها فشلت في وقف بنائه وستفشل في قتله.. والدولة الوحيدة التي تستطيع أن توقف هذا الخط هي ألمانيا (علقت المصادقة على تشغيله فقط في إطار العقوبات).
لكن ألمانيا إذا اتفقت مع الولايات المتحدة على قتل هذا الأنبوب ووقفه كليا ساعتها ستكون ارتكبت أكبر حماقة اقتصادية؛ لأن أكثر من 150 شركة ألمانية رئيسة ساهمت في نصف كلفة هذا الخط التي بلغت سعته 11 مليار برميل.
وهو ما يعني إفلاس هذه الشركات، وهذه ستكون بمثابة ضربة كبيرة للاقتصاد الألماني ومستقبل أمن الطاقة في ألمانيا كأكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي والمحرك الرئيس للاقتصاد في أوروبا.
ما موقع الصين من تلك الأزمة؟ وكيف تحصل على حاجتها من الطاقة؟
موقف الصين من أزمة أوكرانيا إلى حد ما محايد، حيث ترتبط الصين بروسيا بعلاقة جيدة تفرض عليها أن تكون حذرة في أي موقف تتخذه حيال الحرب في أوكرانيا.
بدليل أن الصين امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على مشروع قانون يدين العمليات العسكرية في أوكرانيا ويفرض على روسيا الانسحاب الفوري.
ومن ناحية أخرى روسيا والصين بينهما اتفاق كبير حول تحويل العالم من نظام تحكمه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد القوى، أي بجانب الولايات المتحدة روسيا والصين ستصبحان عملاقين وقوتين كبيرتين في العالم بنفوذهما.
فالصين وروسيا تسعيان إلى تحويل النظام العالمي الحالي من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب.
وروسيا قادرة على تزويد الصين بالجزء الأكبر من حاجتها من النفط والغاز وهي تفعل ذلك؛ كما أن روسيا هددت بأنه في حال أوقفت إمدادات النفط والغاز إلى دول العالم فإنها سوف تستثني الصين من ذلك، حيث تربطهما خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز.
أضف إلى ذلك أن الصين هي أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم، كما أنها الآن هي أكبر دولة مستوردة للغاز المسال، وهي أكبر سوق للطاقة في العالم، وبالتالي سيكون مربحا لروسيا بأن يكون لها سوق ضخمة من هذا النوع وحليف لها مثل الصين.
الوضع الإقليمي
ما واقع ومستقبل قضية غاز المتوسط وموقع تركيا من هذه الأزمة؟
كميات الغاز التي اكتشفت في شرق البحر المتوسط لا بأس بها، ولكن لا تستطيع أن تعوض احتياجات الاتحاد الأوروبي، كما أنها تحتاج إلى تحويلها إلى غاز مسال في مصر، لإعادة تصديرها.
تركيا لديها طموحات كبيرة في منطقة شرق المتوسط، فتريد أن تكون المركز الرئيس لوصول الغاز وربما النفط إلى الاتحاد الأوروبي.
وإن كان التركيز على الغاز حاليا، خصوصا أن هناك أنابيب رئيسة لنقل الغاز من أذربيجان عبر تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، ثم هناك أنبوب لنقل الغاز من إيران إلى تركيا لسد جزء من حاجتها.
وهناك طبعا تفكير لبناء خط يعرف باسم "إيست ميد" تحت البحر المتوسط لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي في المستقبل إلى الاتحاد الأوروبي، وتعارضه تركيا.
وهدف تركيا الأول أن تبقى المركز الرئيس لتصدير الغاز إلى الاتحاد الأوروبي؛ إضافة إلى أن تركيا لن تقبل بتسوية سلمية في شرق المتوسط دون حصول القبارصة الأتراك على حصة عادلة من الغاز المكتشف في المياه القبرصية.
وتسعى تركيا إذا تم التفاهم مع منتجي الغاز والنفط في منطقة شرق المتوسط إلى بناء خط نفط قصير يربط القطاع التركي بقبرص إلى تركيا بطول 80 ميلا، ومن هناك ينضم هذا الخط إلى الخطوط الموجودة أصلا.
وهذا الخط سيكون مفتوحا لأية صادرات مستقبلية من قبرص وإسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي.
ما موقع إسرائيل من أزمة الطاقة العالمية؟
إسرائيل عندها الآن اكتفاء ذاتي من ناحية حاجتها من الغاز، وهي قادرة على تصدير كميات لا بأس بها.
لكن فيما يتعلق بالنفط فإن إسرائيل تحتاج إلى استيراد كل قطرة تحتاج إليها؛ وبالتالي تتأثر كغيرها من الدول المستوردة للنفط بتلك الأسعار العالمية المتصاعدة للنفط.
والأمر تماما ينطبق كذلك على تركيا التي تحتاج إلى استيراد كميات كبيرة من الغاز ، بسبب حجم اقتصادها إضافة إلى كميات كبيرة من النفط لسد حاجتها.. وطبعا نتيجة لذلك تتأثر تركيا بارتفاع الأسعار، الأمر الذي ينعكس على سرعة نمو اقتصادها.
ما انعكاسات ارتفاع الأسعار على الدول الخليجية؟
بالطبع جميع الدول المنتجة للنفط في العالم، وبينها دول الخليج العربي ستستفيد مبدئيا من ارتفاع الأسعار، وهذا سيساعدها على سد العجز في ميزانيتها وإجراء استثمارات كبيرة في القطاع غير النفطي في اقتصادها لتنويع مصادر الدخل.
لكن في الوقت نفسه ستضطر إلى دفع فواتير استيراد أعلى بكثير بالنسبة للمواد الغذائية والزراعية والواردات الأخرى.
بمعنى أن استفادتها من ارتفاع أسعار النفط سيوازيها زيادة في الإنفاق من الدخل على فاتورة الاستيراد من مواد غذائية وغيرها من المواد المستوردة.