حميدتي يزور روسيا رغم الحرب.. ما القضايا العاجلة التي لا تحتمل التأخير؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما كان العالم يحبس أنفاسه والقوات الروسية تتأهب لغزو أوكرانيا، سافر نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى موسكو، ليعقد لقاءات مع مسؤولي الكرملين، في زيارة مثيرة في توقيتها ودلالاتها. 

وبشكل غير معتاد حرص حميدتي على ارتداء بزة مدنية، وهي عادة مستجدة في الآونة الأخيرة، على خلاف هيئته العسكرية التي كان يظهر بها دائما. 

وخلفت خطوة حميدتي نحو روسيا جدلا وقلقا، خاصة وأنه أقدم على زيارات متعددة إلى دول أخرى في أقل من شهر، ووصفت وسائل إعلام سودانية تحركات الجنرال، سيء السمعة، بأنها تأتي لتأهيل نفسه لخطوات قادمة تتعلق بدوره في الحكم وقيادة العملية السياسية بالبلاد. 

ومن أهم التساؤلات التي أبرزت على وقع مباحثات حميدتي في موسكو، ما يمكن أن تعطيه إياه روسيا؟ وما ردود فعل رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، وبقية العسكريين؟ 

إلى موسكو 

في 23 فبراير/ شباط 2022، وصل حميدتي إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة رسمية، من أجل "بحث قضايا إقليمية ودولية وتعزيز العلاقات"، وفق بيان لمجلس السيادة السوداني.

وأوضح البيان أن "الزيارة تأتي في إطار تبادل الرؤى والتباحث حول سبل تطوير وتعزيز أوجه التعاون بين السودان وروسيا في مختلف المجالات".

ورافق حميدتي وفد يضم وزراء المالية جبريل إبراهيم، والزراعة أبوبكر البشرى، والطاقة محمد عبد الله محمود، والمعادن محمد بشير ابونمو، ووكيل وزارة الخارجية المكلف نادر الطيب، ورئيس اتحاد الغرف التجارية نادر الهلالي.

وتدعم روسيا انقلاب الجيش السوداني بقيادة البرهان وحميدتي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، الذي عبره تم إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، واعتقال قيادات حزبية ومسؤولين حكوميين.

وتسعى روسيا لإقامة قاعدة عسكرية في بورتسودان، لوضع قدم في تلك المنطقة الإستراتيجية، ما يعزز وجودها في الشرق الأوسط وساحل البحر الأحمر.

وبحسب صحف سودانية مثل صحيفة "الراكوبة" لا يستبعد أن تناقش الزيارة ملف مرتزقة فاغنر، سواء لقمع الاحتجاجات المحلية، أو الزج بهم في صراعات الجوار في تشاد وإفريقيا الوسطى.

صراع وشيك 

ورغم أن زيارة حميدتي إلى روسيا جاءت تحت مظلة غطاء رسمي، وعلى مرأى من الجميع، لكنها خلفت جدليات حول علاقة القادة العسكريين ببعضهم.

وهو ما تناولته صحيفة "التغيير" السودانية، في تقرير بتاريخ 24 فبراير 2022، إذ قالت: "بات الصدام بين الجيش والدعم السريع وشيكا، خاصة بعد تحركات حميدتي وشقيقه عبد الرحيم لتقوية المليشيا، وتحويلها دولة داخل الدولة، وسط مخاوف من قادة الجيش التي تطالب بضرورة وضع حد لهذه التحركات". 

وأضافت: "بينما كان حميدتي يلوح بيده لمودعيه من سلم الطائرة التي تقله إلى موسكو، كان قائد الجيش البرهان يتفقد مدرعات الشجرة جنوبي الخرطوم، وزيارة البرهان ومغادرة حميدتي نتاج طبيعي للخلاف الذي يدور بين الجيش والدعم السريع، رغم نفي القيادتين لوجود هذا الخلاف".

بينما أوردت صحيفة "الراكوبة" المحلية أن "البرهان قلق بالفعل من تحركات حميدتي، ويخشى انقلابا عسكريا"، وذكرت عن مصادر خاصة بها أن "البرهان، أبلغ المسؤولين في القاهرة قلقه من تداعيات وتطورات الأحداث في السودان". 

وأشارت إلى أن "البرهان أبدى بالفعل خشيته من الحراك الذي يقوده حميدتي، بما في ذلك الخارجي، لا سيما زيارته الأخيرة إلى موسكو". 

واستطردت: "البرهان أبلغ مسؤولا مصريا رفيع المستوى، رسالة عبر السفارة المصرية في الخرطوم، عن مخاوفه بشأن رصد تحركات غير مفهومة، يقوم بها حميدتي". 

ووفق مراقبين، أصبحت قوات الدعم السريع (الجنجويد) الآن القوة الحاكمة الحقيقية في السودان. وتمثل نوعا جديدا من النظام، فهي مزيج من المليشيات القبلية والمشاريع التجارية، ومتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في البلاد.

خلط للأوراق

من جانب آخر، اعترضت كثير من الأحزاب والقوى السياسية السودانية على زيارة حميدتي التي وصفت بأنها خلط للأوراق.

خاصة وأن تصريحاته التي أكد خلالها على ما أسماه "حق روسيا في حماية شعوبها" بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، أثارت ردود أفعال واسعة داخل البلاد، ووصفتها معظم القوى السياسية بغير المسؤولة، مؤكدين أنها لا تعبر عن الشعب السوداني وقواه السياسية.

وقال حميدتي في فيديو مسجل، إبان زيارته ونشرته وسائط روسية، إن روسيا تمتلك الحق للدفاع عن مواطنيها وشعوبها، ويجب على العالم أن يدرك ذلك، مشيرا إلى أنه حق مكفول وفق القانون والدستور، حسب تعبيره. 

فيما اعتبر "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي يقود الحراك الميداني المعارض، أن زيارة حميدتي إلى روسيا في هذا التوقيت تفتقر للمعايير الدبلوماسية وتخالف الأعراف الدولية. 

وأعلن المتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني، فتحي فضل، أن "تصريحات حميدتي وزيارته لموسكو، دليل على عدم وجود فرق بين قادة الانقلاب الحاليين ونظام عمر البشير، في السعي للاحتماء بروسيا، أو أميركا وغيرها، بما لا يتوافق مع مصلحة السودان". 

وعلقت قوى الحرية والتغيير على الزيارة من خلال متحدثها شهاب الدين الطيب، الذي قال: "إن زيارة حميدتي توضح الانقسام الراهن بين عسكريي الانقلاب، وحالة تجاذب بين أطراف الانقلاب والذي يؤكد ضعف الانقلاب والمضي نحو صدام ينطلق من التباين الراهن بينهم". 

وأضاف أن "العلاقات الدولية مرتبطة بشكل أو بآخر بالتسليح والتدريب والتعاون العسكري بين الدول"، وأشار إلى أن "الجيش يمضي في اتجاه حلف معين وعلاقات عسكرية تعبر عن اتجاه يميل إلى القاهرة، بينما يتجه الدعم السريع في اتجاه آخر يمضي نحو روسيا". 

مملكة حميدتي 

وتعليقا على هذا التطور، قال الصحفي السوداني محمد نصر، إن توجه حميدتي إلى روسيا في هذا التوقيت مثير للاستغراب، والعالم أجمع يندد بالغزو الروسي على أوكرانيا، لكن قائد الجنجويد لا يقف عند هذه المسائل كثيرا ولا تعنيه.

وأضاف نصر لـ"الاستقلال" أن حميدتي يسعى إلى دعم وسلاح روسيا في ظل توقعات بضغط أوروبي على الجيش ومن أفرعه الدعم السريع، والذي قد يحمل تقليصا لاستيراد السلاح، ومن ناحية أخرى فإن موسكو مشهورة بإسنادها العمليات القذرة وفرق الحرب الخاصة كما حدث في ليبيا، ودعمها اللا محدود لخليفة حفتر.

وتابع: وحميدتي الذي يلقب بـ"حفتر السودان" يرنو إلى دعم مماثل في حال نشوب نزاع متطور أو تفاقم الأوضاع الداخلية. 

وأوضح الصحفي السوداني أن "روسيا لا تدعم حكومات مدنية ولا أنظمة ديمقراطية، إنما الأنظمة العسكرية والديكتاتورية، والميليشيات الخاصة، ومنذ البداية توجه العسكر بجميع مكوناتهم إلى روسيا وعقدوا معها اتفاقيات وزيارات متبادلة على مستوى قادة الجيش والأركان". 

وشدد على أن "حميدتي لن يكتفي أبدا بلعب دور الرجل الثاني، بل يريد أن يكون الرجل الأول وأن يحكم البلاد فعليا، أو يكون الرجل الأول الموازي الذي يحكم ويتحكم في الظلام وتكون له الكلمة العليا".

"وحميدتي يظن أن بامتلاكه المقومات العسكرية وحشده للدعم السريع وتطوير قدراتهم القتالية، وإقامة علاقات خارجية مع دول مثل روسيا والإمارات وإثيوبيا، أنه بذلك سيحكم السودان!"، وفق نصر. 

ومضى يقول: "خطورة تحركات ومستهدفات حميدتي تكمن في الوصول إلى مرحلة انقسام عسكري عسكري، يأتي معه شبح الحرب الأهلية، فالجيش وجهاز المخابرات والجهاز البيروقراطي الحكومي للدولة لن يسمح بأن يسيطر عليه حميدتي ومليشياته مهما بلغت قوتهم".

 "وبالتالي فإن تحركات قائد الجنجويد نحو هذا الأمر يجعل من الصدام أمرا قائما لا محالة، وعلى الجيش أن يتحرك لتجاوز المرحلة الانتقالية، وعقد انتخابات ديمقراطية، تقوم على أساسها حكومة منتخبة، حتى يقطع الطريق على الانقسامات ومساعي إسقاط البلاد"، يختم الصحفي السوداني.