"التفافة إستراتيجية".. أسرار محاولات روسيا إبعاد إيران عن مرافق حيوية في سوريا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أعطت روسيا مؤشرات على سعيها لمشاطرة إيران سيطرتها على ميناء اللاذقية أهم مرفق حيوي سوري على البحر المتوسط، بعد تعرضه أخيرا لهجومين إسرائيليين استهدفا لأول مرة السلاح القادم من إيران.

وبدا ذلك واضحا بعدما رعت موسكو توقيع "جمهورية شبه جزيرة القرم" التي ضمتها روسيا إليها عام 2014، اتفاقيات تعاون جديدة بشأن الموانئ مع النظام السوري في 17 يناير/ كانون الثاني 2022.

ورقة الحلفاء

وشملت تلك الاتفاقيات مذكرة تعاون بين موانئ القرم وميناء اللاذقية السوري، عقب لقاء وفد اقتصادي برئاسة وزير الاقتصاد في النظام السوري محمد سامر الخليل، مع رئيس "جمهورية القرم"، سيرغي أكسيونوف.

وجرى كذلك بين الطرفين الحليفين لروسيا، توقيع اتفاقية للتعاون في المجال السياحي تتضمن خطة عمل مدتها ثلاث سنوات.

وعلى هامش الاتفاقات، قال غيورغي مرادوف نائب رئيس وزراء القرم إن موانئ شبه الجزيرة يمكن أن تصبح البوابة البحرية الجنوبية الرئيسة لروسيا في إطار تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع سوريا.

وزاد بالقول إن "موانئ الجزيرة منفتحة ومستعدة لتوريد المنتجات الروسية إلى سوريا دون خوف من أي عقوبات".

وتزامنا مع الاتفاق الجديد بين نظام الأسد وشبه جزيرة القرم التي لا تعترف الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف "الناتو" بضم روسيا لها، كانت الشرطة العسكرية الروسية على موعد مع إجراء لأول مرة دورية لها بتاريخ 17 يناير  2022 في ميناء اللاذقية.

وما كان لافتا هو أن الدورية الروسية جالت تحديدا في ساحة الحاويات بالميناء، التي طالها القصف الإسرائيلي أخيرا وبقيت مخلفاته حاضرة، في إشارة من موسكو لإعادة تغيير خارطة تقاسم النفوذ داخله مع إيران.

ونفذت إسرائيل في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ولأول مرة قصفا على مرفأ اللاذقية التجاري، وفي 28 ديسمبر أيضا أعادت الكرة، عبر قصف جوي برشقات من الصواريخ من عمق البحر المتوسط مستهدفا ساحة الحاويات في الميناء.

وعقب الاستهداف الأول لميناء اللاذقية قالت قناة إسرائيلية، في 7 ديسمبر إن الهدف من الهجوم هو ضرب أسلحة متطورة مهربة من إيران عن طريق البحر.

وكانت تواترت بيانات حول نقل النظام السوري إدارة مرفأ اللاذقية إلى إيران بعد زيارة مفاجئة أجراها بشار الأسد إلى طهران نهاية مايو/أيار 2019.

لا سيما أن ذلك يتوافق مع سعي إيران لإنشاء ممر بري يربطها بالبحر المتوسط، كما افتتحت خطا بحريا مباشرا في مارس/آذار 2021 بين ميناء "بندر عباس" في محافظة "هرمزكان" جنوبي إيران وميناء اللاذقية، بهدف "تحقيق السرعة في العمل وتخفيض التكاليف التي كان يدفعها المستورد عند استيراد البضائع عن طريق البر أو الجو".

وبدأ التدخل العسكري الإيراني لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من السقوط عام 2012، بينما ساعد التدخل العسكري الروسي، في 30 سبتمبر/أيلول 2015، الأسد، على استعادة مناطق شاسعة في سوريا، كانت بقبضة الفصائل المعارضة.

وضمت روسيا، في 18 مارس/ آذار 2014 القرم إلى أراضيها بعد أن كانت تتبع أوكرانيا، عقب استفتاء من جانب واحد أجري بشبه الجزيرة في 16 مارس/آذار من نفس العام، دون اكتراث بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان.

وهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيه توقيع اتفاقيات بين حلفاء روسيا، إذ وقع ممثلو شبه جزيرة القرم خلال زيارة إلى دمشق، نهاية أغسطس/ آب 2019 اتفاقية مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية حول التعاون التجاري والاقتصادي بين عدد من شركات الطرفين وخاصة بشأن توريد الحبوب من روسيا إلى سوريا.

وتعد روسيا وهي من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، من الداعمين لنظام الأسد بالقمح، إذ أكدت في يونيو/ حزيران 2021، أنها ستبيعه مليون طن من الحبوب على مدار العام لمساعدته على تلبية الطلب المحلي السنوي الذي يبلغ أربعة ملايين طن.

تقاسم الحصص

وبناء على المعطيات الآنفة، فإن دخول روسيا إلى ميناء اللاذقية ووضع قدم لها هناك إلى جانب إيران، هو تكملة لإستراتيجية روسية حان أوانها.

وفي هذا الإطار، يؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ "الاستقلال"، أن لروسيا هدفين من وراء توقيع اتفاقية الموانئ بين النظام السوري وشبه جزيرة القرم، الأول مرتبط بإيران، والثاني والأهم يصب في هدفها الأساسي حول وجودها على المتوسط.

ويشرح شعبو ذلك بقوله إن "روسيا وإيران يعملان في سوريا على تقاسم الحصص رغم ما تظهره وسائل الإعلان من وجود تناحر، إلا أن هذا لا يخفي وجود اتفاق مبطن بينهما على تقاسم الكعكة السورية، بحيث كل واحد منهم يحافظ على مصالحه عبر استغلال وابتزاز نظام الأسد".

ولفت شعبو، إلى وجود نقطة هامة حول طهران تلعب على وترها موسكو، وتتمثل بأنه "دوليا من غير المقبول أن توجد إيران على البحر المتوسط، وهذا خط أحمر ليس بالنسبة فقط لروسيا بل حتى مرتبط ببقاء النظام السوري، لأن وجود طهران على المتوسط يعني أنه سيكون مفتوحا أمامها من موانئ طهران حتى ميناء اللاذقية".

واستدرك قائلا: "ولهذا جرى إطلاق يد إيران في سوريا بالعقارات والبنى التحتية والكهرباء والمشاريع الحيوية والتنموية".

وأكد الأكاديمي السوري أن ما حصل هو إعادة "رسم الخارطة الاقتصادية بين روسيا وإيران، ويعبر عن اتفاق سابق يجري حاليا تفعليه".

وذهب شعبو للقول إن "موانئ جزيرة القرم هي موانئ روسية، وبالتالي فإن روسيا تهدف من ربط الموانئ باتفاقيات لكي تكون صلة وصل وتسهيل العبور والعمليات التجارية، وكي يكون هناك إعفاءات تشمل هذه المرافئ".

وأردف قائلا: "وبالتالي هي خطوة لتنشيط حركة التجارة الروسية وفتح أسواق جديدة، لكون روسيا أصبحت حاليا على أبواب أفريقيا، وأوروبا من جهة البحر المتوسط ضمن خطة تثبيت موطأ قدم في هذه المنطقة".

وسبق للمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، قوله في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، بتاريخ 23 ديسمبر 2021 إن قضية الضربات الإسرائيلية من المستحيل عمليا إغلاقها.

وأضاف لافرينتيف أن الإسرائيليين يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي، "وهذا يعني توجيه الضربات على جميع الأهداف التي تهدد أمن إسرائيل".

ولفت المبعوث الروسي، إلى أن مشكلة القصف الإسرائيلي لها حلول أخرى، ومضى يقول: إذا كانوا يعتقدون أن هناك خطرا يمكننا أن نتخذ تدابير ونزيل الخطر إن كان موجودا".

صمت مدروس

ويرى مراقبون في الشأن السوري أن صمت روسيا عن القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية بعموم المحافظات طيلة السنوات السابقة، يرجع لأنها موافقة على إضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ما يصب في حساباتها المستقبلية.

إلا أنه حينما شعرت موسكو أن إسرائيل ماضية في قصف ميناء اللاذقية الذي لا يبعد سوى نحو 15 كيلومترا عن قاعدة حميميم الروسية، سنحت الفرصة لإلقاء موسكو بورقة كانت مؤجلة.

وتتمثل في عدم سماح موسكو لطهران بالإمساك وحدها بميناء اللاذقية، بحجة تنبيهات تل أبيب المتكررة لها حول دخول الأسلحة لمليشياتها عبر الميناء.

وكذلك الخشية من تحويل أجواء اللاذقية ساحة للطائرات الإسرائيلية وهو ما لا تفضله روسيا كونه سيؤثر مباشرة على قاعدة حميميم، وعلى حاضنتها الشعبية الموالية للنظام السوري.

ومنذ أن بدأت إسرائيل في اتخاذ إجراءات ضد الوجود الإيراني في سوريا، أواخر عام 2017، لم ينقطع التنسيق الروسي الإسرائيلي حول الهجمات على مواقع إيران.

كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أكد في 24 أكتوبر 2021 فور عودته من منتجع سوتشي الروسي حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنهما "توصلا معا إلى تفاهمات جيدة ومستقرة بشأن سوريا".

وهذا ما أكد عليه الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي السوري، رفعت عامر، بقوله لـ "الاستقلال" إن الذي دفع الروس في هذا الوقت لإجراء تغيير في ميناء اللاذقية هو الضغط الإسرائيلي عليهم لتحرير الدور الإيراني في سوريا وتعهدهم بعدم قصف الميناء في حال تمت السيطرة الروسية عليه".

لكن الخبير الاقتصادي لم يخرج ما جرى في اللاذقية من "دائرة الصراع الروسي الإيراني غير المعلن بشكل رسمي حول مستقبل ما تبقى من المشاريع والمواقع الإستراتيجية في سوريا".

وأضاف عامر لـ"الاستقلال"، أنه "لدى إيران هدف واضح تسعى لتحقيقه بأي شكل وهو فتح الطريق البري الممتد من إيران عبر العراق إلى سوريا إلى ميناء اللاذقية حتى تستطيع أولا أن تكون جزءا مهما من طريق الحرير الصيني الذي من المخطط له أن يصل إلى الموانئ البحرية في سوريا ولبنان وتركيا".

واستدرك قائلا: "وعندها تستطيع إيران أن تفاوض بقوة مع الصين في حال جرى السيطرة على الميناء ومن ناحية أخرى يكون المرفأ بوابة للأسلحة والمخدرات والبضائع الأخرى من إيران لحزب الله بعد أن أصبح الطريق البري من سوريا إلى لبنان مكشوفا لإسرائيل وتتعرض فيه شحنات الأسلحة الإيرانية للقصف الإسرائيلي".

وختم عامر بالقول إن "روسيا بحاجة ماسة للموانئ البحرية الواصلة مع دول المتوسط وأوروبا تحديدا في ظل إستراتيجيتهم التوسعية من خلال سوريا".