صحيفة تركية: هكذا يمكن لمشروع "النهر الصناعي" تغيير مستقبل ليبيا

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "يني شفق" التركية الضوء على مشروع "النهر الصناعي" في ليبيا، ومراحل إنشائه حتى توقف العمل به على خلفية الربيع العربي، مؤكدة أنه مشروع واعد ليس فقط لليبيا بل لإفريقيا كاملة.

وذكرت الصحيفة في مقال لوزير الغابات والشؤون المائية التركي السابق ويسل أر أوغلو، أنه من شأن هذا المشروع أن يلبي حاجة ليبيا من المياه الصالحة للشرب، والري، وكذلك إيقاف التصحر.

والنهر الصناعي مشروع ضخم وضع حجر أساسه في عام 1984 لنقل المياه الجوفية العذبة عبر 4 أنابيب عملاقة من أعماق الصحراء الليبية إلى مدن الساحل للاستخدام المنزلي والزراعة والصناعة.

لمحة عن المشروع

وقال الوزير التركي السابق إن بلاده فتحت أبوابها أمام آلاف الطلاب من إفريقيا وآسيا إبان خمسينيات القرن العشرين، وكان من بين هؤلاء طالب قدم من ليبيا يُدعى "محمد أحمد المنقوش".

وبعد أن أنهى المنقوش تعليمه الثانوي في ثانوية كاباتاش بإسطنبول، دخل كلية الهندسة المدنية بجامعة إسطنبول التقنية، ليعود إلى ليبيا بعد تخرجه ويتولى منصب وزير الإعمار، ليدير مشاريع الموانئ والأنهار في البلاد لمدة 13 عاما.

وعمل المنقوش على توثيق الروابط مع تركيا لا سيما عندما أصبح رئيسا للوزراء عام 1997، وكذلك عندما عمل سفيرا لليبيا في أنقرة عام 2002.

وأوضح الوزير "أر أوغلو" أنه أجرى لقاءات في تلك الفترة التي كان فيها المرحوم المنقوش (توفي في 2016) سفيرا لدى أنقرة، حول ملف المياه.

وأضاف: وعندما كنت عضوا في هيئة التدريس بجامعة إسطنبول التقنية، ذهبت إلى ليبيا مع وفد تركي بدعوة من المنقوش. وأتيحت لنا فرصة معاينة مشروع النهر الصناعي، وذهبت إلى مدينة فزان الليبية ودرست جميع مراحل المشروع.

وكان هذا المشروع يحظى بأهمية بالغة لمستقبل ليبيا والمنطقة، غير أنه ومع انطلاق ثورات الربيع العربي في عام 2011، توقف العمل به.

ولفت "أر أوغلو" إلى أنه من المعروف اليوم أن هناك شحا في المياه خاصة في محيط مدينتي طرابلس وبنغازي، وشعرت بالضيق الشديد عندما رأيت محاولات إفساد مشروع النهر الصناعي الذي كان ينفذه المنقوش خلال فترة وزارته ورئاسته للوزراء.

وللأسف، توقف المشروع الذي كان قد اكتمل إلى حد كبير نتيجة إفساد الغرب بيئة السلام والاستقرار في ليبيا.

وأكد الوزير التركي السابق أن قيام الدولة الليبية بإعادة تفعيل هذا المشروع العملاق الذي اكتملت أعمال بنائه إلى حد كبير، مهم للغاية. خاصة وأن من شأنه أن يلبي حاجة البلاد من المياه الصالحة للشرب، كما سيحل معضلة الري ويوقف التصحر.

ويمتلك المقاولون الأتراك المعرفة والخبرة اللازمة لإكمال مثل هذا المشروع، وأنا هنا أقول إنني على استعداد كامل لتقديم دعمي وخبرتي في هذه المسألة إلى ليبيا، بصفتي شخصا قام بمعاينة المشروع بنفسه ونفذ العديد من المشاريع المتعلقة بالمياه في إفريقيا.

انطلاقة المشروع

وأوضح "أر أوغلو" أنه في منتصف القرن العشرين، اكتشف الليبيون بئر مياه شرق الصحراء الكبرى أثناء بحثهم عن النفط، ليتبين لاحقا أن هذه البئر تشكل واحدة من أكبر 12 بئرا للمياه الجوفية في العالم.

وهكذا عم الفرح في البلاد لينطلق مشروع النهر الصناعي عام 1984 وتم حفر 1300 بئر، وبناء 3500 كم من خطوط النقل العملاقة وخزانات المياه في خمس صحاري منفصلة. وخُطط لتنفيذ المشروع في خمس مراحل تم تنفيذ ثلاث منها.

وتمثلت المرحلة الأولى في بناء المصنع الذي سينتج 80 طنا من الأنابيب لاستخدامها على طول الخط المحدد لنقل المياه.

ومع البدء بتنفيذه، توافدت عديد من الشركات الأجنبية سواء كانت ألمانية أو يابانية أو أميركية إلى البلاد للعمل في هذا المشروع، كما تدفق الآلاف من العمال من مختلف البلدان إلى ليبيا للعمل.

أما المرحلة الثانية فكانت إنشاء خط أنابيب من الحسونة حتى الجفرة. ومن خلال هذا الخط بطول 1732 كيلومترا، اسُتهدف نقل المياه إلى العاصمة طرابلس.

فيما تضمنت المرحلة الثالثة إنشاء خط أنابيب يربط المرحلتين الأولى والثانية بطوله البالغ 190 كيلومترا، ويربط بنغازي ـ ثاني أكبر مدينة في البلاد ـ بمرافق واحة الكفرة.

وبحلول عام 2011، كانت معظم الأعمال المخطط تنفيذها ضمن مشروع النهر الصناعي العظيم جاهزة للعمل.

واستخدمت مياه النهر الصناعي في تطوير مزارع كبيرة لإنتاج القمح والشعير والخضراوات والحمضيات في البلاد، وكان الهدف الأساسي للمشروع الاكتفاء الذاتي في المنتجات الزراعية إضافة إلى توفير مياه الشرب.

مشروع واعد

واعتبر "أر أوغلو" أن النهر الصناعي العظيم كان مشروعا واعدا، وكان من المتوقع أن يوقف التصحر في شمالي وغربي البلاد، رغم تكلفته العالية جدا.

فبحسب بعض المصادر، تجاوزت التكلفة الإجمالية للمشروع 25 مليار دولار، لكن هذه الرقم صغير جدا مقارنة بما يوفره.

وأوضح أنه كان من المخطط إنهاء مراحل المشروع كافة بحلول عام 2015، بيد أنه كانت هناك جهات منزعجة من اعتماد ليبيا على نفسها في تنفيذ المشروع، وعدم اقتراضها من الخارج. وبدأت محاولات عرقلة أحد أكبر المشاريع في العالم.

واليوم، تم إهمال مراحل المشروع المتبقية، ولحقت أضرار كبيرة بالمرافق التي تم إنجازها خلال السنوات السابقة. ونتيجة لذلك، عادت أزمة المياه الصالحة للشرب وانتشار التصحر إلى الظهور مرة أخرى في البلاد.

ولو تم تنفيذ مشروع النهر الصناعي بالكامل، لكان ممكنا أن تصبح شمال إفريقيا مستودعا زراعيا عالميا.

فقد كان من الممكن أن يلبي هذا المشروع الاحتياجات الغذائية ليس فقط لليبيا، ولكن لإفريقيا بأكملها، إذ إن تعزيز قوة ليبيا واستقلالها الكامل في الاقتصاد من شأنه أن يخلق تأثيرا محوريا في دول المنطقة. لكن للأسف تمت عرقلة المشروع ولم يكتمل.

وشدد الوزير التركي السابق على أهمية استكمال المشروع بالقول: لكن ينبغي على الدولة الليبية العمل على إعادة هذا المشروع الضخم إلى الحياة. ونحن كتركيا، مستعدون لتقديم جميع أنواع الدعم.