خلاف رئيسي الدولة والوزراء في الصومال.. كيف يفيد حركة الشباب؟

سليمان حيدر | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يشهد الصومال فصلا جديدا من فصول الصراع السياسي بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي عزاه كثير من المحللين إلى الخلاف المستمر بشأن الانتخابات البرلمانية.

آخر فصول الخلاف جرت في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021 حين أصدر فرماجو قرارا بإيقاف روبلي عن العمل بسبب مزاعم بالفساد وإساءة استغلال السلطة في السيطرة على الأراضي العامة للدولة، واتهمه بأنه يشكل تهديدا خطيرا للعملية الانتخابية وتنفيذ أنشطة تنتهك تفويضه.

لكن روبلي جادل بأن قرارات فرماجو تقع ضمن إجراءات تعطيل الانتخابات ومحاولة الرئيس إطالة أمد سلطته المنتهية رسميا منذ نحو عام. 

ورفض رئيس الوزراء الاتهامات ورد عليها باتهام فرماجو بنشر قوات لمهاجمة مكتبه وأعضاء مجلس الوزراء لمنعهم من أداء واجباتهم. 

وقال روبلي في كلمة تلفزيونية في نفس اليوم إن "هذه التحركات كانت محاولة سافرة لإطاحة الحكومة والدستور وقوانين البلاد".

وكان من المفترض أن يجري الصومال انتخابات على المستويين البرلماني والرئاسي ابتداء من العام 2020.

بداية الأزمة

لكن العملية تأجلت أكثر من مرة لأسباب قال عدد من المحللين إنها بسبب أطماع الرئيس فرماجو في السلطة وإدخاله العديد من التعديلات على النظام الانتخابي المعقد الذي يشبه في تكوينه الانتخابات الأميركية.

ويمر الطريق إلى انتخاب رئيس جديد عبر آلية معقدة، حيث يستخدم الصومال نسخة محلية من نظام الهيئة الانتخابية الأميركية بحسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. 

وفي هذا النظام يختار شيوخ العشائر المندوبين عن الهيئات الانتخابية المكونة من 51 عضوا، والتي بدورها تصوت لـ 275 عضوا في مجلس الشعب، وفقًا لصيغة تقاسم السلطة.

 بينما يجرى انتخاب 54 عضوا لمجلس الشيوخ وفقًا لتمثيل الولايات الفيدرالية، ثم يصوت كلا المجلسين للرئيس من بين قائمة من عدة مرشحين يتنافسون على هذا المنصب.

وفي 8 فبراير/شباط 2021 انتهت رسميا ولاية الرئيس فرماجو لكنه رفض ترك منصبه بدعوى أنه لا يريد أن يحدث فراغ سياسي في البلاد بعد فشل المفاوضات مع المعارضة لوضع خريطة طريق للانتخابات التي جرى تأجيلها أكثر من مرة بسبب إجراءات كورونا.

على الطرف الآخر من الصراع دعا مرشحو الرئاسة المعارضون في الصومال الرئيس فرماجو إلى ترك منصبه بعد محاولته إجبار رئيس الوزراء على التنحي عن السلطة.

وأصدر مجلس مرشحي الرئاسة في الصومال الدعوة بعد يوم واحد من إصدار فرماجو قرارا بإيقاف روبلي، وطالبوا بإجراء تحقيق فيما وصفوه بالخيانة.

كما طالب مجلس الشورى الوطني المؤلف من قادة فيدراليين وغيرهم من خمس ولايات، بالتعامل الفوري مع المظالم المتعلقة بالانتخابات البرلمانية التي تأخرت بالفعل.

الخلاف بين فرماجو وروبلي مر بمحطات عديدة أبرزها الذي بدأ في سبتمبر/أيلول 2021 في أعقاب إقالة رئيس الوزراء لرئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطنية فهد ياسين وتعيين بديل له بالتزامن مع تعيين الرئيس شخصا آخر في نفس المنصب. 

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أعلن فرماجو وروبلي أنهما توصلا إلى اتفاق لتسريع عملية الانتخابات التي طال تأجيلها، مما كان من المفترض أن ينهي الخلاف بينهما الذي هدد بإدخال البلاد في أزمة جديدة.

وبدأت الانتخابات التي طال انتظارها في بداية نوفمبر 2021 وكان من المفترض أن تكتمل بحلول 24 ديسمبر من نفس العام. 

لكن الخلافات عادت مرة أخرى تطفو على السطح مع تبادل الطرفين الاتهامات بشأن تعثر الانتخابات البرلمانية.  

ونقلت العديد من الصحف الدولية تصريحات لأحد أعضاء البرلمان المنتخبين حديثا أشار فيها إلى عدم اكتمال الانتخابات وأن 24 عضوا فقط في البرلمان جرى انتخابهم من بين 275 نائبا. 

وفي هذا السياق يرى مات برايدن المحلل السياسي في مركز أبحاث ساهان المتخصص في القرن الإفريقي، أن الصومال يمر بأزمة دستورية منذ 8 فبراير / شباط 2021 عندما انتهت ولاية الرئيس.

وقال برايدن في تصريحات لشبكة الجزيرة القطرية: "لقد تماسك البلد باتفاق سياسي بين أصحاب المصلحة في الحكومة والأقاليم الفيدرالية وأصحاب المصلحة في الانتخابات".

وأشار برايدن إلى أنه كان من المفترض أن يؤجل ذلك الانتخابات حتى 27 ديسمبر 2021، وأن ذلك لم يحدث ولهذا السبب يواجه الصومال هذه الأزمة. 

وأكد برايدن أن تدخل الرئيس فرماجو "خلق حالة من عدم اليقين والخطر الحقيقي" بعد أن عدل النموذج الانتخابي لصالح إعادة انتخابه وهو ما يساهم الآن في مأزق العملية الانتخابية.

وقال: "كانت العملية برمتها على وشك الانتهاء، حيث نشهد تزوير مقاعد تلو الأخرى، وتعيين أخرى من قبل الرئيس، وهؤلاء هم الأشخاص الذين سيختارون الرئيس المقبل".

الخوف من "الإرهاب"

وسط الخلاف المتصاعد بين رأسي السلطة، تتزايد المخاوف من أن تؤدي الأزمة الحالية إلى تصاعد "النشاط الإرهابي" وتصعيد حركة الشباب أعمالها. 

وفي خضم الخلاف بين فرماجو وروبلي تحول الخوف من أن يصرف الصراع انتباه الحكومة عن قتال التنظيمات الإرهابية إلى حقيقة بعد أن بدأت الحركة هجماتها على بلدة شمالي العاصمة مقديشو. 

وأدى الهجوم الذي شنته حركة الشباب في 30 ديسمبر 2021 إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل أثناء قتالهم مع قوات الأمن الحكومية. 

وقالت وكالة رويترز البريطانية إن المقاتلين هاجموا واجتازوا القوات الحكومية التي كانت تحرس جسرا عند مدخل البلدة التي تقع على بعد 30 كيلومترا شمالي مقديشو. 

ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 27 ديسمبر عن كبير محللي شؤون الصومال في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود تخوفاته من أن يؤثر الخلاف السياسي الحالي على محاربة حركة الشباب. 

وقال محمود: "عندما تركز النخبة السياسية على بعضها البعض، يتحول الانتباه عن المعركة ضد حركة الشباب، وبدلا من ذلك فإن قوات الأمن التي قد يتم توجيهها نحو هذه الحركة تتجه نحو الداخل مما يوفر مجالا أكبر لتنشط هذه المجموعة".

وترى المحللة الأمنية سميرة أحمد من معهد هيرال البحثي الصومالي أن الخلاف بين رأسي السلطة سيصعب للغاية عمل الأجهزة الأمنية وشركائها الدوليين. 

وقالت في تصريحات نقلها موقع فويس أوف أميركا في 8 سبتمبر 2021 إن رئيس الوزراء كلف بقيادة العملية الانتخابية، التي كانت في حالة جيدة حتى الآن.

لكن هذا الاختلاف الأخير بين منصبه ومنصب الرئيس قد يؤثر على الأمن ويضر بالمصداقية والثقة في العملية الانتخابية. 

وأضافت سميرة: "من ناحية التصور، فإنه يضر أيضًا بشرعية عملية بناء الدولة في نظر الشعب الصومالي والشركاء الدوليين أيضًا". 

واشار تقرير فويس أوف أميركا إلى أن مختلف المؤسسات الصومالية مثل القضاء والرئاسة والدوائر الأمنية بشكل رئيسي في العاصمة مقديشو وكذلك القتال ضد جماعة الشباب المسلحة ستتأثر بتلك المشاحنات. 

ونشرت السفارة الأميركية في مقديشو بيانا في 27 ديسمبر دعت فيه رئيس السلطة إلى اتخاذ خطوات فورية لتهدئة التوترات. 

وقالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في ذات التاريخ إن فرماجو عندما فاز في الانتخابات التي جرت في 2017 كان ينظر إليه على أنه مصلح يعطي الأولوية للأمن وبناء مؤسسات الدولة الصومالية. 

وأضافت الصحيفة: "لكن وبدلا من ذلك فإن عملية الانتخابات هذا العام معقدة وغير كاملة كما كانت عندما تولى فرماجو منصبه".

تقرير آخر لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية سلط الضوء على تنامي قوة حركة الشباب الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة وحذر من عودتها إلى الساحة بقوة واستعادة السيطرة على الصومال مستغلة الصراع الحالي. 

وأشار التقرير في 29 ديسمبر إلى أن مقاتلي الحركة تشجعوا على النشاط مرة أخرى مما يهدد بعودة البلاد إلى مستنقع الفوضى بشكل أعمق. 

وبحسب التقرير، تقدر القيادة الأميركية في إفريقيا عدد مقاتلي الحركة في الصومال ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل ينتشرون في أنحاء الصومال البالغ تعداد سكانها 15 مليون نسمة.

وأثار النزاع الأخير قلق المراقبين الدوليين، مما دفع السفارة الأميركية في مقديشو إلى حث قادة الصومال على "اتخاذ خطوات فورية لتهدئة التوترات والامتناع عن الأعمال الاستفزازية وتجنب العنف". 

وعبرت صحيفة لو جورنال الفرنسية عن اعتقادها بأن المجتمع الدولي المنتشر في كل مكان في الصومال متحد في القضية، إلا أن التطورات السياسية الأخيرة تحولت إلى أزمة دبلوماسية. 

وأوضحت الصحيفة في تقرير لها في 29 ديسمبر: "لا يخفي الاتحاد الأوروبي دعمه لرئيس الوزراء ومن ناحية أخرى بدا أن الولايات المتحدة ودول الخليج العربي تدعم حليفها الدائم الرئيس فرماجو حتى يوم الإثنين - اليوم الذي اتخذ فيه فرماجو قرارته بحق روبل-".

وقال مكتب الشؤون الإفريقية التابع لوزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن مستعدة للعمل مع أولئك الذين يعرقلون طريق الصومال نحو السلام مؤكدة في تغريدة لها على تويتر دعمها لجهود إجراء انتخابات سريعة وذات مصداقية.

وطالبت الخارجية الأميركية في 27 ديسمبر 2021 جميع الأطراف بالكف عن الإجراءات والتصريحات التصعيدية. 

وهو ما وصفته صحيفة لو جورنال بالبيان المذهل واعتبرت أن فرماجو ربما فقد الدعم الأميركي وأنه ليس الداعم الوحيد الذي فقده الرئيس الصومالي بعد قرارته الأخيرة.