خارج الحسابات.. لماذا لا يرى الغرب المعتقلين الإسلاميين بسجون السيسي؟

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، منحت مدينة باريس، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2021، المواطنة الفخرية لـ4 صحفيين وناشطين مصريين.

وكانت المواطنة الفخرية من نصيب الصحفيتين سولافة مجدي وإسراء عبد الفتاح المفرج عنهما قبل أشهر، والناشط علاء عبد الفتاح الذي لا يزال قيد الاعتقال، إضافة إلى الباحث الحقوقي باتريك جورج المفرج عنه في 7 من الشهر ذاته.

وجاء هذا التكريم في خضم انتقادات توجه إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بشأن ملف حقوق الإنسان في بلاده، تصاعدت خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ووسط الترحيب والإشادة بهذه الخطوة الداعمة لأفراد نكل بهم نظام السيسي ولا يزال، إلا أن ثمة تساؤلات طفت إلى السطح حول الصمت الغربي المتواصل منذ سنوات حيال آلاف الناشطين المعارضين (إسلاميين وثوريين) في السجون المصرية، وبعضهم حكم عليه بالإعدام.

وسلطت هذه التساؤلات الضوء على طبيعة منظومة حقوق الإنسان المعاصرة، وهل هي قائمة على قيم ومفاهيم إنسانية عالمية أم هي أيدولوجية في الأساس وتوظف سياسيا؟

دعم غربي

ورحبت منظمة مراسلون بلا حدود الدولية (مقرها باريس/ مستقلة) في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2021 بمنح المواطنة الفخرية لهؤلاء "وهم من بين 29 صحفيا اعتقلوا تعسفيا في مصر".

 

وفي مارس/آذار 2021، أطلق سراح سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد عقب أكثر من عام على حبسهما احتياطيا، بتهمة "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

فيما أطلق سراح إسراء عبد الفتاح في يوليو/تموز 2021، عقب أكثر من عام على حسبها بتهمة "نشر أخبار كاذبة ومشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها".

ويعتبر علاء عبد الفتاح أحد رموز ثورة 2011، واعتقل في سبتمبر/أيلول 2019 بتهمة "نشر أخبار كاذبة، والانتماء إلى جماعة محظورة"، خلال ملاحقة الأجهزة الأمنية لمشاركين في احتجاجات نادرة ضد السيسي.

وكان علاء وقتها يقضي كل ليلة في مركز الشرطة وفق شروط الإفراج عنه، بعد قضائه خمسة أعوام في السجن، من 2014 إلى 2019 بتهمة "مخالفة قانون الاحتجاجات".

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، قررت محكمة مصرية الإفراج عن طالب الماجستير بجامعة بولونيا الإيطالية، باتريك جورج زكي، بعد نحو عامين من اعتقاله، مع استمرار محاكمته بتهمة "نشر أخبار كاذبة"، وعقب ذلك بخمسة أيام أعلنت مدينة ميلانو الإيطالية منح الجنسية الفخرية له.

وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي الجمعية الحقوقية المستقلة التي يعمل بها زكي، إن محاكمته تأجلت إلى الأول من فبراير/ شباط 2022.

وقبل عام تقريبا، تراجعت السلطات المصرية أمام حملة تنديد غربية عن قرارها في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2020 باعتقال ثلاثة من مجلس أمناء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إحدى أهم المنظمات الحقوقية بالبلاد وأكثرها ارتباطا بمؤسسات غربية، وأفرجت بعد أيام قليلة عن المعتقلين.

فبمجرد اعتقال الناشطين الحقوقيين الثلاثة، انطلقت حملة تضامن دولية، اشترك فيها برلمانيون أوروبيون وأميركيون، وموظفون في منظمات دولية، وسفراء، ودبلوماسيون، وحتى ممثلون مشهورون في السينما العالمية مثل سكارليت جوهانسون، للضغط على نظام السيسي للإفراج عنهم.

وبعد الإفراج عنه، أكد المدير بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرازق أن تجربته مع الاعتقال كانت سهلة وقصيرة، وأقصى شيء واجهه هو أن كان يحصي حبسه بالأيام، أما المعتقلون الآخرون فكانوا يحصونها بالشهور والسنين.

وأضاف في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 أنه خرج وترك رفاقا لا يعرفون متى سيخرجون، وهذا أقسى ما في الأمر.

وضع مرير

ويثير هذا التضامن مع شرائح معينة من الناشطين والحقوقيين تساؤلات عن موقف الغرب من الأوضاع الإنسانية المريرة لعشرات الآلاف من المعارضين السياسيين وسجناء الرأي القابعين في معتقلات السيسي.

فالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (مصرية/مستقلة) قدرت عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس/آذار 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف معتقل سياسي.

وأوضحت الشبكة في تقرير 11 أبريل/ نيسان 2021 أن عدد السجون الجديدة التي صدرت قرارات بإنشائها بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وحتى نشر التقرير، بلغ 35 سجنا، تضاف إلى 43 سجنا رئيسيا قبل الثورة؛ ليصبح الإجمالي 78 سجنا.

الصحفية سولافة مجدي نفسها وخلال كلمتها في احتفالية المواطنة الفخرية، قدمت قائمة تضم 50 معتقلا من سجناء الرأي والمحبوسین على ذمة قضایا وھمیة، وطالبت السلطات المصرية بالإفراج الفوري عنهم.

ومن بين أبرز المعتقلين في القائمة، المحامية والناشطة الحقوقية هدى عبد المنعم التي اعتقلت من منزلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بتهمة "الترويج لأخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة جماعة إرهابية والترويج لأغراضها".

 ويبرر نظام السيسي تنكيله بهدى بذريعة أنها "قيادية بجماعة الإخوان المسلمين"، فيما تقول أسرتها إنها تواجه الموت البطيء منذ ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي، وحالتها الصحية تدهورت بسبب توقف إحدى كليتيها عن العمل وتضرر الأخرى.

وضمت القائمة أيضا عائشة، ابنة خيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان، واعتقلت أول نوفمبر/تشرين الثاني 2018، مع 18 شخصا آخر من بينهم زوجها محمد أبو هريرة بتهم كيدية معتادة تتعلق “بالإرهاب”.

وأثارت صورة لعائشة في إحدى جلسات محاكمتها في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، ردود فعل واسعة بعد أن بدت في وضعية مؤلمة وأكد محاميها أنها بحاجة لعملية زرع نخاع.

 

— حياة اليماني �� (@HaYatElYaMaNi) September 13, 2021

 

ومن بين الأسماء بالقائمة، علا، نجلة العالم يوسف القرضاوي، وألقي القبض عليها مع زوجها السياسي المصري حسام خلف، في يوليو/تموز 2017، بتهمة الانضمام لجماعة "إرهابية".

وهي محبوسة انفراديا منذ اليوم الأول، وفق حقوقيين، ولم يسمح لها بأي زيارات طوال مدة حبسها وتعاني من وضع صحي متدهور منذ شهور.

انتقائية غربية

وتعليقا على الحملة الغربية السريعة المطالبة بالإفراج عن ثلاثة حقوقيين بالمبادرة المصرية رغم عدم مرور سوى أسبوع على اعتقالهم، ندد الوكيل السابق للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى المصري عز الدين الكومي، بما أسماها بـ"الانتقائية الغربية" في التعامل مع ملف حقوق الإنسان بمصر.

وأكد الكومي، في تصريحات لموقع الجزيرة نت بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن "هناك ازدواجية واضحة في موقف الدول الغربية وأميركا من ملف حقوق الإنسان في مصر تقوم على الانتقائية".

وأضاف: "هم يتحركون من أجل معتقلين بعينهم، ومؤسسات حقوقية أو مجتمع مدني بعينها، دعنا نقولها صراحة: هم لا يأبهون بالإسلاميين أو المحسوبين عليهم، سواء كانوا أشخاصا أو منظمات".

وفي نفس الاتجاه، سلطت إذاعة صوت ألمانيا “دويتشة فيله” الحكومية الضوء على هذا التوجه في تقرير لها بتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعنوان: "هل تراعي مصر النشطاء المدعومين من الغرب أكثر من غيرهم؟".

وقالت إنه بعدما أحالت السلطات المصرية حسام بهجت، مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، للمحاكمة في يوليو/تموز 2021، بتهمة إهانة "الهيئة الوطنية للانتخابات" في تغريدة نشرها عام 2020 عبر "تويتر".

دعت الولايات المتحدة مصر إلى "الكف عن استهداف الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان"، محذرة من أنها ستأخذ هذا الأمر في الاعتبار في مفاوضات بيع الأسلحة بين البلدين.

واعتبرت الإذاعة الألمانية أن التحذير الأمريكي هذا وغيره ومواقف أخرى في نفس السياق دفعت مراقبين للقول إن هناك "انتقائية" في تعامل الحكومة المصرية مع الناشطين "المدعومين" من الغرب.

ولاحقا ثبت صحة ذلك، مع الحكم على بهجت في هذه القضية بغرامة 10 آلاف جنيه (نحو 637 دولارا) في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو ما اعتبرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية "عقوبة متواضعة".

حبر على ورق

تعرف الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، على أنها "حقوق نتمتع بها جميعا لمجرد أننا من البشر، ولا تمنحنا إياها أي دولة. وهي عالمية متأصلة في جميع البشر، مهما كان أصلهم الوطني، أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر.

ويعد مبدأ "عالمية حقوق الإنسان" أبرز ما أكدت عليه الأمم المتحدة في تعريفها المنشور على موقع مفوضها السامي لحقوق الإنسان، حيث تعتبره حجر الأساس في الإعلانات، والقوانين، والاتفاقيات، والقرارات الدولية في هذا الشأن.

وعلى عكس ذلك، ترى أستاذة العلوم السياسية هبة رؤوف عزت، أن منظومة حقوق الإنسان المعاصرة باتت أيديولوجية بذاتها، فنحن لسنا أمام منظمات حقوقية تنتمي لقيم إنسانية عالمية كما يدعي الخطاب الليبرالي، إنما أمام تحالف سياسي أيديولوجي يدافع عن حلفائه ومصالحه، ويسعى كل يوم للهيمنة على مساحات جديدة أمام أعداء بعينهم.

وأوضحت في ورقة بحثية نشرتها مؤسسة "مبادرة الإصلاح العربي" الفكرية المستقلة في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018 أن للحركة الحقوقية في الغرب جناح اجتماعي وآخر قانوني تنظيمي له أحيانا ظهير حزبي/سياسي، بما يشكل كيانا متكاملا يوظف أدواته ويُفَعل ممثليه للضغط وتحصيل المكاسب.

فيما يرى الفيلسوف الألماني كارل شميت في كتابه "مفهوم السياسي" أن العالم الحديث أو الإنسانية الحديثة كلها قائمة على السياسة، وهي برأيه "التمييز بين الأعداء والحلفاء"، ولا يوجد أي نشاط إنساني عام خارج هذا التمييز.

من جانبه، أكد محمد عماد، مدير الشؤون القانونية والسياسات لدى منظمة "سكاي لاين" الدولية لحقوق الإنسان (مقرها ستوكهولم) أن منظومة حقوق الإنسان المعاصرة، نظريا، قائمة على قيم ومفاهيم إنسانية عالمية، هدفها الأساسي ضمان حقوق الإنسان الأساسية.

واستدرك عماد في حديثه لـ"الاستقلال": "لكن عند النظر إلى الناحية العملية، نجد الأمر مختلفا تماما، لا سيما في المنطقة العربية ومصر، ونرى ذلك بوضوح لدى كثير من الدول الأوروبية، التي تتنصل من قوانين واتفاقيات حقوق إنسان تصادق عليها، في ملفات مثل الهجرة والأنظمة الحاكمة بالشرق الأوسط".

وأشار إلى أن الأسس والنظريات التي انطلق منها مفهوم حقوق الإنسان، وما نتج عنها من اتفاقيات، هي في حقيقتها لا تأخذ سوى الطابع الشكلي، بعيدا عن الواقع العملي، لا سيما في المناطق التي تشهد اضطرابات".

"فهذه الدول عندما ترى أن حقوق الإنسان ستمس سياستها أو ستشكل تهديدا عليها، تنتهك هذه المفاهيم والأسس، وهكذا أصبحت المقايضات السياسية على حساب حقوق الإنسان هي الدارجة على المستوى العالمي بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص"، يضيف عماد.

إسقاط واقعي

ولإسقاط ذلك على أرض الواقع يمكن رؤية عديد من الساسة الأوروبيين يواصلون مهاجمة الدين الإسلامي ومعتنقيه، ويرون فيه خطرا على دولهم.

ومن أبرز هؤلاء الساسة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعتبر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن "الإسلام يعيش أزمة في كل مكان بالعالم"، وأن على بلاده التصدي لما وصفها بـ"الانعزالية الإسلامية" الساعية إلى "إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية"، وفق زعمه.

وفي تحقيق بعنوان "مراقبة صنعت في فرنسا"، كشف موقع "ديسكلوز" الاستقصائي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن ماكرون صدق على بيع خوادم ونظم مراقبة جماعية متطورة لنظام السيسي، من أجل التجسس على المعارضين المصريين وتسجيل هواتفهم ومراقبة تحركاتهم وأماكنهم وتحليل كل البيانات المتعلقة بهم.

كما أعلن ماكرون صراحة في 7 ديسمبر/كانون الأول 2020 أن مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر لن تكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان. وأرجعت وسائل إعلام دولية ذلك بأن باريس ترى السيسي بمثابة "حصن ضد الإسلاميين".

وأكد محمد عماد أن ازدواجية المعايير لدى منظومة حقوق الإنسان المعاصرة واضحة، رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد تعهد قبل توليه منصبه مطلع عام 2021، أنه سيضع حدا للاعتقالات والانتهاكات في دول مثل مصر والسعودية.

واستدرك أنه "للأسف نجد أن المصالح السياسية تغلب على حقوق الإنسان"، مبينا أن "الأوضاع المتعلقة بالمعتقلين السياسيين في مصر قاتمة، ولا أرى أفقا للحل في المستقبل القريب، ويرجع ذلك إلى عدم وجود تحرك قوي من جانب الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الفاعلة".

وزاد أن منظمات مثل العدل الدولية وهيومن رايتس واتش تكتب كثيرا عما يحدث في مصر، لكن يجب تطوير جهود تدويل القضية والضغط على السلطات عبر مراسلة نواب بالبرلمان الأوروبي أو حتى رؤساء وقيادات بعض الدول الأوروبية، لا سيما التي تتمتع بعلاقات جيدة مع مصر، حتى نصل إلى نقطة للتحرك الجدي لوقف الانتهاكات بحق المعتقلين.

وتابع: "وإلى ذلك الوقت يبدو أن الوضع سيبقى على ما هو عليه، وسيواصل الغرب التعامل مع المنظومة الحقوقية وفق المصالح والمعطيات السياسية، كما سيواصل الديكتاتوريون انتهاكاتهم لاعتبارهم أن الصمت الدولي غطاء لاستمرار نفس المقاربة".