تغييرات السيسي لرؤساء الجيش المصري.. صراع مكتوم أم استعداد لتحديات؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في قرار مفاجئ لكنه متوقع، أقال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي، ضمن حرصه على التدوير المستمر للقادة العسكريين.

وعين السيسي بدلا منه الفريق أسامة عسكر أبرز المقربين منه، في خطوة يرى كثيرون أنها تأتي منعا لتشكيل أي قائد عسكري مركز قوة يخشى رئيس النظام أن تنقلب ضده مستقبلا.

أما الفريق محمد فريد حجازي فعين مستشارا بروتوكوليا لمبادرة "حياة كريمة"، وهو الرجل الذي يعتبر آخر من تبقى من المجلس العسكري خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بجانب اللواء ممدوح شاهين والفريق أسامة عسكر.

وكان قرار عزله متوقعا على اعتبار أن السيسي فصل مشروع قانون قدمته الحكومة للبرلمان في 13 يونيو/حزيران 2021، يحدد مدة بقاء رئيس الأركان وقادة الأفرع في مناصبهم بسنتين فقط بعد أن كانت أربع سنوات.

بهذا القرار أصبح "حجازي" ينتظر إبعاده في أي وقت، لكن السيسي أبقى عليه حتى نهاية مدته القانونية 4 سنوات، لحساسية منصبه، حيث كان تعيينه في 28 أكتوبر/تشرين 2017، وعزله في 27 أكتوبر/ تشرين 2021.

وقد يكون تعيين "عسكر" في منصب أعلى مقدمة لركله لاحقا خارج القيادة العسكرية، ليبقي للسيسي السيطرة على الجيش بالقادة الجدد.

فهو من مواليد الأول من يونيو/حزيران 1957، ويفترض أن يترك الخدمة في سن 65 عاما، أي في عام 2022 وفق آخر تعديل لقانون ترقيات الجيش أقره السيسي.

أما اللواء "شاهين" فلا يهدد السيسي عسكريا، وبقاؤه في منصبه يرجع إلى دوره في استخراج جميع التشريعات البرلمانية والدستورية من الجيش.

أسباب التغييرات

مراقبون يرون أن تغيير رئيس أركان حرب الجيش، وهو أهم منصب عسكري، قد يكون مرده وجود صراع بين السيسي والمؤسسة العسكرية حول الامتيازات.

كما يتوقع وجود غضب داخل الجيش بسبب تنازل السيسي عن أراضي مصر في تيران وصنافير، وحقوق مصر المائية في نهر النيل بقبول اتفاق بناء سد النهضة وترك الإثيوبيين يتحكمون في البلاد. 

محللون عسكريون يرون أن السبب الرئيسي للتغييرات هو حرص السيسي منذ يوليو/تموز 2013 حتى الآن على سياسة "التدوير" و"العصا والجزرة" للقيادات العسكرية، حسبما يقول المحلل العسكري محمود جمال.

وأضاف جمال، في دراسة نشرها المعهد المصري للدراسات (مقره تركيا) 15 يونيو/ حزيران 2021، أنه "سبق محمد فريد حجازي العشرات ولن يسلم أسامة عسكر نفسه من تلك السياسات الخاصة بتعامل السيسي مع القيادات".

أوضح أن "إستراتيجية السيسي عملت على تحويل منظومة الحكم من حكم المؤسسة العسكرية ككل إلى حكم الفرد العسكري، الحاكم الديكتاتور ومعه دائرة قليلة جدا من المهيمنين والمسيطرين على المؤسسات والأجهزة كافة".

فوجود وزير دفاع أو قائد عسكري متحكم لعدة سنوات في منصبه مثل المشير حسين طنطاوي كان سببا في حسم القوات المسلحة موضوع إخراج الرئيس الأسبق حسني مبارك من الحكم، كما يقول "جمال".

والسيسي، آخر مدير مخابرات حربية في عهده، يعلم هذا جيدا، ويسد تلك الثغرات ولا يبقي قائدا عسكريا فترة طويلة حتى لا يقع نظامه في نفس أخطاء سلفه مبارك.

"الاستقلال" أحصت 25 قرارا اتخذها السيسي منذ 12 أغسطس/آب 2013، بإقالة وتغيير قيادات عسكرية أبرزهم وزير الدفاع، ورئيس الأركان (مرتين) ومدير المخابرات الحربية (ثلاث مرات) وقادة آخرون.

يستخدم السيسي تلك السياسة في مقابل امتيازات مالية في قانون معاملة كبار القادة العسكريين الذي أقره البرلمان 3 يوليو/تموز 2018، وتحصينهم من أي مساءلة قانونية داخل الخدمة أو خارجها لكسب رضاهم.

في مقابل هذه الامتيازات، وضع لهم السيسي قواعد تكبلهم وتمنعهم من اتخاذ أي قرارات بمفردهم، وتمنعهم من العمل السياسي بالترشح سواء كانوا بالخدمة أو المعاش للانتخابات الرئاسية البرلمانية إلا بعد موافقته والمجلس العسكري.

وتشير دراسة لقسم البحوث بـ"الاستقلال" 26 فبراير/شباط 2021 إلى أن حراك الجماهير المصرية في 20 سبتمبر/ أيلول 2019 جعل السيسي يدرك أن مسألة استمرار تماسك نظامه أصبحت في خطر.

مكمن الخطر ليس حراك الشارع فقط، بل حجم التململ الذي وصل إلى قطاعات عسكرية كبيرة، على خلفية السياسات المتبعة من رأس النظام الذي أخل بموازين القوى المستقرة لعقود داخل تلك المنظومة شديدة الحساسية.

مع هذا يرى أكاديمي مصري أن تولي "عسكر" الآن رئاسة الأركان مكان الفريق حجازي (زميل السيسي في الدفعة 69 حربية) قد يكون لأسباب أخرى عسكرية بحتة.

الأكاديمي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح لـ"الاستقلال" أن الفترة المقبلة ستشهد تحديات عسكرية كبيرة خصوصا قضية سد النهضة وصراعات في البحر المتوسط في ظل فشل المصالحة مع تركيا حتى الآن.

يرى أن السيسي جاء بالفريق عسكر لخبراته العسكرية العملياتية في ظل ما تشهده مصر والمنطقة من أزمات وتحديات، ولأنه أول رئيس أركان يأتي من هيئة العمليات من 34 عاما منذ الفريق إبراهيم العرابي (انتهت خدمته أكتوبر/تشرين أول 1987).

لماذا "عسكر"؟

في سبتمبر/أيلول 2017 نشر الإعلام المعارض في تركيا تكهنات أن السيسي اعتقل الفريق أسامة عسكر بسبب فضيحة اختلاس داخل القوات المسلحة.

وفي مايو/أيار 2018 عادت نفس الشائعة تتردد بأنه اختلس 500 مليون جنيه (نحو 31 مليون دولار) من أموال تطوير سيناء، وأنه محتجز للتفاوض معه لاسترداد المبالغ المالية التي تمكن من تهريبها للخارج.

وفي أول فبراير/شباط 2015 كلف السيسي الفريق أسامة عسكر بقيادة القوات شرق قناة السويس وتنمية سيناء، وقال له إنه مسؤول عن إنهاء الإرهاب في شبه الجزيرة وتنميتها.

لكن بالتزامن مع أنباء اعتقال "عسكر"، عاد السيسي ليكلف رئيس الأركان محمد فريد حجازي 29 نوفمبر/ تشرين ثان 2017 بنفس مهمة الأول دون أن يحدد هل أعفي "عسكر" أم لا؟

هذه الإقالة والتشهير بواحد من كبار قيادات القوات المسلحة، مثل الفريق أسامة عسكر، دفع للتساؤل عن سياقات الخلاف الذي حدث بينه وبين السيسي.

مراقبون يرون أنه لو صحت أنباء اختلاس "عسكر" فهي تعني أن السيسي ربما يتعمد تعيين من يتحكم بهم كي يضمن السيطرة على إدارة الجيش بطريقته.

آخرون اعتبروا إعادة الفريق عسكر للخدمة وقتها وتوليته رئاسة هيئة العمليات، في حركة تنقلات قادة الجيش لشهر يناير/ كانون ثاني 2020، جزءا من "تسوية ما".

وقد استفاد رئيس الأركان الجديد من ثلاثة قرارات للسيسي بترقيته، ورفع سن التقاعد لضباط الجيش برتبة فريق، ما أبقاه قائدا بالخدمة منذ عام 2015.

فقد رقى السيسي "عسكر" من رتبة لواء إلى فريق 31 يناير/كانون ثان 2015، وكان عمره وقتها 58 عاما من أجل الإشراف على العمليات العسكرية ومواجهة الإرهاب في شمال سيناء، وكانت هذه الاستفادة الأولى.

ثم استفاد، ومعه وزير الدفاع الحالي محمد زكي، من تعديل ثان أقره السيسي على قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة في ديسمبر/كانون أول 2017 لرفع سن معاش الضباط برتبة فريق من 62 إلى 64 عاما.

واستفاد ثالثا مايو/ أيار 2021 من تعديل السيسي قانون التقاعد مرة أخرى لرفع سن تقاعد الضباط برتبة فريق إلى 65 عاما بدل 64، بحسب ما صرح رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أحمد العوضي لـ "مدى مصر" 27 أكتوبر/تشرين أول 2021.

غياب وتداعيات

برغم أنه يحق للسيسي تعيين القادة العسكريين كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد جرت العادة على أن يسبق هذا اجتماع بينه وبين وزير الدفاع.

بحسب الصحف المصرية كان آخر لقاء بين السيسي ووزير دفاعه محمد زكي في 5 يونيو/ حزيران 2021.

ولم يظهر "زكي" في أي فعاليات رسمية منذ ذلك الحين، وسط تساؤلات مستمرة على مواقع التواصل عن سبب عدم ظهوره.

قرار السيسي ترقية الفريق عسكر لرئاسة الأركان، جرى أيضا في غياب وزير الدفاع الذي ترددت أنباء عن خلافات بينه وبين السيسي، وأن عسكر قد يحل محله لاحقا.

تزامن هذا مع تكهنات بين صحفيين وناشطين بصدور تعليمات للصحف والفضائيات المملوكة للسلطة بتجاهل أخبار وزير الدفاع وشيخ الأزهر أحمد الطيب.

برغم التغييرات السريعة والمتلاحقة والصادمة في بعض الأحيان التي يجريها السيسي بين القيادات العليا للجيش ضمانا لعدم بقاء بعضهم كمركز قوة قد ينقلب عليه، تظل هناك مؤشرات لاستمرار حالة التململ داخل الجيش والقيادات الوسطى.

يأتي هذا رغم سعي السيسي لتغيير كل أعضاء المجلس العسكري تقريبا (باستثناء اثنين حاليا من مجلس 2013 ومعهم وزير الدفاع "زكي" الذي لم يكن عضوا في المجلس العسكري)، فقد غير السيسي وظيفة المجلس بصفة جوهرية.

لذا فقد أصبح المجلس هو المسيطر والمحرك والمخطط لتفاعلات المشهد المصري، وهو الذي يدير الحياة في مصر ويسيطر على الإعلام والسلطة والاقتصاد والقضاء.

وفي دراسة نشرها في مايو/أيار 2019، قال مركز كارنيغي للسلام: "صار الجيش منذ انقلابه في يوليو/تموز 2013 المشرف والمراقب الأول على الاقتصاد المصري".

 فمع استلام السيسي الحكم، كرس جهوده من أجل التمكين السياسي والاقتصادي للجيش و"توليد أقصي قدر من الأرباح للعسكريين وشبكاتهم المختلفة"، والمساعدة على خلق طبقة عريضة من العسكريين المتقاعدين والعاملين في المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية والمدنية ومؤسسات الدولة والهيئات الحكومية.

وتابع: "قد تُغرق طبقة الضباط وحلفاؤها مصر في حمام دماء في حال تعرض احتكارها للسياسة والاقتصاد للتهديد".

وأردف: "بدأت تطفو على السطح صراعات جماعات المصالح العسكرية المتعددة حول اقتسام الغنائم، غير أن أكثر ما يقلق الجيش ليس هذه الانقسامات الداخلية، بل خطر تجدد اضطرابات شعبية واسعة النطاق يكون مسؤولا عن قمعها".

فقد يؤدي ذلك إلى حدوث "انشقاق داخلي" في الجيش ذاته نتيجة الانقسام الطبقي داخله، كما قد يؤدي إلى احتدام الصراع بين "الملك" الحالي وصانع الملوك حول أيهما له الأولوية، حماية الرئيس، أم حماية الجيش من الانشقاق، وفق تعبيره.