زراعة المخدرات مقابل محاربة "المسلحين".. معادلة السيسي لجذب قبائل سيناء

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"علاقة قوية" تربط قادة العسكر في مصر وكبار مهربي المخدرات في سيناء، عبر ممارسة "تجارة غير قانونية" تدر أموالا طائلة لـ"اقتصاد" رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وفق ما كشفت عنه مؤسسات دولية وشهود عيان.

ففي المنطقة الحدودية بين سيناء والأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، انتعشت تجارة المخدرات بشكل غير مسبوق، خاصة مخدر جديد يسمى "هيدرو" الذي بدأ ينتشر في سيناء بصورة خطيرة.

"هيدرو" عبارة عن خليط من مخدر القنب الهندي (الحشيش) والماريجوانا ومواد كيميائية، ويعادل في قوته الهيروين من ناحية التأثير الفوري.

مناطق زراعته في سيناء يسيطر عليها أفراد من القبائل، خاصة من أبناء قبيلة الترابين الذين يسمون "الصحوات"، وهي عناصر تدعم جيش النظام المصري ضد "ولاية سيناء" (تنظيم الدولة)، بحسب مصدر يعيش في منطقة العريش لـ"الاستقلال".

وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: إن المهربين بإيعاز من جيش النظام "يقومون بمقايضة مخدر الهيروين والكوكايين من إسرائيل بالحشيش والبانجو من سيناء، أو البيع والشراء بشكل مباشر عبر سلك الحدود في سيناء، بسعر يقترب من: كيلو هيروين إسرائيلي مقابل 20 كيلو بانجو سيناوي".

وأشار إلى أن المهربين يقودهم ويمولهم رجل الأعمال إبراهيم العرجاني الذي يقوم بأغلب اقتصاد الجيش في سيناء، وكان معه سالم لافي الذي قتله تنظيم الدولة في مايو/أيار 2017، وظهرت شخصيته في مسلسل "الاختيار" في رمضان 2020.

المصدر أكد أن انتعاش زراعة وتجارة وتهريب المخدرات زادت بعدما تغاضى الجيش والشرطة في سيناء عن زراعات الحشيش والبانجو والماريجوانا التي يشرف عليها المتعاونون معهم من "الصحوات".

وأشار إلى أن "الطائرات تقوم باستطلاعات مستمرة وترصد هذه الزراعات بالحشيش، لكن قيادة الجيش والشرطة تقوم بحرق مزارع المخدرات لمن لا يتعاونون مع الجيش ضد تنظيم الدولة ويتغاضون عن هؤلاء المتعاونين".

وأكد المصدر أن تنظيم ولاية سيناء سبق وهاجم مراكز وجود المجموعات العسكرية التابعة لقبيلة الترابين (الصحوات)، كما أحرق كميات كبيرة من نبات البانجو المخدر، التي يعمل بها عدد من أفراد القبائل.

وسبق لتنظيم ولاية سيناء بث صور في يناير/كانون الثاني 2018 لحقول المخدرات التي يزرعها "الصحوات" برعاية الجيش والشرطة وهم يقومون بحرقها وإتلافها.

من جانبه، كشف مصدر أمني سابق لـ"الاستقلال" أن مخدر الهيدرو بدأ ينتشر في مدن مصر أيضا قادما من سيناء رغم التشديد الأمني، مشيرا إلى إعلان وزارة الداخلية كل فترة عن ضبط كميات من الهيدرو مع تجار مخدرات في القاهرة والإسكندرية وغيرها.

"صحوات" المخدرات!

يوجد في شمال سيناء نحو 13 قبيلة بدوية، منها الترابين والسواركة والأحيوات والأرملات، ويعمل أفراد منهم في تهريب البشر والمخدرات، خاصة قبيلة السواركة والترابين لقربهم من الحدود بين مصر وإسرائيل وغزة.

وبعد فشله في القضاء على تنظيم ولاية سيناء، اتجه النظام المصري نحو إعادة إنتاج واستنساخ نموذج "الصحوات العراقية" سيء السمعة، التي أنشأها الاحتلال الأميركي لمعاونته في قتال "تنظيم الدولة" والمقاومة السنية هناك.

وبدأت ظاهرة "المتعاونين" مع الجيش عام 2015 بشكل غير رسمي، لكن "الصحوات" ظهرت بشكل رسمي أبريل/ نيسان 2017، حين جند الجيش قرابة 250 من شباب القبائل الموالية وقام بتسليحهم لمحاربة مسلحي "ولاية سيناء".

وأطلق عليهم أهالي سيناء أسماء "الصحوات" و"فرق الموت" و"جيش قبيلة الترابين"، لأن أغلبهم من هذه القبيلة لذلك يستهدفها تنظيم الدولة.

وبجانب "الصحوات" الذين يخشون الكشف عن أسمائهم خشية استهداف "تنظيم الدولة" لهم، هناك من يسمون "الكتيبة 103" من المتعاونين البدو مع الجيش والذين يقومون بدوريات علنية لإرهاب أهالي سيناء.

"ولم تلق هذه الصحوات مساندة من القبائل، بسبب التاريخ الأسود لعدد من المنضمين إليها، إضافة إلى انعدام ثقة بدو سيناء في سلطة النظام"، حسبما يقول إبراهيم المنيعي، رئيس اتحاد قبائل سيناء لموقع "العربي الجديد" في 13 أبريل/ نيسان 2021.

وأصدرت منظمتا "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" بيانين في 21 أبريل/نيسان 2017 عن "وقائع قتل خارج إطار القانون" منسوبة إلى جيش النظام المصري وأفراد هذه الصحوات الذين يرتدون ملابس الجيش، ما أثار ضجة كبيرة.

وحصل المتعاونون على امتيازات منها زراعة المخدرات دون اعتراض الجيش والشرطة، وتوسعوا فيها، وتردد تقديمهم رشاوى لقادة بالجيش والسلطة؛ للتغاضي عنهم بدعوى أنهم معاونون للدولة، كما يقول المصدر السيناوي لـ "الاستقلال".

وهو ما أكده "المنيعي" أيضا في تصريحه السابق، موضحا أن "الدافع الأول للأفراد للانتظام في تجمع عسكري لدعم الجيش في مواجهة تنظيم الدولة كان المصلحة الاقتصادية، إذ إن معظمهم يعملون في مجال تهريب المخدرات والممنوعات".

وأنهم "حاولوا من خلال الوقوف إلى جانب الجيش المحافظة على أعمالهم، وإبعاد يد الجيش عنهم، ويد تنظيم ولاية سيناء الذي نشط كثيرا في التضييق على تجار ومهربي المخدرات والسجائر".

دفع هذا أهالي سيناء لأن يطلقوا عليهم اسم "صحوات المخدرات"، لأن أغلبهم مطلوبون للعدالة، بمن فيهم قائدهم المقتول "أبو لافي"، في قضايا تستوجب الإعدام، ولكن تم العفو عنهم بموجب صفقات بينهم وبين الاستخبارات المصرية.

وكان لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني المعروف بعلاقته بمحمود نجل السيسي، دور بارز كعراب لهذه الاتفاقات، والتي شملت العفو عن أبو لافي وموسى الدلح وعدد آخر من أفراد الترابين والسواركة، بحسب موقع "العربي الجديد".

شكوى إسرائيلية

رغم تحسن العلاقات المصرية الإسرائيلية، وانتقالها نقلات نوعية، آخرها اتصال السيسي بالرئيس الإسرائيلي لتهنئته بتعيينه وبالعام العبري، ودعوته رئيس وزراء الاحتلال لزيارة القاهرة، وتبادل زيارات مسؤولي استخبارات البلدين، تصاعدت شكوى تل أبيب من انتعاش تجارة المخدرات إليها عبر سيناء.

صحف عبرية نشرت على مدار يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2021، تقارير عن إفشال قوات الاحتلال عدة محاولات تهريب عبر الحدود لمخدرات سيناء، أخطرها مخدر "هيدرو".

واتهمت مصر بالتغاضي عن تهريب المخدرات التي يقوم بها "الصحوات" من الترابين، الذين يستعين بهم الجيش المصري لمحاربة تنظيم ولاية سيناء ويتغاضى عن زرعهم المخدرات في رفح وقرية البرث. 

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" وجيروزاليم يوست نشرتا 12 يوليو/ تموز الماضي 2021 تفاصيل عدة عن تزايد تجارة المخدرات عبر الجدار الحدودي بين سيناء وإسرائيل.

وأكدت في 3 سبتمبر/أيلول 2021، ضبط مئات الأطنان التي يلقيها المهربون المصريون عبر الحاجز الحدودي، وانتقدت تبرير مصر عدم منع تجارة المخدرات بقلة عدد جنودها في سيناء وصعوبة حراسة الحدود الطويلة.

"تايمز أوف إسرائيل" قالت: إن عام 2020 شهد ضبط 300 عملية تهريب من سيناء (بخلاف ما نجح في العبور)، وعام 2021 في طريقه لنفس الأرقام، حيث وصل عدد محاولات التهريب في أبريل/نيسان فقط 100 عملية.

ونقلت عن المقدم إيريز شبتاي، الذي قاد كتيبة كاراكال، التي تحرس الحدود إن منطق الجيش في مكافحة تهريب المخدرات هو أن فشله في ذلك قد يبعث برسالة لولاية سيناء أن الحدود لا يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي ويقومون بهجمات.

السيسي متورط

بالتزامن مع الاتهامات الإسرائيلية، غرد الحقوقي السيناوي وعضو لجنة تعديل الدستور سابقا، مسعد أبو فجر، عبر "تويتر" في 5 سبتمبر/ أيلول 2021، قائلا: إن نظام السيسي "لن يوقف عمليات التهريب على الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة لأنه يستفيد منها".

وأشار إلى أن الأمر وصل لشكوى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت للرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه الأخير معه من تزايد التهريب عبر الحدود بين مصر وإسرائيل.

وفي 6 يوليو/تموز 2021 عرض "أبو فجر" فيديو عن زراعات مخدر الهيدرو في شبه جزيرة سيناء، قائلا: إنها "بيزنس السيسي وولده محمود، وأول قطفة بيصدروها لإسرائيل، وثاني قطفة بيزنس ضباط الجيش يوردوها إلى داخل مصر".

وسبق لأبو فجر أن كشف في 15 أغسطس/آب 2019 أن السيسي استقبل تجار مخدرات من سيناء في قصره الجمهوري، وأن نجله محمود يدير عملية التهريب في سيناء عبر الحدود.

وقال: إن من يقومون بالتهريب هم من رجال النظام المصري ووكيله إبراهيم العرجاني، الذي يشارك عبر صحواته جيش السيسي في قتال تنظيم ولاية سيناء.

الصحفية السيناوية مني الزملوط أكدت أيضا أن المخدرات تدخل إلى فلسطين وإسرائيل من سيناء، و"مخازن الحشيش وتغليفه يشرف عليها الصحوات مناديب الجيش".

وأكدت أن الجيش "يشاهد مزارع المخدرات التي تزرعها الصحوات خلال طلعاته بالطيران فوق سيناء ولكنه لا يقصفها لأنها خاصة بمن يعاونونه".

وقال المصدر السيناوي لـ"الاستقلال": إن عملية التهريب "تتم بواسطة سلالم يصعد عليها المهربون من سيناء ويلقون أجولة المخدرات من فوق السلك الشائك، ويستقبلها المهربون الإسرائيليون وينقلونها بسيارات دفع رباعي سريعة".

وأوضح أن عملية التهريب عبر السياج الأمني الإسرائيلي لا تستغرق 10 دقائق، وغالبا لا يواجهون صعوبة على الطرف المصري، ولكن الصعوبة في الطرف الإسرائيلي الذي ينشر قوات أكبر وكاميرات مراقبة.

تقنين المخدرات

في ظل أزمة السيسي المالية، كان ملفتا أن تطالب "رابطة تجار السجائر" في بيان أصدرته 5 أبريل/نيسان 2015 بـ "إتاحة تداول الحشيش حتى ترتفع إيرادات الحكومة، ويساهم بشكل كبير في سد عجز الموازنة خلال سنوات قليلة".

هذا الإعلان اعتبره نشطاء "جس نبض رسمي" لتقنين المخدرات، خاصة أنه واكبه أيضا دعوة المخرجة إيناس الدغيدي لتقنين الدعارة وعودتها رسميا.

وقال رئيس رابطة تجار السجائر، أسامة سلامة: إن "حجم تجارة الحشيش سنويا في مصر تقارب 42 مليار جنيه وهو ما يمثل 2.5 بالمئة من الدخل القومي، كما تكلف الدولة أكثر من مليار جنيه لمكافحتها".

وأوضح في مقابلة تلفزيونية أن "الشرطة تضبط 15 بالمئة من الكميات المهربة التي يتم تداولها في السوق المحلية، لكن إذا تم تقنين تداول الحشيش فإن الحكومة يمكنها تحصيل 4.2 مليارات جنيه إذا فرضت ضريبة بقيمة 10 بالمئة فقط على تلك التجارة الرابحة".

وأشار إلى أن "الدولة يمكنها مضاعفة هذه الإيرادات عبر زيادة نسبة الضريبة تدريجيا لتصل إلى 50 بالمئة، فضلا عن توفير تكاليف مكافحة تجارة الحشيش وتفريغ الأجهزة الأمنية والرقابية لحماية الأمن القومي!".

وزعم رئيس الرابطة أن "هذا القرار سيزيد من إنتاج مصر من الحشيش، وبالتالي يمكن تصديره إلى الخارج ليصبح أحد موارد الدخل القومي للبلاد".

وفي 2 مارس/آذار 2015، بثت قناة "مكملين" الفضائية تسريبات تضمنت عدة مكالمات تليفونية بين عباس كامل، مدير مكتب السيسي حينئذ ومدير المخابرات الحالي، مع السيسي تحدث فيها عن تعاطي أعضاء المجلس العسكري لمخدر الترامادول.

وقال كامل وهو يضحك موجها حديثه للسيسي: "أعضاء المجلس العسكري يتناولون ترامادول للتهدئة"، وكرر كامل الجملة، بالقول: "احنا لما بنتعب، بناخذ ترامادول للتهدئة".

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" في 23 أغسطس/آب 2013 عقب الانقلاب تقريرا غريبا بعنوان "إذا كنت تبحث عن الحشيش في القاهرة فاتصل بالشرطة؟"، وأكد فيه مراسلها تورط شرطة سيناء والقاهرة في تجارة المخدرات والتواطؤ مع المهربين.

وأشارت المجلة الأميركية إلى "وجود علاقة قوية تربط بين كبار مهربي مخدر الحشيش وقيادات قوات الأمن المكلفة بحفظ الأمن"، وأن الطرفين لعبا معا دورا رئيسا في عزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا الراحل محمد مرسي لسعيه إلى قطع هذه العلاقة.

ونقلت عن أحد ضباط المخابرات الأميركية السابقين أن الاضطرابات في شبه جزيرة سيناء ليست بسبب "القبائل البدوية وعائلات إجرامية وإرهابيين" فحسب، بل أيضا بسبب حماية شرطة مصر لطرق تهريب المخدرات وأنفاق التهريب.

وتشير إحصاءات 2020 لجهاز التعبئة والإحصاء (رسمي) إلى أن حجم تجارة المخدرات في مصر وصل 400 مليار جنيه ومصر ضمن قائمة أكثر 12 دولة تستخدم المخدرات.

بينما كان تقرير مكتب مكافحة المخدرات والجريمة بالأمم المتحدة قدر عام 2015 حجم تجارة المخدرات في مصر بـ23 مليار جنيه فقط.

وبحسب تقرير مؤسسة "new frontier data" الأميركية لعام 2019 حلت مصر ثالثة في استهلاك المخدرات بـ 5.9 ملايين مستهلك بعد نيجيريا (20.8 مليون) وإثيوبيا (7.1 مليون).