"ديكتاتور ودولفين".. لهذا ترفض إسرائيل انتقاد إدارة بايدن للسيسي وابن سلمان

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"كنا قريبين جدا من خسارة مصر قبل سنوات وستكون رسالتنا لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن: تمهل، لقد حدثت تغييرات دراماتيكية بالمنطقة مؤخرا، وستضر تحيزاتك بالعلاقات مع السعودية ومصر والإمارات''.

تصريح أطلقه مسؤول إسرائيلي كبير عبر موقع "أكسيوس" الأميركي في 20 يناير/كانون الثاني 2021، مشيرا فيه إلى أدوار الكيان في الدفاع عن الأنظمة الثلاثة وحمايتها من الإجراءات المحتملة لإدارة بايدن.

تلك الأدوار اعترفت بها أخيرا صحيفة عبرية، مؤكدة أن المسؤولين الإسرائيليين حذروا مرارا إدارة بايدن من انتقاد ملف "حقوق الإنسان" للقاهرة والرياض، خوفا من تحول حكامهما إلى دول معادية لواشنطن، مثل إيران والصين وروسيا.

وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2021، قالت "تايمز أوف إسرائيل" إن "مسؤولين إسرائيليين حذروا الإدارة الأميركية مرارا من المبالغة في انتقاد حكومتي البلدين بشأن حقوق الإنسان".

الصحيفة نقلت عن مسؤول إسرائيلي تأكيده أن تل أبيب تتخوف "من أن تدفع تلك الانتقادات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي للبحث عن الدعم بمكان آخر والتقارب مع خصوم أميركا".

المصدر أشار إلى ما اعتبره "ارتياحا" إسرائيليا بنهج واشنطن الحالي بهذه المسألة، ملمحا إلى أن إدارة بايدن "امتنعت حتى الآن" عن قلب العلاقات مع القاهرة والرياض، التي ترى فيهما تل أبيب جزءا من محور عربي "أكثر اعتدالا".

وساطة بينيت

في نفس السياق، أكدت صحيفة "معاريف" العبرية 20 أغسطس/آب 2021، أن مصر طالبت إسرائيل بالتدخل لدى بايدن لترتيب لقاء مع السيسي في نيويورك، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة خلال سبتمبر/أيلول 2021.

وكان رئيس المخابرات المصرية عباس كامل طلب خلال زيارته تل أبيب في 18 أغسطس/آب 2021، من رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت، ترتيب اللقاء، الذي لو جرى سيكون الأول بينهما منذ تولي الأخير السلطة في يناير/كانون الثاني 2021.

والتقى بينيت وبايدن بالعاصمة واشنطن في 26 أغسطس/آب 2021، وذلك قبل أن يسلم رئيس المخابرات المصرية، رئيس الوزراء الإسرائيلي دعوة لافتة من السيسي لزيارة القاهرة بـ8 أيام.

تلك الدعوة تؤكد إصرار القاهرة على مد جسور التواصل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لتكون الزيارة الأولى العلنية والرسمية لمسؤول في الاحتلال بهذا الحجم إلى مصر منذ 11 عاما.

آخر زيارة كانت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2010 في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك بمدينة شرم الشيخ جنوبي سيناء؛ والتي من المحتمل أن تستضيف لقاء السيسي وبينيت.

مراقبون أكدوا أن السيسي يحاول التقرب من حكومة بينيت لدعمه لدى بايدن، وهو ما عبر عنه الكاتب الصحفي جمال سلطان، عبر "تويتر".

وقال: "السيسي دعا بينيت لزيارة القاهرة، بحثا عن وساطته لدى بايدن، لوقف مساءلته عن الاعتقالات والإعدامات وحقوق الإنسان".

تحييد بايدن

وقبل توليه الرئاسة، وفي الشهور الأولى من عهده تعهد بايدن بإيلاء ملف حقوق الإنسان أهمية، موجها انتقادات متتالية لملف مصر والسعودية.

ففي يوليو/تموز 2020، وخلال حملته الانتخابية، قال بايدن: "لا للمزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل"، في إشارة إلى السيسي.

ويواجه نظاما السيسي وابن سلمان انتقادات حقوقية واسعة، لما يمارسانه من عمليات قمع واسعة بحق المعارضين، إذ يقبع في السجون المصرية أكثر من 60 ألف معتقل جلهم من جماعة الإخوان المسلمين.

لكن إسرائيل وفي وقت مبكر من صعود بايدن دعته للحد من انتقاداته للسعودية والإمارات ومصر.

وحينها أكد موقع "ميدل إيست آي" في 14 يناير/كانون الثاني 2021، أن إسرائيل تخطط للضغط على إدارة بايدن لوقف مواجهة دول الخليج ومصر بشأن قضايا حقوق الإنسان والحرب في اليمن.

مع ذلك، وبعد مرور 8 أشهر من حكمه، لم يتخذ بايدن قرارات عقابية أو إجراءات تضر بالمعونة الأميركية للقاهرة أو بعلاقات الرياض وواشنطن، سوى بعض التجاهل لعدة أشهر للسيسي وابن سلمان.

وتقدم أميركا معونة عسكرية سنوية قيمتها 1.3 مليار دولار لمصر، وذلك منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد للسلام" بين مصر وإسرائيل عام 1978، فيما تتخوف القاهرة من مطالبات نواب ديمقراطيين بوقف تلك المبالغ أو تقليصها.

ناشطون قالوا: إن "التاريخ يعيد نفسه"، لافتين إلى وساطة إسرائيل لدى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما للسيسي كي لا يقطع المعونة، والآن تحذير تل أبيب لبايدن من نقد ممارسات السيسي القمعية ضد المصريين.

الأكثر تأييدا

مصر وإسرائيل صاحبتا أول اتفاقية تطبيع بالمنطقة العربية منذ "كامب ديفيد"؛ تشهد علاقاتهما توافقا في أغلب ملفات المنطقة السياسية والأمنية والاقتصادية والإقليمية والدولية.

ومنذ انقلاب السيسي 3 يوليو/تموز 2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي قدمت تل أبيب الدعم لنظامه، ودعت أميركا وأوروبا للوقوف بجواره، مؤكدة أن البديل هي جماعة الإخوان المسلمين.

ذلك التقارب تحول إلى تعاون عسكري وأمني واستخباراتي بلغ حدودا غير مسبوقة، ارتفعت معه وتيرة التعاون الاقتصادي لتبلغ قمتها ديسمبر/ كانون الأول 2019 باستيراد القاهرة الغاز من الكيان المحتل لمدة 20 سنة بنحو 15 مليار دولار.

وإثر مظاهرات شعبية غاضبة ضد حكم السيسي 20 سبتمبر/ أيلول 2019، نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية 5 أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، عن مسؤولين سابقين بالمخابرات الإسرائيلية قولهم: إن تل أبيب تدعم السيسي سرا ضد الاحتجاجات الشعبية.

ولفتت إلى قلق أعضاء بالليكود من تلك التظاهرات المصرية على مستقبل "زعيم مصر الأكثر تأييدا لإسرائيل على الإطلاق"، وفق تعبير الصحيفة.

وأخيرا، وإثر معركة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، تدخل السيسي لفرض التهدئة كونها "رغبة إسرائيلية"، في المقابل وعد الفلسطينيين بإعمار ما هدمته الحرب في غزة.

ورغم تجاهله لنحو 5 أشهر أجرى بايدن اتصاله الأول بالسيسي في 21 مايو/ أيار 2021، موجها له الشكر على دوره في التهدئة بين المقاومة والاحتلال.

"دولفين" السعودية

تطورات كثيرة طالت علاقات الكيان المحتل والسعودية التي كانت طوال عقود أبعد ما يكون عن أي تقارب محتمل مع تل أبيب.

إلا أنها ومع "بزوغ نجم" ابن سلمان بمجرد تنصيب والده ملكا مطلع 2015، وولايته للعهد في 29 أبريل/ نيسان 2015، وسيطرته على مقاليد الأمور؛ جرى تقارب كبير ولقاءات سرية مع الإسرائيليين.

وفي طريقه لتثبيت أقدامه والتقدم نحو عرش السعودية، سعى ابن سلمان لكسب ود الرئيس الأميركي دونالد ترامب (2016 - 2020) وعقد معه صفقات مليارية عام 2016.

بنفس التوجه، سعى ابن سلمان لكسب ود إسرائيل عبر تجريم المقاومة الفلسطينية، ووصف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فبراير/شباط 2018 بأنها "إرهابية"، والحكم على عشرات من أعضائها بأحكام قاسية في أغسطس/آب 2021.

وفي حوار صادم مع مجلة "ذي إتلانتك" الأميركية أبريل/نيسان 2018، اعتبر ابن سلمان فلسطين المحتلة "وطنا للصهاينة لهم الحق في العيش فيه بسلام على أرضهم".

في هذا الإطار، كتبت "لوموند" الفرنسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تحت عنوان: "ابن سلمان يتقرب من إسرائيل لكسب ود بايدن"، لافتة إلى لقاء ولي العهد السعودي نتنياهو سرا أكثر من مرة.

ووصفت الصحيفة ابن سلمان بـ"دولفين السعودية"، وقالت: إنه بحاجة إلى إقناع بايدن، عبر علاقته مع إسرائيل، خاصة وأن المستبدين في الشرق الأوسط يعرفون أن القريب من إسرائيل يفوز بتعاطف البيت الأبيض.

وفي نوفمبر/ أيلول 2018، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا، أكد فيه أن حكومة نتنياهو تدافع بشدة عن ابن سلمان في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.

ابن سلمان التقى نتنياهو سرا، نوفمبر/ تشرين الثاني2017،  قبل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في ديسمبر/ كانون الأول2017، وفق شبكة "إن تي في" الألمانية.

كما التقى ابن سلمان ونتنياهو 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، سرا بمنطقة "نيوم" السعودية، ضمن التطبيع الخفي القائم بينهما منذ سنوات.

ورقة رابحة

وفي رؤيته لدلالات انصياع واشنطن للتحذير الإسرائيلي وعدم اتخاذها أية إجراءات عقابية ضد السيسي وابن سلمان، يعتقد الباحث السياسي المصري ممدوح المنير، أن الموضوع "أكبر من إسرائيل كثيرا".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن "القاهرة والرياض حلفاء واشنطن الأقوياء بالشرق الأوسط، ويتولى نظاماهما حماية مصالح أميركا في المنطقة أكثر من إسرائيل نفسها، وهذا لا يعني أن تل أبيب لا تضغط على إدارة بايدن لعدم انتقادها ملفات حقوق الإنسان في مصر والسعودية".

وعن أهداف إسرائيل من دعم رئيس النظام المصري وولي العهد السعودي لدى إدارة بايدن، قال المنير، وهو مدير "‏المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية": إن "تل أبيب حريصة على أن تكون ورقة رابحة لدى السيسي وابن سلمان، حتى يظلا دائمين في خطب ودها، وتقديم التنازلات لأجل رضاها".

الباحث المصري جزم بأن "المخاوف الأميركية والإسرائيلية بشأن تقارب مصر والسعودية مع الصين وروسيا حقيقية؛ ولكن حتى الآن مصالح القاهرة والرياض الإستراتيجية مع واشنطن ولا يمكن أن يخسراها". 

وشدد المنير على أنه "لذلك ستظل علاقات مصر والسعودية مع روسيا أو الصين بالمرتبة الثانية بعد واشنطن، والمناكفة معها حين تضغط عليهما".