التطبيع العربي مع الأسد.. لماذا فشل في دعم اقتصاد سوريا المنهار؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

يواصل النظام السوري استجداء دول الجامعة العربية من أجل دعم اقتصاده المنهار، وإنعاشه من جديد، وذلك في محاولة للاستفادة من الانفتاح العربي عليه.

فقد استغل وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، حضور اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في القاهرة، لدعوة تلك البلدان إلى الاستثمار في سوريا وكسر ما أسماه "الحصار الاقتصادي الغربي".

"كسر الحصار"

وقال المقداد خلال الاجتماع ضمن الدورة العادية الـ161 للجامعة العربية الذي عقد في 6 مارس/آذار 2024، إن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية "أضحت سلاحا تستخدمه الدول بانتظام ضد جميع الدول والشعوب التي ترفض ضغوطها وإملاءاتها".

وأضاف حسبما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية الموالية لنظام بشار الأسد، أن هذه العقوبات "تشكل الآن حجر العثرة الرئيس في وجه سعي سوريا إلى إعادة الإعمار، وتنفيذ مشاريع التعافي الاقتصادي".

وطلب المقداد دعم ما وصفهم بـ"الأشقاء العرب" لكسر العقوبات و"الشروع بمشاريع التعافي المبكر".

وزعم أن ذلك "يسهم بكل تأكيد في عودة الاستقرار إلى جميع ربوع البلاد، ويعزز قدرات سوريا في مكافحة الجريمة وفرض الاستقرار واستتباب الأمن، ويدعم سعيها لعودة المهجرين".

اللافت أن نظام الأسد لم يوفر موقفا أو اجتماعا في محفل عربي، إلا وكان البحث عن دعم اقتصاده محورا أساسيا لفك حبل العقوبات الغربية الملتفة حول عنقه منذ عام 2011 ردا على قمعه ثورة السوريين بالحديد والنار.

لكن الخطاب السياسي للنظام السوري حمل الكثير من التناقضات بين تلك الصادرة عن رأس النظام بشار الأسد ووزراء حكومته الذين لا يوفرون أي مؤتمر عربي أو دولي برعاية بعض الدول العربية إلا وشاركوا فيه سعيا لفك مزيد من العزلة المفروضة على النظام.

فبينما كان المقداد يكرر دعواته للدول العربية "لكسر الحصار الاقتصادي" المفروض على النظام، كان الأسد يستهزئ بالعقوبات الغربية ويزعم أن لا أثر لها على سوريا.

ففي مقابلة خاصة أجراها الأسد مع الصحفي الروسي فلاديمير سولوفيوف من قناة "سولوفيوف لايف" الروسية، قال: "بدأ الحصار على كوبا منذ ستين عاما وبدأ الحصار على سوريا في 1979 وبالعام نفسه على إيران وبعدها على كوريا الشمالية وأخذ يتوسع ويتوسع والآن الحصار على روسيا وعلى الصين. النتيجة أنه بعد فترة سيكتشف الغرب بأنه هو المحاصر".

وأضاف في المقابلة التي بثت في 4 مارس 2024:"لأن الدول تتعامل مع بعضها، النتيجة أن الدولار يفقد قيمته ووزنه وهذا شيء جيد، لذلك أعتقد أن الحصار الغربي على الدول الأخرى يقوض ويضعف الدولار ويحقق مصالحنا على المدى البعيد، فأنا لا أراه سيئاً، أراه أحمق من وجهة نظرنا، ولكن من الأفضل أن يستمروا به لأنه يخدم مصالحنا العالمية".

وتابع الأسد ساخرا من العقوبات الغربية: "ربما يكون لقائي المقبل مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين لكي نناقش فيه ماذا نفعل بأرصدتنا في المصارف الأميركية، هي مشكلة كبيرة، الغرب مضحك وغبي أحيانا".

تزييف للواقع

وحديث الأسد هذا على إعلام حليفته روسيا التي تدخلت عسكريا عام 2015 لإنقاذه حكمه من السقوط أمام ثورة شعبية في مارس 2011، يتعاكس مع الجمود الاقتصادي الذي تعيشه مناطق سيطرته من ارتفاع الأسعار وقلة المحروقات وانهيار الليرة السورية. 

حتى أن حكومة الأسد ما تزال منشغلة في محاولة تجاوز آثار العقوبات الغربية دون جدوى.

إذ لا ينفك رئيس حكومة الأسد، حسين عرنوس في معظم اجتماعاته بوزراء الحكومة عن إلقاء اللوم على العقوبات الغربية؛ كسبب رئيس للانهيار الاقتصادي والمعيشي للمواطنين في مناطق سيطرة النظام وتسارع انهيار الليرة بقدر كبير.

ففي نهاية يوليو/تموز 2023 وخلال إطلاق عرنوس "اللجنة المشتركة"، التي تضم أعضاء البرلمان واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، قال إن العقوبات الغربية "تشكل تهديدا جديا لحياة ومعيشة السوريين، وتنعكس سلبا على اقتصاد البلاد". 

ويهدف تشكيل تلك اللجنة "لإعداد حزمة متكاملة من المقترحات للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي" في مناطق سيطرة النظام السوري.

ويبلغ عدد سكان البلاد قرابة 25 مليون نسمة، منهم 15.3 مليون شخص  مهجرون داخليا وخارجيا بفعل آلة الأسد العسكرية عقب قمع الثورة، وقد بات ما يقرب من 70 بالمئة من السوريين راهنا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.

إذ أنه منذ عام 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على العديد من أعضاء الحكومة السورية والجيش وأفراد المخابرات من خلال تجميد أصولهم، وحظر الواردات والتجارة مع شركات محددة؛ وذلك ردا على القمع السياسي للمتظاهرين الذين انتفضوا ضد حكم بشار الأسد في  مارس 2011.

وفي أغسطس/آب 2011، شددت الولايات المتحدة العقوبات ضد النظام السوري لتشمل فرض قيود على الواردات إلى سوريا، وعلى بيع النفط السوري، وغير ذلك. 

وما يزال الغرب متمسكا بإستراتيجيته بشأن سوريا، حيث لا يقدم مساعدات لإعادة الإعمار للنظام، ويشترط لتنفيذ ذلك تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254  والصادر عام 2015 والممهد لحل سياسي شامل.
 

وعلى الرغم من أن العقوبات فشلت في وقف قتل السوريين على يد نظام الأسد، إلا أنها لا تزال قائمة وتعيق بحث النظام عن انتعاشة جديدة.

لا سيما عقب إعادة تسليم نظام الأسد مقعد سوريا بالجامعة العربية في مايو/أيار 2023 والتي علق الآمال عليها في تدوير عجلة اقتصاده إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الضغط الأميركي والأوروبي.

إذ ما يزال قانون "قيصر" الأميركي يشكل العقبة الكبرى أمام تحقيق النظام السوري أي استفادة اقتصادية يطمح إليها، خاصة في مسألة إصلاح البنية التحتية المدمرة ورفع كثير من العقوبات التي تعيق حركته التجارية وعملية الاستيراد ورفع الحجز عن الأموال في الخارج.

وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على نظام الأسد، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.

في المقابل، تواصل الليرة السورية تسجيل خسائر جديدة في قيمتها أمام الدولار، لتقترب من 14 ألف ليرة سورية للدولار الواحد في تعاملات على الرغم من إصدار بشار الأسد أخيرا عددا من المراسيم التي تمنع تداول العملات الأجنبية في المعاملات والدفع، وتشدد الرقابة على السوق السوداء والعاملين في الصرافة والتحويلات المالية.

لا سيما في ظل فقدان التجار ثقتهم بالليرة واعتمادهم بشكل أساسي على الدولار في المعاملات التجارية.

وخلال السنوات الأخيرة، حاول النظام السوري سن قوانين جديدة جاذبة للاستثمار عله يخفف من وطأة العقوبات الغربية.

إلا أن مناطق نظام الأسد لم تشهد أي استجابة خشية القوانين الغربية الصارمة والتي تلاحق المستثمرين وشركاتهم.

ولهذا فقد دعا وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في النظام السوري محمد سامر الخليل، للاستثمار في سوريا، وذلك خلال حضوره اجتماعا وزاريا للجامعة العربية في السعودية في منتصف مايو 2023.

طوق العقوبات

حتى عام 2022 قدرت لجنة الأمم المتحدة "الإسكوا" وجامعة "سانت أندروز" في تقرير لها أن الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها سوريا تجاوزت 442 مليار دولار أميركي.

كما أن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، قال خلال احتفال أقامته السفارة الصينية لدى سوريا بالذكرى الـ74 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في سبتمبر/أيلول 2023، إن خسائر قطاعي النفط والغاز بسوريا بلغت قيمتها 115 مليار دولار.

وأرجع المقداد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلى الغرب الذي "فرض منطق العقوبات اللاإنسانية ضد سوريا".

ويؤكد خبراء اقتصاديون أن نظام الأسد يعيش حاليا "صدمة الانفتاح العربي"، إذ أن الآمال التي علقها اقتصاده على الانفتاح السياسي لم تنجح.

كما أن التضخم في مناطق نفوذ نظام الأسد أصبح يوازي 170 بالمئة في يوليو 2023.

وضمن هذا السياق، قال علي الأحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين في اللاذقية، لموقع "سبوتنيك" الروسي: "سمعنا عن إعادة فتح مسار التعاون الاقتصادي واستئناف الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية وتمكين المستثمرين من الفرص المتاحة، وإقامة الملتقيات الاقتصادية لرفع الميزان التجاري البيني، بالتزامن مع انفتاح سوريا على محيطها العربي".

واستدرك: "لكن في الحقيقة، فإن الانفتاح كان سياسيا فقط"، مبينا أن "عودة العلاقات السياسية مع الدول العربية لا تعني عودة الاستثمارات، لأن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها، تخيف رأس المال، وهي المسؤول الأول عن منع عودة سوريا إلى خارطة الاستثمار العربية والدولية".

وأمام ذلك، يدرك نظام الأسد أنه مقيد ومكبل بالعقوبات الغربية، إلا أنه لا يكف عن "الخطابات الشعوبية للاستهلاك الداخلي"، وفق الخبراء.

وقد أقر بشار الأسد، بعدم تحسن الاقتصاد في سوريا بعد التطبيع العربي، معتبرا أن "صورة الحرب في سوريا تمنع أي مستثمر من القدوم للتعامل مع السوق السورية"، بحسب ما قال خلال مقابلة له مع قناة "سكاي نيوز عربية" في 9 أغسطس 2023.

وقال الأسد، في المقابلة إنه "من غير المنطقي والواقعي أن نتوقع أن هذه العودة وهذه العلاقات التي بدأت تظهر بشكل أقرب إلى الطبيعي ستؤدي إلى نتائج اقتصادية خلال أشهر".

وحينها اعترف الأسد بأن "البنى التحتية المدمرة بفعل سنوات الحرب تشكل التحدي الأبرز" الذي يعيق عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وفي المقابلة التي أجرتها معه القناة الإماراتية في دمشق، تساءل الأسد "كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج؟ هذه أساسيات الحياة".

وقُرأَ كلام الأسد وفق محللين في سياق توجيه رسالة إلى الدول العربية بعد عقد من سحب المقعد من النظام، لدعم تمويل مرحلة إعادة الإعمار في هذا البلد وهي مرحلة يرفضها الغرب قبل شروع النظام السوري في عملية انتقال سياسي طبقا للقرارات الأممية.