هدف الأمن الأردني من حملته ضد جماعة الإخوان.. حماية للمملكة أم الاحتلال؟

"النظام الأردني سخر من المملكة جدارا لحماية الاحتلال بدلا من أي إجراءات لوقف جرائمه"
في حادثة فجّرت جدلا واسعا في الأردن، بعدما كشفت السلطات عن إحباط "مخططات تخريبية"، وعرض اعترافات لأشخاص ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين في المملكة بالوقوف وراءها، الأمر الذي طرح تساؤلات عن توقيت إعلان القضية، وتداعياتها المحتملة.
وما زاد من الجدل بخصوص توقيت الإعلان الحكومي عن إحباط "المخططات" هو القضايا الداخلية في الأردن على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إضافة إلى ما يحصل في الجانب الفلسطيني والتصعيد المستمر من الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية الفلسطينية.
اتهامات للإخوان
في 15 أبريل/ نيسان 2025 قالت دائرة المخابرات العامة في الأردن: إنها أحبطت “مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة”. مؤكدة اعتقال 16 ضالعا بها، وذلك بمتابعتها بشكل دقيق منذ عام 2021.
وبحسب البيان، شملت المخططات "تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج".
وأظهر مقطع فيديو بثته الأجهزة الأمنية اعترافات للمتهمين، وذكر أحدهم أنه تلقى مبلغا ماليا وقدره 20 ألف دولار من شخص ينتمي إلى الإخوان المسلمين في الأردن، فيما أشار متهم آخر إلى تلقيه تدريبا على صنع الصواريخ في لبنان، من دون ذكر الجهة التي دربته.
وفي اليوم نفسه، قال وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة محمد المومني خلال مؤتمر صحفي: إن المخابرات العامة ألقت القبض على جميع الضالعين بتلك النشاطات التي تابعتها الدائرة منذ عام 2021، وإحباط هذه المخططات التي كانت تهدف إلى تنفيذ أعمال داخل الدولة.
وأعلن المومني أن المتهمين بالقضايا السابقة أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بالتهم المسندة إليهم خلافا لأحكام قانون منع الإرهاب؛ وذلك بعد انتهاء إجراءات التحقيق معهم ومصادقة النائب العام لمحكمة أمن الدولة على قرار الظن الصادر بحقهم أصولا ووفق أحكام القانون.
وفي إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، قال المومني، إن هناك انتماءات سياسية للمتهمين في هذه القضايا وهم منتسبون لجماعة غير مرخصة ومنحلة بموجب أحكام القانون.
وفي ردّه على سؤال آخر عن انتماء المتهمين، أكد المومني أن الأردن لم ولن يقبل المسوّغات لتبرير ما جرى؛ لأنه تم على الأرض الأردنية ويشكل تهديدا مباشرا على الأمن الوطني الأردني وعلى سيادة الدولة الأردنية.
ونقلت قناة "الجزيرة" القطرية في 15 أبريل، عن مصادر أردنية (لم تسمها) أن "المعتقلين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين"، مضيفة أنه "قد تلحق هذا الإجراء إجراءات رسمية صارمة بحق الجماعة، وحزبها جبهة العمل الإسلامي".
جاء ذلك بالتزامن مع اعتقال السلطات الأردنية في اليوم نفسه، خالد الجهني، مدير مكتب الكتلة النيابية لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، والتي أكدت أن الاعتقال للأخير جرى من داخل منزله بعد حضور قوة أمنية كبيرة؛ إذ تم توقيفه وضبط أجهزته الشخصية.

"أعمال فردية"
وفي المقابل، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بيانا قالت فيه: إنها تابعت مجريات المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الاتصال الحكومي، وما تبعه من اتهامات "غير منصفة" لها.
وأكدت الجماعة أنها "قد التزمت منذ نشأتها قبل ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يوما عن وحدة الصف وثوابت الموقف الوطني، بل انحازت على الدوام لأمن الأردن واستقراره".
وأضافت أنها "كانت وما زالت جزءا أصيلا من نسيج الوطن، تقدم مصالح الأردن العليا فوق كل تقدير، وتؤمن بأن الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع هو السبيل لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات".
وعليه فإن جماعة الإخوان المسلمين تؤكد أنّ كل ما تم التطرق إليه خلال المؤتمر الصحفي وما تلاه إعلاميا من مجريات وأحداث وأفعال، هي "أعمال فردية، على خلفية دعم المقاومة، لا علم للجماعة بها ولا تمت لها بصلة"، وفقا للبيان.
وأكدت الجماعة أن "المرحلة تتطلبُ وعيا وطنيا صادقا، وتكاتفا مسؤولا، وترسيخا للوحدة الوطنية وتمتينا للجبهة الداخلية على قاعدة المصالح الوطنية العليا للوطن".
ودعت إلى الابتعاد عن "محاولات التشويش أو التشويه أو التخوين وحملات التحريض التي لا تخدم الأردن وتستهدف منعته، لا سيما في ظل التحديات والمخاطر التي تستهدف الأردن وتسعى لحل القضية الفلسطينية على حسابه عبر التهجير والوطن البديل".
وشددت على أن "الأردنيين أثبتوا على الدوام أنهم قادرون على تجاوز التحديات بالحكمة والرشد والمسؤولية والحوار الوطني، وأن الدولة الأردنية بتماسكها وتعدديتها وانفتاحها، قادرة على احتضان كل رأي حر، والتفاعل مع كل صوت مخلص في إطار من الاحترام المتبادل والشراكة الوطنية الصادقة".
وجاءت حملة الاعتقالات وإعلان السلطات عن "المخططات التخريبية" بعد حملة تحريض واسعة على مواقع التواصل ضد جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، بسبب دعوتهم للتظاهر قرب سفارة الاحتلال الإسرائيلي، والتوجه نحو الحدود مع فلسطين المحتلة.
وقال وزير الإعلام الأردني الأسبق، سامح المعايطة، خلال تدوينة نشرها على منصة "أكس" في 15 أبريل: إن "جماعة الإخوان تبرأت من المجموعة الإرهابية حتى لا تدفع ثمن ما جرى".
وتابع: "لكن الجماعة إما أنها متورطة ومسؤولة عما جرى، أو أن قياداتها كلهم لا يسيطرون على التنظيم ويفتحون الباب لتنظيمات شقيقة للجماعة بالعبث بها وتجنيد عناصرها للإرهاب، وكلا الأمرين جريمة بحق البلد وأهله".

"توقيت حساس"
وبخصوص الإعلان عن الحادثة وتداعياتها في الداخل الأردني، قال الكاتب والمحلل السياسي، حازم عياد: إن "العملية الأمنية تكشف عن اختراق أمني خطير من جهة خارجية للساحة الأردنية تمكن من خلالها تنظيم عدد من الأشخاص للقيام بمهمات خطيرة تنتهك سيادة البلد".
ورأى عياد في حديث لـ"الاستقلال" أن "الملف الأمني الذي جرى طرحه جاء في توقيت وسياق حساس على الصعيد الاقتصادي والقانوني؛ لأنه في الأردن تناقش العديد من القوانين المتعلقة بالمرأة والضرائب المستحدثة، وهذا ما يربك الساحة الأردنية اقتصاديا واجتماعيا، والآن يضاف لها بعد أمني".
وأضاف الخبير الأردني، قائلا: "لا يعرف بعد التداعيات السياسية لهذه الإعلانات وما جرى تداوله من معلومات حول الحادثة وطبيعة الأهداف التي كان يسعى المتهمون لتحقيقها، خصوصا أن التسجيلات التي عرضت على التلفزيون لا تناقش أهداف المجموعات المعتقلة، وإنما عملية تنظيمهم من جهة خارجية موجودة في الأراضي اللبنانية".
وأشار إلى أن "البعض يربط توقيتها بالأوضاع في فلسطين المحتلة في حين أن تحقيقات الدولة الأردنية تشير إلى أن الحادثة تعود إلى أكثر من أربع سنوات، وأن بعض المعتقلين مضى على اعتقالهم ما يزيد عن سنتين، وهذا يعيد طرح الأسئلة حول طبيعة التوقيت وتداعياته الأمنية والسياسية على الساحة الداخلية ومدى ارتباطه بالمهد الداخلي والإقليمي".
وشدد عياد على أن "القضية مازالت في طور تفاعلها، ونحن بانتظارها إن كان لها تفاعلات سياسية، وأنا أتوقع أن يجرى احتواء هذه التداعيات بالنظر إلى التحديات التي يواجهها الأردن في المرحلة المقبلة".
ولفت إلى أن "هناك الكثير من التساؤلات في الساحة السياسية، وقدر من الغموض في تفسير التوقيت، خصوصا أن بعض المعتقلين مضى على اعتقالهم عامين، وبالتالي ذهبت التصورات والتحليلات إلى اتجاهات متعددة، رغم أنها في المجمل تمثل اختراقا أمنيا وجرى التعامل معه".
واستبعد عياد في ختام حديثه أن يكون للاعتقالات "أي صلة مباشرة بشأن الدعوات للتظاهر قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان نهائيا، لكن الظرف الذي أعلنت فيه الحادثة حساس بالمجمل".
ومنذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” وما أعقبها من إبادة إسرائيلية ضد قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعلن السلطات الأردنية باستمرار إحباط محاولات لتهريب أسلحة ومتفجرات والقبض على خلايا مسلحة، لكنها لم تكشف عن الجهات التي تقف وراءها.
ومع كل إعلان للسلطات، تُدلي مصادر أمنية أردنية (لا تكشف عن هويتها) بتصريحات إلى وكالات دولية تتهم تارة فيها إيران بالوقوف وراء تهريب الأسلحة إليها، وتارة أخرى ترمي بالتهمة على جماعة الإخوان المسلمين بالأردن بزعم إرسالها إلى حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

فزاعة الأمن
من جانبها، ترى شبكة الصحافة الفلسطينية، أن الأردن لجأ إلى حيلة فزاعة الأمن لتكريس قمع التضامن مع غزة ومنع أي محاولات لدعم المقاومة الفلسطينية.
وأوضحت في تقرير بشأن هذه التطورات، أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يلعب دورا مهما في تنظيم المظاهرات دعما لغزة.
وقد حقق الحزب مكاسب في الانتخابات البرلمانية الأردنية في سبتمبر/أيلول 2024؛ حيث أضاف 24 مقعدا إلى المقاعد الثمانية التي كان يشغلها سابقا، ورفع حصته إلى خُمس مقاعد البرلمان. ومع ذلك، فإن جميع السلطات المهمة في البلاد بيد الملك عبد الله حصرا.
وتواجه السلطات في الأردن، بحسب الشبكة، تحديات في الحفاظ على التوازن بين تحالف المملكة الحاسم مع واشنطن واحتواء السخط المحلي إزاء تصرفات إسرائيل في ظل استمرارها بحرب الإبادة الجماعية.
وأضافت: منذ أشهر يخيم القلق على المؤسسة الأمنية في النظام الأردني وسط تقديرات سرية في جهاز المخابرات العامة بأن الغضب الشعبي في البلاد وصل ذروته وقد يتصاعد بشكل وشيك بأشكال متعددة قد تكون خارج الحسبان لصناع القرار في عمان.
وتأتي تقديرات المخابرات الأردنية بعد أكثر من عام ونصف العام على حرب الإبادة الإسرائيلية والتلويح الإسرائيلي غير المسبوق بضم كامل للضفة الغربية وما يثيره ذلك من غضب شعبي في المملكة، توضح الشبكة.
وختمت بالقول: “هذا الغضب يتزايد في ظل الاحتقان من مواقف النظام الأردني الذي تمسك ومازال باتفاقية التطبيع مع الكيان والتعاون الأمني واسع النطاق معه، وسخر من المملكة جدارا لحماية الاحتلال بدلا من أي إجراءات فعلية لوقف جرائمه”.
المصادر
- الأردن يعلن إحباط مخطط "للمساس بالأمن وإثارة الفوضى" وأصابع الاتهام تشير إلى "الإخوان المسلمين"
- الأردن يعتقل 16 شخصا بتهمة تصنيع صواريخ ومسيّرات
- "إخوان الأردن": مصلحة المملكة فوق كل اعتبار ولا علاقة لنا بالخلية التي اعتقلتها المخابرات
- الأردن: اعتقال مدير مكتب كتلة العمل الإسلامي في مجلس النواب
- السلطات لا تفصح عن الجهات المتورطة.. من وراء التفجيرات والخلايا المسلحة بالأردن؟