انتعاش وتسهيلات.. هل تعود التجارة إلى مجدها بين سوريا والأردن؟

مصعب المجبل | منذ ٢٠ يومًا

12

طباعة

مشاركة

لطالما شكّلت سوريا عمقا إستراتيجيا واقتصاديا حيويًا للأردن، لكن هذا الامتداد الحيوي تلقّى ضربة موجعة مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، لتتراجع الحركة التجارية بشكل لافت.

وعقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، عمدت المملكة الأردنية إلى تقديم تسهيلات تجارية كبيرة مع سوريا، وصلت لحد تسريع العقود الاستثمارية في هذه المرحلة.

فقد أفادت هيئة مستثمري المناطق الحرة في الأردن، مطلع أبريل/نيسان 2025 بأن مجموع العقود المبرمة في المنطقة الحرة السورية - الأردنية المشتركة، بلغ 88 عقدا استثماريا وتشغيليا منذ إعادة افتتاحها بداية العام.

تسهيلات تجارية

وأوضح نائب رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرة، شرف الدين الرفاعي، أن العقود توزعت على 78 عقدا للمنطقة القديمة في "الحرة المشتركة"، و10 عقود للتوسعة الجديدة، وَفق ما نقلت قناة "المملكة" الأردنية.

وأشار الرفاعي إلى أن أكثر من 800 مستثمر ينتظرون الموافقات اللازمة لمباشرة أعمالهم، وكانوا قد تقدموا بطلبات للاستثمار والتشغيل في المنطقة.

وأكد المسؤول الأردني أن "الحرة المشتركة" تشهد حركة تجارية "نشطة جدا" لجميع الأنشطة التجارية والاقتصادية، لافتا إلى أن الهيئة تعمل بالتنسيق مع الجهات المعنية في البلدين، لتسهيل الإجراءات في المنطقة، وتحفيز الحركة التجارية.

وأنشئت المنطقة الحرة بين سوريا والأردن عام 1975 على مساحة 6500 دونم من الأراضي الأردنية، وتمتد على طول معبر “جابر- نصيب” الحدودي، وتخضع للقوانين الاقتصادية النافذة في الدولة السورية بموجب اتفاقية بين البلدين.

وهذه الرغبة الأردنية في الانفتاح الاقتصادي مع سوريا التي تتلمس خطوات الانتعاش من جديد في ظل بنية تحتية مدمرة وعجز كبير في إمدادات الطاقة، جاءت عقب بناء علاقة سياسية جديدة بين عمّان ودمشق.

إذ استقبل العاهل الأردني عبد الله الثاني، الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في 26 فبراير/شباط 2025 في العاصمة عمان، وبحثا أمن الحدود بين البلدين والحد من تهريب الأسلحة والمخدرات، وتهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين، وفق ما أفاد بيان للديوان الملكي.

وسبق ذلك زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى العاصمة عمّان في 7 يناير/كانون الثاني 2025؛ حيث بحث مع نظيره الأردني أيمن الصفدي موضوع الحدود بين البلدين ومخاطر تهريب المخدرات والسلاح والإرهاب وتهديدات تنظيم الدولة.

وأعلن الوزيران حينها أنه سيجرى تشكيل لجان مشتركة بين البلدين في مجالات الطاقة والصحة والتجارة والمياه.

وكان الوزير الأردني أيمن الصفدي، أول مسؤول عربي يزور دمشق في 23 ديسمبر 2024 عقب سقوط الأسد، حيث التقى الشرع حينها في القصر الجمهوري، وأكد بعدها استعداد بلاده للمساعدة في إعمار سوريا.

ويرتبط الأردن بحدود برية مع سوريا تمتد على مسافة 375 كيلومترا، وقد أحبط خلال سنوات حكم الأسد عشرات عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، وأوقف وقتل عشرات المهربين.

كما يرتبط البلدان بمعبرين حدوديين رئيسين، هما "الجمرك القديم" الذي يقابله معبر "الرمثا" من الجانب الأردني، و"نصيب" الذي يقابله معبر "جابر".

وفور سقوط نظام الأسد المخلوع، عمدت المملكة الأردنية إلى تسهيل دخول السوريين إلى مطاراتها من كل دول العالم.

وأصبح الأردن محطة عبور برية لهم عبر معبر "جابر" نحو بلدهم عبر معبر "نصيب" على الطرف السوري.

وقد أرسل الأردن في يناير 2025، نحو 300 طن من المساعدات الإنسانية إلى سوريا. كما فعلت المملكة حركة الخطوط الجوية نحو مطار دمشق الدولي وسيرت رحلات جوية مبكرا عقب سقوط الأسد.

وتمثل سوريا شريكا تجاريا مهما للأردن، ولكن في السنوات الأخيرة من حكم الأسد، تراجع حجم التجارة بين البلدين من 617 مليون دولار عام 2010 إلى 146,6 مليون دولار عام 2023.

ومنذ نهاية يناير 2025 أعلنت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية استئناف العمل في المنطقة الحرة المشتركة، عبر دخول شاحنات محملة بأنواع مختلفة من البضائع إلى سوريا.

وبحسب نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع الأردنية، ضيف الله أبو عاقولة، تتعامل دائرة الجمارك مع حوالي 650 شاحنة يوميا على مركز حدود جابر، مقارنة بـ 200 شاحنة حتى 7 ديسمبر 2024 أي قبل سقوط حكم الأسد بيوم.

وأضاف أبو عاقولة خلال تصريحات صحفية في 27 يناير 2025 أن نحو تسعة آلاف شاحنة عبرت من الأردن إلى سوريا منذ بداية الشهر المذكور، بينها أربعة آلاف محملة بالصادرات الأردنية مثل الإسمنت والأثاث وبضائع أخرى.

في المقابل، أعفت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية بسوريا، في 23 يناير 2025 خطوط الإنتاج والآلات من كل الرسوم الجمركية المقررة في التعرفة الجمركية النافذة.

ويستمر الإعفاء لمدة سنتين، بدءا من تاريخ صدور القرار، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

ميزة لوجستية

وضمن هذا السياق، يرى نائب رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرة في الأردن، شرف الدين الرفاعي، أن "الأسعار المطروحة للاستثمار في المنطقة الحرة مع سوريا تعد تنافسية للغاية، الأمر الذي يعزز استدامة الاستثمار، ويشجع المزيد من المستثمرين على التوسع في أعمالهم.

وأوضح الرفاعي خلال تصريحات صحفية مطلع فبراير 2025 أن المستثمرين يركزون حاليا على تخزين البضائع، مستفيدين من عدم وجود رسوم عبور من الجانب السوري، مما يمنحهم ميزة لوجستية مهمة تسهم بتخفيض التكاليف التشغيلية.

ولفت إلى أن تشغيل المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة يعود بالنفع على الاقتصاد الأردني، مشيرا إلى أن ذلك يسهم بتنشيط حركة مناولة البضائع في موانئ العقبة، ومن ثم تشغيل أسطول النقل الأردني، مما يعزز دور الأردن كمركز إقليمي للنقل والتجارة.

وحث الرفاعي على تسهيل دخول المستثمرين السوريين عبر معبر حدود "جابر"، مما يزيد من فرص الاستثمار داخل المملكة.

ويأمل الأردن أن تعود حركة التجارة عبره إلى دول الخليج برا نحو تركيا وبالعكس عبر معبر "باب الهوى" بريف إدلب والواقع عند الحدود التركية.

وقد أكد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يعرب القضاة، في 23 يناير 2025 أن هناك جهودا متواصلة ومكثفة لتطوير التعاون مع سوريا، وتقديم ما يمكن للشعب السوري بعيدا عن حساب المصالح الاقتصادية.

وأشار الوزير الأردني إلى العمل من أجل تهيئة الظروف التنموية، واستثمار موقع الأردن ليكون مركزا لدعم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع سوريا، وتوفير خدمات البنية التحتية المطلوبة للإسهام في دعم جهود إعادة إعمار البلاد.

وحينها تطرق إلى أهمية إزالة العقبات أمام حركة التجارة عبر معبر "باب الهوى" بصفته منفذا حيويا للصادرات العربية نحو الأسواق الأوروبية، وبالعكس.

ويعكس تذليل العقبات أمام الأنشطة التجارية وحركات الشحن حرص الأردن على دعم سوريا في مرحلتها الجديدة بمختلف المجالات.

فقد ارتفعت الصادرات الأردنية إلى سوريا خلال الشهر الأول من العام 2025 لتصل إلى 18,593 مليون دينار (نحو 26.2 مليون دولار)، مقارنة بـ 2,995 مليون دينار (نحو 4.2 ملايين دولار) في الشهر ذاته من عام 2024.

وخلال الفترة بين 2004 و2011، شهد التبادل التجاري بين الأردن وسوريا مستويات مرتفعة تجاوزت حاجز النصف مليار دولار، قبل أن يتراجع تدريجيا إلى نحو 182 مليون دولار عام 2023، متأثرا باضطرابات المنطقة.

إذ انخفضت الصادرات الأردنية إلى السوق السورية من 49 مجموعة سلعية إلى 41 بين عامي 2011 و2023، فيما تراجعت من 75 مجموعة سلعية إلى 52 في الفترة نفسها، وفق المديرة التنفيذية لمنتدى الإستراتيجيات الأردني، نسرين بركات.

وأشارت بركات خلال جلسة حوارية في 23 يناير 2025 إلى تراجع حصة معبر "جابر" الحدودي مع سوريا من 25 بالمئة بإجمالي حركة التجارة البرية للأردن عام 2011، إلى حوالي 8 بالمئة في 2023.

"محور اقتصادي"

 وتعكس الحركة النشطة للشاحنات بين الأردن وسوريا تحولا إيجابيا نحو التبادل التجاري لا سيما من خلال تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بالشكل الذي يرفع حجم التبادل التجاري ومعالجة أي صعوبات  تواجه القطاع الخاص في كلا البلدين، وفق الخبراء.

ويسهم في تلك العملية تسهيل حركة النقل وتخفيض الرسوم المفروضة على شاحنات الترانزيت الدولي (نقل) من خلال كلا البلدين، وتطوير الإجراءات الجمركية، والإسراع بعملية التخليص الجمركي وعدم تكدس الحاويات في الساحات الجمركية.

ويعول الأردن على أن تكون المنطقة الحرة بيئة جاذبة للاستثمار من الدول الصديقة، لا سيما من قبل الشركات الإقليمية الراغبة في المساهمة بإعادة إعمار سوريا.

كما يقدم الأردن تسهيلات تجارية في الوقت الحالي للتجار السوريين الذي يمتلكون السيولة المالية للاستفادة من السوق الأردنية أو عبر الاستيراد.

وضمن هذه الجزئية، رأى رئيس غرفة تجارة عمّان خليل توفيق أن "سوريا ستصبح رئة اقتصادية للأردن ويمكن من خلالها الوصول إلى لبنان؛ حيث تشكل هذه الدول الثلاث محورا اقتصاديا سواء من الموقع اللوجستي والأمن الغذائي وتفعيل الصناعات المحلية بدلا من الاستيراد من الصين”.

وأضاف في تصريحات تلفزيونية "يمكن للأردن أن يستفيد مجددا من تجارة الترانزيت القادمة من تركيا عبر معبر باب الهوى حيث كانت المملكة تستفيد من إيرادات الترانزيت الذاهبة للخليج بقيمة 350 مليون دينار (493 مليون دولار) في السابق".

ولفت توفيق إلى أن "عمان يمكنها المساهمة في تأهيل المنشآت الاقتصادية المدمرة بسوريا والمساعدة في تسويق المنتجات السورية من خلال مرورها عبر الأردن".

ونوه إلى أن "الحركة التجارية مع سوريا ستنشط قطاع النقل الأردني الذي تضرر في السنوات الأخيرة".