رغم ادعاءات الإصلاح.. لماذا تصاعد القمع في مصر بالتزامن مع عودة ترامب؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم كل ما يعلنه النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، من انفتاح سياسي وحوار وطني، تتواصل ماكينة حبس المعارضين وتلفيق التهم لهم، في حالة متصاعدة منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وعودته للبيت الأبيض.

وشهدت فترة رئاسة ترامب الأولى (2016-2020) قمعا غير محدود للمعارضة في مصر مع تغاض أميركي؛ حيث عرف ساكن البيت الأبيض الجديد بتجاهل قضايا حقوق الإنسان في سياسته الخارجية، واشتهر بوصف السيسي بأنه ديكتاتوره المفضل.

بل شجع ترامب انتهاكات السيسي، حينما أشاد خلال لقاء جمعهما في أبريل/نيسان 2019، بما أسماه "العمل العظيم" الذي يؤديه، ما يثير مخاوف من بقاء نفس السياسة في فترته الثانية.

انتهاكات بالجملة

وعقب فوز ترامب بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ازدادت قرارات الاعتقال وسجن وتلفيق قضايا لمعارضين وتدوير آخرين.

كما تزايدت الانتهاكات في السجون، وقُتل ثلاثة بالإهمال الطبي والتعذيب، وأضرب المئات عن الطعام احتجاجا على تصاعد الانتهاكات ضدهم.

وجرى البطش بعدد كبير من السياسيين الكبار، منهم هشام قاسم الذي أحيل للمحاكمة بتهم كيدية مكررة هي "قذف وإزعاج" وزيرة القوى العاملة السابقة ناهد عشري، رغم سجنه 6 أشهر بنفس التهم.

وجاء هذا بالتزامن مع إعلان "قاسم" عن تأسيس حزب معارض جديد، هو "النداء الحر"، واستمراره في انتقاد السيسي، ما يشير لمعاقبته، خاصة أنه أدلى بحوارات انتقد فيها أوضاع مصر.

وفي مفارقة أخرى، استدعت النيابة المصرية الحقوقي حسام بهجت للتحقيق معه لأنه أصدر بيانا عبر منظمته (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) يطالب فيها النائب العام بالتحقيق في انتهاكات داخل السجون.

ووجهت له في هذه القضية، وهي الرابعة له منذ عام 2020، تهم "الإرهاب" و"بث أخبار كاذبة"، لأنه نشر معلومات عن سوء أوضاع المحتجزين داخل سجن العاشر وطالب النائب العام بالنزول بنفسه ومعاينة المعتقلات لمشاهدة الانتهاكات.

واللافت أن هذه أول مرة يجرى توجيه تهمة "الإرهاب" لحقوقي، كما أن التحقيق معه تم قبل 4 أيام من مغادرة وزير الخارجية أنتوني بلينكن لمنصبه.

وكان بلينكن التقى "بهجت" من قبل بالقاهرة، ما عده كثيرون أحد أسباب غضب النظام المصري منه.

وانتقدت منظمة العفو الدولية، خلال بيان في 16 يناير/كانون الثاني 2025، استدعاء بهجت، للتحقيق معه في قضية جديدة.

ورأت أن "الاستدعاء يكشف مرة أخرى عن الفجوة بين ادعاءات الحكومة المصرية وحلفائها بأنها تتخذ خطوات موثوقة لاحترام حقوق الإنسان والواقع المرير على الأرض".

أيضا اعتقلت قوات الأمن أحمد أبو زيد أحد أشهر صناع المحتوى التعليمي في مصر واتهم بالاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي بحجة وجود 163 ألف دولار في منزله حصدها من عمله الإلكتروني، رغم دعوة السيسي الشباب لتعلم البرمجة لجني آلاف الدولارات منها.

كما ألقى الأمن القبض على ندى مغيث، زوجة رسام الكاريكاتير أشرف عمر، المسجون احتياطيًا منذ 22 يوليو/تموز 2024، ومعها الصحفي أحمد سراج، لأنها اتهمت في حوار صحفي ضباط شرطة هاجموا منزلها، بسرقة أموال ومتعلقات ثمينة.

وأدانت لجنة حماية الصحفيين CPJ، في 16 يناير 2025، القبض على أحمد سراج وندى مغيث، وعدته "تصعيدا خطيرا من جانب السلطات المصرية لإسكات أي شخص يجرؤ على فضح قمعها"، مؤكدة أن عدد الصحفيين المسجونين في مصر وصل إلى 17.

كما انتقدت CPJ استهداف زوجات الصحفيين المعتقلين بسبب حديثهن، مثل اعتقال وإخفاء نجلاء فتحي، زوجة الصحفي ياسر أبو العلا، وشقيقتها في أبريل 2024 لتقديمها شكاوى بشأن اختفائه.

وضمن هوجة الانتقام من السياسيين، حتى المسجونين منهم منذ سنوات، جرى تجديد حبس السياسي يحيي حسين رغم إصابته بجلطتين في القلب.

وأيضا تجديد حبس السياسي عبد المنعم أبو الفتوح الذي اشتكى من إصابته أيضا بأزمات قلبية وإهماله داخل السجن، قائلا إنه لولا أنه طبيب ويداوي نفسه لكان قد قُتل في سجنه.

وشملت عمليات تشديد القمع، منع الناشط في حركة 6 أبريل "محمد عادل" من أداء الامتحانات وتغريبه من سجن إلى آخر لأنه احتج وأضرب عن الطعام.

وتجديد حبس الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق بتهم الإرهاب ونشر أخبار كاذبة، لأنه كشف إهدار نظام السيسي موارد مصر، واتهم ضباطا بممارسة انتهاكات ضده.

أيضا سرع مجلس النواب، الموالي للسلطة، من تمرير مواد قانون الإجراءات الجنائية، ووافق على مواد تضع قيودا جديدة على حريات المصريين، مثل التجسس رسميا على الاتصالات، وإتاحة التنصت على الاجتماعات الخاصة.

وزعم رئيس المجلس حنفي جبالي في 14 يناير أنه "لا يوجد معتقلون أو اعتقالات في مصر، وبالتالي نحن في دولة تطبق القانون".

وتجاهل مجلس النواب اعتراضات وانتقادات الحقوقيين ونقابة الصحفيين والمحامين على مشروع قانون الإجراءات الجنائية لأنه "ينتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات".

إصلاح كلامي

ولا تشير خطوات الحكومة المصرية إلى أي نوايا تفيد بتوجهها لإجراء إصلاحات سياسية، رغم اقتراب موعد مراجعة سجلها في المجال الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في 28 يناير 2025.

وهو ما يعرف بآلية الاستعراض الدوري الشامل التي يجريها المجلس لكل دولة من أعضائه بصفة دورية كل 4 سنوات.

 حتى إن السلطات المصرية استهدفت الحقوقيين الذين قدموا 35 ملاحظة لمجلس حقوق الإنسان، مثل حسام بهجت.

وانتقد المحامي الحقوقي نجاد البرعي، استهداف الحقوقيين المصريين الذين يعملون من داخل البلاد، قائلا إن هذا "يقدم دليلًا على ما جاهدت الحكومة لتنفيه على مدار سنين مضت".

وقالت 11 منظمة حقوقية، في بيان لها 20 يناير 2025، إن السلطات المصرية "لا تزال غير مكترثة بمعالجة أزمة حقوق الإنسان أو حتى بمجرد الاعتراف بها"، وترى نفسها "غير مثقلة باحتمالات الانتقادات الدولية".

وانتقدت المنظمات في بيانها ما وصفته بـ "إرسال السلطات في الأشهر القليلة الماضية كل الإشارات الممكنة، لأولئك الذين مازالوا يحتفظون بأوهام حول مساعي إصلاح أو حل لأزمة حقوق الإنسان في مصر، أن هذا الأمر غير مطروح بتاتًا على الطاولة".

مثل مواصلة البرلمان مناقشة قانون الإجراءات الجنائية والموافقة على مواده التي "تشرعن العديد من الإجراءات الاستثنائية رغم الاعتراضات والمآخذ الدستورية والقانونية"، ليضاف إلى "ترسانة التشريعات القمعية القائمة".

ورفضت بعضَ التعديلات نقابتا المحامين والصحفيين ونادي القضاة استنادا إلى أنها تضر بالعدالة وحقوق المواطن.

وأشارت المنظمات إلى أن الانتهاكات الأخيرة شملت تجديد حبس الحقوقية هدى عبد المنعم وتدويرها بقضية جديدة للمرة الرابعة، بعدما أنهت مدة العقوبة المقررة بحقها.

وقالت إنه بينما "تدعي الحكومة اتخاذ خطوات واسعة في ملف إطلاق سراح السجناء السياسيين، اعتقل قرابة ثلاثة أضعاف المفرج عنهم، خلال السنوات القليلة الماضية، وأضحت مصر أكثر دول المنطقة احتجازا للسياسيين والمعارضين بعد انهيار نظام (بشار) الأسد في سوريا".

ورأت المنظمات أن الاستعراض هذه المرة يمثل "فرصة حاسمة لإبلاغ الحكومة المصرية بأهمية سجلها في مجال حقوق الإنسان، وأن عصفها بالحقوق والحريات له ثمن، وإلا ستتحول جلسة الاستعراض القادمة لمنصة تستغلها لتحسين صورتها وطمس جرائمها".

وزاد من تصعيد نظام السيسي بطشه، تقديم المفوضية الأوروبية مليار يورو من القروض لمصر، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، بزعم تنفيذ القاهرة "خطوات ذات مصداقية في حقوق الإنسان والديمقراطية".

وزعمت المفوضية أن مصر اتخذت ما وصفته بـ "خطوات ملموسة وذات مصداقية فيما يتعلق باحترام الآليات الديمقراطية الفعّالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون".

وهو ما جاء على عكس تقاريرها السابقة عن انتقاد حالة حقوق الإنسان باستمرار.

قالت إن مصر اتخذت "إصلاحات رئيسة في سياسات مثل الحبس الاحتياطي وقانون الإجراءات الجنائية ضمن الحوار الوطني.

وهو ما وصفه حقوقيون بأنه " تقييم غير دقيق وينطوي على تحريف متعمد"، و"ادعاء زائف بوضوح، ويتعمد التضليل" بحسب موقع "مدى مصر" 12 يناير 2025.

السياسة القادمة

وعقب إعلان فوزه بالرئاسة، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في تقرير بعنوان "لماذا ترامب خبر جيد لمصر؟" 13 نوفمبر 2024، إنه "من المتوقع أن يصبح السيسي مرة أخرى الديكتاتور المفضل لدى الرئيس الجديد".

وكان ترامب وصف السيسي بأوصاف تحط من قدره وتشير لانقياده له، مثل: "القاتل اللعين" و"الديكتاتور المفضل".

ففي 13 سبتمبر/أيلول 2019، صاح قائلا: "أين ديكتاتوري المفضل؟" في إشارة إلى السيسي بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وبعدها بعام واحد، سخر من السيسي، ووصفه بأنه "قاتل أحمق"، حسبما كشف الصحفي الأميركي "بوب وودوارد" في كتابه عن سيرته الذاتية بعنوان "الخوف: ترامب في البيت الأبيض".

وحاولت أبواق موالية لنظام السيسي تصوير فوز ترامب للمرة الثانية بالرئاسة على أنه مد حبل لإنقاذه من ضغوط الديمقراطيين منذ تولي جو بايدن الرئاسة عام 2020، بحجة "حقوق الإنسان".

ولأن ترامب أنقذه خلال فترته الرئاسية الأولى من انتقادات إدارة باراك أوباما بسبب انقلاب 2013، كان السيسي أول القادة العرب الذين هنأوا الرئيس بالعودة للرئاسة وثم التنصيب، وسط فرحة كبيرة من إعلام السلطة بفوزه.

لكن يتوقع صحفيون وسياسيون مصريون، أن تختلف الفترة الثانية عن الأولى، فقد يحدث العكس ويضغط ترامب على السيسي أو لا يدعمه بالكلية لأسباب اقتصادية، خاصة أنه يضمن ولاءه لأميركا.

يرون أنه خلال فترة رئاسة ترامب الثانية لن تكون مشكلة السيسي مع "حقوق الإنسان"، ولكن مع "الاقتصاد" وحاجته لمساعدات ومنح مالية وقروض.

وهو ما لن يقدمه له ترامب، الذي يبتز دول العالم بالدفع مقابل حمايتها وخدمتها، ولديه مشكلات عديدة في عجز الموازنة ونفقات باهظة بسبب حرائق لوس أنجلوس.

وبلغت تقديرات الكلفة الاقتصادية للحرائق ما بين 250 إلى 275 مليار دولار، وفق تقديرات شركة أكيو ويذر "AccuWeather" الأميركية.

وشرح الصحفي جمال سلطان هذا بقوله: إن أزمة السيسي الحالية وورطته هي "الفلوس"، وهي شهوة ترامب الأساسية.

وبالتالي فكلاهما يحتاج فلوسا، بل إن إدارة ترامب قد تقلص دعمها للسيسي ضمن تقليصها للنفقات الخارجية.

وتشير تقديرات صحفية غربية إلى أن علاقة ترامب والسيسي ستكون تبعية مثل الفترة الرئاسية الأولى، في ظل حاجة رئيس النظام المصري لدعم أميركا لبقائه، مقابل تغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان.

كما يتوقع أن يحتاج ترامب السيسي في صفقات سياسية، سواء في غزة، لإبعاد حركة المقاومة الإسلامية حماس عن الحكم أو في الترويج لـ "الصفقات الإبراهيمية" التطبيعية الجديدة.