“تجريم التعبير”.. كيف دشّن الأردن قانون الجرائم الالكترونية في قمع المؤيدين لغزة؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

اعتقال الناشطين

لعبة الملك

https://media.voltron.alhurra.com/Drupal/01live-106/styles/817x459/s3/reuters-images/2024/02/reuters_com_2024_newsml_RC2CU5AOL83Q.jpg?itok=fH2DMyua

تواجه السلطات الأردنية انتقادات واسعة من الداخل والخارج، وذلك بسبب قانون للجرائم الإلكترونية، اعتقلت بسببه أكثر من ألف شخص نتيجة منشورات تضامنوا فيها مع قطاع غزة، الأمر الذي أثار تساؤلا ملحّا بخصوص مستقبل حرية الرأي والتعبير في الأردن.

وأقرّ البرلمان الأردني، قانون الجرائم الإلكترونية، في 2 أغسطس/ آب 2023، بعد جدل واسع وانتقاد شعبي لما فيه من تقييد لحرية التعبير ومبالغة في العقوبات المالية المفروضة، والتي عبّرت عنها مسيرة رافضة للقانون بالعاصمة عمان في يوليو من العام نفسه.

اعتقال للناشطين

وفي أول اختبار للقانون جرى تطبيقه على الناشطين الأردنيين المتضامنين مع غزة التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023، إذ اعتقلت السلطات الأردنية كل من دعا إلى الاحتجاج أو الاعتصام ضد الاحتلال واستمرار تصدير السلع الغذائية إليه من الأردن.

ولعل آخر هؤلاء الناشطين، هو المحامي معتز عوّاد الذي اعتقلته السلطات الأمنية الأردنية في 10 فبراير/ شباط 2024، وذلك بسبب نشاطه الداعم والمساند لغزة وانتقاده اعتقال الناشطين على خلفية سياسية، حسبما ذكرت حسابات أردنيين على مواقع التواصل.

وقال حزب "الشراكة والإنقاذ" الأردني، على حسابه بموقع "إكس" (تويتر سابقا) في 11 فبراير، إنه "جرى اعتقال الناشط معتز عواد، عضو التجمع الشبابي الأردني للدفاع عن المقاومة، وقد رُفض الإفراج عنه بكفالة".

وأفاد ناشطون بأن اعتقال معتز عواد، المحامي والحقوقي والناشط الأردني، يأتي بسبب انتقاده ضعف الموقف الرسمي من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيلية على غزة، والجسر البري الأردني الذي يمد الاحتلال بالسلع الغذائية.

يأتي ذلك بعد يومين فقط من اعتقال الناشط المعروف خالد الناطور، وتحويل ملفه إلى القضاء في عمّان بعد توجيه تهم إليه تتعلق بنشاطه في موضوع الدعوة إلى الاحتجاج ضد الجسر البري المساند لإسرائيل.

وأطلق الناشطون الأردنيون أكثر من هاشتاغ على منصة "إكس" طالبوا فيها بالإفراج الفوري عن عواد والناطور، ووصفوهم بمعتقلي الرأي، والذي حظي بتفاعل واسع على مواقع التواصل.

وعلقت الناشطة الأردنية، رانيا، في تدوينة على منصة "إكس" في 11 فبراير، قائلة: "أثبت قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن كفاءته باعتقال الشباب والناشطين بعد طوفان الأقصى".

وقال الناشط مجد الفرّاج، عضو "تجمع اتحرك لدعم المقاومة ومجابهة التطبيع" الأردنية إن "الاعتقالات أصبحت واحدة من شعائر حكوماتنا وأحد أبرز عاداتها، التي تعكس الصورة الحقيقة للأحكام العرفية، ولسان حال هذه الحكومات: ماذا لو أعتقلنا كل الشعب".

وتعتقل السلطات الأردنية الناشطين طبقا للمادتين 15 و17 من قانون الجرائم الإلكترونية، إذ تنص الأولى على السجن مدة لا تقل عن 3 أشهر، أو دفع غرامة مالية، لكل من نشر، أو أعاد نشر أخبار كاذبة في الفضاء الإلكتروني عن قصد، تستهدف الأمن الوطني والسلم المجتمعي.

وتنص المادة 17 على السجن من سنة إلى 3 سنوات، أو بغرامة لا تقل أو العقوبتين معاً لكل من نشر في الفضاء الإلكتروني، عن قصد، ما يثير الفتنة أو النعرات، أو يستهدف السلم المجتمعي، أو يحض على الكراهية، أو يدعو إلى العنف أو يبرّره، أو يزدري الأديان.

"قانون قمعيّ"

وعلى ضوء ذلك، نددت منظمة العفو الدولية بـ"حملة القمع الواسعة" التي تشنها قوات الأمن وعناصر المخابرات الأردنية منذ أكتوبر 2023، شملت اعتقال المئات بسبب تعبيرهم عن دعمهم لحقوق الفلسطينيين في غزة أو انتقادهم سياسات الحكومة تجاه إسرائيل.

وقالت المنظمة الحقوقية خلال بيان لها في 7 فبراير إن "السلطات (الأردنية) اعتقلت ما لا يقل عن ألف شخص من المتظاهرين والمارّة خلال الاحتجاجات المؤيدة لغزة في العاصمة عمّان في غضون شهر واحد بين أكتوبر ونوفمبر 2023".

وأشارت إلى أن "المعتقلين وجهت إليهم تهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الصادر في أغسطس 2023 بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبّر عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين، أو تنتقد معاهدات السلام أو الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها السلطات مع إسرائيل، أو تدعو إلى إضرابات عامة واحتجاجات".

وتعتبر العفو الدولية أن قانون الجرائم الإلكترونية الأردني يستخدم "مصطلحات مبهمة وغير دقيقة وفضفاضة، ويجرّم أي خطاب قد يسيء إلى مسؤولي إنفاذ القانون، ويحد من إمكانية إخفاء الهوية على الإنترنت".

كما رأت المنظمة أن "المحافظين المحليين استخدموا قانون منع الجرائم لعام 1954 لاحتجاز بعض المتهمين إداريًا، وتوقيفهم من دون تهمة أو محاكمة، ولم يطلقوا سراحهم بكفالة إلا بعد توقيعهم على وثيقة يتعهدون فيها بالتوقف عن المشاركة في المظاهرات".

وأشارت إلى أن "القانون الأردني لا يوفر للمحتجزين إداريا فرصة للطعن في احتجازهم"، مؤكدة أنه بموجب القانون والمعايير الدولية، لا يجوز للسلطات أن تطلب من الأفراد "تعهدات" بعدم تنظيم "تجمعات مستقبلية" أو المشاركة فيها.

ونقلت المنظمة عن الباحثة لديها، المختصة بالشأن الأردني، ديانا سمعان، قولها: "لا ينبغي أن يتعرض أي شخص للاعتقال أو المحاكمة لمجرد تعبيره عن آرائه حول الحرب في غزة أو انتقاد سياسات حكومته".

وشددت سمعان على أن "السلطات الأردنية شنت حملة قمعية، بالاستعانة بتشريعات شديدة التقييد مثل قانون الجرائم الإلكترونية، للقضاء على ما تبقى من معالم الحرية والمعارضة"، مؤكدة أنه "يتعين على السلطات الأردنية أن تُفرج فورا عن جميع الذين اعتُقلوا تعسفًا أو حوكموا لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، وأن تُسقط التهم الموجهة إليهم".

"تجريم التعبير"

على الصعيد ذاته، قال منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية إن السلطات الأردنية اعتقلت وضايقت عشرات الأردنيين الذين شاركوا في احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء البلاد أو شاركوا في المناصرة عبر الإنترنت منذ أكتوبر 2023.

وأضافت المنظمة الدولية خلال بيان لها في 6 فبراير أن "السلطات وجهت إلى بعضهم اتهامات في إطار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد الذي لاقى انتقادات واسعة".

وأشارت إلى أنها وثّقّت حالات وجهت فيها السلطات اتهامات إلى 4 نشطاء بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، منهم الناشط البارز أنس الجمل، وأيمن صندوقة، وهو أمين عام حزب سياسي.

ونقلت "رايتس ووتش" عن لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط في المنظمة، قولها: "السلطات الأردنية تدوس الحق في حرية التعبير والتجمع في محاولة لقمع النشاط المتعلق بغزة".

وتابعت: "في أقل من شهرين، انهارت التأكيدات الحكومية الأخيرة بأن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد لن يُستخدم لانتهاك الحقوق، إذ استخدمته السلطات ضد الأردنيين لإخماد نشاطهم".

وذكّرت المنظمة بأن البرلمان الأردني أقر "على عجل" قانون الجرائم الإلكترونية "القمعي" في أغسطس 2023، "متجاهلا الانتقادات ومتجاوزا التشاور مع الخبراء أو المجتمع المدني".

وبحسب المنظمة فإن "القانون يمعن في تقويض حرية التعبير، ويهدد حق مستخدمي الإنترنت في عدم كشف هويتهم، كما يخلق سلطة جديدة للسيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يهدد بزيادة الرقابة".

وأضافت أنه على مدى السنوات الأخيرة، شهد الأردن "تقلصا مطولا للحيز المدني، مع تزايد اضطهاد السلطات للمواطنين المشاركين في التنظيم السلمي والمعارضة السياسية، باستخدام قوانين غامضة ومنتهِكة تجرّم التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع".

وشددت فقيه: "ينبغي للسلطات الأردنية ألا تستخدم أزمة إقليمية كذريعة لتقييد حقوق الأردنيين في التعبير عن أنفسهم سلميا. أثبتت الحالات الأخيرة أن السلطات أساءت استخدام الأحكام الغامضة في قانون الجرائم الإلكترونية وستستمر في ذلك".

في 27 يوليو 2023، شارك مئات الأردنيين، بمسيرة احتجاجية وسط العاصمة عمان، بدعوة من عدة أحزاب ونقابات شعبية، للمطالبة بسحب مشروع قانون "الجرائم الإلكترونية" الذي يرونه بمثابة "تضييق على الحريات" و"تكميم للأفواه".

ورفع المحتجون لافتات مناهضة لمشروع القانون بينها "قانون الجرائم الإلكترونية.. قتل للحياة السياسية"، كما رددوا هتافات عدة رافضة له مثل "حرية حرية.. لا للقبضة الأمنية".

وطالب المتحدثون بالمسيرة، وهم من أمناء أحزاب وقادة تنسيقيات شعبية، العاهل الأردني الملك عبد الله بـ"التدخل" وعدم تمرير هذا القانون الذين وصفوه بـ"الرجعي"، مؤكدين استمرار الفعاليات الرافضة للقانون، حتى إسقاطه.

وفي تعليقها على قانون "الجرائم الإلكترونية"،  أعربت صحيفة "زمان إسرائيل" العبرية عن اعتقادها بأن ملك الأردن عبد الله "يلعب لعبة مزدوجة وخطيرة"، وأنه "حتى لو التقى بممثلي الأحزاب، فمن المشكوك فيه بشدة أن يلغى القانون الجديد".

الصحيفة أوضحت خلال تقرير لها يتحدث عن قانون الجرائم الإلكترونية، نشرته في 30 يوليو 2023، أن الملك الأردني "يهتم بمقعده وحكمه ويبحث باستمرار عن طرق جديدة لإبقاء الاحتجاج على الوضع الاقتصادي الصعب على وتيرة منخفضة للغاية".