حملة استباقية.. هكذا فعلت إيران لمنع الاحتجاجات في ذكرى وفاة مهسا أميني

يوسف العلي | 22 days ago

12

طباعة

مشاركة

في 16 سبتمبر/ أيلول 2022 حلت الذكرى الثانية لمقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، حيث شنت السلطات الأمنية حملة اعتقالات متواصلة نالت العشرات من الناشطين الذين أطلقوا دعوات لإحياء الاحتجاجات داخل البلاد وخارجها.

في 16 سبتمبر/ أيلول 2022، تعرضت مهسا أميني (22 عاما) إلى الضرب المبرح من شرطة الأخلاق، بدعوى عدم التزامها بالزي المحتشم، ما أدى إلى إصابتها بجروح بالغة نقلت على إثرها إلى مستشفى "كسرى" في العاصمة طهران، ثم فارقت الحياة بعد ثلاثة أيام.

وعلى إثر ذلك اندلعت احتجاجات واسعة في مختلف مدن البلاد أطلق عليها ثورة "المرأة، الحياة، الحرية"، لا سيما في المناطق الكردية، التي عُدت أوسع مظاهرات منذ الإطاحة بالنظام الملكي عام 1979، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص وأصيب المئات واعتُقل الآلاف. 

حملات اعتقال

ومنذ مطلع سبتمبر 2024، أطلقت السلطات الإيرانية، حملة اعتقالات طالت العشرات كان آخرها اعتقال 4 أشخاص في مدن كردية، إضافة إلى اقتحام العديد من منازل ضحايا احتجاجات عام 2022.

وذكر موقع “إيران واير” المعارض المختص بقضايا حقوق الإنسان، في تقرير له أن “استخبارات الحرس الثوري اعتقلت 4 مواطنين أكراد في قضاء ديواندره بمحافظة كردستان في 8 سبتمبر”.

وأوضح أن "الاعتقال نال كلا من محمد أميني، ونافيد شريفي من قرية كاني سفيد، وفرهاد قمري من كوتاك، وفؤاد مرادي من كيليه كبود، إذ جرى اعتقالهم دون إبراز أذون تفتيش أو أوامر قبض بحقهم".

وبحسب "إيران واير"، فإن "المدن الكردية شهدت أخيرا اعتقال ما لا يقل عن 14 ناشطا مدنيا وفنانا وأفرادا من عائلات قتلى انتفاضة عام 2022"، في إشارة إلى احتجاجات مقتل مهسا أميني.

وأشار إلى أن "هذه الاعتقالات هي جزء من حملة قمع أوسع نطاقا تستهدف المعارضين والناشطين المدنيين وعائلات ضحايا حملة قمع احتجاجات 2022".

وفي 11 سبتمبر، كشف موقع قناة "إيران إنترناشيونال" المعارضة، أن القوات الأمنية حاصرت منزل ضحية احتجاجات 2022، شهريار محمدي، وجرى اعتقال كل الموجودين في المنزل، بعدما أرادوا اعتقال والدته التي لم تكن موجودة لحظة الاقتحام.

ونقل عن شقيق الضحية ميلاد محمدي إلى أن "الأسبوع الماضي شهد حادثة مماثلة، إذ جرى اعتقال مجموعة من عائلات ضحايا انتفاضة مهسا أميني في مهاباد، الذين كانوا في زيارة إلى قبور ذويهم معًا".

ولفت إلى أن "داية مينا والدة شهريار محمدي (28 عاما) ومنذ مقتل ابنها بمحافظة أذربيجان غربي إيران، برصاص قوات الأمن، قامت بجهود كبيرة للتواصل مع عائلات الضحايا في مدن مختلفة لتعزيز التضامن بينهم".

وأوضح الموقع أن أمجد أميني، والد مهسا أكد في رسالة صوتية للقناة عن رغبة العائلة في إقامة مراسم تأبين لها، مؤكدا تلقيه العديد من الرسائل والاتصالات من المواطنين، الذين أعربوا عن رغبتهم بالمشاركة في إحياء ذكرى مقتلها.

وأشار أميني إلى أن الكل يرغب في الحضور إلى قبر، مهسا، لإحياء ذكرى وفاتها، لكن العائلة لا تعرف بعد ما إذا كانت قوات الأمن ستمنع إقامة المراسم هذا العام كما حدث عام 2023.

كما اعتقلت القوات الأمنية، المخرج الكردي، رضا علائي، واقتادته إلى مكان مجهول، وذلك بعدما اقتحمت منزله في مدينة بانه، غربي إيران، دون تقديم أي إذن قضائي، حسبما أفاد به الموقع المختص بقضايا حقوق الإنسان "كردبا"، في 14 سبتمبر.

إضراب واحتجاج

بالتزامن مع حملة الاعتقالات هذه، أعلنت 9 جمعيات نقابية ومدنية بمناسبة الذكرى الثانية لثورة "المرأة، الحياة، الحرية" التي حصلت على إثر مقتل الشابة مهسا أميني، أن "الصراع الحتمي بين غالبية الشعب والنظام كان مستمرًا منذ سنوات بسبب تدهور الأوضاع المعيشية". 

وأضاف بيان مشترك لهذه الجمعيات في 13 سبتمبر، قالت فيه: "ندرك أنه ليس أمامنا خيار سوى مواصلة الثورة"، فيما وجهت كوهر عشقي، والدة المدون المعارض المقتول في السجن ستار بهشتي، رسالة إلى السلطات قالت فيها: "أنتم لا شيء.. نحن لا نخاف منكم".

وقبل ذلك، دعت عدة أحزاب كردية معارضة، المواطنين في كردستان إيران وباقي المناطق الإيرانية، إلى الإضراب العام في 15 سبتمبر، والتوقف عن العمل، في سياق دعوات صدرت لإحياء الذكرى الثانية لمقتل مهسا أميني على يد النظام.

وأصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، بيانا في 12 سبتمبر، أشار فيه إلى حركة جينا (مهسا أميني) وشعارها المحوري "المرأة، الحياة، الحرية"، وأكد أهمية تضامن الشعب مع احتجاجات مناطق كردستان إيران.

وأوضح البيان أن "موقف شعب كردستان ودعواتهم في شوارع المدن كان حضاريا ومدنيا، لدرجة أن باقي المناطق الإيرانية انضمت إلى هذه الحركة بشعارات داعمة مثل: (كردستان، كردستان، نحن ندعمك) و(كردستان، كردستان، عيون وأضواء إيران)".

ودعا مختلف فئات الشعب في كردستان، إلى المشاركة الفعالة في إحياء هذه المناسبة، موجها دعوة إلى "الشعب الإيراني للمشاركة في وحدتهم ضد سياسات القمع والاستبداد، التي ينتهجها النظام".

وفي بيان منفصل، قال حزب "كومله" الإيراني الكردي المعارض، إلى "تنوع واتساع حركة المرأة، الحياة، الحرية، وهزَّ أركان النظام الإيراني القمعي، فما زلنا نشهد استمرار نضال الشعب لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية". 

ودعا الحزب الشعب في كردستان للمشاركة في الإضراب العام، وأكد ضرورة أن "يظهر الجميع عزيمتهم في مواصلة النضال".

من جهته، وجه حزب “الحياة الحرة لكردستان”، دعوة للمشاركة في إضراب عام يوم 15 سبتمبر، مشيرا إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المفروضة على الشعب.

وأكد الحزب الإيراني الكردي المعارض، أن “الحل الوحيد للخروج من هذا الوضع هو المقاومة المستمرة والنضال من أجل الديمقراطية”، مؤكدا أن “نضال الشعب ضد النظام مستمر، وأن الإضراب العام، هو جزء منه”.

"خطة نور"

على الصعيد ذاته، أفادت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن إيران، في تقرير أصدرته في 13 سبتمبر، أنه "بعد عامين على وفاة أميني، فإن السلطات الإيرانية ترفع من وتيرة قمعها للنساء".

واتّهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات الإيرانية، خلال التقرير "بتكثيف" قمعها للنساء بعد عامين على وفاة أميني، بما في ذلك عبر إصدار أحكام بالإعدام بحق الناشطات.

وحذّرت بعثة تقصي الحقائق المستقلة المعنية بإيران والتابعة للأمم المتحدة في بيان من أنه بعد مرور عامين، "كثّفت إيران جهودها الرامية لقمع الحقوق الأساسية للنساء والفتيات وسحق ما تبقى من مبادرات النشاط النسائي".

وفي عام 2022، عيّن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخبراء للتحقيق في الحملة الأمنية الدامية التي استهدفت الاحتجاجات التي هزّت مختلف المدن الإيرانية بعد وفاة أميني.

ونقل التقرير الأممي عن الخبراء، قولهم إنه "رغم أن الاحتجاجات الكبيرة خمدت، إلا أن تحدي النساء والفتيات الذي لم ينقطع يذكر بشكل مستمر بأنهن ما زلن يعشن ضمن نظام يصنّفهن على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية".

وقالوا إنه تم تكثيف القمع بشكل ملحوظ منذ أبريل/ نيسان 2024، مشيرين إلى أن السلطات "زادت الإجراءات والسياسات القمعية" من خلال ما يسمى "خطة نور" التي تشجّع على انتهاك حقوق النساء والفتيات اللواتي يخرقن قواعد وضع الحجاب.

وأفاد الفريق في البيان بأن "قوات الأمن صعّدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساسا بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللواتي يرى أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين وقواعد الحجاب الإلزامي".

كما حذر من أن السلطات عززت مراقبة الامتثال بقواعد وضع الحجاب بما في ذلك في الأماكن الخاصة مثل المركبات وبواسطة مجموعة من الوسائل بما فيها المسيّرات.

وينصّ مشروع قانون "الحجاب والعفة" الجديد الذي بات في المراحل الأخيرة قبل إقراره على تشديد العقوبات على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، بما في ذلك عبر فرض غرامات كبيرة وإصدار أحكام بالسجن لفترات طويلة وحظر السفر.

وعبر الخبراء في بيانهم خصوصا عن قلقهم حيال "ما يبدو أنه نمط جديد يقوم على إصدار أحكام بالسجن على الناشطات... بعد إدانتهن بجرائم مرتبطة بالأمن القومي". 

وأفادوا بأنه "على مدى العامين الأخيرين، استُخدمت عقوبة الإعدام وغيرها من بنود القانون الجنائي المحلي، وخصوصا تلك المتعلّقة بالأمن القومي، كأدوات لترهيب أو ردع الإيرانيين عن التظاهر والتعبير عن أنفسهم بحرية".

وأدى إعلان وفاة أميني إلى اندلاع احتجاجات واسعة، إذ انطلقت أكبر انتفاضة ثورية للشعب ضد النظام، ووفقا لمنظمات حقوقية، فقد قُتل أكثر من 550 متظاهرًا، وفقد المئات بصرهم، وأُعدم ما لا يقل عن 10 أشخاص، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" في 16 سبتمبر 2023.

وفي المقابل، نقلت وكالة "مهر" الإيرانية عن قائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده، في سبتمبر 2022، قوله إن "الجميع في البلاد تأثّروا بوفاة هذه السيدة (مهسا أميني)، لا أملك الأرقام الأخيرة، لكنني أعتقد أن أكثر من 300 شهيد سقط في البلاد بينهم أطفال، منذ وقعت هذه الحادثة".

وألقى العميد حاجي زاده اللوم وقتها على من وصفهم بـ"أعداء إيران" في تأجيج الاحتجاجات، وعلاوة على الولايات المتحدة، ذكر ألمانيا وفرنسا، لكنه أشار إلى أن "المشاركين فيها ليسوا ثوارا معادين بل هم أبناؤنا وجزء من شعبنا".