ناصر الجن نموذجا.. جنرالات "العشرية السوداء" يقبضون على وسائل الإعلام بالجزائر

داود علي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

ثكنة عنتر التي تعرف رسميا باسم "مركز التفتيش والحجز ببني عكنون"، هي ثكنة عسكرية جزائرية تقع في بلدية بن عكنون، في ضواحي العاصمة الجزائرية.

الثكنة هي المقر الرسمي للمديرية العامة للأمن الداخلي الجزائرية (جهاز استخبارات)، والتي يشار إليها أحيانا باسم الأمن الداخلي (SI)، لكنها معروفة في الأوساط العامة الجزائرية باسم "ثكنة عنتر"، وأحيانا يتندرون عليها باسم "عبلة". 

لطالما ارتبط اسم "ثكنة عنتر" بانتهاكات حقوق الإنسان، حيث اتهمها عديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بالتورط في عمليات اعتقال تعسفي وتعذيب للمحتجزين السياسيين لا سيما الصحفيين والإعلاميين. 

وتطور الوضع في 8 يونيو/ حزيران 2024، بعدما أسندت السيطرة على وسائل الإعلام إلى مركز العمليات الرئيس التابع للمديرية العامة للأمن الداخلي، “ثكنة عنتر”، والتي يرأسها حاليا العقيد "طارق عميرات"، أحد أبرز المقربين من الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجن، رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي.

تحت السيطرة 

وفي 8 يوليو/ تموز 2024، نشرت مجلة "أفريكا انتيليجنس" الفرنسية، أن المخابرات الجزائرية تواصل سيطرتها على وسائل الإعلام، حتى بعد حل المركز الوطني للاتصال والنشر عام 2015. 

وكان المركز الوطني للاتصال والنشر في الجزائر، يعد المؤسسة الحكومية المسؤولة عن وسائل الإعلام داخل أجهزة المخابرات الجزائرية، إذ تم تأسيسه عام 1963. 

وصدر قرار بحله ضمن جملة القرارات الأولى التي اتخذها الجنرال عبد القادر حداد "ناصر الجن" بصفته الرئيس الجديد للأمن الداخلي في المخابرات الجزائرية.

ويعد "الجن" من كبار الضباط الضالعين في جرائم فترة الحرب الأهلية في تسعينيات القرن العشرين والتي تعرف إعلاميا بـ" العشرية السوداء".

وذكرت المجلة الفرنسية أن سمعة المركز الوطني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ساءت في عهد العقيد الأخضر بوزيد، الملقب بـ "الكولونيل فوزي"، لأنه هو من وضع قانون الإعلام الجزائري. 

وكان المركز حينها تابعا لمكتب الجنرال محمد مدين حتى حل دائرة الاستعلامات والأمن عام 2015.

وكانت مهام المركز حينها أنه بالإضافة إلى مراقبته لوسائل الإعلام، إحصاء عدد ناشري الأخبار والصحفيين، وإصدار اعتمادات لوسائل الإعلام الأجنبية وأحكام بشأن تأشيرات المراسلين الأجانب. 

قبضة “الجن”

ولطالما قرر المركز توزيع تمويل الدولة على وسائل الإعلام، وذلك من خلال مراقبته للميزانية المخصصة للوكالة الوطنية للنشر والإعلان.

لكن حدث تطور بعد حل دائرة الاستعلام والأمن عام 2015، عندما ألحق المركز الوطني للاتصال والنشر بهيئة الدفاع عام 2015 ثم المديرية العامة للتحقيقات والأمن عام 2020، وترأسه آنذاك اللواء عبد الغني راشدي (من جنرالات العشرية السوداء أيضا). 

بعدها فقد المركز تدريجيا الكثير من بريقه وتأثيره، خاصة منذ أن بدأ "كمال سيدي سعيد"، وهو مدير الاتصالات لدى الرئيس عبد المجيد تبون، بلعب دورا أكبر في تخصيص المنح الإعلامية. 

أما الآن فأسندت السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام إلى المخابرات، تحت مسمى مركز العمليات الرئيس التابع للمديرية العامة للأمن الداخلي (ثكنة عنتر) ليكون في قبضة العقيد "طارق"، التابع للجنرال "ناصر الجن".

وفي 8 يونيو/ حزيران 2024، نشر موقع "le 360" الجزائري المعارض، تقريرا عن عودة نفوذ جنرالات الاستخبارات السابقين، وعملهم على تجريد الرئيس تبون من كل سلطة قبل ولايته الرئاسية الثانية، وكذلك السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة والإلكترونية. 

وذكر أن الضباط الذي شاركوا بجرائم العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي عادوا للواجهة السياسية والعسكرية في الجزائر، بعد تهميش دام خمس سنوات عقب حل دائرة الأمن والاستعلام عام 2015.

وكان آخر مستجدات هذه السيطرة تعيين الجنرال عبد القادر حداد، المعروف باسم ناصر الجن، على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي.

ووصف الموقع المعارض، "ناصر الجن" بأنه جلاد سيئ السمعة، ويلقب بالجن بسبب قسوته، لكنه الآن أصبح الرجل القوي داخل المديرية العامة للأمن الداخلي. 

فـ "ناصر الجن"، الذي تمت ترقيته إلى جنرال يوم 5 يوليو 2022، هو ضابط سابق بالمركز الرئيس العسكري للتحقيقات بالبليدة، التابع لمديرية الاستعلام والأمن.

بدأ نشاطه في أوائل التسعينيات قبل الانضمام إلى مجموعة التدخل الخاصة، وهي وحدة النخبة التي نفذت عمليات خاصة ضد الإسلاميين.

وبحسب "le 360" ينسب إليه أنه قتل مئات المعتقلين خلال العشرية السوداء بدم بارد، كما أنه أحد أكثر مجرمي الحرب دموية الذين ما زالوا طلقاء. 

وضع مزر 

سيطرة "ثكنة عنتر" والجنرال "ناصر الجن" على الإعلام والصحافة بهذه الطريقة تنذر بوضع مزر، خاصة أن الجزائر من الدول المتراجعة في هذا المجال. 

فبحسب تصنيف مؤسسة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة لعام 2024، احتلت الجزائر المرتبة 139 عالميا من بين 180 دولة، وتعد هذه المرتبة ضمن فئة "صعب". 

ورغم أن “مراسلون بلا حدود” لم تصدر إحصائية محددة لعدد الصحفيين المعتقلين في الجزائر في عام 2024.

لكن تقريرها السنوي عن حرية الصحافة في الجزائر يشير إلى أن هناك العديد من الصحفيين الذين يواجهون الملاحقة القضائية والاعتقال بسبب عملهم.

وكانت لجنة حماية الصحفيين (الدولية) قد أصدرت تقريرها في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وذكرت أن هناك 43 صحفيا معتقلون في الجزائر، وهذا يمثل رقما قياسيا على مستوى العالم.

ومن أشهر الصحفيين المعتقلين في الجزائر "خالد درارني"، وهو صحفي ومراسل لقناة "TV5 Monde" الفرنسية، ومؤسس موقع "Casbah Tribune".

وهو معتقل منذ 29 مارس 2020 وحكم عليه بالسجن بتهمة "التحريض على التجمهر" و"المساس بالوحدة الوطنية".

لكن الأصعب في قصة خالد هو اقتياده إلى "ثكنة عنتر" وهو ما أكده في شهادة أطلقها تحت عنوان "ثلاثون ساعة كافكاوية في عنتر"، في إشارة منه للكاتب التشيكي "فرانز كافكا" الذي عاش حياته معذبا فاقدا للأمل وأصبح رائدا للكتابة الكابوسية في العالم.

وقال درارني عبر حسابه بـ"فيسبوك" في 13 يونيو 2023 إنه "وضع في مكتب مغلق عند وصوله إلى (ثكنة عنتر)، بغرفة جلوس من جلد (وينشستر) وطاولة صغيرة وكرسيين وصناديق فارغة".

وأضاف: "خلال 30 ساعة من الحجز تحت النظر، تم استجوابي ثلاث مرات، مرتين من قبل ضابط شاب ومرة من قبل ضابط رفيع، ربما يكون عقيدا".

وتابع درارني: أن الأسئلة دارت حول لقائه بالصحفيين الفرنسيين الذين جاءوا إلى الجزائر لتغطية الانتخابات التشريعية، وعلاقته بـ "التنظيمات الإرهابية"، وعلاقته بهذه الأسماء "العربي زيتوت - عبدو سمار - أمير ديزاد". 

ودعا الصحفي الجزائري إلى وقف هذه الأساليب والممارسات، بشكل نهائي لأنها تتعارض مع جزائر الشهداء، وطالب بمنع اقتياد الصحفيين إلى "ثكنة عنتر". 

ومن الصحفيين المعتقلين أيضا وكانت بداية اعتقالهم من خلال "ثكنة عنتر" أو جهاز الاستخبارات الجزائرية، كل من سعيد بودور ونور الدين التونسي، وهما صحفيان من وهران، ومعتقلان منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2020 بتهم "إهانة هيئة نظامية".

ومع ذلك القمع المتصاعد تستعد المخابرات الجزائرية لإقامة "ثكنة عنتر" جديدة، من خلال تأسيس مركز عمليات رئيس جديد مشابه لذلك الذي تحتضنه ثكنة عنتر الشهيرة في بن عكنون.

وفي 24 سبتمبر 2022، ذكر موقع "المحرر" الجزائري، أن المشروع الجديد الذي هو في طور الإنجاز يتمثل في إنشاء مركز جديد في الجزائر العاصمة يعادل ثكنة عنتر لكنه سيكون متخصصا فقط في مكافحة الإرهاب. 

وسيخضع المركز المستقبلي لاختصاص مديرية التوثيق والأمن الخارجي (DDSE)، المخابرات الخارجية، التي يرأسها حاليا اللواء مهنى جبار (شارك في العشرية السوداء).

وهو أحد الجنرالات الأكثر نفوذا في المؤسسة العسكرية الجزائرية وواحد من رموز التسلسل الهرمي العسكري في التسعينيات التي شهدت الجزائر خلالها عشريتها السوداء المرعبة.