نعيم قاسم وكيلا لخامنئي.. ما دلالات التعيين بعد تراجع حزب الله؟

"اختيار قاسم في هذه المرحلة يأتي لتعزيز موقعه السياسي والديني"
تبرهن إيران من جديد بخطوات عملية على حجم نفوذها في لبنان، رغم التغيرات السياسية والعسكرية على صعيد النفوذ في هذا البلد.
وكانت آخر خطوة في هذا السياق، تأكيد تبعية "السلطة الدينية" لحزب الله، إلى إيران وأداء هذه الجماعة دور الوكيل لها في لبنان.
وعين المرشد العام الإيراني علي خامنئي، في 5 فبراير/شباط 2025 زعيم حزب الله الجديد نعيم قاسم وكيلا له في لبنان.
ونشرت وكالة تسنيم للأنباء نص رسالة التوكيل جاء فيها: "حجة الإسلام والمسلمين الشيخ نعيم قاسم وكيلنا في الأمور الحسبية (..) كما وكيلنا في منطقة لبنان في إدارة الأمور الدينية".

"وكيل الفقيه"
و"الأمور الحسبيّة" لدى الشيعة هي مصطلح فقهي ويقصد بها "الأمور التي عُلم بأن الله تعالى لا يرضى بفواتها إن تركت لحالها كالموقوفات العامة التي تحتاج إلى من يتولى أمرها ولم يُعيِّن لها الواقف متوليا خاصا، وكذلك أموال اليتامى والقاصرين الذين ليس لهم أولياء وما شابه ذلك".
وتوكل الأمور الحسبية "إلى فقيه جامع لشروط التقليد لهذه المهمة" والتي يدخل فيها كذلك "إدارة نظام البلاد، وتهيئة المعدات والاستعدادات للدفاع عنها".
أما ولاية الفقيه فهي تؤمن بأن الولي والممثل اليوم بعلي خامنئي ينوب عن “الإمام المهدي، الثاني عشر لدى المسلمين الشيعة الإثنى عشرية، وهو محمد بن الحسن بن علي المهدي ويعود نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وله الحق في التصرف في جميع أمور المسلمين”.
وأعلن حزب الله في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2024، تعيين قاسم (71 عاما) أمينا عاما خلفا لحسن نصر لله الذي اغتيل بضربة جوية إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر/أيلول من العام ذاته.
وكان نصر الله بدوره وكيلا لخامنئي في لبنان، وقد أكد حزب الله بعد مقتله أن قاسم سيعمل خلفا له على "تحقيق مبادئ الحزب وأهداف مسيرته، وإبقاء شعلة المقاومة وضَّاءة ورايتها مرفوعة حتى تحقيق الانتصار".
وولد نعيم قاسم عام 1953 في بلدة كفرفيلا جنوب لبنان من أسرة من الطائفة الشيعية، وأمضى معظم طفولته وشبابه في العاصمة بيروت، وتزوج فيها وله من الأبناء 4 ذكور و2 من الإناث.
وحصل قاسم على المراحل العليا من الدراسة الحوزوية على يد كبار العلماء في لبنان، وتزامنت دراسته الدينية مع الدراسة الأكاديمية، وذلك منذ التحاقه بالجامعة اللبنانية عام 1970، ونال قاسم الليسانس والكفاءة في الكيمياء باللغة الفرنسية من الجامعة اللبنانية - كلية التربية.
وقد أسهم في تأسيس "حزب الله" عام 1982، وشغل منصب نائب للأمين العام للحزب منذ 1991، كما يعد مسؤولا عن متابعة العمل النيابي والحكومي فيه.
وقاسم بالأساس أحد أبرز أسماء "شورى حزب الله"، وهي القيادة العليا وصاحبة القرار الأول والأخير فيه، ولم يغب عنها منذ تطبيق نظام الانتخاب في الحزب عام 1991.

"توقيت حساس"
ولطالما أكد حسن نصر الله في خطاباته على تبعية حزب الله الذي تشكل على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982، لولي الفقيه.
وبالنسبة إلى نصر الله، فإن بلده "جزء من الجمهورية الإسلامية في إيران"، وقد قال ذلك قبل عقود في معرض إجابته على سؤال متلفز كانت صيغته: “ما شكل النظام الذي يريده حزب الله في لبنان؟”
فأجاب قائلا: "مشروعنا الذي لا خيار لنا غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو دولة إسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه الإمام الخميني (المرشد الإيراني السابق)".
وسبق لحسن نصر الله أن قالها صراحة في 24 يونيو/ حزيران 2016، إن "موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".
وقد شكل تدخل حزب الله اللبناني بقوة إلى سوريا عام 2012، بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي مرسلا آلاف العناصر لمنع سقوط نظام بشار الأسد حينها، أحد أكثر الشواهد على تحكم طهران بقرار هذا الحزب.
وأمام ذلك، رأى بعض وسائل الإعلام اللبنانية، أن قرار تعيين قاسم ممثلا لخامنئي في لبنان، يأتي في وقت قد يعكس بقاء طبيعة العلاقة بين طهران وبيروت كما هي على الرغم من التراجع السياسي والعسكري للحزب في البلاد نتيجة المواجهة الثقيلة ضد إسرائيل.
ولذلك، فإن صفة الوكيل لخامنئي التي منحت لنعيم قاسم ترجع لدوره قبيل توليه منصب قيادة حزب الله، في الإسهام بشكل شخصي في الترويج "للثقافة الإيرانية" والتي تصل حد إلغاء خصوم الجماعة السياسيين في لبنان.
فذات يوم، خاطب قاسم في يناير/كانون الثاني 2021 اللبنانيين الرافضين لسلاح حزب الله قائلا: "أنتم لا تشبهون لبنان، نحن الذين نشبهه".
ورغم أن تلك الجملة تحمل كمية كبيرة من الإقصاء، وتأطير الانتماء للبنان بسياسات حزب الله، فإنها تعطي مؤشرا على مدى الارتباط بنظام الولي الفقيه الممثل بخامنئي، صاحب الكلمة الفصل في السياسات العليا لإيران.
وخامنئي هو "الولي الفقيه" وفق النظام الذي أرساه “الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
كما أن خامنئي هو القائم على تولية "فقيه، عادل متق، بصير بأمور العصر"، بحسب دستور البلاد.
ويمنحه الدستور “إدارة الشؤون الدينية والسياسية في غياب المهدي، الإمام الثاني عشر لدى الشيعة”.
ويتبع قسم من الشيعة في العالم ولاية الفقيه بإيران، بينما يتبع آخرون مراجع تقليد في النجف أو قم أو غيرها.
وجاء التعيين الرسمي لقاسم من قبل خامنئي في توقيت حساس لحزب الله، يسعى فيه راهنا إلى لملمة وضعه السياسي في لبنان والذي تراجع بعدما تلقى ضربة قاسية في مواجهة مع إسرائيل استمرت نحو عام.
كما جاء بعد تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس غير محسوب على الحزب، ما يعني فقدانه لنفوذه السياسي.
وقال الحزب: إنه فتح المواجهة "إسنادا لغزة". إلا أنه خرج منها ضعيفا لا سيما بعد مقتل كبار قادته من الصف الأول والثاني.
وتدرك إيران أن مقتل نصر الله شكل نهاية حقبة كان يتمتع بها الأخير بكاريزما شخصية كبيرة كقائد، وكان صانع القرار الأول في الحزب منذ توليه قيادته عام 1992، عدا عن المكانة التي بناها "في لبنان والمنطقة".
وحزب الله ليس كبقية القوى السياسية في لبنان، فقد كان يشكل دولة داخل الدولة اللبنانية، خاصة أنه يمتلك 100 ألف مقاتل.
ولهذا لا يمكن تجريد قرار تعيين نعيم قاسم وكيلا شرعيا لمرشد الثورة الإيرانية والمرجع الشيعي علي خامنئي في لبنان من الأثر السياسي.

"وجه شرعي"
فهذا المنصب شغله من قبل حسن نصر الله وما زال يشغله أيضا رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك.
إذ يتولى يزبك منصب ممثل المرشد الأعلى لإيران في منطقة سهل البقاع؛ وتوكل إليه مسؤولية توزيع المنح المالية التي خصصها الأخير للحزب اللبناني.
كما أن يزبك كان الممثل الخاص لحسن نصر الله، إضافة إلى أنه عضو المجلس الأعلى للحزب، فضلا عن كونه عضو مجلس الشورى الحصري (القيادة العليا).
وبحسب الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية قاسم قصير، "فإن الوكيل الشرعي للمرجعية يهتم بشكل عام بأمرين اثنين، الأول يرتبط بالمسائل الفقهية والإجابة عن تساؤلات الناس وتحديد المواقيت".
والأمر الثاني وفق قصير "يرتبط بالأمور المالية لناحية إعطاء الإذن بالصرف والتحصيل، خاصة فيما يخص زكاة الخمس وسهم الإمام فيها".
ووصف قصير لصحيفة "النهار" اللبنانية، اختيار نعيم قاسم وكيلا لخامنئي بأنه "بمثابة إعطاء وجه شرعي وفقهي للشيخ نعيم فيما لو أصدر أي قرار ديني أو فقهي لكونه يمثل المرجع".
ويضيف أن اختيار قاسم في هذه المرحلة يهدف إلى تعزيز موقعه السياسي والديني.
وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا القرار يجعل من قاسم مقبولا لدى جمهور حزب الله، يؤكد قصير أن "تعيينه وكيلا لخامنئي لا يفرض على الناس القبول، والقرار لا علاقة له بهذا الأمر، والشيخ نعيم لديه قبول داخل مجتمع الحزب بالأساس".
وقبل دخول حزب الله في معارك مع إسرائيل في أكتوبر 2023 كان قاسم يتخذ خطا "مدنيا وليس عسكريا".
وقد رسم صورة خاصة لشخصيته داخل حزب الله، تتمثل بالتزام مهمة التنظير لسياسات الحزب وتمرير رسائله على الصعيد المحلي والإقليمي.
فخلال مؤتمر "الثورة الإسلامية من منظور حزب الله بلبنان" الذي نظم ببيروت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال قاسم: إن "من يسعى إلى نزع سلاح المقاومة، يريد سلب كرامة الشعب اللبناني".
وخلال مقابلة مع قناة "الميادين" المدعومة من إيران في 25 أبريل/نيسان 2022، قال قاسم: "لدى البعض مشروع لضرب المقاومة في لبنان وعلى رأسها حزب الله، وأميركا لا تجد مشكلة لو جاع كل الشعب اللبناني من أجل تحقيق سياساتها لمصلحة إسرائيل".
وبشكل مستمر، كان يُدعى قاسم، ممثلا بحزب الله لحضور مناسبات في إيران، وإلقاء كلمة وعلى رأسها فيما يسمى "ذكرى انتصار الثورة الإسلامية"، أو حضور مراسم أداء الرؤساء الجدد القسم هناك.