العدوان على غزة.. كيف قلب موازين انتخابات بريطانيا ورجح كفة حزب العمال؟

إسماعيل يوسف | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

بات منصب رئيس الوزراء البريطاني من حزب المحافظين، ريشي سوناك، في خطر بعدما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية في 11 بلدية جرت فيها الانتخابات في 4 مايو/أيار 2024، فوز حزب العمال بـ8 بلديات و185 مقعدا.

فيما خسر المحافظون 468 مقعدا و8 مجالس بلديات على الأقل، وتعمقت أزمتهم مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

ودفعت هذه النتائج وهزيمة المحافظين، رئيس حزب العمال، كير ستارمر، للمطالبة بتبكير الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية 2024.

بركات الطوفان 

وتشير آخر استطلاعات الرأي الوطنية، إلى أن ستارمر يتجه نحو تحقيق النصر لحزب العمال في الانتخابات العامة المقبلة، وتولي رئاسة الوزراء بدلا من سوناك وفق شبكة "بي بي سي" في 4 مايو 2024.

النتائج كشفت أمرين مهمين، الأول أن استطلاعات الرأي التي توقعت هزيمة كارثية لحزب المحافظين "صحيحة"، وأنها بروفة حقيقية تمهد لمغادرة الحزب مقر "داونينج ستريت" (مقر الحكم) في الانتخابات العامة المقبلة، ودخول العمال له.

والثاني، أن "الصوت المسلم" لعب دورا مهما في فوز العمال و"إسقاط" المحافظين، رغم غضب أوساط إسلامية من دعم زعيم العمال للعدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وهو ما ظهر خصوصا في إعادة انتخاب عمدة لندن المسلم صادق خان، وفي حصول أحزاب أخرى ومستقلين على كثير من أصوات المسلمين الغاضبين من "العمال" و"المحافظين" معا، لدعمهما إبادة غزة.

ومع هذا كان صوت "المسلمين" أو "المستقلين" عموما قويا، ووجه تحذيرا واضحا لحزب العمال أنه لو استمر في دعمه الاحتلال، فسيخسر المزيد من أصوات المسلمين والعرب والبريطانيين الغاضبين على الإبادة الصهيونية في غزة.

ورأى محللون أن "الهزيمة الساحقة" لحزب المحافظين الحاكم، "من بركات طوفان الأقصى"، وعقاب الناخبين للحزب، بسبب وقوفه في خندق واحد مع إسرائيل ومد جيش الاحتلال بالسلاح وطائرات التجسس البريطانية على المقاومة.

وأظهرت النتائج، التي نشرتها صحف بريطانية في 4 مايو 2024 أن حزب المحافظين ورئيس الوزراء سوناك خسروا قرابة 500 مقعد من أصل 989 في 107 هيئات منتخبة.

وخسر المحافظون السيطرة على 10 مجالس محلية ليستقر رصيدهم عند 6 فقط.

في المقابل، انتزع حزب العمال السيطرة على 8 مجالس ليرفع رصيده من المجالس التي يسيطر عليها إلى 49 مجلساً.

وعلى صعيد المقاعد، رفع "العمال" حصتهم إلى 1140 بعد كسبهم نحو 185 مقعدا جديدا، بيد أن الأرقام الواردة أعلاه لا تعطي الصورة كاملة، بل تنقصها تفاصيل مهمة، أبرزها، لم يخسر المحافظون أمام حزب العمال فحسب، بل وأيضا أمام "الديمقراطيين الليبراليين".

فمن النتائج اللافتة أيضا أن بلديتين من الـ10 التي خسرها المحافظون من المجالس ومقاعدها، ذهبت لحزب "الديمقراطيين الأحرار" ليرفع رصيده من البلديات إلى 12 متجاوزا بذلك رصيد المحافظين الذي تجمد عند 6 بلديات فقط.

أيضا حاز "الديمقراطيين الأحرار" على 505 مقاعد بزيادة 102، ليتفوقوا على رصيد المحافظين.

أيضا فاز حزب "الخضر" البيئي، المحسوب على يسار العمال، بـ69 مقعدا جديدا رفع معها رصيده الإجمالي من المقاعد البلدية إلى 179، مع أنه أخفق في السيطرة على أي مجلس.

ولفت المرشحون المستقلون أيضا الأنظار بفوز بعضهم، خاصة بعد عزوف ناخبين عن اختيار حزب العمال بسبب موقفه الداعم لإسرائيل.

درس غزة 

تعزز المكاسب الكبيرة التي حققتها المعارضة العمالية فرص تولي زعيمها كير ستارمر رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها نهاية عام 2024.

لكن رغم هذا الاكتساح من جانب حزب العمال لحزب المحافظين في الانتخابات البلدية، وتوقع فوزه باكتساح مماثل في انتخابات البرلمان المقبلة، رصدت مراكز أبحاث خسارته قرابة 2 بالمئة من الأصوات التي كانت يأملها، ما يشير إلى "تصويت عقابي" من بعض الناخبين.

وأظهرت النتائج أن حزب العمال فاز بنسبة أصوات في حدود 35 بالمئة وهو رقم قليل نسبيا بالمقارنة بما يقال عن توقع اكتساحه بـ37 بالمئة في البلديات، و40 بالمئة في انتخابات البرلمان.

وهو ما سيجعل الحزب يفكر في عواقب دعمه العدوان الإسرائيلي، الذي أثار غضبا بين مسلمي بريطانيا ورافضي إبادة غزة.

وحرم تأييد حزب العمال المُطلق لسياسات إسرائيل، وبالذات مجازر غزة، من نسبة عالية من اصوات المسلمين والعرب واليسار وجعله يخسر نسبة من الأصوات، حسبما تقول صحف بريطانية.

وفي حال لم يقم بـ"ترميم" موقفه سريعا من غزة والعدوان الإسرائيلي فلن يحقق النسبة الكبيرة المتوقعة، وهو ما يفسر أن المستقلين ظهروا بقوة أكبر في انتخابات البلديات وقد يكون لهم صوت أقوى في البرلمانيات.

وقالت شبكة "بي بي سي" في 4 مايو إن "حزب العمال مني ببعض الخسائر الفادحة في الدوائر التي تضم عددا كبيرا من الناخبين المسلمين، في علامة على أن موقفه من حرب غزة يؤثر على تصويته في تلك المناطق". 

من جانبه، قال الصحفي المقيم في لندن، إياد أبو شقرا، إن حزب العمال تحت قيادته الحالية الداعمة لإسرائيل لم يربح بفضل شعبيتهم المتزايدة، بدليل تراجع حصتهم من الأصوات بقرابة 2 بالمئة، بل بسبب انهيار كتلة أصوات المحافظين المتراجعين بنسبة 11.2 بالمئة. 

وأشار إلى أنه "لو واصل العمال دعم إسرائيل سيهدد ذلك بالقضاء على صدقية الحزب في أوساط المسلمين والعرب واليسار، ما يعني تراجع النسبة المرتقبة في الانتخابات العامة".

#إنجلترا #بريطانيا #إسرائيل #انتخابات @aawsat_News 
قبل ان انهي مقالتي امس كانت النتيجة الوحيدة المعلقة والمتقاربة جداً في "برمنغهام الكبرى"، التجمع السكاني الضخم في وسط غرب انجلترا. 
المقعد كان يشغله عمدة من حزب المحافظين، لكنه خسره امام منافسه العمالي بفارق ضئيل جداً (٣٧،٨ %…

— إياد أبو شقرا (@eyad1949) May 5, 2024

وفي المملكة المتحدة، يقوم بتحديد موعد الانتخابات العامة رئيس الوزراء، وغالبا ما يتم ذلك في يناير، لكن سوناك قال مرارا إنه سيتم عقدها في النصف الثاني من عام 2024، أي يونيو/ حزيران، لكن محللين يرجحون تأجيلها حتى نهاية العام.

صادق خان

زاد من وطأة الهزيمة المدوية التي مني بها حزب المحافظين البريطاني في الانتخابات المحلية، فوز رئيس بلدية لندن المسلم من حزب العمال، صادق خان.

"خان" فاز بولاية ثالثة، متفوقا بفارق كبير على منافسته من حزب المحافظين سوزان هول، ليصبح أول رئيس بلدية مسلم لعاصمة غربية يحصل على ثلاث ولايات.

ورأى محللون أن لندن أظهرت بذلك "الصوت المسلم"، وأن تأثير الناخبين المسلمين يلقي بظلاله على بعض الدوائر الانتخابية.

وأوضحوا أن تحليل الأصوات في بعض المناطق التي تضم أعدادا كبيرة من السكان المسلمين، مثل بلاكبيرن وأولدهام في شمال غرب إنجلترا، أظهر أن مرشحي حزب العمال قد عانوا نتيجة لموقف قيادة الحزب المؤيد بقوة لإسرائيل في عدوان غزة.

وأن حصة حزب العمال من الأصوات تأثرت بشكل واضح، لكن التأثير على أدائه في الانتخابات العامة "لا يزال غير واضح".

وكان لافتا انخفاض حصة حزب العمال من الأصوات في المناطق التي يوجد بها عدد كبير من السكان المسلمين، حيث ذهبت أصواتهم لصالح المرشحين المستقلين الذين يتنافسون في تلك المناطق.

وزادت حصة حزب الخضر، الذي دعا إلى "وقف فوري لإطلاق النار" بعد أسبوع من بدء العدوان على غزة.

البرلمانية إيلي ريفز، نائبة منسق حملة حزب العمال، أشارت إلى أن حزبها “يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع الناخبين المسلمين، بعد رد فعلهم الغاضب من موقف الحزب من حرب غزة”.

وأكدت أن “موقف الحزب من الحرب أدى إلى تراجع تأييده في المناطق ذات الأغلبية المسلمة في الانتخابات المحلية، وأن أمام الحزب الكثير من العمل لإعادة بناء الثقة قبل الانتخابات العامة، أي مع المسلمين”.

وقالت ريفز: “أمامنا قدر كبير من العمل الذي يتعين علينا القيام به لإعادة بناء الثقة مع المجتمعات الإسلامية”.

من جهته، قال تيم شيبمان، أحد كبار أعضاء فريق "ستارمر" لمراسل صحيفة "الغارديان" في 4 مايو 2024: "لدينا بعض المشاكل، مثل فقدان الدعم بسبب غزة، لكنني أعتقد أننا سنتعامل مع ذلك". 

وفي 58 دائرة محلية حللتها "بي بي سي"، تُمثل نسبة المسلمين فيها أكثر من 1 من كل 5 أفراد، انخفضت حصة حزب العمال من الأصوات بنسبة 21 بالمئة عام 2024 مقارنة بعام 2021، ما يقرع “أجراس الخطر” لو لم يتم تدارك الغضب الإسلامي.

وربما يؤثر على الحزب أيضا تصاعد المظاهرات الطلابية في جامعات المملكة المتحدة للمطالبة بوقف العدوان على غزة.

حيث نصب عشرات المتظاهرين خيامًا خارج مباني الجامعات في مانشستر ونيوكاسل وليدز، بينما أنشأوا عدة معسكرات داخل ساحات الحرم الجامعي، مثل جامعة وارويك، وبرونزويك.

وقرر مسلمو بريطانيا مقاطعة وعقاب أحزاب دعمت عدوان إسرائيل على غزة، في الانتخابات العامة المقبلة، ودعم مستقلين.

وقررت حملة انتخابية إسلامية تُسمي "صوت المسلمين" أو "الصوت المسلم" تضم أغلب المنظمات الإسلامية، دعم المرشحين "المستقلين" لخوض الانتخابات العامة في بريطانيا، ما أثار قلق حزب العمال بشأن فقدان دعم المسلمين.

ويتوقع هزيمة كبيرة لحزب "المحافظين" بزعامة الهندي الأصل الداعم لإسرائيل سوناك، في انتخابات البرلمان وأن يفوز بـ126 مقعدا فقط، بعدما كان له 367 مقعدا في انتخابات 2019.

ويخشى كلا الحزبين من انصراف المسلمين والمعادين للعدوان على غزة عنهما في برلمانيات 2024، وخسارتهما المزيد من المقاعد لصالح المستقلين الذين يؤيدون حقوق مسلمي بريطانيا، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

وأواخر يناير/كانون الثاني 2024 أعرب حزب العمال عن مخاوفه من مجموعة شعبية تسمى “صوت المسلمين”، بدأت تدعو المسلمين لعدم انتخابات المنتمين لهذا الحزب.

وذلك بعدما دعم "العمال" الإبادة الإسرائيلية في غزة، وأن يختاروا بدلا منه مرشحين "مستقلين" في الانتخابات.

ونشأت "صوت المسلمين" في بريطانيا، على غرار عملية “الصوت الأسود” في أميركا، وهدفها هو زيادة نسبة المشاركة بين المسلمين البريطانيين في الانتخابات، لكن مع توجيههم لانتخاب من يهتم بمصالح المسلمين.

وتؤيد مجموعة "صوت المسلمين" كلا من "رابطة مسلمي بريطانيا"، و"المجلس الإسلامي في إسكتلندا"، و"مجلس مسلمي ويلز"، ومنظمة "مشاركة المسلمين في التنمية"، ومنظمات مجتمع مدني إسلامية أخرى.

وتقول المجموعة عبر موقعها على الإنترنت، إنها "ستُمكن البريطانيين من دعم مرشح مؤيد لفلسطين ومؤيد للسلام" في الانتخابات، ولن تدعم أي نائب رفض التصويت لوقف إطلاق النار في غزة في مجلس العموم.

The Labour Party leadership believes that they can pretend they have supported the Palestinians. 

Unfortunately for them we will remember how they behaved and we will not support any MP who failed to vote for a ceasefire#NoCeasefireNoVote https://t.co/UwNNjpm0ba

— The Muslim Vote (@themuslimvoteuk) January 31, 2024

وحين سألت قناة "إل بي سي" البريطانية في 11 أكتوبر 2023 زعيم حزب العمال ستارمر، عما إذا كان يرى أن "إسرائيل على حق في قطع المياه والكهرباء عن غزة"، قال: "أعتقد أن إسرائيل لديها هذا الحق"، ما أثار انتقادات شديدة ضده.

ومع أنه تراجع عن هذا الموقف في وقت لاحق، فقد أثار غضب العديد من نوابه ومؤيديه والمسلمين مرة أخرى عندما رفض دعم وقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

واستقال 23 عضوا مسلما من مجلس مستشاري حزب العمال بسبب موقف "ستارمر" من إسرائيل، ووقع 250 عضوا من المسلمين على رسالة تطالب الحزب بدعم وقف إطلاق النار في غزة، بحسب صحيفة "ستاندرد" في يناير 2024.