سمير جعجع.. رجل التقلبات في لبنان الذي يعادي بشار الأسد واللاجئين معا

15782 | منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

بشكل غير متوقع، بدل رئيس حزب "القوات اللبنانية" المسيحي، سمير جعجع، جلده وركب أعلى موجة تناهض اللاجئين السوريين في لبنان وتدعو لطردهم إلى بلدهم، دون الاكتراث بمصيرهم المجهول على يد أجهزة نظام بشار الأسد القمعية.

فطول السنوات الماضية كان جعجع (71 عاما) جزءا من النقاشات الحكومية لحل مسألة اللجوء السوري إلى الجارة لبنان، إلا أن خطابه كان "متزنا" نظرا لخصومته الكبيرة مع نظام الأسد. 

لكن مع اشتداد حملات التحريض والعنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان والمطالبة بترحيلهم إلى بلدهم الأم، وتعرضهم هذه المرة لاعتداءات غير مسبوقة رأى جعجع أن وجود هؤلاء بات "خطرا وجوديا".

تاريخ مليشياوي

وسمير جعجع هو أحد أبرز أمراء الحرب وزعماء الطوائف اللبنانية الذي ظهر اسمه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

وخلال مؤتمر بشأن "النزوح السوري" عقد ببيروت في 19 أبريل 2024، قال جعجع إن "مسألة لجوء السوريين في لبنان بالنسبة لنا هي خطر وجودي فعلي يهدد وطننا".

وأضاف: "لدينا 40 بالمئة من اللاجئين السوريين غير الشرعيين"، ويرى أنه في عام 2030 قد تصبح نسبة السوريين بلبنان 4 ملايين، وبالتالي قد "يصبح اللبناني لاجئا في بلده".

وراح يقول: "إنه حسب القانون الدولي، فإن جميع السوريين الموجودين في لبنان حاليا، باستثناء 300 ألف سوري ممن لديهم إقامة، وجودهم غير شرعي".

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة منذ توقف لبنان عن استقبالهم رسميا عام 2015 بعدما بدأ السوريون يفرون من بطش أجهزة نظام الأسد الأمنية عام 2011 إبان اندلاع الثورة.

و“جعجعة” رئيس حزب "القوات اللبنانية"، تجاه اللاجئين السوريين في هذا التوقيت في ظل تعثر الظروف الآمنة لعودتهم، تعد انقلابا في الموقف تجاههم، لا سيما أن جعجع استخدم خلال السنوات أزمة تهجيرهم من مدنهم ضمن خطاباته السياسية لمهاجمة خصمه “حزب الله” حليف نظام الأسد الأساسي وعده جزءا من المشكلة. 

وولد سمير جعجع في عام 1952، لأسرة مسيحية، بعين الرمانة وهي واحدة من ضواحي مدينة بيروت، وكان والده معاونا في الجيش.

درس جعجع الابتدائية والمتوسطة والثانوية في المدارس الرسمية في عين الرمانة، واختار دراسة الطب في جامعة بيروت الأميركية بعد حصوله على منحة جامعية من لجنة “جبران خليل جبران” المخصصة للطلاب المتفوقين.

وقبل تخرجه في كلية الطب بسنة واحدة، دخل المعترك العسكري إلى جانب صفوف  المليشيا المسيحية "الكتائب اللبنانية"، مع اشتداد الأعمال العسكرية في لبنان عام 1976.

وفي 1976 كان حزب الكتائب حليفا لنظام الأسد الأب (حافظ)، ثم ما لبث أن انقطع التحالف بينهما عندما وقفت سوريا إلى جانب الفلسطينيين، ودخل الحزب في حرب مع سوريا سنة 1977.

وحينما تحولت "الكتائب اللبنانية"، إلى اسم "القوات اللبنانية" تسلم رئاسة الأركان في التشكيل الأخيرة عام 1985.

نقطة مفصلية

وفي 15 يناير 1986، قاد جعجع حركة ضد الاتفاق الثلاثي الذي رعته سوريا، ثم تولى قيادة "القوات اللبنانية" خلفا لإيلي حبيقة أحد موقعي الاتفاق المذكور، والذي قتل في انفجار استهدف سيارته في بيروت عام 2002.

وسقط "الاتفاق الثلاثي" بين الفصائل اللبنانية الثلاثة المتناحرة، لإنهاء الحرب الأهلية، بعد عام على توقيعه بين كل من قائد "القوات اللبنانية" آنذاك ايلي حبيقة ورئيس حركة "أمل" نبيه بري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط برعاية من نظام الأسد الأب، بفعل انقلاب قاده سمير جعجع بالتحالف مع الرئيس أمين الجميل، على حبيقة بعد مواجهات دامية أدت إلى سقوط نحو 200 قتيل.

وكان جعجع ومسيحيون آخرون اعترضوا على الاتفاق المذكور لأنه سمح بوجود عسكري سوري لحفظ السلام في لبنان، ومنح الجيش السوري نفوذا قويا على الشؤون اللبنانية.

لكن وبعد سنوات، ولإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، انخرط جعجع في رهان السلم الأهلي وطي صفحة الحرب، فوافق على “اتفاق الطائف” الموقع عام 1989 والذي أنهى تلك الحرب وأقر تقسيمات السلطة بشكل طائفي، بحيث تكون رئاسة الدولة للمسيحيين، ورئاسة الحكومة للسنّة والبرلمان للشيعة.

وآنذاك قام جعجع بحل الجناح العسكري – الأمني للقوات اللبنانية لتتحول هذه الأخيرة إلى العمل السياسي.

وفي 24 يناير/ كانون الثاني 1990 عُيّن جعجع وزير دولة في حكومة الرئيس عمر كرامي، أول حكومة بعد نهاية الحرب، لكنه رفض المشاركة لاختلال التوازن في الحكومة بسبب هيمنة سلطة نظام الأسد عليها.

وفي 16 مايو 1992 عيّن وزيرا في حكومة الرئيس رشيد الصلح، لكنه استقال فور صدور مرسوم تأليف الحكومة للأسباب عينها، وعين بدلا منه روجيه ديب.

النقطة المفصلية في حياة جعجع، هو اعتقاله في أبريل 1994 بعد الهجوم على كنيسة "سيدة النجاة" في قضاء كسروان ومصرع عشرة أشخاص، كما اتهم أثناء المحاكمة بالضلوع في اغتيال رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" داني شمعون وعائلته واغتيال رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي.

وبعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واندلاع ما سميت بثورة الأرز وانسحاب الجيش السوري من لبنان، صوت البرلمان اللبناني في 18 يوليو/ تموز 2005 على إطلاق سراح جعجع حيث صدر قانون العفو عنه بغياب نواب "حزب الله" والحزب "القومي السوري" (الحليفان الرئيسان للنظام السوري في لبنان)، وأُفرج عن جعجع في 26 من الشهر ذاته.

وجعجع هو رئيس ثاني أكبر حزب مسيحي في البرلمان بعد التيار الوطني الحر الذي أنشأه الرئيس ميشال عون وهو سياسي متحالف مع حزب الله ووصل إلى الرئاسة في البلاد عام 2016.

تقلبات ومصالحات

كسر تراكم السنوات حالة الجمود بين جعجع وخصومه في لبنان، حيث فتح عهدا جديدا من المصالحات مع شخصيات تدين بالولاء لنظام الأسد الذي فرض وصاية وتبعية أمنية وسياسية على لبنان منذ 1976 إلى 2005.

ففي يناير 2016 أيد جعجع المرشح الرئاسي حينئذ ميشال عون متنازلا عن ترشيح نفسه للمنصب الذي يجب أن يشغله مسيحي ماروني وفقا لنظام تقاسم السلطة بين الطوائف في لبنان.

وكان جعجع وعون، خصمين كبيرين أثناء الحرب الأهلية ودارت بينهما معارك دموية، لكن رغم ذلك بقيا على خلاف سياسي منذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005.

ولإنهاء عداوة استمرت لما يزيد على أربعة عقود، تصافح في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 جعجع وسليمان فرنجية رئيس تيار المردة المسيحي، الخصمان المسيحيان أثناء الحرب الأهلية.

ويرجع العداء بين جعجع وفرنجية إلى الأيام الأولى من تلك الحرب حيث كان لكل من الحزبين فصيل مسلح، ودارت بينهما معارك.

قبل أن تتدخل قوى إقليمية في الحرب التي شملت قتالا بين الطوائف اللبنانية الرئيسة وفصائل متنافسة داخل تلك الطوائف.

وآنذاك جرت المصالحة بين السياسيين المسيحيين المارونيين في مقر البطريرك الماروني بشارة الراعي في قرية بكركي شمالي بيروت.

واتّهم جعجع بقيادة هجوم عام 1978 على منزل طوني فرنجية والد سليمان (حليف مقرب من الأسد) مما أسفر عن مقتله مع زوجته وابنته وآخرين.

وقال جعجع إنه أصيب قبل أن يصل إلى منزل فرنجية ولم يشارك بنفسه في الهجوم.

أيضا، خاض جعجع عدة معارك ضد النظام السوري في الحرب الأهلية اللبنانية، كما عُرف جعجع بنقده اللاذع للوجود السوري في لبنان، وأسس مع وليد جنبلاط وسعد الحريري "تحالف 14 آذار"، وهو من أكبر الداعين لتجريد حزب الله من سلاحه.

وحاز جعجع على تاريخ طويل من العداء لعائلة الأسد، إلى هذا اليوم، رغم انقلابه تجاه اللاجئين الذين يقر بأن آلة الأسد العسكرية هي من دفعتهم لترك بيوتهم والفرار من البطش الأمني.

وعلى مدى السنوات الماضية لم يفوت جعجع فرصة إلا ويهاجم الأسد، وينعته بأشنع الصفات لقتله السوريين وتهجيرهم. 

وغرد جعجع عبر حسابه على منصة "إكس" في أكتوبر 2015 قائلا: "ما يجرى في سوريا هو ثورة، ربما قد تكون ولدت الكثير من الأزمات ولكن فلنتذكر يوم 11 آذار 2011 فلنتذكر حمزة الخطيب، وما جرى في درعا، وإبراهيم القاشوش".

وتابع: "أنا شخصيا كنت أعتقد أنه بعد وفاة حافظ الأسد سينهار هذا النظام واستغربت استمراره 11 عاما".

كما وصف جعجع، الأسد بأنه مجرد "جثة" على رأس النظام في سوريا، وتوقع خلال لقاء عبر برنامج "وهلق شو" على قناة "الجديد" المحلية في 24 أبريل 2023 عدم حضور الأسد للقمة العربية في جدة.

إلا أن السعودية دعت الأسد في مايو 2023 وجلس على كرسي القمة العربية لأول مرة منذ اندلاع الثورة ضده في 2011، عقب تعليق مقعد سوريا وطرد النظام منها لقمعه السوريين بالحديد والنار.

كما استنكر جعجع نهاية فبراير 2023 زيارة وفد من البرلمانيين العرب إلى دمشق ولقاءهم الأسد.

 وقال في البيان إنه "من المخزي حقا أن نرى وفدا من البرلمانيين العرب يستفيد من مأساة الزلزال الذي حلّ بالشعب السوري لكي يقابل الأسد، وإذا كان الزلزال قد قتل في أسوأ الحالات 7 آلاف مواطن سوري، فإنّ نظام الأسد قتل مئات الآلاف".

وأضاف حينها "إذا كان عذر البعض أنه يجب إعادة سوريا إلى الحضن العربي، فسوريا الشعب كانت وستبقى دائما في الحضن العربي، بينما السلطة في دمشق وعلى رأسها بشار الأسد في الحضن الإيراني من دون رجعة".

ركوب الموجة

لكن على ما يبدو فإن ورقة اللاجئين السوريين في لبنان، تزداد سخونتها لأسباب مجهولة، لا سيما أن عددا من المناطق اللبنانية شهدت خلال أبريل 2024 نشر بعض المواطنين بلاغات صوتية في الأحياء التي يسكنها لاجئون سوريون تدعوهم لترك منازلهم ومغادرتها "فورا".

ويرجع البعض اشتعال هذه الموجة من جديد ضد اللاجئين السوريين عقب إعلان الجيش اللبناني في 9 أبريل أن "باسكال سليمان" المسؤول في حزب "القوات اللبنانية" المسيحي (مناهض لحزب الله والنظام السوري)، تم خطفه وقتله في لبنان ونُقِلت جثته إلى سوريا على "يد عصابة".

وبحسب الإعلام اللبناني فإن "العصابة" عبرت الحدود السورية برفقة جثة "سليمان"، وتوجهوا إلى قرية "أبو حوري" بمنطقة القصير السورية الخاضعة لسيطرة حزب الله، حيث ألقوا جثة القتيل ومنها توجهوا إلى جرماش بمنطقة زيتا السورية.

ولاحقا جرى تسليم جثة "سليمان" إلى بيروت من قبل سلطات النظام السوري، بينما قال الجيش اللبناني إنه قبض على عدد من السوريين المتورطين، وأفاد مصدر قضائي بأن "دافع الجريمة كان السرقة".

إن خلاف حزب الله و"القوات اللبنانية" يظهر جليا في رفض جعجع شخصيا، تولي رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية منصب رئاسة الجمهورية وهذا الأخير هو مرشح الثنائي الشيعي حركة "أمل" و"حزب الله". 

وفشل البرلمان منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، خلال 11 جلسة عقدها في انتخاب رئيس، وسط انقسام سياسي بين فريق مؤيد لحزب الله وآخر معارض له.

اللافت أن الثنائي الشيعي يتعامل مع ترشيح فرنجية على أنه الخيار الوحيد والأخير، لكن جعجع، قال خلال تصريحات صحفية في 8 مارس 2023، إن "حزب الله يخشى أي رئيس آخر غير فرنجية، لأن وضعه ضعيف لذلك لا يثق سوى بفرنجية".

كما قال جعجع في مناسبة أخرى، إن "هدف ما يجرى على حدودنا الجنوبية هو قول حزب الله ومن ورائه محور المقاومة وصولا إلى إيران إنهم موجودون في المعادلة كي يحفظوا لأنفسهم موقعا فيها لينالوا فيما بعد بعض المكاسب عندما يحين موعد التفاوض".

وكثيرا ما أكد جعجع الذي حقق حزبه مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية عام 2022، إنه سيستغل موقفه القوي للضغط من أجل وضع سلاح حزب الله المدعوم من إيران تحت سيطرة الحكومة.

وكان حزب الله الذي أنشأه الحرس الثوري الإيراني في ثمانينيات القرن العشرين، هو الجماعة اللبنانية الوحيدة التي احتفظت بسلاحها في نهاية الحرب لمقاتلة القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل جنوب لبنان.

ومنذ انسحاب إسرائيل عام 2000 كان سلاح حزب الله نقطة خلاف، فالجماعة التي تصنفها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية" أكثر قوة من الدولة، حيث تنامت عسكريا منذ زجها من قبل طهران للقتال إلى جانب قوات الأسد عام 2012 منعا لسقوط نظامه.

ولا يتوقف السجال بين جعجع وحزب الله إذا طالب الأول الحكومة عام 2014 بإلزام الحزب بالانسحاب من القتال في سوريا، فحينما دعا زعيم حزب الله حسن نصرالله في مايو 2023 الأحزاب اللبنانية إلى تطبيع واسع مع نظام الأسد لإعادة النازحين، رد عليه جعجع بالقول: ""لم تعد هناك حاجة لتسمية هؤلاء نازحين أو لاجئين، بل يجب أن نسميهم من الآن فصاعدا السوريين الموجودين في لبنان ويجب تطبيق القوانين المرعية عليهم".

 وأضاف جعجع لموقع "نداء الوطن" قائلا: "هناك مناطق في سوريا يقطنها نحو 3 ملايين ونصف مليون مواطن سوري في شمال البلاد وشرقها غير خاضعة للنظام بحيث يمكن للسوريين المعارضين الانتقال إليها".

واستدرك قائلا: "لقد تغيّرت الظروف، والقاصي والداني يعرف أن الأسد لا يريد عودة السوريين من لبنان الى ديارهم لأمور إستراتيجية وديمغرافية وسياسية، إنه لا يريد أيضا، عودة السوريين من الأردن وتركيا. فرغم أن الأردن لم يقطع نهائيا مع نظام الأسد، ولعب دورا أساسيا في إعادته إلى الجامعة العربية، فإن أي لاجئ سوري في الأردن لم يعد إلى وطنه".