دبلوماسي عراقي: إيران وراء التهدئة الراهنة مع أميركا وإخراج قواتها مستبعد (خاص)

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

كشف الدبلوماسي العراقي غازي فيصل السكوتي، أن فليق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ألزم المليشيات الموالية له في العراق، بخيار التهدئة مع الولايات المتحدة الأميركية.

وأوضح السكوتي في حوار مع "الاستقلال" أن "سياسة التهدئة هذه، تعبّر عن قلق طهران من التصعيد وإجبارها لاحقا على توسيع العمليات العسكرية في العراق وسوريا كما في لبنان واليمن، وبالتالي يشكّل خطرا كبيرا يهدد قدرة إيران على تحقيق النجاح في هذه المواجهة".

ولم يستبعد أن تستهدف الولايات المتحدة قيادات الصف الأول في المليشيات العراقية إذا أقدمت الأخيرة على مواصلة الهجمات ضد قواعد وجنود الجيش الأميركي بالعراق وسوريا، خصوصا أنها سبق أن نفذت عمليات طالت عددا من قادة هذه الفصائل في بغداد.

ولفت السكوتي، وهو رئيس "المركز العراقي" للدراسات الإستراتيجية، إلى أن الكتل السياسية البرلمانية غير متفقة على خروج القوات الأميركية من البلاد، وهذا يشمل جميع المكونات في البلاد، إضافة إلى أن الموضوع يتطلب تشريع قانون برلماني، وهذا الأمر يستحيل في ظل الظروف الداخلية الراهنة.

وأكد الدبلوماسي العراقي السابق أن الانتخابات المحلية الأخيرة غيّرت من خارطة القوى في البلاد، ولا سيما في الإطار التنسيقي الشيعي، وذلك بعد خروج محافظات عدة في وسط وجنوب العراق عن سيطرتها، وذهاب مناصب المحافظين فيها إلى شخصيات أخرى.

وغازي فيصل حسين السكوتي، مفكر سياسي عراقي، حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة باريس عام 1985، وعمل سفيرا للعراق في فرنسا والفلبين من 1998 إلى 2003، وهو حاليا رئيس "المركز العراقي" للدراسات الإستراتيجية. 

الوجود الأميركي

في ظل الضربات المتبادلة بين القوات الأميركية والمليشيات المرتبطة بإيران في العراق.. برأيكم إلى أين يمضي التصعيد؟

اجتماع قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، بقيادات من الفصائل العراقية، ألزم الأخيرة بالتهدئة وعدم شن هجمات على القواعد والجنود الأميركيين سواء في العراق أو سوريا.

سياسة التهدئة هذه، تعبر عن قلق طهران من التصعيد وإجبارها لاحقا على توسيع العمليات العسكرية في العراق وسوريا كما في لبنان واليمن، وبالتالي يشكّل خطرا كبيرا يهدد قدرة إيران على تحقيق النجاح في هذه المواجهة.

إيران لديها إمكانيات صاروخية وطائرات مسيرة وغيرها، لكن في المقابل هناك قدرات الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، هي أكبر بكثير من قدرات إيران العسكرية، لذلك تذهب الأخيرة للتهدئة.

لكن مع هذه التهدئة، هناك تصعيد خطير في جنوب لبنان مع إسرائيل، وجرى قصف مدينة صيدا، وخسائر لبنان وصلت إلى ملياري دولار حتى اللحظة، إيران لا تزال تشعل الحروب لكنها لا تستطيع حسمها لصالح إستراتيجيتها التوسعية في الشرق الأوسط.

هل بالإمكان أن تتطور الضربات الأميركية لتشمل قيادات الصف الأول في المليشيات الموالية لإيران بالعراق؟

وارد جدا أن تطال هجمات واشنطن قادة الخط الأول للفصائل العراقية، وهناك تصريحات من البنتاغون والقيادة المركزية الأميركية الوسطى، تؤكد أنها ستذهب إلى الاستمرار في توجيه الضربات إلى قواعد ومقرات هذه الفصائل إذا استهدفت أو هددت الجيش الأميركي في المنطقة.

الولايات المتحدة قد تذهب إلى اغتيال وتصفية قيادات الفصائل على غرار ما حصل في بغداد قبل مدة، من استهداف لقادة في "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء"، وتدمير بعض مخازن الأسلحة الإستراتيجية في مدن مختلفة من العراق، والذي أوقع أكثر من 20 قتيلا في صفوفهم.

كيف تقرأ إخفاق البرلمان في تشريع قانون لإخراج القوات الأميركية من العراق.. هل غياب نواب "الإطار" يُعد تراجعا في المواقف؟

البرلمان العراقي لا يمتلك القدرة على تحقيق توافق في المواقف السياسية الإستراتيجية، فهناك عدد من التنظيمات الشيعية المرتبطة بالإطار التنسيقي لا يتجاوز عددهم المئة قام بتقديم طلب لإصدار قانون ينهي الوجود الأميركي في العراق.

لكن لم يحضر إلى الجلسة هذه من الإطار التنسيقي سوى 72 عضوا في البرلمان، وتخلّف الآخرون الذين يصل عددهم إلى 182 نائبا شيعيا، وكذلك غاب السُنة والأكراد، وهما لديهما وجهات نظر أخرى بخصوص إخراج القوات الأميركية.

يرى السُنة والأكراد وبعض الأطراف الشيعية أنه من المبكر الحديث عن إخراج القوات الأميركية، بل على العكس يجدون أن هناك فرصا جدية للتعاون بين الولايات المتحدة والعراق على الصعيد العسكري ضمن اتفاقية "الإطار الإستراتيجي" الموقّعة بين البلدين عام 2008.

وبالتالي هذه الاتفاقية التي أقرّها البرلمان العراقي، لا يمكن إلغاؤها اليوم إلا بقانون يتطلب موافقة أغلبية الثلثين لمجموع النواب البالغ عددهم 329 نائبا، وهذا الأمر مستحيل في ظل الأجواء والتناقضات السياسية بين الأحزاب والتحالفات في البرلمان.

في الآونة الأخيرة شهدنا عقوبات متتالية أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية ضد مصارف عراقية.. هل تحمل بعدا سياسيا؟

من الطبيعي أن تصدر مثل هذه العقوبات من وزارة الخزانة الأميركية ضد مصارف عراقية، لأن هذه المصارف عليها معلومات خطيرة تتعلق بالحوالات السوداء وتبييض أموال الفساد المالي في البلاد.

أيضا هذه المصارف البعض منها أسستها إيران أو ملحقة بالمصالح الإيرانية، سواء في العراق أو مع طهران كقاعدة من قواعد الاقتصاد الموازي والتجارة الموازية التي هي غير شرعية وتخالف القوانين الدولية.

وكذلك هي عليها اتهامات بتهريب أموال مافيات الجريمة المنظمة وما يتعلق بتجارة المخدرات والنفط الذي يسرق بشكل مستمر ويتجاوز 300 ألف برميل يوميا، وتهريب الآثار، والاتجار بالبشر، وكل هذه تشكل كوارث على صعيد المجتمع العراقي.

هذه المافيات تصب في مصالح تنظيمات إجرامية من جهة، والبعض الآخر منها يطبق أجندات إيرانية تخدم اقتصاد إيران الذي يشهد وضعا خطيرا بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد.

التغوّل الإيراني

هل مازالت إيران صاحبة النفوذ الأكبر في العراق وتدير التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق وتتحكم بالقرار السياسي فيه؟

نعم بالتأكيد، وهذه من الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بالانفتاح على إيران وتوقيع الاتفاق النووي معها عام 2015، وفتح الأبواب أمام المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية الإيرانية للهيمنة على العراق.

إيران تحتكر تصدير الطاقة الكهربائية والغاز إلى العراق، وحوّلت طهران هذا البلد إلى سوق لسلعها التجارية المصنّعة محليا، وكل هذا يتسبب بنتائج كارثية على الاقتصاد العراقي.

النفوذ الإيراني هذا، يعترف به الجنرال قاآني قبل أشهر عدة خلال تصريحه لصحيفة إيرانية بأن نفوذ بلاده أصبح واسعا في العراق على مختلف المستويات، العسكرية الاقتصادية السياسية الأمنية الاجتماعية الثقافية.

إيران حققت انتصارا بنفوذها في العراق، وذلك في ظل غياب إستراتيجية وطنية عراقية، وإستراتيجية أميركية، وأخرى من حلفاء العراق من أجل ضمان استقلال العراق عن إيران وغيرها من دول الجوار.

كيف تقرأ مواقف الحكومة العراقية تجاه القصف الإيراني الأخير على إقليم كردستان وتقديم شكوى لمجلس الأمن.. هل يعد تطورا نوعيا؟

الموقف العراقي وصف قصف إيران على أربيل وعموم أراضي إقليم كردستان بالصواريخ والمدافع بأنه "عدوان" على العراق، كون البعض منه طال مخيمات اللاجئين الأكراد الإيرانيين بحجة أنهم يهرّبون الأسلحة ويهددون الأمن القومي الإيراني، بالتالي تدافع إيران على أمنها القومي.

في السابق كان هناك صمت من الأحزاب السياسية العراقية، خصوصا الشيعة منها على الهجمات الإيرانية، لكن العراق اليوم ينفي ما تدّعيه إيران من وجود مقرات للموساد الإسرائيلي أو مقاومة كردية إيرانية في إقليم كردستان.

هناك انتقادات كبيرة من الحكومة العراقية اليوم ضد القصف الإيراني، ولم تلزم الصمت كما كان يحصل في السابق، ووصفتها بالعدوان على العراق، وهذا ورد في تصريح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ثم جرى تحريك شكوى إلى مجلس الأمن بهذا الخصوص.  

على المستوى الاقتصادي.. هل تتمكن الحكومة العراقية من وقف التهريب وتدفق الدولار إلى إيران؟

لا تستطيع الحكومة العراقية في ظل القدرات المحدودة -مع تطورها بشكل مستمر- مواجهة التهريب والتجارة الموازية غير الشرعية، والتي تُعد واحدة من الجرائم المنظمة التي يدينها القانون الدولي.

السبب يعود إلى أن هناك مصالح كبرى لمافيات ترتبط بأحزاب وقيادات في العراق وإيران، وبالتالي يصعب وضع حد للجرائم المنظمة من تهريب الأموال والسلع والأسلحة وغيرها من التفاصيل الخطيرة.

يجب عقد اتفاقية تلتزم بها إيران لمنع تجارة الحدود والسيطرة على المنافذ الحدودية، ولا سيما تجارة المخدرات والأدوية والسلع الفاسدة، وهنا أيضا تحتاج السلطات العراقية إلى تطوير قدراتها في الرقابة على الحدود بين البلدين باستخدام الطائرات المسيرة.

الأمر أيضا يتطلب جهودا من السلطات الإيرانية للتنسيق مع العراق في مجال ضبط أمن الحدود، وبخلاف ذلك ستستمر هذه المشكلات الكبرى التي تستنزف مليارات الدولارات من القدرات الاقتصادية العراقية.

الواقع الانتخابي

هل أفرزت الانتخابات المحلية خارطة سياسية جديدة يبنى عليها في الانتخابات البرلمانية.. بعد خروج محافظات مهمة من قبضة "الإطار التنسيقي"؟

بالتأكيد انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) أفرزت خرائط سياسية مختلفة، تجاوزت توقعات بعض الأحزاب الكبيرة في "الإطار التنسيقي" التي أرادت أن تهيمن على المشهد في محافظات الوسط والجنوب بشكل خاص.

لكن كل الصفقات والتسويات التي عقدت جرى تقويضها خصوصا في محافظات (واسط وبابل والبصرة)، وبالتالي نتائج الانتخابات كانت خلافا للاتفاقات، لكن في العموم هي لم تخرج عن الكتل والأحزاب النافذة في العملية السياسية على صعيد البرلمان.

القوى السياسية الحالية لم تحظ بشرعية شعبية مرتفعة لكون 17 بالمئة من الشعب العراقي هم من شارك في الانتخابات المحلية، واعتكف نحو 83 بالمئة من عن التصويت، وهذا يعبّر عن غضب غالبية الشعب على نتائج العملية السياسية في البلد منذ عام 2003.  

كيف تقرأ تأثير غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي عقب انسحابه بعد انتخابات برلمان 2021؟

بالتأكيد غياب التيار الصدري شكل انعكاسا سلبيا على التوازن الذي كان سائدا قبل انسحابه من العملية السياسية، كونه يلعب دورا مهما كقوة معارضة داخل البرلمان ومعارضة للإطار التنسيقي.

التيار الصدري قوة معارضة ومحرّضة للتغيير والإصلاح الجذري وكان يطالب بإنهاء المحاصصة الطائفية، وتصفية طبقة الفساد من السياسيين التي كوّنت لها صناديق اقتصادية في الوزارات من خلال الاستحواذ على الأموال والعمولات والتي تذهب إلى الأحزاب المهيمنة على هذه الوزارات.

اليوم هناك أكثر من 50 ألف مصنع معطّل في العراق وفقا لتقارير البنك الدولي، وأيضا الزراعة مهمّشة ويستورد البلد أكثر من 92 بالمئة من غذائه من دول الجوار وخصوصا إيران وتركيا.

يحاول رئيس الوزراء إعادة بناء القاعدة الاقتصادية للخدمات وإحياء الزراعة والصناعة في العراق، لكن ما زال أمام البلد مشكلات وتحديات كبيرة، يتطلب تجاوزها من أجل تحقيق إستراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

المشهد السياسي

تأخر تسمية رئيس جديد للبرلمان، هل تقف وراءه إرادة سياسية لإبقاء المنصب بحوزة المكون الشيعي؟

حصلت جلسة رسمية شرعية وكان هناك عدد من المرشحين لرئاسة البرلمان ضمن المواصفات والشروط المطلوبة على صعيد اللائحة الداخلية للبرلمان والدستور، لكن حصل أشبه بالانقلاب لإزاحة المرشح شعلان الكريم، وتحوّل الموضوع إلى المحكمة الاتحادية في نهاية فبراير/ شباط 2024.

في حال أقرت المحكمة الاتحادية الجلسة التي عقدت شرعية دستورية بالتالي سنذهب إلى إكمال الجلسة السابقة بنفس المرشحين، وإذا عدتها غير شرعية، فبالتأكيد سيكون البرلمان ملزما بعقد جلسة جديدة واختيار مرشحين جدد للتنافس على المنصب.

كيف تنظر إلى واقع حقوق الإنسان في العراق، لا سيما ما يتعلق بملف المعتقلين وقضية النازحين والمخفيين قسريا؟

واقع حقوق الإنسان في العراق كارثي، فهناك فهم خاطئ للديمقراطية، التي هي لا تقتصر على حرية الرأي في صندوق الاقتراع أو بالكلام وكتابة المقالات، وإنما هذا جزء يسير من الديمقراطية.

لذلك، فإن الديمقراطية تنقسم إلى ثلاثة، أولها ديمقراطية سياسية، وتشمل التعددية السياسية والاجتماعية والثقافية، ودولة المؤسسات والفصل بين السلطات، حصرية الفكر، لكن اليوم هناك قيود وحدود.

أكثر من 4 ملايين إنسان في العراق يعيشون بالمدن العشوائية، وأكثر من 6 ملايين يتيم بسبب الحروب، و2 مليون أرملة، كل هذه كوارث بالنسبة لحقوق الإنسان.

هناك 12 مليون إنسان تحت خط الفقر، وهذا يعكس انعدام التوزيع العادل للثروات الذي ورد في الدستور، لكننا اليوم نلاحظ أن الثروات تذهب إلى طبقة أوليغارشية (رجال السلطة) متنفذة سياسية وتتحكم بهذا المال، وهناك 16 مليون شاب تخرج من الجامعة عاطل عن العمل، وهذه كارثة كبرى.

أيضا الفساد المالي يشكل انتهاكا لحقوق  الإنسان، فهناك تبديد للمال العام، وعدم مسؤولية في إنفاقه نحو المشاريع والتنمية، إذ جرى تبديد أكثر نحو 700 مليار دولار في حقبة ما قبل عام 2014، وهذه كان تكفي لبناء عراق جديد سكانه 32 مليون نسمة في حينها، حسبما أعلن محافظ البنك المركزي العراقي الأسبق، سنان الشبيبي.

اليوم العراق تنتشر فيه الجريمة المنظمة والفساد المالي والسياسي الخطير، إضافة إلى البنية التحتية المدمّرة، وتهميش الصناعة والزراعة، واستمرار مشكلة تردي الطاقة الكهربائية، لا يمكن الحديث عن ازدهار حقوق الإنسان والديمقراطية في البلد.

القوانين لا تجيز الخطف والتغييب، لكننا اليوم نلاحظ وجود أكثر من 12 ألفا من الشباب بعد الحرب ضد تنظيم الدولة، هم مغيبون في السجون والمعتقلات السرية، وتعرضوا للتعذيب والإعدامات خارج إطار المحاكم، كما تشير منظمة "هيومن رايتس ووتش".

يوجد في السجون أكثر من 8 آلاف امرأة من مناطق غرب العراق جرى اعتقالهن عام 2014 ولا يعلم الأهالي مصيرهن، من الممكن أن يكون قد أفرج عن بعضهن لكن لا تزال القضية خطيرة ومعلقة.

هناك أيضا من حوكموا في ظل غياب قواعد محاكمة عادلة، بمعنى وجود محامٍ وحق الدفاع عن النفس، ووجود تحقيق ضمن الضوابط القانونية للعدالة في العراق، والمنظمات الدولية تتحدث عن أحكام بالإعدام بحق أشخاص أخذت اعترافاتهم تحت التعذيب.

لدينا ملاحظات كثيرة على واقع حقوق الإنسان في العراق، على مختلف الصعد، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ورغم أن الدستور في البلاد ديمقراطي، لكن النظام غير مؤهل لتطبيق القواعد والمبادئ الدستورية.