صفقة ضخمة لتحلية مياه البحر تفوز بها شركات أخنوش.. فضيحة تهز المغرب

بعد احتكاره المواد البترولية والغاز والأكسجين الطبي، استحوذ عزيز أخنوش رئيس الحكومة والمالك لمجموعة "أكوا" المغربية القابضة على صفقة ضخمة لتحلية مياه البحر ليبسط نفوذه الاستثمارية برا، وبحرا، وجوا.
وكشفت عدة مواقع محلية عن حصول تحالف مكون من شركتين مملوكتين لرئيس الحكومة عزيز أخنوش (إفريقيا غاز وغرين أوف أفريكا)، والشركة الإسبانية "أكسيونا"، على صفقة إنشاء محطة الدار البيضاء الكبرى لتحلية مياه البحر، بقيمة تناهز 1,5 مليار دولار، أي 15 مليار درهم.
غول مفترس
هذا الإعلان جدد النقاش حول تلبس الحكومة ورئيسها بتضارب المصالح، على اعتبار أن الأمر يتعلق بصفقة أطلقها قطاع حكومي يخضع لإشراف رئيس الحكومة (وزارة التجهيز والماء)، في وقت يفترض أن يلتزم الرجل بأقصى درجات الابتعاد عن الشبهات.
رئيس الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية (معارضة) عبد الله بووانو، رأى في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أن "تنازع المصالح يزحف على الماء بعد المحروقات والغاز والأكسجين الطبي.. ويهدد الأخضر واليابس".
وتساءل بووانو، في تدوينة عبر فيسبوك: كيف يمكن لمجموعة يملكها رئيس الحكومة أن تتنافس بطريقة حرة وشريفة وتنال بطريقة لا شبهة ولا لبس فيها هذه الصفقة الضخمة، في مجال حيوي وإستراتيجي الذي هو الماء؟
وأوضح رئيس الكتلة النيابية للعدالة والتنمية، أن هذه الصفقة الضخمة، هي عمومية ممولة بالأموال العمومية، وتتبع تفاصيلها المديرية العامة لهندسة المياه بوزارة التجهيز والماء.
وقال: "نحن أمام فضيحة سياسية وأمام تطور خطير في مجال المال والأعمال ببلدنا، تتعلق بتنازع صارخ للمصالح".
وأردف أن شركتين من الشركات الثلاث التي رست عليها الصفقة، مملوكتان لرئيس الحكومة ورئيس وزير التجهيز الوصي والمتابع لمختلف العمليات المرتبطة بهذه الصفقة، بل إن المجموعة الاقتصادية لرئيس الحكومة مساهمة في الشركة الثالثة.
وأكد أن رئيس الحكومة يوجد في وضعية مخالفة وتنازع المصالح، استنادا إلى الفصل 36 من الدستور، الذي يمنع صراحة تحت طائلة العقاب تنازع المصالح، واستنادا كذلك للقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
وزاد بووانو أنه في بعض التشريعات الدولية، فإن تنازع المصالح، يقع مرادفا للفساد، حيث إن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، رأت أن مضمون الفساد يتحقق بتضارب المصالح، وأوصت بسن تشريعات لمنعه، والمغرب صادق على هذه الاتفاقية منذ سنة 2007، ويستعرض سنويا جهوده في مجال تنفيذها.
وتساءل: "ماذا بقي بعد المحروقات السائلة التي يقع فيها رئيس الحكومة منذ 2021، بعد أن كان وزيرا للفلاحة منذ 2007، في الوضع المهيمن على السوق، حيث يبيع بالأسعار التي يحددها ويريدها؟".
وتابع بووانو "وماذا بعد الغاز الذي تقع فيه شركة رئيس الحكومة في وضعية شبه احتكارية؟ وماذا بعد الأوكسجين الطبي؟ إنه الماء يدخل مجال نفوذ رئيس الحكومة!".
وخلص إلى أن هذا "تأميم للسياسة عبر احتكار قطاعات ومجالات حيوية بالأموال العمومية وبمئات ملايير الدراهم المخصصة لها سواء عبر الصفقات العمومية أو عبر صندوق المقاصة".
وأردف: "المحروقات، الغاز، الأوكسجين، الماء، كل هذا الخليط مع السياسة...استفيقوا يرحمكم الله .. وأنقذوا صورة دولة الحق والقانون وأرجعوا الهيبة للدستور قبل أن يتحول زواج المال بالسياسة إلى غول يلتهم الأخضر واليابس !!!".
تضارب مصالح
من جهته، قال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، في 20 نوفمبر، إنه يصعب أن تتحقق المصداقية والشفافية في مثل هذه الصفقات، لأن هناك تضاربا للمصالح بين أخنوش رئيس الحكومة، وأخنوش رجل الأعمال.
وأكد في تصريح لموقع حزب العدالة والتنمية المحلي، أنه لا يمكن أن يكون مسؤول في السلطة وفي آن واحد عنده مصالح خاصة تديرها تلك السلطة نفسها، مقدرا أن اختيار هذا الشخص منذ البداية كرئيس للحكومة كان سيئا، لوجوده في حالة تضارب للمصالح.
وتساءل الكتاني: ما الذي سيضمن لنا بأن الصفقة لما فتحت، لم يطلع المعني بالأمر على الأسعار التي أعطتها الشركات الأخرى؟ ثم ما هي الضمانة كونه لا يعرف الأسعار التنافسية ليفوز بهذه الصفقة؟
وتأسف لكون الصفقات العمومية اليوم بالبلاد يفوز بها مسؤولون في الدولة، محذرا مما قد تؤول إليه الأمور بعد هذه الممارسات التي تضرب عرض الحائط مصداقية وشفافية الصفقات العمومية.
ورأى أن هذه الممارسات تطرح مشكلة أخلاقية في السياسة العامة للدولة، متسائلا: "ألم يعد هناك مرجع أخلاقي في التعامل مع المصالح العمومية ومع الصفقات العمومية، في الوقت الذي يجب فيه أن يمر هذا الأمر إلى المساءلة".
ورأى أن هذه الممارسات نتيجة لسكوت المغاربة والرأي العام المغربي عن زواج المال بالسلطة، مضيفا أن ردود الفعل أمام هذا الوضع ضعيفة لأن المسؤولية ليست ملقاة على الدولة وحدها، وإنما أيضا على المجتمع.
وانتقد الكتاني، غياب التصور الحضاري عند هذه الحكومة، قائلا: "هؤلاء ناس تجار يريدون الاستمرار في التجارة، وليس عندهم فكرة أن المغرب يتأثر بسلوكياتهم السلبية ويخاطر بمستقبله المستقل الاقتصادي والاجتماعي وبقراره الاقتصادي وبالسياسة الاقتصادية التي يمكن أن يختارها".
أما مدير موقع "بديل" المحلي حميد المهدوي، فعد فوز عزيز أخنوش رئيس الحكومة بصفقة تحلية مياه البحر "فضيحة الفضائح والتي ما بعدها فضيحة".
وأضاف المهدوي، في برنامج "أسبوع في حلقة" في 20 نوفمبر 2023، أن أخنوش هو الممثل القانوني للدولة المغربية ويرأس الإدارة المغربية، متسائلا: هل يمكن لشخص بهذه المكانة أن يدخل مجال التجارة والاستثمار ليتنافس مع باقي الناس؟
ورأى المهدوي، أن الإعلان عن فوز أخنوش بهذه الصفقة الضخمة، "خبر مؤلم جدا ووجه الألم الفظيع هو أنه لم يأخذ حقه من النقاش العمومي".
وأكد أن فوز شركات عزيز أخنوش رئيس الحكومة بصفقة تحلية مياه البحر مخالفة صريحة القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة خاصة المادة 33 منه.
وتنص المادة 33 على أنه "يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا، طوال مدة مزاولة مهامهم، عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص.
ولا سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة".
وخلص المهدوي، إلى أن حصول أخنوش على هذه الصفقة بهذا الرقم المالي الكبير مما يزيد في مراكمة ثروته أمر غير منطقي، مضيفا أن هناك تناقضا بين أن تكون رئيسا للحكومة وتستفيد من صفقات استثمارية.
جدل بالبرلمان
فوز شركات رئيس الحكومة بهذه الصفقة الضخمة وصل صداه لقبة البرلمان وأثار جدلا بين المعارضة والكتلة النيابية لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يترأسه عزيز أخنوش.
وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قالت عضو الكتلة النيابية للعدالة والتنمية ثورية عفيف، إنه من الجيد تعبئة موارد جديدة للماء الشروب والمياه المستعملة في الفلاحة.
واستدركت عفيف، في كلمتها خلال جلسة الأسئلة الشفهية لمجلس النواب، "لكن نيل شركة رئيس الحكومة صفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، يعد تضاربا للمصالح وضربا للحكامة".
وفي المقابل، دافع عضو الكتلة النيابية للتجمع الوطني للأحرار لحسن السعدي، على حصول شركات رئيس الحكومة، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، على صفقة بناء وصيانة أكبر محطات تحلية مياه البحر بالمغرب.
وقال السعدي، إن "قدرنا وقدر هذه الحكومة أن تواجه الجفاف، وأن تواجه فشل الحكومات السابقة"، مضيفا أنه مباشرة بعد توليه المسؤولية باشر أخنوش مسطرة الانسحاب الفوري من جميع مناصبه في الهولدينغ العائلي.
ورأى عضو الكتلة النيابية لحزب رئيس الحكومة، أنه "من الغريب أن نأتي داخل قبة البرلمان ونردد كلاما غير مسؤول (في إشارة إلى اتهام أخنوش بتضارب المصالح)".
وتابع "نحن نتحدث عن شركة مغربية شاركت في طلب عروض دولي تميز بالشفافية والمصداقية، هي شركة مغربية ينبغي أن نعتز بها، وأن نفتخر أنها شاركت ونجحت في مثل هذه المناقصة الدولية".
تحكم برقاب المغاربة
وفي تعليقه على ما نشرته عدة مواقع محلية بخصوص حصول أخنوش على صفقة إنشاء محطة الدار البيضاء الكبرى لتحلية مياه البحر، قال المحامي والبرلماني السابق رضا بوكمازي، إن "أخنوش يريد أن يتحكم في رقاب المغاربة وفي كل المجالات الحيوية والإستراتيجية".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه بعد أن تمكن أخنوش من احتكار قطاعات المحروقات والغاز والأوكسجين الطبي، يتجه إلى التحكم في قطاع الماء، متسائلا: "ولما لا يفكر مستقبلا في التحكم في قطاع الكهرباء حتى يشكل بنية اقتصادية ضاغطة على القرار السياسي".
ويرى بوكمازي، أن أخنوش أصبح اليوم خطرا على الدولة وليس على المجتمع فقط، مبينا أن مزج واختلاط السياسة بالمال زواج فاسد وتنتج عنه آثاره كارثية على المجتمع وعلى الدولة.
وأوضح أن هذا الزواج الفاسد بين السياسة والمال يؤدي إلى الإخلال بالتوازن في البلاد حيث إن الفاعلين الاقتصاديين لا يكونون على نفس المستوى والمسافة من الفاعل الحكومي الذي يفترض فيه أن يتخذ القرارات من أجل حماية المصالح الإستراتيجية للدولة وحماية المواطنين وضبط المنافسة وحماية السوق الداخلي.
ورأى بوكمازي، أن عزيز أخنوش يتحكم أيضا في إعداد القوانين بحكم رئاسته للحكومة وقيادته لأغلبية برلمانية تسير خلفه خطوة خطوة.
ونبه إلى أن هذه القوانين قد تكون خادمة لجهة معينة ومن ضمنها شركات يملكها رئيس الحكومة، إضافة إلى السكوت على انعدام التنافس وغياب النزاهة والشفافية التي قد تستفيد منه أيضا شركاته.
وسجل أن زواج المال بالسياسة يؤدي إلى التغطية على مثل هذه الممارسات الخطيرة من خلال خلق منظومة إعلامية مواكبة وداعمة تسهم في التضليل والتغطية على هذه الممارسات غير القانونية.
وأكد أن هذه الوضعية غير طبيعية، مستدركا: لكنها نتاج عادي مرتبط بأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون فاعل اقتصادي كبير من حجم عزيز أخنوش رئيسا للحكومة.
وتساءل بوكمازي، كيف سيشتكي فاعل اقتصادي صغير من الفاعل الاقتصادي الأكبر المستفيد والذي هو في نفس الوقت رئيس للحكومة.
وأردف "وكيف سيتدخل بعض رجال الإعلام من أجل انتقاد هذه الممارسات وهم يعلمون أن مصدر دخلهم سواء في بعديه الاقتصادي أو العمومي (دعم الدولة) مرتبط برئيس الحكومة/الرجل الاقتصادي عزيز أخنوش".
وختم بوكمازي، قائلا: "اليوم أصبحنا نتخوف على بلادنا من هذه الحالة غير الطبيعية وغير السوية والتي تمكن أخنوش من التحكم في المجالات الاقتصادية الإستراتيجية، وإذا اختلطت الأمور نسأل الله اللطف بالبلاد والعباد".