مستقبل علاقات تركيا مع إيران وروسيا بعد سقوط نظام الأسد.. صدام أم حوار؟

بعد سقوط نظام الأسد إيران تخشى من أن تتمكن تركيا من محاصرتها أيضا في القوقاز والعراق
عقب سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تركز العديد من القراءات والتحليلات على مستقبل علاقات الأطراف التي تدخلت في الأزمة السورية، سواء كانت داعمة للمعارضة أم النظام.
ويرى معهد بحثي إيطالي أن سقوط نظام الأسد الدكتاتوري في سوريا بعد حكم بالحديد والنار دام لأكثر من خمسين عاما مثَل "هزيمة لروسيا وإيران وانتصارا في المقابل لتركيا".
وفي ظل المصالح المتباينة في سوريا وسقوط النظام الدموي، تساءل معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي إن كان ما يلوح في أفق العلاقات التركية الإيرانية، بشكل خاص، حوار أم صدام؟.

انتصار تركي
أشار المعهد الإيطالي إلى أن روسيا وإيران كانتا الداعمين الرئيسين لنظام الأسد المخلوع وذلك حفاظا على مصالحهما في سوريا.
ويشرح أن النفوذ الروسي في دمشق "يعني وجود منفذ على البحر الأبيض المتوسط وبالتالي على بحر دافئ، وهو عنصر مفقود في الجغرافيا الروسية".
وأضاف أن التدخل في سوريا منح الكرملين إمكانية أن "يصبح لاعبا حاسما في منطقة خارج مناطق ما بعد الاتحاد السوفييتي" ويرى أنه عُدَ أيضا نوعا من "الثأر" من الهزيمة التي تكبدها في أفغانستان.
علاوة على ذلك، تضم سوريا قاعدتين روسيتين، حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
فيما تنبع مصلحة إيران من اكتساب نفوذ في سوريا من الحاجة إلى "احتواء كل من إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط"، وفق تحليل المعهد.
وأرجع أسباب هزيمتهما في سوريا إلى حالة الاستنزاف التي تعاني منها قواتهما، بسبب الصراع في أوكرانيا بالنسبة لموسكو.
وبسبب الدعم المستمر لحزب الله اللبناني في حربه ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة بالنسبة لإيران.
وأشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعد الرابح الأكبر من هزيمة الأسد وسقوط نظامه موضحا أن هدف بلاده الرئيس يظل إضعاف قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) التي تعدها تهديدا لأمنها القومي، خصوصا أنها تعدها امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وأشار إلى أن المسألة الساخنة الأخرى بالنسبة لأنقرة تتعلق باللاجئين، خاصة أن هناك ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا.
وكان هذا الوجود، إلى جانب المخاوف المتعلقة بارتفاع التضخم، أحد أكثر النقاط الساخنة خلال الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية لعام 2024، وقد دفع سقوط النظام بالفعل العديد من السوريين إلى العودة إلى ديارهم.
وبحسب المعهد، يأمل أردوغان بشكل أساسي في عودة جماعية للسوريين إلى بلادهم، وهو ما قد يستفيد منه في مقترح دستور جديد يسمح له بتمديد ولايته.

مصالح متناقضة
يمثل الصراع في سوريا، بحسب المعهد البحثي الإيطالي، ساحة معركة بين قوتين إقليميتين، تركيا وإيران.
وكان قد حدث بين البلدين تقارب منذ أوائل القرن العشرين في أعقاب فوز حزب العدالة والتنمية في عام 2003، كما أظهرت إيران دعمًا كبيرًا لأردوغان خلال الانقلاب الفاشل عام 2016.
وعلى الرغم من ذلك، أشار المعهد إلى تعارض مصالحهما في سوريا لافتا إلى أن قنوات الحوار ظلت مفتوحة بفضل عملية أستانا.
وهي سلسلة محادثات سلام انطلقت في عام 2017 بين النظام وفصائل المعارضة السورية برعاية روسيا وتركيا وإيران، اجتمع خلالها وزراء خارجية هذه البلدان الثلاثة في عاصمة كازاخستان لبحث الحلول الممكنة للصراع في سوريا.
ويرجح المعهد الإيطالي أن تستمر الدول الثلاث، التي اهتمت بالحفاظ على علاقات جيدة على الرغم من اختلاف مصالحها في سوريا، في الحفاظ على الحوار بينها.
ولفت إلى أن الرئيس التركي أردوغان قد "يمنح كل من روسيا وإيران الفرصة للحفاظ على موقعهما في سوريا، طالما أن ذلك لا يضر بمصالحه".
على سبيل المثال، قال إنه "قد يسمح لروسيا بمواصلة استخدام قواعدها على الأراضي السورية على الرغم من أنها ستكون بمثابة مركز لوجستي نحو إفريقيا في هذه المرحلة".
علاوة على ذلك، ترتبط أنقرة وموسكو بالعديد من المشاريع الاقتصادية، بما في ذلك مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي "ترك ستريم" الممتد من الاتحاد الروسي إلى تركيا.
بينما تكاد تؤكد تصريحات الرئيس التركي الأخيرة بشأن بوتين احتمال أن تأخذ الأحداث هذا المنعطف، وفق المعهد الايطالي.
وكان أردوغان قد صرح أخيرا خلال لقائه بمجموعة من شباب مدينة غازي عنتاب التركية، بأنه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلكان الخبرة السياسية الأكبر بين زعماء العالم.
وقال في اللقاء إنه "فيما يتعلق بالزعماء في العالم لم يتبق سوى أنا والسيد بوتين المحترم، لي 22 عاما (في الحياة السياسية) وللسيد بوتين نفس العدد من السنوات".

حوار مستمر
بالنسبة لإيران، أوضح المعهد أن "خسارة سوريا تعني فقدان الترابط اللوجستي مع الأراضي الفلسطينية ولبنان، لذلك ستعمل الآن على إعادة تصميم استراتيجيتها الإقليمية".
وفي هذا الصدد، تساءل الكاتب إن كانت ستدخل في صراع مع تركيا أم ستحاول التفاوض مع أنقرة لتجد مساحة خاصة بها في الوضع الجديد؟
وبحسب تحليله، "تتجاوز المشكلة السيناريو السوري خصوصا أن إيران تخشى من أن تتمكن تركيا من محاصرتها أيضاً في القوقاز والعراق".
ويرى أن المتغيرين الكبيرين المؤثرين على مستقبل العلاقات الثنائية هما موقف البلدين تجاه إسرائيل وعدم رغبة طهران المحتملة في فتح جبهة صراع جديدة.
وتحدث بأن لدى تركيا موقفا غامضا تجاه إسرائيل رغم إدانتها العدوان على غزة، فيما تثير الهجمات الإسرائيلية في سوريا القلق بالنسبة لإيران.
علاوة على ذلك، يرى أن "الجمهورية الإسلامية لا تتمتع حاليًا بالقوة والوضوح اللازمين لخوض صراع جديد، كما من المرجح أن يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تعيد تصميم استراتيجيتها في المنطقة".
إلى ذلك، يتوقع أن "تستفيد إيران من حفاظ روسيا على موقعها في بلاد الشام نظرا لشراكتها مع موسكو" لكنها ستكون في "موقف الانتظار والترقب المؤقت" لما سيحدث في سوريا الجديدة.
وفي الأثناء، قال إن تركيا ستحاول تعزيز موقفها بينما ستحاول موسكو إيجاد مساحة خاصة بها.
وخلص إلى أن "تركيا وروسيا بمقدورهما مساعدة طهران في الخروج من العزلة الاقتصادية، وهو سبب آخر يشير إلى استمرار الحوار الذي تم تأسيسه بشق الأنفس في عملية أستانا".