"رأس الحكمة".. ما حقيقة بيع السيسي أفضل مدينة ساحلية مصرية للإمارات؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثيرت أنباء عن بيع النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي أرض منطقة "رأس الحكمة"، التي تعد أفضل وأغلي المنتجعات في الساحل الشمالي المصري إلى الإمارات، ثم تم نفي ذلك.

المفارقة، أن من سرب نبأ البيع، ثم النفي هي السلطات المصرية وأدوات النظام الإعلامية بأوامر من "جهاز السامسونج"، أي الجهات الأمنية التي تحركهم، ما أثار تساؤلات عن أسباب التسريب ثم النفي، ولماذا الآن؟ 

وتقع رأس الحكمة، على رأس الساحل الشمالي، وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح شمال غربي مصر.

تسريبات إعلاميي السلطة

تسريبات إعلام السلطة لهذه الصفقة بدأها الصحفي والنائب في البرلمان مصطفي بكري بزعمه، عبر حسابه على إكس يوم 31 يناير/كانون الثاني 2024، إن "مصر ستدخلها مبالغ مالية كبيرة".

وذلك دون أن يحدد من أين؟ مكتفيا بمهاجمة "الذين يراهنون على سقوط مصر".

ثم عاد "بكري" يوم 2 فبراير/شباط 2024 ليؤكد في برنامجه على قناة صدي البلد أن "مشكلة مصر الاقتصادية سوف تُحل خلال شهر"، مشيرا إلى "42 مليار دولار ستدخل مصر بفعل مشروعات استثمارية منها رأس الحكمة".

 

وقد كرر نفس الكلام الصحفي محمد صلاح القريب من الجهات الأمنية المصرية، يوم 31 يناير، مؤكدا أنه سيتم "الإعلان رسميا قريباً" عن "مشروع عملاق لمدينة سياحية كاملة على أرض رأس الحكمة بالساحل الشمالي.

وأكد أن مصر ستحصل بمقتضاه على 42 مليار دولار على مدار 7 سنوات.

لكن "صلاح"، أضاف إلى مشاركة "الشركات الإماراتية" في رأس مال المشروع، شركات أخرى منها جوجل وأمازون وشركات بناء مصرية مثل أوراسكوم وطلعت مصطفي وحسن علام وآخرين"، دون أن يذكر من أين جاء بهذه المعلومات!

لاحقا، تحدث المذيع القريب من السلطة أحمد موسى، أيضا يوم 2 فبراير عن "انفراجة قريبة" لأزمة الارتفاع غير المسبوق في سعر الدولار أمام الجنيه والتي أدت إلى حدوث تضخم تاريخي في أسعار السلع.

أعلن عن "صفقة عربية"، ولم يذكر أسماء أجنبية كما فعل زميله "صلاح"، لضخ استثمارات في منطقة رأس الحكمة دون الكشف عن تفاصيل، وزعم أن "قيمة الصفقة التي سيتم إنجازها قريبا تبلغ 20 مليار دولار"، على حد قوله.  

أيضا تحدثت قناة "العربية" السعودية عن "تقارير موثوقة" تفيد بأن "مجموعة من المستثمرين الإماراتيين سيتوصلون إلى اتفاق مع الحكومة المصرية الأسبوع المقبل لشراء رأس الحكمة".

 

نفي وتأكيد رسمي

عقب هذه التأكيدات الرسمية، من إعلاميي السلطة، صدر نفي رسمي أيضا لها.

حيث نقلت صحيفة "القاهرة 24" القريبة من الجهات الأمنية المصرية في 31 يناير، ما أسمته "أول رد رسمي" حول أنباء شراء الإمارات مدينة رأس الحكمة بـ 22 مليار دولار.

كان ملفتا أن المصادر التي تحدثت للصحيفة لم تنف بيع "رأس الحكمة" ولكن "أكدت مصادر حكومية، أنه لا يوجد أي اتفاقات في الوقت الحالي تم إبرامها مع رجال أعمال إماراتيين لتخصيص أراضي بمنطقة رأس الحكمة"، وفق الصحيفة.

اكتفت المصادر بالقول إن منطقة رأس الحكمة بمنطقة الساحل الشمالي، "ما زالت قيد التخطيط ولا يوجد أي اتفاقات أو تعاقدات عليها في الوقت الحالي يتم إبرامها مع رجال أعمال إماراتيين".

لكن "مصدر مسؤول" عاد ليؤكد، بعد 48 ساعة، لقناة المخابرات المصرية "القاهرة الإخبارية" ما روج له إعلاميي السلطة ضمنا حول بيع رأس الحكمة بمليارات.

أكد أن "هناك شراكة مصرية مع كيانات عالمية ذات خبرة فنية واسعة وقدرة تمويلية كبيرة لوضع مخطط تنمية مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي"، أي أن هذا المصدر نفي بالتالي النفي الرسمي السابق، وأكد وجود صفقة.

أضاف إنه "يجري بالفعل التفاوض مع عدد من الشركات وصناديق الاستثمار العالمية الكبرى للوصول إلى اتفاق يتم إعلانه قريبا عن بدء تنمية المنطقة البالغ مساحتها أكثر من 180 كيلومترا مربعا، لوضعها على خريطة السياحة العالمية خلال 5 سنوات".

وقبل هذا الجدال، بستة أشهر، نقلت صحيفة "اليوم السابع" في 15 أغسطس/آب 2023 عن وزير الإسكان عاصم الجزار تأكيده "إنشاء مدينة رأس الحكمة الجديدة على مساحة 55 ألف فدان".

وأكد عاصم الجزار، أن "مدينة رأس الحكمة الجديدة، ستكون مقصدا سياحيا عالميا تنافس مثيلاتها على المستوى العالمي".

ما الحقيقة؟

ما بين تأكيد بيع "رأس الحكمة"، والنفي، وكلاهما من مصادر حكومية، تساءل محللون ونشطاء سياسيون عن الحقيقة؟

هل هناك بيع بالفعل لسداد ديون عاجلة بدل إشهار الإفلاس؟ أم أنها لعبة شائعات لتبرير تعويم الجنية وتخفيض سعر الدولار؟

من رجحوا بيع "رأس الحكمة" أكدوا إنه أمر بات ملحا، لأن على نظام السيسي أن يوفر مليارات تقدر بـأكثر من 42 مليار دولار خلال عام 2024 لسداد الديون وأقساطها، من بين 165.4 مليار دولار ديون خارجية.

لهذا يرون أن السيسي اتخذ قرار البيع وسربه تدريجيا، لأن موارد مصر لم تعد قادرة على سداد الديون بعد تراجع عائدات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج.

ورجح البنك المركزي المصري في تقرير في ديسمبر/كانون 2023 أن ترتفع إجمالي الالتزامات الخارجية لمصر بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون لتسجل نحو 42.3 مليار دولار خلال العام 2024.

ووفق بيانات "المركزي المصري"، فإنه يتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار، تعادل نحو 20 بالمائة من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024. 

كما يتعين عليها سداد ديون قصيرة الأجل، تقدر بنحو 9.5 مليارات دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول من 2024، أكثرها في شهري فبراير ومارس 2024.

وكان ملفتا أن وكالة بلومبرغ ذكرت في 2 فبراير، أن مصر تسعى لصفقة مع صندوق النقد الدولي بقرض بـ 10 مليارت دولار، وهي تقريبا حجم الديون التي تحتاجها خلال شهري فبراير ومارس 2024 للسداد.

علما أنها ستتسلمها "أقساط" على فترات زمنية طويلة، لا دفعة واحدة، كما تحتاج مليارات أخرى لتعويض نقص الحاد في عوائد قناة السويس بفعل دخول الحوثيين في اليمن حرب غزة، وتحويلات المصريين بالخارج وضعف عوائد السياحة.

وهنا يبرز أهمية الحديث عن أن مليارات أخري قادمة لمصر، من وراء بيع "رأس الحكمة".

ولم توضح بلومبرج، ما إذا كان صندوق النقد الدولي طلب بالفعل من الحكومة المصرية تعويماً فورياً للجنيه لإتمام الصفقة، ولم يقدم صندوق النقد الدولي لوكالة بلومبرج، تعليقاً فوريا على هذا الأمر.

وتقول "بلومبرغ" أن إتمام الاتفاق مع صندوق النقد، سيسهم في تغطية جزء كبير من فجوة التمويل الخارجي لمصر، خلال السنتين الماليتين 2024 و2025، وفق تقديرات وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين.

كما ستدفع الصفقة – حال إتمامها – مصر نحو الخروج من أسوأ أزماتها الاقتصادية حديثا، حيث تأثرت أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، بالحرب الإسرائيلية على غزة، وتداعياتها التي طالت إيرادات قناة السويس، وفق الوكالة.

وقد أشار موقع "ميدل إيست آي" في 2 فبراير إلى أن التقارير التي تشير إلى بيع أراضي مدينة رأس الحكمة، تتزامن مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي، للقاهرة لمناقشة برنامج الإصلاح المتعثر.

وكان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، قال في بيان، إنه حال استمرار التوترات الحالية في البحر الأحمر، قد تنخفض إيرادات قناة السويس إلى مستوى 6 مليارات دولار في 2024، بعد أن تجاوزت 10 مليارات دولار في 2023.

وقالت وكالة "رويترز" في 2 فبراير نقلا عن بيان لصندوق النقد الدولي إنه اتفق مع مصر على "العناصر السياسية الرئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي".

وقالت المديرة التنفيذية للصندوق كريستالينا جورجيفا أن "الفجوة المالية لمصر تزايدت"، وأكدت أن مصر تكسب عادة نحو 700 مليون دولار شهرياً من رسوم عبور القناة لكنها تخسر 100 مليون دولار شهرياً من إيرادات قناة السويس.

قالت إن السياحة المصرية أيضا تعاني أكثر بكثير بسبب هجمات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، و"يخسرون مئات المليارات من الدولارات".

لكن بيان بعثة صندوق النقد الدولي، قبل مغادرتها مصر يوم 2 فبراير لم يعلن عن أي خطط للتعويم، وأكد "مواصلة المناقشات مع الحكومة المصرية خلال الأيام المقبلة عبر الإنترنت" حول الدعم الإضافي، ما أثار تساؤلات.

شائعات ومخاوف

مقابل من رجحوا صحة بيع "رأس الحكمة" للإمارات، أكد من استبعدوا بيعها للإمارات تحديدا، دون استبعاد مشاركة رجال أعمال إماراتيين ضمن مستثمرين آخرين، أن سياسة دول الخليج مع السيسي تغيرت.

قالوا إن الإمارات والسعودية غيرتا طبيعة استثماراتهم في مصر منذ 5 أعوام، حيث انتهي عصر المنح المالية أو شراء أصول غير مربحة.

أكدوا أن دول الخليج قررت وأعلنت، أنها لن تشارك وتشتري سوى في مشاريع براونفيلد Brownfield، أي موجودة بالفعل وتربح، كما فعلوا مع شركة أبو قير للأسمدة ومجموعات الفنادق التاريخية.

وأن الإمارات توقفت تماماً عن الدخول في مشاريع جرين فيلد(Greenfield) في مصر منذ عام 2019، أي مشاريع تبدأ من الصفر، بدليل انسحاب شركات إعمار والفطيم من مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة.

وقد رجح صندوق النقد الدولي هذا الاحتمال (إنها شائعة)، حيث أكدت مصادر من الصندوق أن دول الخليج لن تكون طرفًا في خطة الإنقاذ لاقتصاد مصر، ولن يكون هناك شراء من جانبهم لأصول مصرية، وفق "بلومبرغ" في 2 فبراير.

حيث أكدت "بلومبرغ" أن القرض الجديد (10 مليارات دولار) سيكون بشروط ثلاثة هي: رفع أسعار الفائدة وتقليل الإنفاق الحكومي، وتعويم العملة، مع بيع أصول الدولة.

لكن بلومبرغ أكدت أن "الداعمين التقليديين لمصر من دول مجلس التعاون الخليجي ليسوا جزءا من صفقة الإنقاذ للاقتصاد المصري"، وفقاً لما نقلته عن "مصادر مطلعة على الأمر".

لذلك رجح هذا الفريق أن يكون إعلان إعلاميي السلطة عن بيع "رأس الحكمة" بأرقام متفاوتة بين 20 و42 مليار دولار، محاولة فاشلة من النظام المصري لنشر شائعات عن الترويج لفكرة استثمار مليارات الدولارات من جانب الإمارات لتهدئة مخاوف المصريين.

ولاستخدامها (الشائعة) أيضا في خفض سعر الدولار المرتفع في السوق السوداء، حيث تزامنت الشائعات مع نشر لجان السلطة وسم (#الدولار_يترنح) لتقنع المصريين ببيع ما معهم من دولارات، ما أثار على نزول سعره مقارنة بالجنية.

وظهر هذا في تهليل مصطفي بكري، عبر قناة "صدى البلد"، لما قال إنه انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء بقيمة جنيهين من 68 إلى 66 جنية.

وقد ألمح نشطاء أن أموال بيع رأس الحكمة أجمل شواطئ مصر بسعر 22 مليار دولار لن تدخل مصر ولكنها ستكون لسداد ديون المفاعل النووي الروسي الذي يتم بناؤه في منطقة الضبعة قرب رأس الحكمة.

وانتقد الإعلامي حافظ المرازي بناء مفاعل نووي بتكلفة 30 مليار دولار (ديون) ليوفر 20 بالمائة فقط من احتياجات مصر الكهربائية، على بعد 80 كيلو متر فقط من "رأس الحكمة" التي يروجون بأنها ستكون أفضل استثمار سياحي ومالي.

قال: لماذا ما نكسبه ببيع أصول وأراض مصرية بيد، مازلنا نبذرها ونهدد حتى استثماراتها باليد الأخرى، لصانع القرار نفسه، الذي يحتفل بالمشروعين المتناقضين في شهر واحد؟!".

فيما قال محلل اقتصادي لـ "الاستقلال" إن الترويج لهذه الشائعات عن دخول ما بين 20 مليار دولار إلى 42 "يستهدف تبرير التعويم القادم في مصر للجنية للمرة الرابعة منذ استيلاء السيسي على السلطة".

أوضح، مفضلا عدم الإشارة إلى هويته، أن الهدف إظهار أن هناك "حلول قادمة للأزمة" كي لا ينفجر الشعب المصري، في ظل كسر المصريين حاجز الخوف بفعل ضغوط الأزمة الاقتصادية عليهم.

ونشر عدد كبير من المصريين عدة فيديوهات ينتقدون فيها السيسي ويحذرونه، بفعل الضغوط الاقتصادية الواقعة عليهم، ويطالبونه بالرحيل، رغم أن جهاز الأمن اعتاد اعتقال أي شخص ينشر فيديوهات كهذه ما يشير لحجم الغضب المشتعل.