ردا على تجاهل دول الخليج.. هكذا يوثق قيس سعيد علاقته مع إيران وروسيا

خالد كريزم | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على عكس المتوقع، لا يلقى الرئيس التونسي قيس سعيد الدعم المأمول من السعودية والإمارات، رغم تضييقه الخناق على الإسلاميين الذين لا تألو الدولتان الخليجيتان جهدا لمحاربتهم.

ومنذ انقلابه على السلطات المنتخبة في 25 يوليو/ تموز 2021، سادت توقعات بتلقي تونس دعما كبيرا من الدولتين اللتين تناهضان ثورات الربيع العربي بشدة، لكن ذلك لم يحدث.

وتعاني تونس من مشكلات اقتصادية طويلة الأمد، وغرقت في اضطرابات سياسية جديدة منذ أن بدأ سعيد في يوليو 2021، فرض إجراءات انقلابية منها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد وتبكير الانتخابات البرلمانية.

خلافات سياسية

وعند الحديث عن الدعم السعودي والإماراتي، يحضر أولا، حجم التوافق السياسي ومدى تلبية أي بلد لشروط الممول الخليجي.

وبالنسبة للإمارات على وجه الخصوص، كان وجود حركة النهضة الإسلامية في السلطة التشريعية إحدى المشكلات التي يرى كثيرون أنها عرقلت دعم البلد الخليجي لتونس.

ولكن على الرغم من حل سعيد للبرلمان وزج رئيسه راشد الغنوشي بالسجن وأخيرا إصدار المحكمة الابتدائية في تونس حكما بالسجن لمدة 3 سنوات عليه بتهمة تلقي حزبه تمويلا من طرف أجنبي، فإن الموقف الإماراتي لم يتغير.

وكان الغنوشي وجه في نهاية يوليو 2021، أصابع الاتهام للإمارات، مؤكدا أنها تقف وراء "انقلاب" الرئيس قيس سعيد على الدستور.

وقال في حديث لصحيفة التايمز البريطانية، إن أبوظبي مصممة على إنهاء الربيع العربي، الذي انطلق من تونس عام 2011 وأطاح بحكم الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.

وتابع: "عدت الإمارات الديمقراطية الإسلامية تهديدا لسلطتها، وأخذت على عاتقها أن تموت فكرة الربيع العربي التي بدأت في تونس مثلما انطلقت منها".

وفي حديثه مع “التايمز”، تناول الغنوشي مخاوف الإمارات من التطورات في ليبيا فقال إنها تخشى من تسوية سلمية هناك، مضيفا: "هم خائفون من التحولات الديمقراطية وإمكانية انتشارها في بقية المنطقة العربية".

الغنوشي لم يكن الوحيد الذي وجه اتهاماته للإمارات، إذ سبقه الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي في حوار مع قناة دويتشه فيله الألمانية بالقول إن ما تشهده تونس والمنطقة، من تصفية للربيع العربي، يقف وراءه النظامان السعودي والإماراتي.

وأشار إلى أنه وخلال الفترة، التي شغل خلالها منصب الرئيس، كان المال الإماراتي يتدفق إلى البلاد بصورة مثيرة، وأن التدخل الإماراتي كان واضحا ويثير انشغاله.

ويقول موقع إفريقيا إنتليجنس: “لقد كان المقصود من الإطاحة بحزب النهضة في يوليو 2021 دفع الإمارات إلى التدخل لإنقاذ نظام سعيد الجديد”. ولكن بعد الانتهاء من حركة النهضة، لم يكن الدعم الإماراتي والسعودي بالمستوى المطلوب.

وناشد سعيد نظيره الإماراتي محمد بن زايد قبل انقلاب 25 يوليو طالبا المساندة، كما أن المستشار الدبلوماسي للأخير، أنور قرقاش، سافر إلى تونس بعد وقت قصير من الانقلاب، لكن الدعم لم يصل، وفق ما أضاف الموقع في 15 مايو/أيار 2024.

وتابع: “لم تر أبو ظبي أن سعيد فشل في التعامل مع النهضة بقوة كافية فحسب، بل انزعجت أيضا من العلاقات الوثيقة جدا بين تونس والجزائر”.

وتثير العلاقات بين تونس والجزائر وما يرتبط بها من تشعبات تتعلق بالأزمة في ليبيا والتطبيع مع إسرائيل تعقيدات كثيرة دفعت السعودية والإمارات لإدارة ظهرهما للبلد المغاربي.

وتعارض كل من تونس والجزائر التطبيع مع إسرائيل، بينما أقامت الإمارات علاقات مع تل أبيب، فيما تسير السعودية على نفس الخطا، وسط توقعات بقرب توقيع اتفاق برعاية أميركية.

وفي أوضح الدلالات على ذلك، فإنه على النقيض، يحظى المغرب الذي وقع أيضا على اتفاقات أبراهام، بدعم إماراتي سعودي وعلاقات متميزة مع الدولتين الخليجيتين.

وبالانتقال إلى ليبيا، حيث تدعم الإمارات اللواء الانقلابي خليفة حفتر على حكومة الوحدة الوطنية، يتمسك قيس سعيد بالحياد ويدعو إلى عدم التدخل في الشأن الليبي “لأن ذلك لا يزيد الأوضاع إلا تعقيدا”.

وشدد سعيد في أكثر من مناسبة على أن موقف تونس يبقى "ثابتا من أن الحل في ليبيا لا يُمكن أن يكون إلا ليبيا خالصا ينبع من إرادة الشعب الليبي وحده" وأن بلاده “تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف”.

أسباب اقتصادية

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، سعى الرئيس التونسي مرارا وتكرارا للحصول على مساعدة مالية من الإمارات والسعودية. 

لكن في المرة القادمة يمكنه أن يتوقع أن تأتي أي مساعدة لتونس وفق شروط أكثر، وفق ما قال موقع إفريقيا إنتليجنس.

ورأى أنه من غير المرجح أن تتكرر الزيادات في المساعدات المالية التي قدمها العديد من دول الخليج لتونس في السنوات الأخيرة بنفس الشكل. 

وتطالب هذه الدول الآن بأن تتوصل تونس أولا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يتضمن إدخال إصلاحات هيكلية مقابل قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

ولفت الموقع إلى أن الملف الموجود بين يدي رئيس الوزراء أحمد الحشاني متوقف حاليا. وعلاوة على ذلك، تطالب دول الخليج حاليا بالاستحواذ على أصول مقابل التمويل الذي توفره. وقد امتثلت مصر، من جانبها، بالفعل لهذه القاعدة الجديدة.

ويمكن هنا استحضار تصريحات لافتة لوزير المالية السعودي محمد الجدعان قال فيها: "اعتدنا على تقديم المنح والودائع المباشرة دون قيود وشروط، ونعمل على تغيير ذلك. نحن نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول في الواقع إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات". 

وأضاف خلال منتدى دافوس في 18 يناير/كانون الأول 2023: "نحن نفرض ضرائب على شعبنا، ونتوقع أيضًا من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه، وأن يبذلوا جهودهم. نريد المساعدة ولكننا نريدك أيضا أن تؤدي دورك".

وأثارت قضيتان تتعلقان بالاستثمارات الإماراتية في تونس ضجة بين البلدين، الأولى، من قبل شركة التطوير العقاري "سما دبي".

واتفقت شركة " سما دبي" مع الحكومة التونسية عام 2007، على الإشراف على تنفيذ مشروع" باب المتوسط"، الواقع في البحيرة الجنوبية لتونس، باستثمارات تصل إلى نحو 25 مليار دولار، ومدة تنفيذ تتراوح بين 15 و20 عاما.

لكنه بقي معطلا منذ ذلك الحين بعد أن أصبح محط أنظار الجهات القضائية بسبب شبهات فساد تحوم حوله، أبرزها أن نظام المخلوع بن علي باع أراضي بثمن بخس لبناء المشروع.

ورغم مرور كل هذه السنوات، لم ينجز المشروع وظلت أرضه جرداء قاحلة، ولم تتمكن الدولة من استثمارها ولا البحث عن مستثمرين جدد لإحيائها، فضلا عن تعهد القضاء المالي بملف الصفقة المذكورة بعد ثبوت شبهات الفساد، فيما ظل مسار التقاضي معطلا لأسباب سياسية.

أما القضية الثانية فتتعلق بإلغاء مجموعة بوخاطر الإماراتية في يناير 2024، مؤتمر صحفيا كان مقررا بثه في البلد المغاربي للإعلان عن إحياء مشروعها القديم "مدينة تونس الرياضية" بتكلفة 5 مليارات دولار.

وجاء إلغاء المؤتمر بشكل غير متوقع ودون أي تفسير، وذلك بعد 17 عاما من المماطلة في البدء بتنفيذ المشروع، ورغم تدخلات نوفل سعيد شقيق الرئيس والمحامي الذي يمثل بوخاطر في تونس.

وبعدما لم تجد ضالتها في الإمارات، تحولت تونس منذ عام 2022 إلى الرياض، حيث كان الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وابنه وولي عهده محمد على اتصال منتظم مع مكتب سعيد. 

ومع ذلك، فعلى الرغم من أن الرياض إلى جانب أبو ظبي، تعهدت بمنح تونس 1.5 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلا أنها خفضت حصتها.

وفي يوليو 2023 وقعت في النهاية شيكًا بقيمة 500 مليون دولار، بما في ذلك منحة بقيمة 100 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، حصلت تونس على تمويل بقيمة 55 مليون دولار من الصندوق السعودي للتنمية.

وعادت وزيرة الاقتصاد والتخطيط فريال الورغي من الرياض نهاية أبريل/نيسان مع وعد بشيكين. الأول، بقيمة 60 مليون دولار، أصدره البنك الإسلامي للتنمية، وهو مخصص للشركات الصغيرة والمتوسطة. 

والثاني، بقيمة 1.3 مليار دولار، وقعته المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (أحد كيانات البنك الإسلامي للتنمية) ويهدف إلى تمويل واردات الشركات العامة التونسية. 

ويعلق إفريقيا إنتليجنس بالقول: “إنها دفعة مرحب بها، ولكنها متواضعة بالنظر إلى احتياجات تونس التمويلية، والتي من المتوقع أن تصل إلى ما يقرب من 9 مليارات دولار”.

شركاء جدد؟

في الأثناء، يعمل سعيد على توسيع خياراته بالذهاب إلى روسيا وإيران، وهما أيضا دولتان مقربتان من الجزائر.

وكان مفاجئا أن زار سعيد إيران في 22 مايو/أيار 2024 للتعزية في وفاة رئيسها إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين في تحطم مروحيتهم في التاسع عشر من نفس الشهر.

وأثارت زيارة سعيد اهتمام الصحافة الغربية، حيث علقت صحيفة لوموند الفرنسية بالقول: “هناك مؤشرات تؤكد أن تونس قد تكون قد اختارت الاصطفاف وراء سياسة المحاور”.

وبينت في 24 مايو أن زيارة سعيد إلى إيران واستقباله من طرف المرشد الأعلى علي خامنئي تعد تاريخية، فهي الثانية لرئيس تونسي إلى طهران بعد زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1965.

كما كانت تونس ضمن ثلاثة بلدان فقط مثلتها الشخصية الأولى بالدولة في مراسم تشييع إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له، وهي كل من قطر وطاجيكستان.

وتطرقت لوموند إلى ما أسمته “التقارب الحذر أو السري” لتونس مع روسيا بالتوازي مع العلاقات المضطربة أو المتوترة للرئيس التونسي مع الغرب، وفق وصفها.

ولفتت في هذا الإطار إلى دعوة سعيد خلال حضوره كضيف شرف في قمة لمصدري الغاز عقدت في مارس/آذار 2024 بالجزائر، الدول المتحررة من الاستعمار إلى فرض سيادتها الكاملة على ثرواتها الطبيعية.

ورأت لوموند أن اختيارات سعيد محكومة بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية. وترى أن محيطين بالرئيس ومن بينهم شقيقه نوفل ومستشاره في الكواليس، يقيمون علاقات طويلة الأمد مع دولة إيران.

ولفتت إلى أن شقيقه الذي ينحدر تاريخيا من "اليسار الإسلامي" وهي حركة وفق نفس المصدر، متأثرة بكتابات علي شريعتي الذي يعد أحد الذين مهدوا للثورة الإسلامية في إيران عام 1979، معروف بمساندته للمواقف الإيرانية.

أما من الناحية الموضوعية فترى الصحيفة أن الاختيارات ليست كثيرة أمام الرئيس التونسي الذي طلب المساعدة من عدد من بلدان الخليج لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وخاصة بعد رفضه توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يمنح تونس بموجبه قرضا بقيمة 1،9 مليار دولار بسبب شروطه غير المقبولة.

لكنه اصطدم بحسب لوموند، برفع هذه الدول بدورها أمامه شروطا للاستجابة لمطالب المساعدة، معرجة بنفس المناسبة على مسألة تصادم العلاقات بين بعض بلدان المغرب العربي التي انعكست سلبا على المصلحة التونسية وعطلت حصولها على بعض المساعدات الخليجية.

وبينت الصحيفة الفرنسية أن السعودية تشترط للدعم المالي قبول الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، فيما تطالب قطر بتسوية مع حزب النهضة الإسلامي.

أما بالنسبة للمساعدات المقدمة من دولة الإمارات، فإنها ستواجه معارضة من الجزائر، وذلك لأن العلاقات بين أبوظبي والرباط، على خلفية تطبيع البلدين مع تل أبيب، تثير أزمة مفتوحة بين الجزائريين والإماراتيين.

كل ذلك دفع الصحيفة للاستنتاج أن تونس ماضية في توجهها للاصطفاف في المحور الذي يضم روسيا وإيران وبقية الحلفاء.

ورأى الأكاديمي في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران، حسين روي وران في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” البريطاني إن زيارة سعيد قد تشير إلى استحداث علاقات "قوية" جديدة بين طهران وتونس. 

وأوضح في 24 مايو: "بين تونس وإيران مسافة جغرافية كبيرة ولذلك فإن حضور قيس سعيد إلى طهران، لأول مرة منذ توليه منصبه عام 2019، ربما يشير إلى بداية لعلاقة جديدة بين تونس وطهران في المرحلة المقبلة".

بدوره، يقول المحلل السياسي التونسي أحمد غيلوفي إنه في البداية كانت هناك تقاطعات تجمع قيس سعيد بالسعودية والإمارات ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر وأيضا فرنسا.

وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن أهم هذه التقاطعات إقصاء الإسلاميين والموقف من الربيع العربي بصفته مؤامرة على الدول "الوطنية". لكنه أكد أن “كل جهة تريد اليوم أن تبتز الأخرى لتحصيل أكبر قدر من المنافع”.

فعلى سبيل المثال، يوضح أن "الغرب يبتز سعيد بالقروض كي يدخل تماما تحت المظلة الغربية ويصطف ضد الجزائر وإيران ويكون في المحور السعودي الذي يريد أن يقود العرب إلى التطبيع مع إسرائيل”. 

وبين أن قيس سعيد بدوره يبتز الخليجيين والأميركان بإيران وروسيا التي تقول تقارير إن طائراتها نزلت بجزيرة جربة، مقابل مساعدته في الحصول على دعم مالي وكذلك عدم تعطيله في الحصول على ولاية رئاسية ثانية.

وكشفت وسائل إعلامية غربية من بينها صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية خلال مايو 2024، عن هبوط طائرات روسية يُشتبه في أنها عسكرية، في مطار جربة الدولي جنوب شرق تونس، ما أثار موجة من التساؤلات عن أسباب وجودها.

ويقع مطار جربة على بعد 130 كيلومترا من الحدود الليبية، وهو ما استدعى فرضيات من قبيل وجود تموضع لقوات مرتزقة فاغنر الروسية في تونس. وبدورها، سارعت موسكو وتونس إلى نفي صحة التقارير الغربية.

وتحدثت صحيفة "لا ريبوبليكا" في التقرير المذكور عن حضور قوي لروسيا في ليبيا التي تشكل أيضا تحالفا مع الجزائر.

كما تطرقت إلى نجاح روسيا أخيرا في توسيع وجودها العسكري في النيجر وتشاد، فيما انسحب الفرنسيون من مالي وبوركينا فاسو، وترى أن وجودها في تونس من شأنه أن يكمل "اختراق" المنطقة.