إسرائيل توسع سيطرتها على الحرم الإبراهيمي.. بروفة لمستقبل الأقصى؟

إسماعيل يوسف | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

اختار الاحتلال الإسرائيلي شهر رمضان 2025 كي يفرض سيطرته "بالكامل" على المقدسات الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضمن مخططات اليمين المتطرف.

ويصعد الاحتلال انتهاكاته تجاه المقدسات بهدف "فرض السيادة" على المساجد الكبرى خاصة الأقصى والإبراهيمي، ونزع إدارتها من الأوقاف الإسلامية ضمن مخططات تهويدها.

استيطان المسجد

وبالتزامن مع شهر رمضان، سحب الاحتلال نهاية فبراير/شباط 2025، اختصاص الإشراف على "الحرم الإبراهيمي" في مدينة الخليل بالضفة الغربية، من الأوقاف الفلسطينية وأسنده إلى ما تسمى هيئة التخطيط المدني الإسرائيلي.

وهو ما يعني سعيه لتسلم إدارة المسجد بالكامل، الذي سبق أن قسم الصلاة فيه زمانيا ومكانيا، عقب مجزرة عام 1994 ضد المصلين، عندما باغت مستوطن المصلين بالرصاص والقنابل، وهم سجود في صلاة الفجر، موقعا 29 شهيدا، وعشرات الجرحى.

وعقب المجزرة، اقتطعت إسرائيل أكثر من نصف المسجد الإبراهيمي (63 بالمئة) لصالح المستوطنين، والباقي للمسلمين.

هذا التحرك الصهيوني لم يكن اعتباطيا، ولكنه محاولة لفرض أمر واقع بدأه المستوطنون عام 2024 بالاستيلاء على صحن المسجد أيضا ليصبح لهم قرابة 80 بالمئة منه، وتمهيد للسيطرة الكاملة عليه وتحويله لمعبد يهودي على مدار العام ومنع المسلمين من دخوله.

كما أنه يأتي ضمن الحملة الصهيونية على الحرمين القدسي والإبراهيمي، وبعد سلسلة من قرارات بمنع الأذان والصلاة تماما للمسلمين في الأخير.

وكذلك في خضم تصاعد فرض الوجود اليهودي بالقوة في المسجد الأقصى لتكرار ما فعله الاحتلال مع "الإبراهيمي".

ومن ثم تحويل ساحة الأقصى، أولى القبلتين وثاني الحرمين إلى معبد لصلاة اليهود وبناء كنيس داخله، تمهيدا لتدشين الهيكل المزعوم في مكان صلاتهم، كما فعلوا في "الإبراهيمي".

ونصب مستوطنون خيمة في مكان صحن المسجد الإبراهيمي، عام 2005 وزعموا أنها مكان للعبادة، ومع الوقت بدأوا يوسعون من مساحتها ويحولونها إلى معبد.

وفي سياق الحرب الدينية التي يشنها المتطرفون اليهود في الحكومة، مستغلين معركة طوفان الأقصى، والعلو الصهيوني بالعدوان والقتل والحديث عن السيطرة على كل فلسطين، بدأ المستوطنون بناء سقف فوق الخيمة ليصبح معبدا متكاملا.

وقد أكدت مديرية أوقاف الخليل، في 11 يوليو/تموز 2024، أن جماعات استيطانية، رفعت أعمدة حديد ثقيلة وألواح صاج، ثم شرعت في سقف الجزء المكشوف من صحن الحرم عبر بناء سقف له.

وبعدما شرعت قوات الاحتلال في بناء سقف الصحن في 9 يوليو 2024، أوقفت العمل به بعد ثلاثة أيام، إثر هَبّة شعبية في الخليل، تمثلت في وقفات واحتجاجات نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

وفي 12 يوليو 2024، أعلن محافظ الخليل خالد دوين، إزالة السلطات الإسرائيلية سقفا شيدته على صحن المسجد الإبراهيمي.

وقال في بيان في حينه: "تم إزالة التعديات التي حاولت سلطات الاحتلال من خلالها تغيير معالم الحرم الإبراهيمي الشريف بسقف صحنه بالحديد والإسمنت".

لكن الاحتلال عاد في رمضان الحالي 2025، ليحاول بناء السقف بحيلة هي فرض إشرافه على الحرم الإبراهيمي بدل الأوقاف.

ولضمان تنفيذ الخطة، نزع الاحتلال سلطة إدارة والإشراف على المسجد بالكامل، من الأوقاف للسماح لليهود ببناء السقف دون اعتراض وبموافقة إسرائيلية رسمية.

وقد ردت “الأوقاف” بأن الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية "ملكية وقفية خالصة للمسلمين"، مشيرة إلى مخططات إسرائيلية لتحويله إلى كنيس يهودي.

وعقب احتجاجات ومظاهرات فلسطينية سمح الاحتلال للأوقاف بإدارة بعض أجزاء من الحرم بمناسبة شهر رمضان؛ خشية غضب المسلمين.

لكن الاحتلال، رفض، للجمعة الثانية على التوالي، في 14 مارس/آذار 2025، تسليم الحرم الإبراهيمي في الخليل، بكامل مرافقه وساحاته وأبوابه للأوقاف، واحتفظ لنفسه بمنطقة صحن المسجد وأغلق البوابة الشرقية المؤدية له.

قطع الأكسجين

وقالت الأوقاف الفلسطينية: إن رفض الاحتلال فتح الباب الشرقي في الحرم للجمعة الثانية، أدى إلى رفضها تسمله منقوصا من أحد أجزائه المهمة، لما في ذلك من اعتراف ضمني بهذا الانتقاص، الذي يعني استيطان المسجد تدريجيا.

وشددت الأوقاف على أنها هي "صاحبة السيادة على الحرم الإبراهيمي الشريف" وأن “أي محاولة لتغيير هذا المعلم الديني والتاريخي تعد انتهاكا واعتداء على الولاية القانونية والدينية والسياسية على مقدس من المقدسات الإسلامية، وعلى معلم تراثي مهم وحساس يمس كل المسلمين”.

وقالت: إنها "تعي مخططات الاحتلال تجاه الحرم الإبراهيمي"، و"منهجيته الحثيثة في بسط سيطرته عليه وتحويله لكنيس يهودي خالص تمارس فيه تعاليمه التلمودية".

وأكد وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، محمد نجم، أن محاولات الاحتلال سقف الصحن، تأتي ضمن سعيهم لتحويل الحرم إلى كنيس يهودي خالص.

وأيضا ضمن مساعيهم للعمل على سحب صلاحيات وزارة الأوقاف الفلسطينية، والسيطرة على الحرم بشكل كامل، وطمس معالمه الدينية والتاريخية والتراثية والإسلامية، وتجاوز تقسيمه الزماني والمكاني. 

وأوضح نجم، في بيان 12 مارس 2025، أن أحقية الوزارة تشمل أعمال الترميم والإصلاحات التي يحتاج إليها الحرم، بما في ذلك القسم المحتل منه.

وقال مدير دائرة أوقاف الخليل غسان الرجبي، إن "الهدف الصهيوني من سحب اختصاص الأوقاف يتمثل في بناء سقف في المنطقة المعروفة باسم الصحن الخاص بالحرم الإبراهيمي".

وأوضح لموقع "ألترا فلسطين"، في 11 يوليو 2024، أنها منطقة مخصصة للمستوطنين للصلاة فيها وسعوا لفرض أمر واقع فيها، بوضع خيمة في مكان الصحن ثم السعي لبناء سقف ما يعني قضم جزء جديد من المسجد الذي بات أغلبه لليهود.

ولفت إلى أن سلطات الاحتلال تسعى منذ 31 عاما إلى أن تكون منطقة صحن الحرم الإبراهيمي مسقوفة، بهدف "تغيير المعالم التاريخية الموجودة فيه".

وأوضح أن الحرم الإبراهيمي محاط بسور كبير ولا يوجد فيه نوافذ، ومنطقة الصحن هي الوحيدة التي يدخل منها الهواء والمتنفس للأروقة كافة وهي واقعة ضمن المكان الذي يسيطر عليه المستوطنون.

وبين "الرجبي"، أن بناء سقف لمنطقة الصحن، يعني قطع الأكسجين عن الحرم الإبراهيمي، فضلا عن أنه يُعد تغييرا للمعالم الموجودة فيه وانتهاكا واعتداءً كبيرا عليه.

وأكد أن "الاحتلال الإسرائيلي يستغل حالة الحرب التي يشنها على أبناء شعبنا كافة في الأراضي الفلسطينية كلها، ويشن حربا موازية على المقدسات الإسلامية بتغيير معالمها".

ويقول مدير الحرم الشيخ “معتز أبو سنينة”، إن "الباب الشرقي" الذي يرفض الاحتلال تسليمه للأوقاف الإسلامية، بمثابة منطقة حيوية ومهمة وبه بئر للمياه ويعد متنفسا للمصلين، كما تصلي النساء هناك، ويستخدم الباب الشرقي كمخرج للطوارئ.

التهويد الكامل

ويقول علماء الحرم الإبراهيمي إن ما يجرى فيه ليس سوى جزء من المخطط الأكبر الذي بدأ عقب احتلال القدس والضفة.

فعقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، بدأت بفرض قيود بحق الحرم الإبراهيمي، تمهيدا للسيطرة عليه، وإضعاف سيطرة المسلمين التاريخية تدريجيا هناك.

ثم سمحت للمستوطنين بإقامة طقوسهم التلمودية، وحجزت مناطق من الحرم لإقامة الشعائر اليهودية.

ثم توسعت خطط استهداف الحرم الإبراهيمي في الخليل بصورة أكبر، حين استغل الاحتلال الإسرائيلي المجزرة في التسعينيات لفرض تقسيم المسجد مكانيا وزمانيا بين المسلمين واليهود.

إذ تبع المجزرة محاولات لطرد المسلمين من المسجد والسيطرة عليه بشكل كامل وتغيير معالمه، ومعالم المنطقة كلها، ضمن عمليات تهويد ثاني أهم مدينة فلسطينية، بعد القدس.

وعقب المجزرة، استولى الاحتلال على ساحات المسجد الخارجية المحيطة بالحرم والتي تعد جزءاً من مساحته الكلية، وجرت اعتداءات واسعة وخطيرة تجاه البلدة القديمة في الخليل وسكانها.

كما جرى ضم الحرم الإبراهيمي إلى قائمة المواقع الأثرية الإسرائيلية عام 2010 من قبل حكومة الاحتلال. 

أيضا نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في أغسطس/آب 2021، أعمال بناء، تشمل إقامة مصعد في المسجد الإبراهيمي لصعود المستوطنين إليه، وإنشاء طريق يصل من ساحة انتظار السيارات إلى ساحة الحرم.

وكلها خطط لا تستهدف الاستيلاء على المسجد ككل فقط، بل أيضا تسعى لتغيير معالمه الإسلامية وهويته التاريخية.

وضمن عمليات تثبيت تغيير هوية المسجد، اقتحم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الحرم الإبراهيمي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 وأقام احتفالا رسميا لإنارة الشمعدان هناك بمناسبة عيد الأنوار، مما استفز الفلسطينيين.

وسبقه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2010 بإصدار قرار بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح الذي يقول اليهود: إن به قبر "راحيل" والدة النبي يوسف في مدينة بيت لحم إلى قائمة "المواقع التراثية" اليهودية.

والمسجد الإبراهيمي يقع في البلدة القديمة من الخليل، الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، ويسكن بها نحو 400 مستوطن يحرسهم حوالي 1500 جندي إسرائيلي.

ولا يسمح الاحتلال بفتح المسجد بشكل كامل أمام المسلمين سوى 10 أيام فقط في العام، وهي أيام الجمعة من شهر رمضان، وليلة القدر، وعيدا الفطر والأضحى، وليلة الإسراء والمعراج، والمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية.

وباقي الأيام تقسم الصلاة مع اليهود، ولا يُسمح في كثير من الأحيان للمسلمين حتى بثّ الأذان فضلا عن منع دخول المصلين.

وضمن الحملة الصهيونية على المقدسات الإسلامية، وبالتزامن، مع خطط الاستيلاء بالكامل على "الإبراهيمي" وجعله إسرائيليا، استمر فرض أمر واقع في الحرم القدسي خلال رمضان، والانتقال لمرحلة تقسيم المسجد "مكانيا".

أي تخصيص أماكن لصلاة اليهود داخله، بعدما جرى تقسيمه زمانيا بفرض أوقات لدخولهم له والصلاة فيه.

وسُمح لأول مرة للمستوطنين بدخول ساحة الاقصى والصلاة فيها بعدما كان هذا ممنوعا بموجب ما يسمي "الوضع القائم" الذي جرى الاتفاق عليه عقب احتلال القدس عام 1967.

وهذه المرة استمر التحدي ووصل إلى حد أدائهم ما تسمى "الصلاة الملحمية" اليهودية التي تُمارس ضمن طقس "الهيكل"، بل وارتداء ملابس كهنة المعبد داخل صحن الأقصى، وأصبح هذا طقسا مفروضا في كل أعيادهم.

واستغل الاحتلال "عيد المساخر" الهامشي الذي يحتفل المستوطنون به من 13 حتى 16 مارس 2025 لزيادة اقتحامات المسجد الأقصى.

ورغم أن هذا العيد لا علاقة له بالأقصى أو الهيكل (المعبد) الذي يحلمون ببنائه في فناء المسجد، فقد استغله المستوطنون لتنفيذ الاقتحامات للحرم من جهة باب المغاربة بحراسة عسكرية مشددة.

ورغم الاستفزازات والإجراءات العسكرية المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال على الوصول إلى الأقصى، لتحويله على غرار "الإبراهيمي" مكانا لصلاة اليهود، أدى نحو 130 ألف مصل صلاتي العشاء والتراويح هناك في جمعة رمضان الثانية، وفق دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة.

ويطلق العلماء في فلسطين العديد من الدعوات للزحف والرباط في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي طيلة شهر رمضان، تحديا لسياسات الاحتلال وبهدف إفشال مخططاته.