مشروع E1 الاستيطاني.. كيف يمثل ضربة قاضية لفكرة الدولة الفلسطينية؟
وجهت الحكومة الإسرائيلية في 20 أغسطس/آب 2025، ضربة قاضية أخيرة لاحتمال قيام دولة فلسطينية، بعد تصديقها بشكل نهائي على مشروع استيطاني في منطقة E1.
وسيفصل المشروع الذي صدقت عليه الحكومة بشكل نهائي، شمال الضفة عن جنوبها ويعزل مدينة القدس المحتلة، مما يجعل خيار حل الدولتين مستحيلا.
وحذرت صحيفة "تليبوليس" الألمانية من أن هذه الخطوة بمثابة "ضربة قاضية" لفكرة الدولة الفلسطينية، مشيرة إلى أن المشروع ليس حالة استثنائية، بل جزء من سياسة استيطانية متسارعة أدت إلى وجود أكثر من 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية.
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يشغل أيضا منصبا بوزارة الجيش يشرف على الاستيطان، أعلن الموافقة على بناء 3401 وحدة استيطانية قرب مستوطنة معاليه أدوميم، و3515 وحدة في المنطقة المجاورة.
وقال سموتريتش إن "الخطة تربط معاليه أدوميم بمدينة القدس، وتقطع التواصل العربي بين (محافظتي) رام الله وبيت لحم".

إلغاء وجود فلسطين
وفي هذا السياق، طرحت الصحيفة سؤالا محوريا: ما الذي يعنيه قرار إسرائيل بتوسيع الاستيطان لمستقبل المنطقة؟
وذكرت أن تل أبيب تلغي وجود الدولة الفلسطينية "ليس بالشعارات، بل بالأفعال"، وهي كلمات أطلقها سموتريتش ليفند "الادعاء القائل بأن إسرائيل معنية بالحل السلمي".
وقبل ذلك، صوت الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، نهاية يوليو/ تموز 2025، بأغلبية 71 صوتا مقابل 13 لصالح إعلان ضم أحادي الجانب لثلث الضفة الغربية.
وأفادت بأن "الوحدات السكنية المخطط لها تقع في المنطقة الحساسة المعروفة باسم E1 بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم؛ أي في أراض مخصصة قانونيا ضمن الدولة الفلسطينية المستقبلية وعاصمتها".
وذكرت الصحيفة أن "العناصر الاستيطانية الاستعمارية في حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة لطالما لوحت بمثل هذا الاستفزاز".
وكان سموتريتش نفسه قد صرح، أخيرا، خلال زيارة ميدانية، بأن هذا المشروع يعني "دفن فكرة الدولة الفلسطينية نهائيا".
وفي هذا السياق، تساءلت الصحيفة مستنكرة: “ألم تكن دول مثل فرنسا وكندا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في الأسابيع المقبلة؟ (خلال سبتمبر/أيلول 2025)، فهل سترفض هذه الدول هذا الاعتراف؟ وهل يعني ذلك تقويض آخر أمل في نظام سلمي قائم على القواعد والقانون في الشرق الأوسط؟”
وأوضحت أن "المنطقة المعنية E1 تقع منذ اتفاق أوسلو عام 1995 ضمن الضفة الغربية المقسمة إلى ثلاث مناطق، وهي جزء من المنطقة (ج)".
وهذه المنطقة هي الوحيدة التي تخضع بالكامل لسيطرة إسرائيل مدنيا وأمنيا، بينما المنطقتان (أ) و (ب) تخضعان شكليا للسلطة الفلسطينية.
وأضافت الصحيفة أن "الأراضي الفلسطينية التي يفترض أنها مخصصة الفلسطينيين تُخترق منذ اتفاق أوسلو عبر مناطق يسيطر عليها الإسرائيليون وبناء مستعمرات استيطانية استعمارية، بحيث تبدو كأنها فسيفساء".
وأكدت أن "مساحة منطقة E1 التي تبلغ 12 كيلومترا مربعا فقط ستقسم الضفة إلى قسمين، مما يجعل الطرق غير سالكة، ويقطع شرايين الحياة".
وحذرت من "وجود مآس محتملة؛ إذ يعيش في المنطقة نحو حوالي 3700 فلسطيني، بينهم 2500 من بدو عشيرة الجهالين".
وهؤلاء هُجروا قسرا من صحراء النقب إبان النكبة عام 1948، ثم أعيد ترحيلهم مرة أخرى في تسعينيات القرن الماضي، كما أنهم يعيشون اليوم في ظروف بائسة تفتقر إلى الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.

ليست حالة استثنائية
وشددت الصحيفة على أن "من يظن أن الأمر مجرد حالة استثنائية فهو مخطئ". فوفق تقرير للأمم المتحدة، كان يعيش في عام 2023 حوالي 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة.
وهؤلاء موزعون على 150 مستوطنة "قانونية" (بحسب تصنيف تل أبيب) و128 بؤرة أو موقعا استيطانيا غير قانوني حتى بموجب القانون الإسرائيلي نفسه.
ومنذ تولي حكومة نتنياهو الحالية، ارتفع عدد المستوطنات المرخصة بشكل حاد بنسبة تقارب 40 بالمئة، وهذا من دون احتساب المواقع غير القانونية.
ولفتت الصحيفة إلى أنه "منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحده، قُتل في المنطقة ما يقارب 1000 عربي على أيدي الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين شبه العسكريين".
وذكرت أن "عدد الهجمات، منذ يناير/ كانون الثاني 2025، ارتفع بنسبة 13 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024".
ومن المرجح أن يكون عدد الهجمات غير المبلغ عنها أعلى بكثير بسبب الخوف". ولفتت إلى أن قناة الجزيرة تقدر المعدل بـ 4 هجمات يوميا.
وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل تفرض نزعاتها التوسعية بمزيج من الروايات الدعائية والمصالح المادية والقوة العسكرية (بما في ذلك الدعم الأميركي)".
ومن خلال التوسع الاستيطاني، وحرمان الفلسطينيين من التواصل الجغرافي، وتجاوز المسار الدبلوماسي عبر اتفاقيات أبراهام التطبيعية، يحال فعليا دون قيام دولة فلسطينية.
ومن هنا أكدت الصحيفة الألمانية أن الهدف الإسرائيلي هو "أن لا تكون هناك دولة فلسطينية أبدا".

حل دون تفاوض
ومع استمرار عمليات المقاومة في قطاع غزة ضد قوات الاحتلال، تؤكد أن "غزة نفسها لم تهدأ بعد". ولا ترجح الصحيفة أن "يقف الشعب العربي مكتوف الأيدي وهو يرى جميع آماله تتبدد".
وشددت على "عدم الاستهانة بالبعد الديني المرتبط بالمسجد الأقصى والقدس، لا سيما أن حزب الله و(حركة المقاومة الإسلامية) حماس أطلقتا على عملياتهما أسماء مرتبطة بالأقصى والمدينة المقدسة".
ورجحت أن تشعل خسارة هذه المناطق احتجاجات جديدة شبيهة بما حدث في حي الشيخ جراح عندما أطلقت حماس معركة سيف القدس عام 2021.
ولفتت إلى أن "الواقع يقوض موقف حركة (التحرير الوطني) فتح، كطرف معتدل في المعادلة الفلسطينية". وبينت أن “الإجراءات الإسرائيلية تعزز الموقف الراديكالي القائل بعدم جدوى المفاوضات مع إسرائيل”، وفق تعبيرها.
وأضافت أن "الوضع الإقليمي الهش قد يؤدي إلى تفجر الاحتجاجات والاشتباكات على نطاق واسع، مع تهديد بتصاعد مقاومة شرسة من اليمن، فضلا عن أن حزب الله اللبناني لم يُنزع سلاحه بعد".
وقالت الصحيفة إن الأخطر هو تداعيات ما وصفته بـ "حل دون تفاوض"، إذ يُفرض عمليا ضم صريح للأراضي من دون أي موافقة فلسطينية.
ووفق ذلك، سيتقلص ما تبقى من الأراضي إلى "نسخة فلسطينية-إسرائيلية من أوطان جنوب إفريقيا"، أي إلى كيانات صغيرة مسيطر عليها اقتصاديا، ومضطهدة سياسيا، ومفصولة عرقيا وعنصريا، وفق الصحيفة الألمانية.
ورأت أن "التداعيات ستكون ملموسة على المستوى الدولي أيضا، إذ إن ما يحدث يرمز إلى نهاية النظام القائم على القواعد الذي يحرص الغرب على التبشير به، وقد يشكل محطة فارقة في مسار الانتقال نحو عصر الجنوب العالمي".
وأكدت أن “نهاية حل الدولتين بحكم الأمر الواقع ستخلق ضغوطا كبيرة في المنطقة”، مشيرة إلى أن الأردن أبدى بالفعل قلقا كبيرا.
ولفتت الصحيفة إلى أن "الشعوب العربية ستطالب حكامها بالوفاء بوعودهم بالتضامن". وتابعت: "رغم أن التراجع عن اتفاقيات أبراهام يبدو غير مرجح، فإن خطاب حل الدولتين سيفقد تأثيره السياسي".
واختتمت بالتأكيد على أن "مشروع E1 ينسف إرث اتفاق أوسلو"، موضحة أن بكين وموسكو وطهران ستراقب عن كثب ردود الدول الغربية. وأكدت أن "الغرب، حتى الآن، يقف -على الأقل في المستوى الخطابي- ضد إسرائيل".













