بعد حبس إمام أوغلو.. ما مصير الصراع الداخلي بأكبر أحزاب المعارضة التركية؟

"محاولات أوزغور أوزيل لبناء قاعدة قيادة جديدة داخل الحزب تحمل الكثير من المخاطر بالنسبة لإمام أوغلو"
بوتيرة أسبوعية، يحتشد الآلاف من أنصار المعارضة التركية في ساحات مختلفة بإسطنبول للتنديد بالقبض على رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو بتهم تتعلق بالفساد ودعم الإرهاب.
وفي مارس/ آذار 2025، صدر حكم بحبس إمام أوغلو (53 عاما) -الذي تنظر له أحزاب في المعارضة التركية على نطاق واسع بصفته أبرز منافس للرئيس رجب طيب أردوغان– على ذمة المحاكمة بتهمة الفساد، قبل أن يتم نقله إلى سجن مرمرة الذي يعرف أيضا باسم "سيليفري" غربي إسطنبول.
وتفاعلا مع هذا المشهد، نشرت صحيفة يني شفق التركية مقالا للكاتب "تورجاي يرليكايا"، سلط فيه الضوء على الصراع الداخلي والمرحلة الجديدة من التحديات السياسية داخل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة.
أزمة قيادة
فحزب الشعب الجمهوري يواجه أزمة سياسية كبيرة بعد حبس إمام أوغلو وبعض قادته، مما دفع قيادة الحزب إلى تبني نهج إداري مكون من مرحلتين.
وتتمثل المرحلة الأولى في إدارة الشؤون الداخلية للحزب، وذلك من خلال اتخاذ قرارات محورية مثل عقد المؤتمر العام وتحديد المسار السياسي المستقبلي.
أما المرحلة الثانية، فتركز على توسيع رقعة المعارضة الشعبية عبر تعبئة الشارع وفرض أساليب احتجاجية مثل المقاطعة.
ورغم أن قرار المؤتمر العام يُنظر إليه كإجراء لتعزيز وحدة الحزب، فإن له أبعادا أعمق تعكس صراعا على النفوذ داخل الحزب.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن السياسة داخل حزب الشعب الجمهوري مازالت تشهد صراعًا داخليا على القيادة.
فقد تكررت زيارات كمال كليتشدار أوغلو لإمام أوغلو في سجن سيليفري ثلاث مرات في وقت قصير، وهو ما لا يمكن تفسيره على أنه مجرد دعم قانوني لإمام أوغلو فحسب، بل يتضمن أيضا أبعادا سياسية تتعلق بمستقبل القيادة داخل الحزب.

ولفت الكاتب النظر إلى أن هذه الزيارات تُعد محاولة من كليتشدار أوغلو لموازنة صعود أوزغور أوزيل، الذي يسعى لترسيخ نفسه كزعيم جديد للحزب.
حيث إن هذا الصعود يثير قلقا لدى كل من إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو، فإن تعزيز أوزيل نفوذه قد يؤدي إلى إعادة توزيع مراكز القوى داخل الحزب، مما قد يؤثر سلبا على طموحات إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو.
وبالنسبة لإمام أوغلو فإن هذه التطورات تشكل تهديدا لمستقبله السياسي، خصوصا إذا استمرت قضيته القانونية في إبعاده عن الساحة السياسية.
وفي ظل التطورات الأخيرة داخل حزب الشعب الجمهوري، يبدو أن كمال كليتشدار أوغلو يسعى لتحقيق توازن داخلي جديد.
فالمؤتمر العام القادم قد يكون الفرصة المثالية لكليتشدار أوغلو للقيام بخطوة إستراتيجية تعزز من نفوذه داخل مجلس الحزب.
ويسعى كليتشدار أوغلو من خلال هذا المؤتمر إلى تحقيق تقدم يسمح له بموازنة تأثير أوزغور أوزيل الذي بدأ يبرز كزعيم محتمل.
فعلى الرغم من أن الاحتمال ليس قوياً جدا، إلا أن هناك مساحة صغيرة تسمح لكليتشدار أوغلو بالترشح مجدداً لرئاسة الحزب بدعم من إمام أوغلو وبعض المندوبين، مما قد يعيده إلى منصبه مرة أخرى.
لكن، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لكليتشدار أوغلو مواجهة أوزغور أوزيل دون دعم إمام أوغلو؟ الإجابة تبدو معقدة.
وفي حال تم اتخاذ مثل هذه الخطوة يمكن أن تكون تهديدا كبيرا لجهود الحزب في توحيد صفوفه في هذه المرحلة الحساسة. فإن أي محاولة لتهميش أوزغور أوزيل قد تُفجّر توترات جديدة داخل الحزب.
أما على جانب أوزغور أوزيل، فإن محاولاته لبناء قاعدة قيادة جديدة داخل الحزب تحمل الكثير من المخاطر بالنسبة لإمام أوغلو.
فإن إمام أوغلو، الذي يواجه قضايا قانونية قد تبعده عن الساحة السياسية، قد يشعر بأن هناك خطرا حقيقيا على مستقبله السياسي في الحزب، خصوصا مع صعود أوزغور أوزيل.
وهذا الصراع على السلطة يتصاعد في ظل التساؤلات الداخلية حول موقف أوزغور أوزيل من قضية إمام أوغلو، حيث يرى البعض أن تأخير إعلان ترشيح إمام أوغلو للرئاسة كان بسبب تدخلات أوزغور أوزيل.

إستراتيجية المقاطعة
في سياق متصل، أوضح الكاتب التركي أن المقاطعة والحشد الجماهيري تعد جزءا من إستراتيجية أوزغور أوزيل لتعزيز موقعه القيادي في حزب الشعب الجمهوري.
ورغم أن هذه الخطوات قد تظهر كوسيلة لزيادة قوته داخل الحزب، فإن تجاهل التبعات المحتملة لهذه الإستراتيجيات يثير تساؤلات جدية حول فاعليتها على المدى البعيد.
وأشار الكاتب إلى أن الإشكالية الرئيسة في إستراتيجية المقاطعة التي ينتهجها حزب الشعب الجمهوري تكمن في افتقارها إلى وضوح الهدف النهائي.
فعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية تسعى إلى إحداث اضطراب اقتصادي، مستلهمةً تجارب مشابهة على الساحة الدولية، إلا أن كيفية تصرف الحزب لا تزال مجهولة إذا لم تؤدِّ المقاطعة إلى تعزيز المعارضة الاجتماعية أو إذا لم تُلبِّ المطالب بإعادة الانتخابات.
وفي غياب رؤية إستراتيجية واضحة، تصبح هذه الخطوات مجرد ردود فعل عشوائية على الأوضاع الراهنة، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار داخل الحزب.
وأضاف الكاتب أن أوزغور أوزيل من خلال مقابلاته مع وسائل إعلام كبرى مثل "سي إن إن" و"بي بي سي" يعكس شعورًا بالعزلة وغياب الدعم المتوقع من القوى الدولية، التي كانت قيادة الحزب تأمل في مساندتها مع بداية الأزمة.

فالحزب لم يحصل على الدعم الذي كان ينتظره من أوروبا والولايات المتحدة، كما أنه يفتقر إلى الآليات البيروقراطية التي كانت توفر له القوة والنفوذ سابقا.
وإن هذا الافتقار إلى الدعم والتوجهات التقليدية يعكس حالة من التوتر والبحث عن طريق جديد؛ وهذا الطريق هو من خلال استخدام السياسة الشارعية والاحتجاجات لكن هذه المرة دون وجود خطة واضحة، وهذا الأمر يعكس شعورا متزايدا بالضيق داخل صفوف الحزب.
وأشار الكاتب إلى أنه على الرغم من أن المقاطعة والحشد الشعبي قد يبدوان كأدوات فعّالة في الظاهر، فإن الاعتماد عليهما فقط قد يصعب من تحقيق نتائج ملموسة.
فحزب الشعب الجمهوري في وضعه الحالي قد يواجه تحديات كبيرة في تحقيق تحول سياسي حقيقي في ظل هذا النهج، مما يطرح تساؤلات حول قدرته على أن يكون بديلاً حكوميا فعّالا.
وبحسب تقييم الكاتب التركي؛ في حال استمرار هذا التوجه، فقد يصبح مستقبل تركيا محفوفاً بالقلق المتزايد في ظل سيناريو وصول الحزب إلى السلطة، خاصة مع عدم وجود استراتيجية واضحة قد تضمن استقراراً سياسياً واقتصادياً.