من السجن إلى الرئاسة.. كيف نجح مرشح المعارضة في وضع حد لديكتاتور السنغال؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة مفاجئة، انتخب السنغاليون المعارض الشاب “بشير ديوماي فاي”، رئيسا للبلاد، بعد أزمة سياسية عاصفة، تسبب فيها الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال، حين قرر تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا أن تجرى 25 فبراير/ شباط 2024.

المفارقة أن الرئيس الجديد "بشير" (44 عاما) وهو مسلم، كان منذ أيام قليلة فقط رهن الاعتقال، ليتولى بين عشية وضحاها رئاسة السنغال، بعد صراع طويل مع ديكتاتورية الرئيس سال، الحليف الأبرز لفرنسا في غرب القارة الإفريقية.

فوز المعارضة وسقوط مرشحي أصدقاء فرنسا وخسارتهم جميعا مراكزهم الانتخابية في السنغال، قد يكون مؤشرا لانتهاء النفوذ الفرنسي في السنغال، ولحاق "داكار" بعواصم الساحل الإفريقي التي قطعت حبال نفوذ باريس في القارة.

وقد انعكس هذا على احتفالات في مختلف المدن السنغالية بتقدم حزب المعارض عثمان سونكو برئاسة بشير جوماي في الانتخابات، مشفوعة بسعادة من التخلص من النفوذ الفرنسي.

ماذا جرى؟

أعلن حزب باستيف السنغالي المعارض فوزه في 25 مارس/آذار 2024 في انتخابات الرئاسة، وأن مرشحه الشاب "بشير جوماي فاي" سيصبح رئيسا جديدا للبلاد، وسط احتفالات صاخبة في البلاد لسقوط الحزب الحاكم ومرشحه.

الرئيس الجديد "فاي"، وهو أحد مؤسسي حزب "باستيف" المعارض، كان قد سُجن قبل عام تقريبا بتهم، منها التشهير وازدراء القضاء، ليعود من السجن إلى الرئاسة.

حيث جاء مرشح المعارضة "بشير" في المركز الأول وتفوق على 18 مرشحا آخرين بينهم رئيس الوزراء مرشح الحزب الحاكم أمادو با.

وهذه أول مرة في تاريخ السنغال لا يشارك فيها الرئيس الموجود بالسلطة في الانتخابات، حيث انتهت فترتا رئاسة سال وتم رفض محاولاته لتعديل الدستور ليبقى فترة ثالثة، لهذا اختار الائتلاف الحاكم رئيس الوزراء السابق أمادو با (62 عاما) مرشحا له لكنه خسر.

وحسم فوز الرئيس الخامس للسنغال مخاوف من انزلاق البلاد نحو العنف والانقلابات، حيث شهدت 3 سنوات من الاضطرابات السياسية غير المسبوقة واحتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة.

وذلك بسبب محاولة سال تغيير القوانين ليترشح لفترة رئاسة ثالثة بالمخالفة للدستور تارة، أو تأجيل الانتخابات للبحث عن مرشح قوي ينافس زعيم المعارضة عثمان سونكو، والذي اضطر الرئيس لاعتقاله وسجنه ليمنع ترشيحه.

لكن المعارضة نجحت في ترشيح مرشح آخر قوي هو "بشير" الذي فاز بالرئاسة لتدشن هذه الانتخابات نهاية مرحلة لنظام متهم بالفساد ورهن ثروات البلاد من النفط والغاز لفرنسا والدول الاستعمارية.

وأقر مرشح الحزب الحاكم بهزيمته واتصل ببشير فاي مهنئا له على فوزه ما جنّب البلاد توترات محتملة، كما اتصل به 4 مرشحين آخرين مهنئين ومعترفين بفوزه، وفق وكالة "رويترز".

ولأهمية هذا الفوز لزعيم المعارضة السنغالية، وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 25 مارس بأنه "مرشح التغيير الجذري"، لأنه "مناهض للمؤسسات"، التي قامت على التبعية لفرنسا.

وأوضحت أن حصول الرئيس الجديد "بشير فاي" على 50 بالمئة من الأصوات من الجولة الأولى على الرغم من وجود 18 مرشحا آخر، "يؤكد رغبة السنغاليين في اتجاه سياسي مختلف تماما عن الموجود بالبلاد".

وهو أيضا رفض صارخ للرئيس السابق "ماكي سال"، الذي ظل في السلطة لمدة 12 عاما ولكنه ترك منصبه وبلاده تعاني فقرا واسع النطاق ونحو ثلث شباب السنغال عاطلين عن العمل.

ويقول "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة إن 39 بالمئة من السنغاليين يعيشون في فقر.

التخلص من الديكتاتورية

للتخلص من النفوذ الفرنسي كان لابد للسنغاليين أن يتخلصوا أولا من الرئيس الديكتاتور وحزبه الحاكم الذين وضعوا مقدرات البلاد ونفطها رهنا للاستعمار الفرنسي قرونا طويلة.

وفي 4 فبراير/شباط 2024 شهدت السنغال، وهي دولة ذات ديمقراطية متجذرة منذ استقلالها، وغالبية سكانها من المسلمين بنسبة 96 بالمئة، احتجاجات شعبية واسعة بسبب رفض الميول الاستبدادية للرئيس ماكي سال الموالي لفرنسا.

حيث قرر الرئيس حينها إلغاء الانتخابات، التي كانت مقررة يوم 25 فبراير 2024 دون سبب محدد، فيما قالت المعارضة إن سبب الإلغاء يعود لسعيه منع فوز مرشح معارض لفرنسا، التي تُهيمن على القرار السياسي بالبلاد، بالرئاسة.

وكان إلغاء الانتخابات الرئاسية هو المرة الأولى في تاريخ السنغال منذ عام 1963، وهو العام الذي شهد بداية التعددية السياسية والانتقال السلمي للسلطة واحترام الدستور ومواعيد الانتخابات، لهذا ثار الشعب وخرج في احتجاجات عارمة.

قادة المعارضة عدوا ما جرى انقلابا دستوريا على العملية الانتخابية من أوثق حليف لفرنسا وبدعم من قوات "الدرك الوطني"، لذا أثيرت تكهنات أن تشهد البلاد فوضى واضطرابات ضد الرئيس المعرقل للانتخابات لأن الدستور السنغالي يمنع بشكل قاطع تأجيل أو إلغاء انتخابات الرئاسة.

ولتفادي سيناريو الفوضى، تحايل الرئيس "ماكي سال"، الذي تنتهي ولايته في أبريل/نيسان 2024 ولا يحق له الترشح لمرة ثالثة، وسعي للالتفاف على الدستور وإعطاء عملية إلغاء الانتخابات "شكلا قانونيا".

وذلك بإصدار مرسوم رئاسي يظهر الإلغاء على أنه تأجيل، ثم التصويت على التأجيل بحيث يبقي في السلطة طوال فترة التأجيل، عقب انتهاء فترته الرئاسية.

وفي 6 فبراير 2024، تم إخراج النواب المعارضين للتصويت على تأجيل الانتخابات من البرلمان بقوة الجيش والدرك الوطني لأول مرة، وصوتت الأغلبية من الحزب الحاكم لصالح ما يرغب به ماكي سال وفرنسا.

وحصل سال بذلك على موافقة "مزورة" من البرلمان على التأجيل حتى 15 ديسمبر/كانون الأول 2024 وعلى أن يبقى في الحكم حتى موعد الانتخابات، ما أشعل المظاهرات.

لكن ثلاثة من المرشحين للرئاسة قدموا طلبا إلى المجلس الدستوري للطعن على قرار تأجيل الانتخابات، ووافق المجلس ليضطر الرئيس إلي إجراء الانتخابات في 25 مارس 2024.

فرنسا تخسر

كان أول تعليق فرنسي على فوز مرشح المعارضة للديكتاتورية وللنفوذ الفرنسي في السنغال هو وصف صحيفة "لوموند" في 25 مارس ما جرى بأنه “زلزال سياسي في السنغال”.

وكان سال، الحليف الأبرز لفرنسا في غرب القارة الإفريقية سعى لتأجيل الانتخابات لأنه لا يمكنه الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وذلك بعدما ظهر منافس قوي لتولي رئاسة الجمهورية يحظى بمحبة الجماهير ومعادٍ لفرنسا.

وهو "عثمان سونكو"، الذي ينتمي إلى حزب "باستيف"، وقد نسج سال مؤامرة ضده، وأودعه السجن، ودعم مرشحا آخر لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية يفتقر إلى الشعبية والكاريزما، لمجرد أنه موالٍ لفرنسا مثله.

لكن حزب عثمان سونكو رشح "بشير" الذي كان مسجونا أيضا وخرج من سجنه قبل عام، ليفوز ويطيح بنفوذ فرنسا في السنغال ما يهدد بزوال النفوذ الفرنسي في المنطقة.

وتحولت السنغال إلى ثورة ضد الرئيس ومصادمات بين الشرطة والمعارضين حين قرر تأجيل الانتخابات وشهدت العاصمة عدة حرائق بسبب الفوضى.

وقال محللون إن فرنسا هي سبب الفوضى في السنغال لأنها دعمت خطط الرئيس المنتهية ولايته بتأجيل الانتخابات، لتمنع وصول مرشح المعارضة المُعادي لها للرئاسة، والذي يطالبها بالخروج من السنغال كما طالبها زعماء مالي والنيجر وغيرها.

وبفوز مرشح المعارضة الداعي لتحجيم النفوذ الفرنسي في البلاد، تكون فرنسا فقدت دولة السنغال بعد خسارة ذيولها في الانتخابات، وهي إحدى الدول المحورية في مشروع "فرنس أفريك" الإمبريالي الفرنسي الذي نهب الأفارقة وأفقرهم، كما يقول الباحث الإفريقي محمد الأمين سوادغو.

وأوضح أن السنغال سوف تحرر بذلك من 4 قرون من "النخاسة الغربية" بعدما ظل الغرب يتلاعب بالسنغال ومستقبل الأفارقة، قبل أن يقرر الشباب في السنغال إنهاء هذه الحقبة التاريخية المظلمة بوصول شباب قرروا وضع الدولة في استقلال تام وإخراجها من الهيمنة الغربية المطلقة إلى أيادٍ إفريقية.

وقد أقلق فرنسا تكرار سنغاليين ما فعله أبناء مالي والنيجر وغيرها من رفعهم أعلام روسيا ومطالبتهم بمغادرة فرنسا وأميركا من أراضيها وطرح ذلك تساؤلات حول: هل تلحق السنغال بدول إفريقيا التي طردت فرنسا من أراضيها؟

وتعود الهيمنة الفرنسية على إفريقيا والسنغال إلى القرن السابع عشر، حيث بدأت فرنسا احتلال مناطق القارة واستغلال سكانها المحليين منذ 1624 عبر إنشاء أول مراكزها التجارية في السنغال.

وتأسس الإرث الاستعماري والنفوذ الفرنسي في إفريقيا منذ مؤتمر برلين سنة 1884 الذي قسم القارة الإفريقية بين نفوذ قوى دولية استعمارية، وظلت فرنسا متشبثة بالمكتسبات التي حصلت عليها عنوة بفضل احتلالها هذه الدول وبما تلا ذلك من اتفاقيات الاستقلال.

وقد سعت للحفاظ على علاقات وطيدة مع أنظمة دكتاتورية ومواجهة كل الدول التي حاولت الخروج من دائرة السيطرة الفرنسية عن طريق انقلابات عسكرية أو اغتيالات مدبرة، فضلا عن الاستهداف المباشر لاقتصادها.

وتشير دراسة لـ "مرصد ومدونات عمران" في 18 فبراير/شباط 2023، أن "ما لم يدركه الفرنسيون أن إفريقيا تتطور، في حين أن الذهنية الاستعمارية لدى باريس لم تتطور بالقدر نفسه، فاستمرت تنظر إلى القارة السمراء بوصفها منجما للثروات ومصدرا للاستفادة فقط"، ويبدو أن هذا هو أحد أبرز أسباب هزيمتها في انتخابات السنغال الأخيرة.

لهذا يعد فوز أول زعيم معارض بالرئاسة مناهض لفرنسا ونفوذها ويطالب بخروجها علنا من السنغال ووقف استغلالها موارد بلاده، صفعة جديدة لفرنسا بعد سلسلة صفعات وطرد لها من مالي والنيجر ودول إفريقية أخرى.

خلفيات الأزمة

نص الدستور السنغالي المعدل على أنه "لا يمكن لأحد أن يحكم البلاد أكثر من فترتين متتاليتين" لكن وضع التعديلات الدستورية بعد تولي الرئيس ماكي سال ولايته الأولى التي بدأت عام 2012 أثار خلافات.

لكن في عام 2021 أعلن سال أنه ينوي الترشح لولاية ثالثة، معتبرا أن هذه المادة لا تنطبق عليه إذ إن ولايته الأولى كانت قبل الإصلاحات الدستورية.

وقد رأت القوى السياسية المعارِضة وعلى رأسها رئيس حزب "باستيف" عثمان سونكو، عزم الرئيس الترشح لولاية ثالثة بأنه "تفسير للدستور لصالحه"، ودعت أنصارها إلى النزول للشارع للوقوف أمام طموحات سال في الاستمرار بالحكم.

وشهدت البلاد عام 2021 مظاهرات عنيفة شملت دكار وتييس وكبريات المدن في السنغال، وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، ثم تدخلت المشيخة الصوفية وهيئات العلماء المسلمين ولعبوا دورا في إنهائها، ليعلن الرئيس سال تخليه عن الطموح لولاية ثالثة.

بيد أن الأزمة استفحلت من جديد هذا العام 2024 عندما أصدر المجلس الدستوري في السنغال القائمة النهائية التي ضمت 20 مرشحا رئاسيا ليس من بينهم كريم واد زعيم الحزب الديمقراطي السنغالي ونجل الرئيس السابق عبدالله واد، الذي كان الرئيس الحالي يعده ليكون مرشحا بدلا منه ورئيسا مستقبليا.

حيث تم رفض ترشيح كريم واد لأنه ثنائي الجنسية، ومعه جنسية فرنسا مع السنغال، وطالب نواب من الحزب الديمقراطي السنغالي (الحاكم) بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع عضوين في المجلس الدستوري لاتهامها بأخذ الرشوة من أجل إبعاد كريم واد، بحجة أن المجلس قبل مرشحة أخرى مزدوجة الجنسية ورفض مرشح الحزب الحاكم مع أنه مثلها.

ومع تصاعد التوتر بين البرلمان والمجلس الدستورية والرئيس والمعارضة تدخل الرئيس ليلغي الانتخابات لحين الترتيب لوضع حل واختيار مرشح واضح ليس عليه أي إشكاليات ليكون خليفته ومرشح الحزب الحاكم في الانتخابات.

وأوضحت الدراسة أن التحول الذي طرأ على السنغال يشكل دليلا على مرونة الديمقراطية في السنغال، عكس دول غرب إفريقيا، النيجر وبوركينا فاسو وغينيا ومالي، التي شهدت انقلابات في السنوات الأخيرة، فيما ظلت السنغال موقعا متقدما للديمقراطية والاستقرار السياسي النسبي، بحسب العديد من المراقبين.

ويقول الباحث في الشؤون الإفريقية "محمد الأمين سوادغو" إن هناك ثلاثة أسباب وراء تمديد "ماكي سال" للفترة الرئاسية وتأجيل الانتخابات هي:

الأول: صفقة الغاز السنغالي والعمولات التي في عقودها، والتي ينبغي أن تسلم في حدود أربعة إلى تسعة أشهر، وضغط قيادات عسكرية وأمنية للحصول على نصيبها، لهذا تحايل الرئيس لتأجيل الانتخابات 10 أشهر ليبقى في السلطة ويحصل على العمولات، ويسترضي الجنرالات بذلك كي لا ينقلبوا عليه. 

الثاني: ضعف مرشحه المفضل "أحمد باه" حيث تبيّن له أنه سيخسر أمام منافسيه الشرسين أعداء ماكي سال التاريخيين الذين يتربصون به، للزج به في السجن كما فعل بهم، لهذا رأت الدائرة المحيطة به تأجيل الانتخابات لحين تجهيز مرشح حكومي قوي.

الثالث: مطالبة فرنسا له بهذا التأجيل للحيلولة دون سقوط السنغال بيد مناهضي فرنسا في ظرف قياسي بعدما فقدت نفوذها في ثلاثة بلدان هي: مالي وبوركينافاسو والنيجر.

وتقول وكالة "رويترز" إن من شأن الانتقال السلمي للسلطة في السنغال أن يمثل دفعة للديمقراطية في غرب إفريقيا، حيث وقعت ثمانية انقلابات عسكرية منذ عام 2020.

حيث اضطرت الهيمنة الفرنسية والسعي لتثبيت أنظمة دكتاتورية تخدم مصالحها لقيام انقلابات استولت على السلطة وقطعت العلاقة مع فرنسا والولايات المتحدة، ولجأت بدلا من ذلك إلى روسيا طلبا للمساعدة.