فشل المناقصات.. كيف تعمل سوريا على تأمين النفط في المرحلة الانتقالية؟

"هناك هواجس لدى تجار النفط الكبار تجاه الانخراط في السوق السورية"
تسعى إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا لاستيراد شحنات النفط الخام والمحروقات إلى البلاد لتخفيف أزمة الطاقة القاسية الناجمة عن العقوبات الغربية.
وتسارع الإدارة الجديدة الخطى لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في بداية عصر جديد عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي أدخل البلاد في حرب أرهقتها ودمرت مقدراتها.
تأمين النفط
وخلال السعي لاستيراد النفط عبر وسطاء محليين، لم تحظ أولى المناقصات التي طرحتها الحكومة الانتقالية السورية للاستيراد باهتمام واضح من كبار تجار النفط بسبب استمرار العقوبات والمخاطر المالية.
وأظهرت وثائق أن حكومة تصريف الأعمال السورية طرحت مناقصات لاستيراد 4.2 ملايين برميل من النفط الخام و100 ألف طن من زيت الوقود والديزل "في أقرب وقت ممكن"، وفق مصادر تجارية لوكالة رويترز البريطانية.
وذكرت المصادر في 31 يناير/كانون الثاني 2025 أن المناقصات، التي أُغلقت لم تجر ترسيتها بعد، وتتفاوض الحكومة الآن مع شركات محلية لتوفير الاحتياجات.
وقد تؤدي صعوبة العثور على موردين كبار للوقود إلى تفاقم مشكلات أمن الطاقة التي تواجهها السلطات الجديدة في سوريا.
فقبل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 كانت مناطق سيطرته تعتمد على عمليات التسليم المنتظمة للنفط والمحروقات من إيران.
وهذا إضافة إلى شحنات محلية كان يجرى شراؤها من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمال شرقي البلاد والتي تستحوذ على 90 بالمئة من إنتاج النفط والغاز في سوريا.
وكانت قوات “قسد” تزود النظام البائد بقرابة 20 ألف برميل يوميا، وفق تقارير صحفية عديدة.
وبحسب الأرقام فإن حكومة النظام البائد، كانت توزع 6 ملايين ليتر مازوت، و4 ملايين ليتر بنزين يوميا في مناطق نفوذها.
وبدأت الحكومة الجديدة معركة شاقة لاستعادة أمن الطاقة وتزويد المؤسسات الحكومية والمستشفيات ومحطات الكهرباء بالمحروقات اللازمة.

ومع ذلك، لم تشارك شركات تجارة النفط الكبرى في المناقصات، وعزت مصادر فيها ذلك إلى العقوبات والمخاطر المالية.
وقال تاجر في الشرق الأوسط مطلع على المناقصة "لم يتضح بعد إذا ما كان الاتحاد الأوروبي سيرفع العقوبات، هذا بالإضافة إلى مشكلات مصرفية أوسع تزيد من الأمر سوءا".
وذكر الاتحاد الأوروبي نهاية يناير 2025 أنه وافق على خريطة طريق لتخفيف العقوبات على سوريا من أجل تسريع تعافيها، لكنه سيتبع نهجا تدريجيا يمكن العدول عنه إذا اتُخذت خطوات خاطئة.
وأضافت المصادر أن شروط السداد أيضا جعلت البائعين المحتملين يحجمون عن المشاركة، وكان من بينها البيع بائتمان مفتوح لسداد لاحق.
كما أن على البائعين تقديم سند أداء بقيمة تتراوح من 200 إلى 500 ألف دولار لبنك سوري كضمان لتسليم النفط، وهو شرط قال تجار إنه غير معتاد.
وبحسب وزير النفط السوري الجديد غياث دياب، فإن إنتاج النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة يبلغ 10 آلاف برميل يوميا مقابل نحو 383 ألف برميل يوميا قبل فرض العقوبات الدولية عام 2011.
وأضاف دياب في تصريحات لقناة سي إن بي سي عربية في 13 يناير 2025: "ننتج 8 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا من المناطق تحت سيطرتنا ونسعى لزيادتها".
وبالنسبة للمشاريع المقبلة، قال: "نأمل أن يكون هناك تفعيل لعدد من خطوط نقل الغاز والنفط بين الدول عبر سوريا قريبا، وهناك أطروحات عديدة للشراكة مع تركيا ولم نضع شيئا منها بشكل جدي".
وشدد دياب على ضرورة إنشاء شراكات عالمية وأجنبية "للوصول إلى التقنيات الحديثة بالقطاع. أولويتنا تجهيز الحقول وتقييمها لطرحها على الشركات العالمية".
ورجح دياب فتح المجال للقطاع الخاص "لاستيراد المواد البترولية وليس التوزيع والاستيراد"، لافتاً إلى أنه سيكون متاحا لجميع الجهات الدولية والتجارية والشركات والدول.
ووفقا لشركة كبلر لتحليل بيانات الشحن، لم تصل أي شحنات من النفط الخام من إيران منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ما يعني أن خزانات النظام البائد كانت فارغة.
"عقبة العقوبات"
وطرحت دمشق مناقصة لاستيراد 20 ألف طن من غاز البترول المسال، وأغلقت في 20 يناير 2025، فيما تشير المصادر إلى أن نتيجة تلك المناقصة لم تؤتِ أكلها.
وقيل: إن إيران كانت تزود النظام البائد بنحو 70 ألف برميل من النفط يوميا حيث تتم عمليات التكرير في مصفاة بانياس على الساحل السوري.
وهذه الأخيرة هي أكبر مصفاة نفط في البلاد، وكانت تعالج ما بين 90 و100 ألف برميل من النفط الخام يوميا.
وأكد مدير عام مصفاة بانياس إبراهيم المسلم أن الحكومة السورية الجديدة تنتظر رفع العقوبات المفروضة على البلاد، ما يسمح لسوريا باستيراد النفط من مصادر أخرى.
وبنظرة دقيقة على طبيعة العقوبات الغربية على سوريا في قطاع الطاقة، يتضح أن الاتحاد الأوروبي فرضها على 318 فردا و86 كيانا ردا على قمع نظام الأسد للثورة.
شملت هذه العقوبات تدابير مثل حظر استيراد النفط الخام ومنتجات البترول من سوريا، فضلا عن فرض قيود على الاستثمارات في هذه الصناعة.
وتشمل العقوبات أيضا حظر الاستثمارات في بناء محطات الطاقة الجديدة في سوريا، وفرض قيود على تقديم المساعدة الفنية أو المالية لإنشائها.
كما تشمل قيودا على تصدير المعدات اللازمة لصناعات النفط والغاز الطبيعي إلى سوريا.

وبالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، فرضت الولايات المتحدة أيضا في أغسطس/آب 2011 حظرا على استيراد النفط والمنتجات النفطية السورية.
كما حظرت العقوبات على المواطنين الأميركيين الانخراط في معاملات تتعلق بالمنتجات النفطية السورية.
وضمن هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال"، إن “موضوع استيراد النفط والمحروقات لسوريا في هذه المرحلة الانتقالية مرتبط بالعقوبات المفروضة على البلد بسبب النظام البائد”.
إذ إن "الشركات والوكلاء المحليين المستوردين يخشون من تأثير تلك العقوبات عليهم نتيجة التعامل مع الحكومة السورية الحالية".
وأضاف شعبو: “عودة إنتاج النفط السوري إلى مستوياته السابقة تكمن في تخفيف العقوبات من قبل الدول الغربية، خاصة مع وجود هيكلية الدولة".
ولفت إلى أنه "لا بد من إيضاح الأمور القانونية للشركات العملاقة والموردين التي كانت تعيق دخولهم في مناقصات وعروض كون الوضع غير آمن لهم من ناحية التحويلات المالية وطريقة السداد".
وأردف:"تخفيف العقوبات عن سوريا يسمح للمستوردين في الدخول بمناقصات حكومية لاستيراد النفط والمحروقات من الخارج لسد الاحتياجات المطلوبة محليا".
ونوه شعبو إلى أن "وجود مؤسسات ومجلس تشريعي في المرحلة الانتقالية بالتوازي مع رفع العقوبات عن سوريا سيسمح للمستوردين والشركات بفتح شراكات مع سوريا كون السوق بات واعدا ويشجع على الاستثمار وفتح تعاملات تجارية في أكثر من مجال بما في ذلك قطاع الطاقة".
إجراءات مالية
ويعد توفير الكهرباء للعامة من أهم مهام الحكومة السورية الجديدة لتثبيت حكمها وتحقيق الاستقرار.
وقد أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن هدف توفير ثماني ساعات من الكهرباء يوميا بحلول أواخر فبراير/شباط 2025.
ولهذا فإن بحث الرئاسة الانتقالية في سوريا عن حلول إسعافية في مجال الطاقة، يحتم عليها الاستفادة من تخفيف العقوبات في إعادة تأهيل قطاع النفط في سوريا كجزء من جهود إعادة الإعمار الأوسع نطاقا.
ولا سيما أن سوريا تتمتع بإمكانية زيادة إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي بشكل كبير، مما قد يوفر الطاقة والإيرادات الحكومية التي تشكل أهمية بالغة لاستقرارها وإعادة إعمارها.
وتعد الاتفاقيات البديلة مع بعض الدول العربية المنتجة للنفط مهمة في هذا المجال.
وهنا يشير الباحث السوري في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية أيمن الدسوقي، إلى أن “محاولات القيادة السورية الجديدة لم تثمر بعد في جذب اهتمام كبار تجار النفط لتزويد السوق السورية باحتياجاتها”.
و"هو ما يمكن تفسيره بعوامل عدة أبرزها؛ المخاطر العالية المرتبطة بالعقوبات المفروضة على سوريا، لجهة التعامل مع هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابيا والتي ينحدر منها جل قيادات الإدارة الجديدة، وكذلك حالة عدم الوضوح بخصوص الاستثناءات المؤقتة من العقوبات".

وأردف لـ"الاستقلال": “يمكن تفسير تردد كبار تجار النفط في أخذ المناقصات بالإشكاليات المرتبطة بعمليات الدفع المالية، كون استيراد كميات كبيرة من هذه المادة يتطلب أموالا كبيرة وآليات مصرفية وضمانات وشفافية لم تنجح الإدارة الجديدة بعد في معالجتها”.
وأكد أن هذا الأمر يعزز هواجس تجار النفط الكبار تجاه الانخراط في السوق السورية.
كذلك، يمكن الإشارة هنا إلى أن عامل التذبذب بسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار مرتبط أيضا بأزمة المحروقات والنفط.
لا سيما أن حكومة دمشق الجديدة قررت في 25 ديسمبر 2024 تحديد أسعار المحروقات من قبل لجنة مختصة بالدولار الأميركي للتجار والمحطات وذلك من خلال إضافة التكاليف وتصريفها على سعر الصرف المعتمد من البنك المركزي.
ولهذا حاليا هناك اعتماد كبير من المواطنين السوريين على "السوق السوداء" لتغطية احتياجاتهم من المحروقات، حيث تختلف الأسعار وفق الطلب عليها.
ويبلغ سعر لتر البنزين أو المازوت في سوريا راهنا بحدود الـ 12 ألف ليرة (كل واحد دولار يساوي 10200 ليرة سورية).